سعيد الشيخ
ربما يظل مركز الابحاث الفلسطيني احد اهم انجازات منظمة التحرير الفلسطينية الذي اطلقته في سبعينيات القرن الماضي من بيروت ، حيث لعب هذا المركز دورا مهما وجوهريا في ابراز الهوية الفلسطينية وفي بلورة الرواية الفلسطينية القائمة على المعطيات التاريخية بوجه الرواية الصهيونية القائمة على التضليل والتزوير. وقد استطاع هذا المركز خلال سنوات قليلة ان يكون مرجعا توثيقيا واعلاميا يعود اليه الكثيرون من الاعلاميين والاكاديميين المهتمين بقضية الصراع العربي - الاسرائيلي.
ولم تكن "اسرائيل" غائبة او نائمة على الدور الفعّال الذي يلعبه هذا المركز على الصعيد العالمي في التأثير على مجموعات واسعة من المثقفين، مما سهّل في عملية استقطابهم لصالح القضية الفلسطينية وذلك اصطفافا الى جانب ما يعتقدوه من قضايا الحق والعدالة والحرية. اذ لم يكن من اليسير فهم او انتشار القضية الفلسطينية في اوروبا وغيرها امام طغيان الاعلام الصهيوني الذي ساد في تلك الاوساط وفي حقبة ما بعد النكبة وعلى مدى اكثر من عشرين عاما دون ان ينازعه احد في سرد رواياته الملفقة عن "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض".
لذلك كان اول ما فعلته القوات الصهيونية الغازية لبيروت صيف عام 1982 هو اجتياح واحتلال مركز الابحاث الفلسطيني، حيث عملت القوات الغازية وعلى مدى عدة ايام على نهب ومصادرة محتويات المركز من وثائق ومخطوطات وكتب تعد في غاية الاهمية لتاريخ القضية الفلسطينية وفيها تكمن الكثير من الحقائق التي تدحض تاريخ التضليل الصهيوني ... لقد اعتبر الجنرالات الصهاينة مركز الابحاث قاعدة عسكرية متقدمة لمنظة التحرير، لذلك احرقوه بعد ان اعتقدوا بأنهم صادروا الحقيقة تماما كما احرقوا الانسان في مخيمي صبرا وشاتيلا بنفس العدوان من ذلك العام.
لقد عملت آلة القتل الصهيونية على اساليب وحشية مختلفة كي يتسنى لها الاستفراد والتمكن من ابتلاع بلادنا وجعلها ماركة مسجلة باسم الشعب اليهودي. وغير المجازر ومصادرة الاراضي لاقامة المستوطنات والتطهير العرقي والتمييز العنصري وكل جرائم الحرب داخل فلسطين وخارجها التي يرتكبها جنرالات "الديمقراطية المتوحشة" فان الاعلام الفلسطيني الملتزم بالقضية الفلسطينية ظل ويظل مستهدفا . والشواهد عديدة،وما كان استشهاد الاعلامي والمبدع غسان كنفاني في عملية اغتيال اسرائيلية قذرة في بيروت عام 1972 الا علامة من علامات خوفهم من اعلام آخر يقول حقيقتهم ويفضح وحشيتهم ويهز خرافاتهم.
ولكن هل كان حقا الاعلام الفلسطيني مؤخرا وفي زمن انتشار المعلومات برمشة العين.. في الزمن الاليكتروني هذا هل كان الاعلام الفلسطيني بالشكل المرجو الذي يدعم القضية الفلسطينية؟
في اطلاع على مواقع الشبكة العنكبوتية والتي تنسب نفسها الى فلسطين سيكتشف المطلع المهتم بالقضية الفلسطينية ان لبعض المواقع انتسابات وهموم اخرى مقدمة على هذه القضية.وان هذه المواقع تطفو على شبر من الماء، وانها تعاني من فقر مدقع في فهم دور الاعلام ليس على صعيد صراعنا مع العدو فقط بل على صعد اوجه الحياة كلها. نحن نفهم ونقدر ان عجلة الحياة ستستمر بمطالبها واحتياجاتها الانسانية والعصرية ولكن هذا لا نريده على حساب قضايانا المصيرية. وان العصرنة في الاعلام لا يعني الغرق في الذاتية والاستعراضية ثم جهل يريد من حيث يدري او لايدري تغييب وعينا بنكبتنا وعن حقوقنا الوطنية وعن مخاطر الكيان الصهيوني المحدقة بوجودنا الانساني والوطني والقومي.
مع قيام السلطة الوطنية على اجزاء من فلسطين التاريخية تأملنا ان يقوم اعلام تقدمي تحشد له كل الطاقات والخبرات المقيمة والعائدة الى الوطن ويستطيع ان يمثل كل الفلسطينيين على مختلف مشاربهم، وينطلق في خطاب اقل ما فيه شرح للمعاناة الفلسطينية نتيجة للاحتلال .ولكن بدل ذلك قدمت السلطة لمواطنيها اعلاما فئويا يسبّح صبحا ومساء بمجد وبركات الرئيس منسجما مع ذاته الطالعة من تحت عباءة الاعلام العربي العشائري. اما الاعلام الفصائلي الاخر فظل على حاله من الجمود الفكري واسلوبه المتحجر في تقديم خطاب الامين العام على انه حبة "البندول" التي ستسكّن صداعنا المزمن. حقيقة الامر ان بعض وسائل الاعلام الفلسطينية العامة والخاصة تنحدر انحدارا مريعا ومتوازيا مع الخطاب السياسي الذي وصل الى هاوية الانحطاط والتفسخ في ظل تفوق اسرائيلي على كل الصعد.
لقد استطاعت "اسرائيل" خلال ستين سنة التغوّل على بلادنا وان تفرض هيبتها على حكومات الدول العربية ولكن اعلامها وبعد مرور ردحا من الزمن ظل يمثل المسكنة بكل وعي ويبكي بمناسبة وغير مناسبة ضحايا النازية من اليهود لاستدرار التعاطف الدولي.
الصناعة الصهيونية لمحرقتنا مازالت على الصفيح الساخن ودماء اطفالنا طرية ورائحة الشواظ تملأ ارجاء الخريطة والقاتل يعربد فالتا من يد العدالة . هذا لان اعلام"نا" لم يتمكن من انتاج صياغة صحيفة الاتهام. وبعد ذلك نضع ايدينا على خدودنا ونشكو من قلة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية.
اذا تقاعس الاعلام الفلسطيني وهو المعني بالمقام الاول عن دوره في دعم القضية المركزية، فمن سيبكي ضحايانا، ومن سيروي روايتنا،ومن سينقل معاناتنا؟
حقا انه اعلام غريب، عجيب، مريب!!
ربما يظل مركز الابحاث الفلسطيني احد اهم انجازات منظمة التحرير الفلسطينية الذي اطلقته في سبعينيات القرن الماضي من بيروت ، حيث لعب هذا المركز دورا مهما وجوهريا في ابراز الهوية الفلسطينية وفي بلورة الرواية الفلسطينية القائمة على المعطيات التاريخية بوجه الرواية الصهيونية القائمة على التضليل والتزوير. وقد استطاع هذا المركز خلال سنوات قليلة ان يكون مرجعا توثيقيا واعلاميا يعود اليه الكثيرون من الاعلاميين والاكاديميين المهتمين بقضية الصراع العربي - الاسرائيلي.
ولم تكن "اسرائيل" غائبة او نائمة على الدور الفعّال الذي يلعبه هذا المركز على الصعيد العالمي في التأثير على مجموعات واسعة من المثقفين، مما سهّل في عملية استقطابهم لصالح القضية الفلسطينية وذلك اصطفافا الى جانب ما يعتقدوه من قضايا الحق والعدالة والحرية. اذ لم يكن من اليسير فهم او انتشار القضية الفلسطينية في اوروبا وغيرها امام طغيان الاعلام الصهيوني الذي ساد في تلك الاوساط وفي حقبة ما بعد النكبة وعلى مدى اكثر من عشرين عاما دون ان ينازعه احد في سرد رواياته الملفقة عن "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض".
لذلك كان اول ما فعلته القوات الصهيونية الغازية لبيروت صيف عام 1982 هو اجتياح واحتلال مركز الابحاث الفلسطيني، حيث عملت القوات الغازية وعلى مدى عدة ايام على نهب ومصادرة محتويات المركز من وثائق ومخطوطات وكتب تعد في غاية الاهمية لتاريخ القضية الفلسطينية وفيها تكمن الكثير من الحقائق التي تدحض تاريخ التضليل الصهيوني ... لقد اعتبر الجنرالات الصهاينة مركز الابحاث قاعدة عسكرية متقدمة لمنظة التحرير، لذلك احرقوه بعد ان اعتقدوا بأنهم صادروا الحقيقة تماما كما احرقوا الانسان في مخيمي صبرا وشاتيلا بنفس العدوان من ذلك العام.
لقد عملت آلة القتل الصهيونية على اساليب وحشية مختلفة كي يتسنى لها الاستفراد والتمكن من ابتلاع بلادنا وجعلها ماركة مسجلة باسم الشعب اليهودي. وغير المجازر ومصادرة الاراضي لاقامة المستوطنات والتطهير العرقي والتمييز العنصري وكل جرائم الحرب داخل فلسطين وخارجها التي يرتكبها جنرالات "الديمقراطية المتوحشة" فان الاعلام الفلسطيني الملتزم بالقضية الفلسطينية ظل ويظل مستهدفا . والشواهد عديدة،وما كان استشهاد الاعلامي والمبدع غسان كنفاني في عملية اغتيال اسرائيلية قذرة في بيروت عام 1972 الا علامة من علامات خوفهم من اعلام آخر يقول حقيقتهم ويفضح وحشيتهم ويهز خرافاتهم.
ولكن هل كان حقا الاعلام الفلسطيني مؤخرا وفي زمن انتشار المعلومات برمشة العين.. في الزمن الاليكتروني هذا هل كان الاعلام الفلسطيني بالشكل المرجو الذي يدعم القضية الفلسطينية؟
في اطلاع على مواقع الشبكة العنكبوتية والتي تنسب نفسها الى فلسطين سيكتشف المطلع المهتم بالقضية الفلسطينية ان لبعض المواقع انتسابات وهموم اخرى مقدمة على هذه القضية.وان هذه المواقع تطفو على شبر من الماء، وانها تعاني من فقر مدقع في فهم دور الاعلام ليس على صعيد صراعنا مع العدو فقط بل على صعد اوجه الحياة كلها. نحن نفهم ونقدر ان عجلة الحياة ستستمر بمطالبها واحتياجاتها الانسانية والعصرية ولكن هذا لا نريده على حساب قضايانا المصيرية. وان العصرنة في الاعلام لا يعني الغرق في الذاتية والاستعراضية ثم جهل يريد من حيث يدري او لايدري تغييب وعينا بنكبتنا وعن حقوقنا الوطنية وعن مخاطر الكيان الصهيوني المحدقة بوجودنا الانساني والوطني والقومي.
مع قيام السلطة الوطنية على اجزاء من فلسطين التاريخية تأملنا ان يقوم اعلام تقدمي تحشد له كل الطاقات والخبرات المقيمة والعائدة الى الوطن ويستطيع ان يمثل كل الفلسطينيين على مختلف مشاربهم، وينطلق في خطاب اقل ما فيه شرح للمعاناة الفلسطينية نتيجة للاحتلال .ولكن بدل ذلك قدمت السلطة لمواطنيها اعلاما فئويا يسبّح صبحا ومساء بمجد وبركات الرئيس منسجما مع ذاته الطالعة من تحت عباءة الاعلام العربي العشائري. اما الاعلام الفصائلي الاخر فظل على حاله من الجمود الفكري واسلوبه المتحجر في تقديم خطاب الامين العام على انه حبة "البندول" التي ستسكّن صداعنا المزمن. حقيقة الامر ان بعض وسائل الاعلام الفلسطينية العامة والخاصة تنحدر انحدارا مريعا ومتوازيا مع الخطاب السياسي الذي وصل الى هاوية الانحطاط والتفسخ في ظل تفوق اسرائيلي على كل الصعد.
لقد استطاعت "اسرائيل" خلال ستين سنة التغوّل على بلادنا وان تفرض هيبتها على حكومات الدول العربية ولكن اعلامها وبعد مرور ردحا من الزمن ظل يمثل المسكنة بكل وعي ويبكي بمناسبة وغير مناسبة ضحايا النازية من اليهود لاستدرار التعاطف الدولي.
الصناعة الصهيونية لمحرقتنا مازالت على الصفيح الساخن ودماء اطفالنا طرية ورائحة الشواظ تملأ ارجاء الخريطة والقاتل يعربد فالتا من يد العدالة . هذا لان اعلام"نا" لم يتمكن من انتاج صياغة صحيفة الاتهام. وبعد ذلك نضع ايدينا على خدودنا ونشكو من قلة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية.
اذا تقاعس الاعلام الفلسطيني وهو المعني بالمقام الاول عن دوره في دعم القضية المركزية، فمن سيبكي ضحايانا، ومن سيروي روايتنا،ومن سينقل معاناتنا؟
حقا انه اعلام غريب، عجيب، مريب!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق