نقولا ناصر
الحركة الوطنية الفلسطينية عند مفترق طرق تاريخي ، حيث انسدت كل الطرق التي اعتقدت القيادة التي وجهت دفتها طيلة العقود الاربعة الماضية من الزمن انها كانت سالكة ، ولم يبق امامها سوى مخرج واحد مفتوح باتجاه حوار وطني غير مشروط ، تدعو حماس اليه دون شروط وترفضه هذه القيادة الا بشروطها ، لتظل الحركة الوطنية في ازمة تبدو مستعصية لكنها ان سلكت هذا المخرج ستتحول الى مخاض وطني ، وربما لا يسلط الضوء على المفترق العصيب اكثر من الاستحقاقات الوطنية المستحقة منذ مدة طويلة وتلك التي يقترب استحقاقها سريعا والتي لا يمثل الحديث المتداول مؤخرا عن تهديد الرئيس محمود عباس بالاستقالة وعن تمديد ولايته سنة اخرى الا عنوانا لها .
فالنضال الوطني اسير مصيدة خيار للسلام اثبت عقمه بعد حوالي عشرين سنة منذ مهدت الطريق له "وثيقة اعلان الاستقلال" في الجزائر عام 1988 ، وهو مرتهن لعملية سلام مقصودة لذاتها كادارة للصراع فحسب ، بينما الانقسام الوطني متعدد المستويات يشل قدرة الحركة الوطنية على صنع القرار المركزي فيعجزها عن مواجهة تحدي الخروج من الطريق المسدود التي تجد نفسها فيه .
وتساهم عدة عوامل متداخلة ومتكاملة في اطالة امد الوضع الراهن الذي ترابط الحركة الوطنية عند مفترق طرقه التاريخي:
اولا ، فشلت غرفة الانعاش الي اقامتها الولايات المتحدة في انابوليس اواخر العام المنصرم في نفخ روح الحياة في عملية سلام ماتت بعد ان ضيعت من عمر النضال الفلسطيني عقدين من الزمن استثمرهما الاحتلال الاسرائيلي في خلق المزيد من الحقائق الاستيطانية على الارض حتى كادت لا تبقي ما يمكن التفاوض عليه ، لتحكم على "المشروع الوطني" بحل الدولتين بالفشل ولتترك منظمة التحرير والرئاسة بلا اوهام حوله ، لكن المنظمة والرئاسة ما زالتا تبدوان حائرتين فيما ينبغى ان تكون خطوتهما التالية .
ثانيا ، انقشع وهم مراهنة المنظمة والرئاسة على ادارة الرئيس جورج بوش الابن بعد ان وضعا كل بيضهما في سلة واشنطن ، خصوصا بعد خطاب بوش امام الكنيست الاسرائيلي الشهر الماضي الذي وصفته ليندا هيرد في مقال لها بان التاريخ سوف يسجله باعتباره خطاب "تملق ذليل لم يسبق لاي رئيس اميركي ان وجه مثله الى أي دولة حليفة" ، لكن المنظمة والرئاسة ما زالتا ايضا تبدوان حائرتين فيما ينبغى ان تكون خطوتهما التالية ، باستثناء "انتظار غودو" الذي قد ياتي وقد لا ياتي مع الادارة الاميركية الجديدة اوائل العام المقبل .
ثالثا ، اغلق الاتفاق الاميركي – الاسرائيلي على فرض الاعتراف بدولة الاحتلال ك "دولة يهودية" على عرب فلسطين اولا ثم على العرب بعامة كل البدائل "السلمية" المحتملة الاخرى مثل حل "الدولة الواحدة" بحيث لم يبق امام أي قيادة فلسطينية تريد ان تفاوض سوى التفاوض على حل دولتين انطلاقا من التفسير الاسرائيلي – الاميركي له ، انطلاقا من اعتبار الارض المحتلة عام 1967 ارضا متنازعا عليها ، لا محتلة ، يتفاوض الطرفان على "تقاسمها" ، لكن المنظمة والرئاسة ما زالتا تبدوان ملتزمتين بالتفاوض وتبحثان في "المندل" عن خيارات "سلمية" تفاوضية اخرى .
رابعا ، فتح انسداد خيار السلام والتفاوض المجال امام دولة الاحتلال للعودة الى تعويم اقتراحها القديم – الجديد بالحاق قطاع غزة بمصر والضفة الغربية بالاردن ك"خيار سلمي" يرفضه شبه اجماع فلسطيني وكذلك عمان والقاهرة رفضا قاطعا ، لا بل ان مجرد الحديث عن خيار كهذا يعتبره الاردنيون "مؤامرة" عليهم بينما تعرف مصر ان اعادة غزة الى وضعها السابق على احتلال عام 1967 سيكون "قنبلة موقوتة" كما كتب عضو مجلس الاعيان ووزير الاعلام الاردني السابق صالح القلاب في الشرق الاوسط اللندنية ، وبالرغم من الخطورة التي ينطوي عليها تعويم اقتراح كهذا على فلسطين والاردن معا ما زالت المنظمة والرئاسة تبدوان حائرتين فيما ينبغى ان تكون خطوتهما التالية .
خامسا ، يثبت تجدد الاتصالات السورية – الاسرائيلية عبر تركيا مجددا مفترق الطرق التاريخي الذي تواجهه الحركة الوطنية الفلسطينية . واذا كانت دوافع واهداف تل ابيب وواشنطن معروفة من ادعاء القدرة على ادارة مسارين للتفاوض معا فان دوافع الرئيس عباس ل"الترحيب" بها (بالرغم من معرفته بان تجددها لا تفسير له سوى كونها دليلا على وصول المسار الفلسطيني الى طريق مسدود وبان تل ابيب تستخدمها للضغط عليه وبان ترحيبه بها افتراق عن المعارضة التاريخية للراحل ياسر عرفات للمسارات "المتوازية") لا تخرج عن امله في ان يقود انخراط سوريا في المفاوضات الى اضعاف معارضة فلسطينية واسعة في راسها حماس لاستمرار تمسكه بعملية تفاوض عقيمة . في الثاني والعشرين من الشهر الماضي اقتبست "فوروورد" اليهودية من ارون ديفيد ميلر ، الذي كان طوال ثلاثين سنة عضوا في فرق المفاوضين الاميركيين ، قوله ان "التخلي عن مسار والذهاب الى اخر هو طريقة تستخدمها اسرائيل للضغط على المسار الفلسطيني عندما يبدو مستعصيا" .
سادسا ، ولا يتضح مفترق الطرق الفلسطيني فقط لان الراعي الاميركي ل "عملية السلام" قد انخرط فعلا في الحملة الانتخابية التي ستاتي بادارة جديدة الى البيت الابيض ، بل يتضح اكثر بسبب الانقسام الفلسطيني متعدد المستويات (بين فتح وحماس ، داخل فتح نفسها ، بين الرئاسة والمجلس التشريعي الذي شله الاحتلال بالاعتقال الجماعي لاكثر من خمسين من اعضائه ، بين حكومتي رام الله وغزة ، الخ.) . قال القيادي في فتح جبريل الرجوب انه " لا يمكن ان تنجح لا عملية السلام ولا المؤتمر السادس لفتح دون مصالحة وطنية ... ودون انجاز الوحدة الوطنية" (مقابلة مع فضائية العربية في 17 شباط/فبراير الماضي) . ومع ذلك ما زالت المنظمة والرئاسة ترتهنان هذه المصالحة للفيتو الاميركي – الاسرائيلي ولشروطه المسبقة ضد حماس .
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com
الحركة الوطنية الفلسطينية عند مفترق طرق تاريخي ، حيث انسدت كل الطرق التي اعتقدت القيادة التي وجهت دفتها طيلة العقود الاربعة الماضية من الزمن انها كانت سالكة ، ولم يبق امامها سوى مخرج واحد مفتوح باتجاه حوار وطني غير مشروط ، تدعو حماس اليه دون شروط وترفضه هذه القيادة الا بشروطها ، لتظل الحركة الوطنية في ازمة تبدو مستعصية لكنها ان سلكت هذا المخرج ستتحول الى مخاض وطني ، وربما لا يسلط الضوء على المفترق العصيب اكثر من الاستحقاقات الوطنية المستحقة منذ مدة طويلة وتلك التي يقترب استحقاقها سريعا والتي لا يمثل الحديث المتداول مؤخرا عن تهديد الرئيس محمود عباس بالاستقالة وعن تمديد ولايته سنة اخرى الا عنوانا لها .
فالنضال الوطني اسير مصيدة خيار للسلام اثبت عقمه بعد حوالي عشرين سنة منذ مهدت الطريق له "وثيقة اعلان الاستقلال" في الجزائر عام 1988 ، وهو مرتهن لعملية سلام مقصودة لذاتها كادارة للصراع فحسب ، بينما الانقسام الوطني متعدد المستويات يشل قدرة الحركة الوطنية على صنع القرار المركزي فيعجزها عن مواجهة تحدي الخروج من الطريق المسدود التي تجد نفسها فيه .
وتساهم عدة عوامل متداخلة ومتكاملة في اطالة امد الوضع الراهن الذي ترابط الحركة الوطنية عند مفترق طرقه التاريخي:
اولا ، فشلت غرفة الانعاش الي اقامتها الولايات المتحدة في انابوليس اواخر العام المنصرم في نفخ روح الحياة في عملية سلام ماتت بعد ان ضيعت من عمر النضال الفلسطيني عقدين من الزمن استثمرهما الاحتلال الاسرائيلي في خلق المزيد من الحقائق الاستيطانية على الارض حتى كادت لا تبقي ما يمكن التفاوض عليه ، لتحكم على "المشروع الوطني" بحل الدولتين بالفشل ولتترك منظمة التحرير والرئاسة بلا اوهام حوله ، لكن المنظمة والرئاسة ما زالتا تبدوان حائرتين فيما ينبغى ان تكون خطوتهما التالية .
ثانيا ، انقشع وهم مراهنة المنظمة والرئاسة على ادارة الرئيس جورج بوش الابن بعد ان وضعا كل بيضهما في سلة واشنطن ، خصوصا بعد خطاب بوش امام الكنيست الاسرائيلي الشهر الماضي الذي وصفته ليندا هيرد في مقال لها بان التاريخ سوف يسجله باعتباره خطاب "تملق ذليل لم يسبق لاي رئيس اميركي ان وجه مثله الى أي دولة حليفة" ، لكن المنظمة والرئاسة ما زالتا ايضا تبدوان حائرتين فيما ينبغى ان تكون خطوتهما التالية ، باستثناء "انتظار غودو" الذي قد ياتي وقد لا ياتي مع الادارة الاميركية الجديدة اوائل العام المقبل .
ثالثا ، اغلق الاتفاق الاميركي – الاسرائيلي على فرض الاعتراف بدولة الاحتلال ك "دولة يهودية" على عرب فلسطين اولا ثم على العرب بعامة كل البدائل "السلمية" المحتملة الاخرى مثل حل "الدولة الواحدة" بحيث لم يبق امام أي قيادة فلسطينية تريد ان تفاوض سوى التفاوض على حل دولتين انطلاقا من التفسير الاسرائيلي – الاميركي له ، انطلاقا من اعتبار الارض المحتلة عام 1967 ارضا متنازعا عليها ، لا محتلة ، يتفاوض الطرفان على "تقاسمها" ، لكن المنظمة والرئاسة ما زالتا تبدوان ملتزمتين بالتفاوض وتبحثان في "المندل" عن خيارات "سلمية" تفاوضية اخرى .
رابعا ، فتح انسداد خيار السلام والتفاوض المجال امام دولة الاحتلال للعودة الى تعويم اقتراحها القديم – الجديد بالحاق قطاع غزة بمصر والضفة الغربية بالاردن ك"خيار سلمي" يرفضه شبه اجماع فلسطيني وكذلك عمان والقاهرة رفضا قاطعا ، لا بل ان مجرد الحديث عن خيار كهذا يعتبره الاردنيون "مؤامرة" عليهم بينما تعرف مصر ان اعادة غزة الى وضعها السابق على احتلال عام 1967 سيكون "قنبلة موقوتة" كما كتب عضو مجلس الاعيان ووزير الاعلام الاردني السابق صالح القلاب في الشرق الاوسط اللندنية ، وبالرغم من الخطورة التي ينطوي عليها تعويم اقتراح كهذا على فلسطين والاردن معا ما زالت المنظمة والرئاسة تبدوان حائرتين فيما ينبغى ان تكون خطوتهما التالية .
خامسا ، يثبت تجدد الاتصالات السورية – الاسرائيلية عبر تركيا مجددا مفترق الطرق التاريخي الذي تواجهه الحركة الوطنية الفلسطينية . واذا كانت دوافع واهداف تل ابيب وواشنطن معروفة من ادعاء القدرة على ادارة مسارين للتفاوض معا فان دوافع الرئيس عباس ل"الترحيب" بها (بالرغم من معرفته بان تجددها لا تفسير له سوى كونها دليلا على وصول المسار الفلسطيني الى طريق مسدود وبان تل ابيب تستخدمها للضغط عليه وبان ترحيبه بها افتراق عن المعارضة التاريخية للراحل ياسر عرفات للمسارات "المتوازية") لا تخرج عن امله في ان يقود انخراط سوريا في المفاوضات الى اضعاف معارضة فلسطينية واسعة في راسها حماس لاستمرار تمسكه بعملية تفاوض عقيمة . في الثاني والعشرين من الشهر الماضي اقتبست "فوروورد" اليهودية من ارون ديفيد ميلر ، الذي كان طوال ثلاثين سنة عضوا في فرق المفاوضين الاميركيين ، قوله ان "التخلي عن مسار والذهاب الى اخر هو طريقة تستخدمها اسرائيل للضغط على المسار الفلسطيني عندما يبدو مستعصيا" .
سادسا ، ولا يتضح مفترق الطرق الفلسطيني فقط لان الراعي الاميركي ل "عملية السلام" قد انخرط فعلا في الحملة الانتخابية التي ستاتي بادارة جديدة الى البيت الابيض ، بل يتضح اكثر بسبب الانقسام الفلسطيني متعدد المستويات (بين فتح وحماس ، داخل فتح نفسها ، بين الرئاسة والمجلس التشريعي الذي شله الاحتلال بالاعتقال الجماعي لاكثر من خمسين من اعضائه ، بين حكومتي رام الله وغزة ، الخ.) . قال القيادي في فتح جبريل الرجوب انه " لا يمكن ان تنجح لا عملية السلام ولا المؤتمر السادس لفتح دون مصالحة وطنية ... ودون انجاز الوحدة الوطنية" (مقابلة مع فضائية العربية في 17 شباط/فبراير الماضي) . ومع ذلك ما زالت المنظمة والرئاسة ترتهنان هذه المصالحة للفيتو الاميركي – الاسرائيلي ولشروطه المسبقة ضد حماس .
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق