الثلاثاء، أبريل 22، 2008

غزة: بوابة الفرج الوحيدة مصرية


نقولا ناصر
بعد الله والمقاومة ، تبدو بوابة الفرج الوحيدة امام قطاع غزة لمنع كارثة انسانية تحل فيه بوابة مصرية فقط ، لاسباب جيوبوليتيكية ساطعة مثل شمس ظهيرة يوم صيفي قائظ ، وان لم تنفتح هذه البوابة لهذه الاسباب فينبغي ان تنفتح لاواصر العروبة والاسلام التي صنعت التاريخ الطويل المشترك لابناء الامة الواحدة على جانبي الحدود ، وهو التاريخ الذي لم ينقطع الا خلال فترات شاذة قسرية سادت خلالها ارادة اجنبية غريبة عن المنطقة كما هو الحال الراهن ، واذا لم يكن كل ذلك كافيا لفتحها فان مقتضيات الجيرة ومبادئ القانون الانساني يجب ان تكفي للانسجام مع اعلان الرئيس حسني مبارك في كانون الثاني / يناير الماضي بان مصر لن تسمح بوقوع كارثة انسانية في القطاع ، حيث القضية السياسية الاولى الان هي قضية انسانية .

وبينما لا يكاد يمر يوم دون ان يكرر طرفا الانقسام الفلسطيني الراهن تاكيدهم على اجماع فلسطيني يشمل كل الاطياف السياسية الفلسطينية دون استثناء على العلاقة "الاستراتيجية" و"الاخوية" و"التاريخية" مع مصر "الشقيقة" وعلى دورها الحاسم في الوقوف الى جانب النضال الوطني العادل لعرب فلسطين ، بالرغم من انسياق الاعلام المصري شبه الرسمي مع حملة التحريض الاسرائيلية المكثفة سياسيا واعلاميا لنسف تلك العلاقة واحباط ذاك الدور ، فانني اجد نفسي مضطرا اليوم للابتعاد قليلا عن لباقة الدبلوماسيين والسياسيين الفلسطينيين وكياستهم وعما يشبه الرهاب الذي يسم تصريحاتهم الرسمية من احتمال اغضاب مصر ناهيك عن استعدائها ، للكتابة بضمير المتكلم ، بلغة ارجوالا تخونني فافتقد اللباقة والكياسة ، لاعبر عن احباط عام ملموس يكاد ينزلق نحو الغضب في الضفة الغربية كما في قطاع غزة ناجم عن احساس بالخذلان من دور مصر التي "تستطيع" ، كما اثبتت اكثر من مرة مؤخرا ، ان تفتح بوابة الفرج الوحيدة ، لكنها لا تفعل .

ان ما يجري الان في القطاع ، حيث يتحالف الاحتلال والحصار والجوع والفقر والبطالة ، هو شفير الكارثة الانسانية فهل يجب ان تقع الكارثة فعلا حتى تصدق الشقيقة مصر وقوعها ، وما الذي ينتظره الرئيس مبارك لمنع وقوعها قبل ان ينضم الياس الى التحالف المعادي الذي يدفع الوضع الى الكارثة ، بينما المفتاح الوحيد لمنع وقوعها موجود فقط عند بوابة رفح في يد السيادة المصرية . صحيح ان هناك مفاتيح اسرائيلية عند بوابات عديدة اخرى لكن الشعب الفلسطيني المحاصر في القطاع لا يتوقع مفتاحا للرحمة والفرج ياتيه ممن صنعوا محنتة اصلا دون ان يرحموه مرة واحدة طوال ما يزيد على مئوية من ماساته الوطنية .

ان مفتاح الرحمة والفرج للشعب الفلسطيني في القطاع هو مفتاح مصري فقط في اللحظة التاريخية الراهنة ، غير ان كل الدلائل الصادرة من القاهرة تكاد تغلق فرجة الامل الوحيدة هذه ، وهي ان انغلقت نهائيا لا سمح الله فان القاهرة سوف تتحمل مسؤولية تاريخية وسياسية وانسانية عن عواقبها لن تكون الا اقل فقط من مسؤولية الاحتلال الاسرائيلي عن نتائجها . ان كل الحجج والذرائع التي تسوقها القاهرة للاستنكاف عن نجدة القطاع حد ان لا تترك مجالا لغير اتهامها بالتقاطع المريب مع الاحتلال هي حجج وذرائع لا تقنع الشعب المصري نفسه فكم بالحري الشعب الفلسطيني بعامة وخصوصا عرب القطاع منه . واذا كان طغيان البعد الانساني على اي بعد سياسي للوضع في القطاع لا يتوقع ان يؤرق قادة الاحتلال فانه ينبغي ان يؤرق القاهرة لكي تخرج مفتاحها من جرابه قبل فوات الاوان .

فغزة الان "على حافة الانفجار" ، وهي "تواجه ازمة مياه" بينما "ازمة الوقود وصلت حد ان لا تستطيع حماس تسيير دورياتها الالية على طرق القطاع الرئيسية" كما لاحظ معلق اسرائيلي في يديعوت احرونوت يوم الاربعاء ، والجامعات والمدارس والمصانع والمزارع ومؤسسات القطاعين الخاص والعام معا تكاد تغلق ابوابها تماما ، وكتب الاديب والصحفي الفلسطيني احمد دحبور قبل ايام عن خشيته من عدم قدرته على ايصال ما يكتب الى النشر بسبب ازمة الكهرباء وبالتالي انقطاع الانترنت ، فيما لم تستطع الامهات الكتابة مثله عن الظلام الدامس الذي يتهدد اطفالهن بالكوابيس وهم نيام على بطون خاوية لفقدان الوقود والطعام على حد سواء ، كوابيس يفاقم رعبها هدير الطائرات الحربية الاسرائيلية فوق الرؤوس وازيز رصاص الرشاشات الثقيلة التي تمطر بها قوات الاحتلال المتسللة مرة هنا واخرى هناك المدنيين وسط اعلى كثافة سكانية في العالم علها "تصطاد" بالصدفة مقاوما بينهم .

ولا يغيب عن البال ان الصمت العملي وحتى اللفظي لاولي الامر العرب والمسلمين لا يساعد مصر على موازنة الضغوط الاميركية والاسرائيلية التي تتعرض لها لكي تفي القاهرة بوعد الرئيس مبارك بان مصر لن تسمح بوقوع كارثة انسانية في القطاع . وهذا صمت مريب يشي بامنية غير معلنة عبرت عنها صراحة بعض وسائل اعلام دولة الاحتلال بان القطاع قد اصبح ثمرة غير يانعة حان قطافها وسقوطها حتى لو كانت الكارثة الانسانية هي الثمن لاسقاطها ، وليس سرا ان دوائر فلسطينية ومصرية وعربية اخرى تراودها امنيات مماثلة في جوهرها . كتب اليكس فيشمان في عدد يديعوت احرونزت المشار اليه ان: "نظام حماس وصل الى نهاية الطريق ويواجه ازمة غير مسبوقة" و"عزلة" و "احساسا بالاختناق" ، وبانتظار سقوط حماس "وافقت اسرائيل على ان تغمض عينيها عن تحشيد قوات واسلحة مصرية نشرت على مقربة من ممر فيلادلفي (صلاح الدين) هذه الايام مع انها محظورة بموجب معاهدة السلام" ولم ينس طبعا ان يحذر بان "الانفجار الوشيك" يهدد حدود القطاع مع مصر واسرائيل معا .

مجموعة من العوامل تحكم موقف القاهرة لكي لا تفتح بوابة الفرج المصرية على القطاع ، بعضها معلن مثل اولا عدم السماح بانتهاك السيادة المصرية وثانيا عدم السماح لاسرائيل بتصدير ازمتها في القطاع الى مصر وثالثا احترام الشرعية الفلسطينية ممثلة بالرئاسة الفلسطينية وعدم تجاوزها ، وبعضها غير معلن مثل اولا الخشية من العلاقة بين الحركة الاسلامية في القطاع وبين جماعة الاخوان المسلمين في مصر وثانيا عدم تحدي السياسة الاميركية – الاسرائيلية التي تعتبر حماس منظمة ارهابية ينبغي مقاطعتها ضمن الحرب الاميركية العالمية على الارهاب .

ولم يصدر حتى الان عن حماس ما يشير حتى مجرد اشارة الى انها لا "تتطابق" مع العوامل "المعلنة" الثلاث باستثناء الاختلاف حول "من" يتجاوز "من": حماس ام الرئاسة الفلسطينية . وفي العوامل غير المعلنة لا يوجد دليل واحد على عدم احترام حماس لعدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر او لغيرها . لكن بالتاكيد هناك خلاف واضح حول وصم الحركة ب"الارهاب" وانها لمفارقة حقا ان يمتلك الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر كفرد من الجراة اكثر مما تمتلك دول عربية واسلامية ذات سيادة لتحدي العزلة التي يحاول الاحتلال وراعيه الاميركي فرضها على حركة كانت خيارا ديمقراطيا حرا لشعبها تمهيدا لتصفيتها .

كما لم يصدر عن الحركة حتى الان لا تصريحا ولا ممارسة ما يثبت اتهامات خصومها السياسيين لها بانها تسعى الى اقامة "امارة اسلامية" في القطاع لكي يتم تسويغ اتهامها بطلب خبرات "الاخوان" المصريين او غير المصريين لمساعدتها في ذلك ، بل انها تكرر ليل نهار بانها في المرحلة الراهنة مجرد حركة للتحرر الوطني ، وان برنامج "الاسلام هو الحل" ما زال برنامجها لكنه مؤجل الى التطبيق الديموقراطي له بعد التحرير الذي ما زال مشواره طويلا .

اما اختلافات الحركة الراهنة مع مصر واختلافاتها السابقة مع سوريا حول مؤتمر انابوليس اولا ثم ثانيا عدم اتاحة الفرصة لها لحضور قمة دمشق العربية حتى كمراقب والهجوم الاخير للرجل الثاني في القاعدة ايمن الظواهري على قيادتها اضافة الى اختلافات لها مع ايران ليس هذا مجال التفصيل فيها فانها جميعها دلائل على استقلاليتها تدحض اتهامها بالتبعية مرة لايران واخرى لسوريا لاسباب لها علاقة بالخلافات العربية – العربية من جهة وبالخلافات مع حماس حول برنامجها لمقاومة الاحتلال المتعارض مع الاجماع العربي على السلام كخيار استراتيجي من جهة ثانية ، اكثر مما له علاقة ب"تبعية" الحركة لهذه الجهة او تلك .

لكن بصرف النظر عن تهافت الذرائع السياسية التي تساق لعدم فتح بوابة الفرج المصرية فان الراي العام الفلسطيني لم يفته ملاحظة العوامل المرتبطة بالعلاقة الاستراتيجية المصرية الاميركية التي تدفع باتجاه تحويل معبر رفح الى جدار فاصل بدل ان يكون جسرا واصلا بين الشعبين وبين مشرق الوطن العربي وبين مغربه انسجاما مع الهدف الاستراتيجي للدعم الغربي للمشروع الصهيوني في فلسطين .

ان الجدار الذي تبنيه مصر على حدودها مع القطاع بكلفة تقارب (400) مليون دولار ، ساهمت فيها الولايات المتحدة بمبلغ (23) مليونا قيمة احدث التكنولوجييا الاميركية لاكتشاف الانفاق التي يشارك خبراء سلاح المهندسين الاميركي في التدريب عليها ، وقبل ذلك اشتراط الكونغرس بناء هذا الجدار للافراج عن مائة مليون دولار من المساعدات الاميركية لمصر ، ثم قيام الملحق العسكري الاميركي في القاهرة بتفقد العمل في بنائه يوم الاربعاء الماضي ، جميعها حقائق لا تترك مجالا للشك في ان الضغوط الاميركية سوف تبقي بوابة الفرج المصرية مغلقة حتى ترضخ جميع الاطراف لفتحها بشروط الاحتلال الاسرائيلي ، ما لم توازن هذه الضغوط بمثيلات رسمية وشعبية عربية واسلامية لها .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: