الأحد، أبريل 20، 2008

من ذاكرة الأسر 27

راسم عبيدات
الأسيران بلال عوده وجاسر البرغوثي
شموع على طريق الحرية

....تقع قرية لفتا الى الشمال الغربي من مدينة القدس على رقعة مرتفعة من جبالها، وعلى السفح الغربي لجبل خلة الطرحة، وهي بوابة القدس الغربية والشمالية، وهي ثاني قرى القدس مساحة، وقد تم ترحيل وتهجير أهلها في حرب عام 1948، حيث ارتكبت العصابات الصهيونية المجازر بحق أهلها، والمناضل بلال محمود عودة ، والذي يسكن في أرض السمار، وهي جزء من أراضي لفتا التي استولت إسرائيل على القسم الأكبر من أراضيها وبيوتها، ينتمي لعائلة مناضلة، دفعت ثمن نضالها ومقاومتها وصمودها على أرضها دماَ وسجون، وبعض أسرها كانوا وما زالوا من رموز الحركة الوطنية الفلسطينية والمقدسية، فالجميع من المناضلين بغض النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم السياسية، يعرفون المناضل يعقوب عودة، وهو محط ثقتهم واحترامهم، حيث يمضي الكثير من وقته في القضايا المجتمعية والدفاع عن المقدسيين، وتراه في كل المناشطات واللقاءات والاجتماعات والفعاليات والمهرجانات التي لها علاقة بالدفاع عن عروبة وهوية القدس، وثبات وصمود أهلها سكانها عليها، وأيضا زوجة أخيه المناضل والسجين السابق محمد عودة،روضة عودة والتي عرفت طريقها للنضال مبكراً،حيث سجنت لعدة سنوات في سجون الاحتلال، وهذه الأسرة بالتحديد مناضلة من طراز خاص، حيث أن الوالدين(روضه ومحمد ) تعرضوا للسجن، وأيضاً أبناؤهم لؤي الذي ما زال في المعتقل يقضي حكماً بالسجن لمدة ثمانية وعشرين عاماً ، وأبي الذي تحرر من الأسر قبل عام ونصف، وللأمانة وللتاريخ فالرفيقة روضة عودة ،رغم المرض فهي لم تعرف الكلل ولا الملل، وهي علم من الأعلام النسوية ،في كل الفعاليات والمناشطات الوطنية حاضرة وقائدة، وتحديداً النشاطات التي لها علاقة بالأسرى بشكل خاص، حيث أنها عضو فاعل ونشيط في اللجنة الشعبية لأهالي الأسرى المقدسيين، وباختصار روضة رمز وعنوان نضالي ونسوي.
وبلال ابن هذه العائلة المناضلة، عرف طريقه للعمل الوطني مبكراً من خلال اتحاد لجان الطلبة الثانويين المقدسي،حيث فيه اكتسب خبرات ومعارف في العمل الطلابي والجماهيري، وهذه الخبرات والمعارف التي راكمها، كانت مقدمات لكي يكون كادراً واعداً في إطار جبهة العمل الطلابي التقدمية في جامعة بيت لحم، حيث كان أحد قادة الإطار، وأضحى زعيماً طلابياً ، وليواصل بعض ذلك نشاطه وعمله في إطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومع بداية الانتفاضة الثانية، أخذ دوره ومهامه النضالية والتنظيمية في إطار الجبهة الشعبية، وكان يقول بأن حزبنا ،أي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالضرورة أن تعود له هيبته واحترامه بين الجماهير، وان يأخذ دوره ومكانته من خلال الفعل والعمل، وبالفعل كان احد كادرات الجبهة النشيطين على الصعيد المقدسي، ومن هنا كان محط ملاحقة ومتابعة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وليعتقل في عام 2001، ويحكم بالسجن لمدة 18 عاماً، والتقي به في سجن نفحة في عام 2002، وكان من الأسرى الذين يمتلكون حصيلة ثقافية وتنظيمية جيدة، ولعب دوراً بارزاً في قيادة العمل الوطني والثقافي الحزبي والاعتقالي، وكان له رؤيته بان يكون أبناء الحركة الأسيرة،جزء من القرار السياسي الفلسطيني، ولا بد من احتضان ورعاية كل إبداعات وتجارب الحركة الأسيرة، من خلال التوثيق والأرشفة والنشر، فهي تجارب جديرة بالدراسة والتعميم، والكتابة في هذا الجانب،يجب أن تكون نتاج وصناعة الأسرى أنفسهم ،فهم الأقدر على صوغ التجربة ، لكونهم يعيشوا وعاشوا هذا الواقع، وأذكر أنه في المجلة الداخلية للجبهة الشعبية (الهدف)،أنه كان يطرح دائماً،أنه من الضروري إجراء استطلاعات بين الأسرى على الصعيد الوطني لمعرفة أرائهم في القضايا المفصلية والجوهرية في العمل الوطني الفلسطيني.
أما المناضل جاسر البرغوثي،احد قادة حماس الميدانيين، وأحد قيادات كتائب القسام البارزة، وابن قرية كوبر/ رام الله، والتي قدمت الكثير الكثير من المناضلين، فهي بلد قدامى المناضلين ، والذين مضى على وجودهم في الأسر 30 عاماً نائل وفخري البرغوثي، والمناضل عمر البرغوثي ،وحمولة البرغوثي والمتواجدة في سبع من قرى رام الله، عدد من أبنائها المناضلين،كانوا وما زالوا قادة بارزين لمختلف فصائل العمل الوطني الفلسطيني، حيث كان المناضل القائد المرحوم بشير البرغوثي، أمين عام الحزب الشيوعي الفلسطيني(حزب الشعب لاحقاً)، ومصطفى البرغوثي أمين عام المبادرة الوطنية، والقائد مروان البرغوثي أمين سر الحركية العليا لفتح في الضفة الغربية وعضو مجلسها الثوري،والمنتخب عنها لعضوية المجلس التشريعي، وكذلك سهى وسهام البرغوثي، واللتان شغلتا مواقع قيادية في الجبهة الشعبية وحركة فدا، والمناضل جاسر البرغوثي الذي تعرفت عليه في سجن عسقلان عام 2006 ، فهو في سجاياه وطباعاه، إنسان تشعر بالدفء للعلاقة معه، يحترم المناضل كمناضل لا لانتمائه الحزبي،بل لدوره وانتماءه الوطني، ورغم كونه منتمي لحركة دينية(حماس)، إلا انه إنسان ليس بالعصبوي والمدعي لامتلاك الحقيقة المطلقة، ورغم ما قدمه من نضالات وما قام به من عمليات نوعية وبطولية،فهو الشخص الذي لا يتحدث كثيراً، ولا يتفاخر او يتباهى أو بالإنسان المدعي والمتقول، وهو إنسان مرح وسلس في الحياة،فيه طيبة الفلاحين العالية، وعندما كنا نخرج للمحاكم معاً،ونلتقي في"البوسطات" كان يبدي غيرة عالية على الأسرى ويساعد من يريد المساعدة، ويخوض النقاشات حول المسائل الوطنية والاعتقالية،بعيداً عن التهجم والتجريح الشخصي، وهو لا يبدي أي آسف أو ندم على ما قام به من عمل في سبيل الوطن والحركة، وهو رغم الحكم العالي الذي كان يتوقعه،حيث حكم بعد تحرري بالسجن المؤبد،فإن لديه معنويات عالية جداً،وهو يرى في السجن محطة مؤقتة،وابتلاء من رب العالمين، وللحقيقة جاسر إنسان وحدوي، وكان يتألم جداً على ما آل إليه الوضع الداخلي الفلسطيني، وكان يتفاعل مع الأسرى وبغض النظر عن أرائهم وقناعاتهم وتوجهاتهم السياسية، وكان دائماً يحذر من الفرقة والوقيعة بين أبناء الحركة الأسيرة وشق وحدتها وتلاحمها، وهو يرى أن الجميع في دائرة الاستهداف،من قبل إدارات السجون،وأي خلاف أو اقتتال بين الأسرى، هو خسارة للحركة الأسيرة بمجموعها، وتبديد لمنجزاتها ومكتسباتها،وربح صافي للاحتلال وإدارات سجونه.
بلال وجاسر هم من الأسرى الذين لا تنطبق عليهم حسن النوايا الإسرائيلية، ولن تفلح كل اللقاءات والمفاوضات المارثونية ،في تحرير أي منهم من الأسر،بلال من حملة هوية القدس والذين،لا يحق للطرف الفلسطيني التحدث باسمهم،وهم غير مشمولين في صفقات الإفراج من خلال التفاوض ،أو افراجات ما يسمى بحسن النوايا الإسرائيلية،وجاسر من الأسرى الذين تصنفهم إسرائيل"بالملطخة أيديهم بالدماء" والذين لا تشملهم حسن النوايا الإسرائيلية، وتبقى آمالهم معلقة على صفقات التبادل مع حماس وحزب الله،وهي أملهم في الحرية من الأسر والسجون .
القدس – فلسطين
Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: