الأربعاء، أبريل 09، 2008

آه يا بغداد... أكذوبة صادقة


د. صائب شعث

يا يَزن ْ، قالت " علني أصحو على أكذوبة صادقة تحقق كل أمانينا "

فأجبت:

سيدتي، هكذا اختتمت الملحمة، بتلك العبارات التي جسدت النكبة، و نزفت ما بداخلنا من هزائم، وانتصبت ككابوسٍ نحيا في رحمة، ونحلم في مخاضه بولادة ربما تأتي في ليلة ملتهبة. نسميها أكذوبة ، لكنها تخلق عالم ندغدغ أحلامنا به ، نتلذذ فيه ، نستحم في أنهاره، نمتطي جياده ،نتغزل بحسناواته، نطارح الأرض و ما حوت فنون الغرام،هذا العالم نحن أسياده ... ربما !.
كلماتك أثارتني، شردتني، قبضت علي جسدي وألقته في شوارع كربلاء وأزقتها . أحرقتني في خرائب بابل، مددتني بجوار الحسين. فلم يحتمل الجسد آلامه ،اختبأ تحامياً في شرائع حمورابي، تمترس بين سطور قصيدة لأبي نواس تتغزل في عينيكِ. يفتح عينيه و يلملم أطرافه. الكل في صندوق يٌهرب إلى براري رعاة الأبقار.
هذا المتنبي منزوع الرمح و القلم، هؤلاء ملوك آشور ،تلك ذكري من تموز وذاك عاشق عشتار. أما هنا فقد تكومت بقايا هارون الرشيد، بجانب حذاء قادم للتو من تكساس، يهطل دمنا و يدوس علي عمامة العباس . بقبضتي المهشمة كسرت الصندوق،و رأيت الرصاص يخترقنا والنيران تسعي من خلفنا، قذفت بجسدي في اللجة ، وطاف بي عيسي العوام ،الأنهار و البحار . وجدتك تلملمي أطرافي ، تبعثري أحزاني و تصنعين مني فارسا هلالياً يمتطي شطآن العرب .

دنت شفتاك مني و سمعتك تقولين :
"يا حفيد الأشعث علني أصحو على أكذوبة صادقة تحقق كل أماني" أجاب لساني :

يا ابنة الأزور، مضي زمن كنا نخاطب السحاب، متعالين بأعناقنا المزينة بالنجوم ورؤوس بعيدة تدور مع الكواكب، الرشيد يقول للسحابة: أمطري في أي مكان فسوف يأتينا خراجك، اليوم يزوغ بصرنا في السماء مخاطبين الحديد الطائر :
يا طائرة، أمطري في أي دار ،فحتما سنكتوي بنارك وسيعمنا خرابك.
مِنا من خانَ وسلم حُلمٍ لازال يقاتل ، حتى أكذوبتنا الأسطورية هربت منا وضنت علينا بخداعها اللذيذ.
آه من كلماتك، سوط يتردد فوق جسدي ويرسم تنيناً خرافياً ينفث في شوارعنا كل يوم ناره، سوطك ينقش من جديد فوق صدري وشما كنعانياً. ترفع طلقاتك فوق هامتي راية أيوبية وتطلق العنان لجوادي حربا علي ذرية سام وهولاكو. مهلا ثم مهلا يا حسنائي، تربعي علي عرش نون النسوة، أجيبيني ،أين جوادي و أين أنا و أينك أنت مني، وأين فلولنا منا؟ ألا تسمعيني صارخا،،، في صولجانك ؟ يا امرأة رحماك فأنا لا أرى صلاح الدين ، و لا جحافل غسان أو عدنان .

أرى رأس الحسين المقطوعة تُدق بها الأبواب، وتصرخُ فينا: كفاكم سجودا للمماليك والتنابلة. دعيني أهرب منه، يحتسي دمه مستعرباً تمشيخ في خليجنا العربي. للتو قادم من بلاد الهند و فارس، مكتسيا زي رعاة البقر الذي يكشفٌ عن مخصي بن مخصي حفيد أبي الخصيان. فأنا عارٍ من القوةِ و مثقل بالوهن، و لا طاقةِ لأعيد رأس الحسين لجسدنا المبتور. الحلاجٌ أنا، بلا أطراف ، مرميٍ علي قارعةِ طريق يصل إلى العروبة أو إلى جهنم.
يا امرأة أرميني بهمسةِ عشقٍ، تنفثُ في الفارس ريحاً من رجولته المنسية،تضخ حياة في عروق مقطوعة، قلت كلامك في جوف هزائمي و نكباتي، صرختي في أشباح رجال هربوا من شراييني و ترنحوا في الحانات، ممسكين بأذيال عاهرة تجرهم لحظيرة لا أرغب بذكرها . سيدتي كتبت كلمات قصفت كل الكتبة، في مؤخرتهم المترهلة ، ألقت بأقلامهم المأجورة لتعبيد طريق رعاة البقر. لا يصدقوا بأن أقلامنا سيوفاً مشرعة و أجسادنا براكين متفجرة ،تقاوم و تقاوم، لا تتقن فن التجارة الملكي ولن تساوم. كلب جارتي يشمئز من عمالة هذا المتفرعن أو عشق ذاك الأعرابي للعبودية.
هم خصيان جندية أمريكية يعشقون تلقف فضلاتها و لعق حذائها. هنيئا لهم عرش الأوساخ المتأمرك، هاهم تحت الأقدام انتظاراً لبدء طقوس يخجل منها حتى النمل ، أنوفهم تشتعل شوقاً... ساعة الإطلاق قربت.
أنا من بقايا جسد متعب مثخن بالجراح ينوء تحت آهات إنطلقت من مفاتنك يا عروبة، و يلوذ بالفرار منك وإليك ولكن يقاوم، نامي أيتها الحسناء و احلمي لنا بحياة مثيرة، عسي أن تعثري لنا علي أكذوبة ابنة صادقة بيدها تمسك أمانينا.
فكُن يقظاً أيها اليَزنْ

* مفكر عربي وكاتب متخصص بشئون العالم العربي

ليست هناك تعليقات: