الجمعة، يونيو 13، 2008

يتنافسون على حساب الدم الفلسطيني

د. عدنان بكريه
فلسطين الداخل
قادة الأحزاب الإسرائيلية يقرعون طبول الحرب ليل نهار ويهددون بإعادة احتلال قطاع غزة... ليس لضمان الهدوء والأمن ،بل لتسجيل نقاط انتخابية لصالحهم ... فقد أصبح معيار وطنية وحرص أي قائد إسرائيلي منوط بمدى عدائه للشعب الفلسطيني ! وأصبح معيار قدرة وقوة أي قائد إسرائيلي منوط بقدرته على ضرب الشعب الفلسطيني وتطويعه ... في الحرب ضد العزل ليس هناك رابح وخاسر ولا غالب ومغلوب.. بل هناك جزار وضحية هناك قاتل ومقتول لا غالب إلا الله... لا غالب إلا الحق ... والحكمة في هذا الزمن أن ينتصر الكف على المخرز وان ينتصر الجرح على السكين !
سماسرة الحرب في إسرائيل يدركون أن الطرق المعبدة بالدم والجثث لا يمكنها ضمان الأمن والاستقرار... لا بل من شأنها أن تزيد من حدة التوتر وسفك الدماء ومن شأنها أن تقضي على فرص التهدئة والاستقرار لكن في سبيل الغاية الحزبية الضيقة يهون كل شيء... يهون الدم الفلسطيني .. لا بل يصبح بضاعة في بورصتهم الانتخابية ودعاية دموية لا تفوقها دعاية إعلامية أخرى !
يبدو أنهم لم يتعلموا من التجارب ولم يستخلصوا العبر من التاريخ ! ويكرروا التجربة... يظنون بان قطرة الدم تساوي صوتا في صندوق الاقتراع ! يظنون أن عروش الحكم لا تبنى إلا بجثث الشهداء من أبناء الشعوب العربية !! يظنون أن الصواريخ والمدافع قادرة على ضمان تفوقهم الانتخابي !
من منا لا يذكر "مجزرة قانا الاولى" التي ارتكبت عشية الانتخابات لرفع أسهم (شمعون بيرس ) أمام (بنيامين نتنياهو) عام 96 لكن لعنة الشهداء أسقطت بيرس وجرت رياحه بما لا يشتهي !
من منا لا يذكر (مجزرة صبرا) وشاتيلا عام 82 والتي وضعت حدا لحياة شارون السياسية آنذاك ؟! ومن منا لا يذكر هبة الأقصى عام 2000 والتي ما زالت آثارها ولعنتها تلاحق قادة الحرب الإسرائيليين ؟! ومن منا لا يذكر الأمس القريب والعدوان الإسرائيلي على لبنان وهزيمة الخيار العسكري الإسرائيلي ؟!
أزمة القادة الإسرائيليين تكمن في أنهم مستعدون لإشعال فتيل حرب مجنونة ومدمرة، إذا كانت هذه الحرب تصب في رفع أسهمهم الانتخابية ! وأزمتهم أيضا... أنهم لم يتعلموا من تجارب التاريخ ولم يستخلصوا العبر من تجارب أسلافهم بأنهم هم وشعبهم من سيدفع ثمن الحرب... ولو افترضنا أن إسرائيل أعادت احتلال قطاع غزة ! فكم من القتلى والضحايا ستدفع ؟! فدخول غزة لن يكن نزهة ! فالشعب الفلسطيني لن يرفع الأعلام البيضاء ويرقص استقبالا للمحتل وهو الذي كابد الحصار وركّع الجوع وبقي صامدا مؤمنا بلحظة الانتصار.
أمراء الحرب يتنافسون في طرح حلول حربية قاسية ... والكل يحاول جذب الناخب بمغناطيس قسوته المشحون بالعداء والكراهية ! الكل يحاول إبداء شدة عدائه للفلسطيني ويتباهى بقدرته وتميزه على الآخر بالتصفية والاحتلال والإذلال ! الكل يحاول التعويض عن فشله السياسي بالتباهي بأنه الأقدر على تحقيق النصر في أي خيار عسكري مطروح ! والنصر لن يكن إلا من نصيب المضطهدين... فصبرا أهل غزة ... دماؤكم لن تفتت وتذيب ملفات فساد (اولمرت ) ! ولن تكن هادئة ليبحر في عبابها (باراك) إلى سدة الحكم ! ولن تكن الستار الذي سيغطي أزمة القيادة الإسرائيلية ! وشهداؤكم لن يكونوا اصواتا في صناديق الاقتراع الانتخابية ولن يكونوا بيضة قبان في ميزان الانتخابات الإسرائيلية !
****
معركة غزة ستكون الفاصلة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ! فالشعب الفلسطيني لن يخسر أكثر مما خسر ولن يعاني أكثر مما عانه ويعانيه الآن ! وسيقاوم العدوان بكل الوسائل والسبل المتاحة ...سيكون هذا العدوان عنصرا موحدا للشعب على اختلاف أطيافه وفصائله ومهما بالغ وتمادى المعتدون إلا أن إرادة التحرر تبقى الأقوى والحاسمة على ارض المعركة ! أعجب ممن لا يقرأ التاريخ من قارعي طبول الحرب الإسرائيليين وأعجب أكثر ممن يتراكضون لإقرار خيار الحرب متناسين بأن أية حرب قد يشعلونها لن تكن حربا بين طائر وطائرة ! والمنازلة ليست بين العصا والجزرة ! ولن تكن حربا بين قوي وضعيف.. بل ستكون حربا بين الحق والظلم ... بين الحياة والموت .. بين الظلم والعدل ! فما الذي ينتظره العالم من شعب يتجرع المرارة كل يوم ؟ وهل يظن بأنه سيصمت إلى ما لا نهاية... لذا سيستبسل الفلسطيني في الدفاع عن كرامته وحقه ووجوده في الحياة ! يعترف (عوفر شيلح) احد المعلقين العسكريين «هذه ستكون ورطة كبيرة ومصيدة لجنودنا، بعد خسائر كبيرة جداً قد نتمكن من احتلال غزة، لكن السؤال الذي يبقى من دون جواب: كيف سنخرج منها ؟!
إذا ظنت إسرائيل بأنها ستنهي المقاومة الفلسطينية وتضمن الهدوء والأمن تكون مخطئة.. فالحروبات لم ولن تنهي أية المقاومة .. بل من شأنها أن تزيد من حدتها وعنفوانها وتوحد الشعب كل الشعب خلفها وتجارب الشعوب خير دليل.
حسابات قادة إسرائيل ليست دقيقة من النواحي السياسية والعسكرية وحتى الانتخابية .. فأي عدوان عسكري على غزة سيجعل المقاومة أكثر تماسكا وقوة وقدرة على المواجهة لأنها ستجد نفسها أمام خيارين إما الموت أو الحياة ! وستتخذ المقاومة أشكالا واساليبا غير التي ألفناها ! ويعترف احد القادة العسكريين ان "الحديث يدور حول معركة ستكون بالغة القسوة سيسقط فيها عدد كبير من الطرفين. فرجال المقاومة مزودون بعدد ضخم جداً من القذائف التي بإمكانها إعاقة التقدم وتحقيق إصابات كبيرة في أوساط جنودنا"!
ومن الناحية السياسية ستقف إسرائيل أمام تساؤلات محرجة من الصعب الإجابة عليها... لماذا قطعت الطريق أمام مبادرة التهدئة وأوصدت الأبواب أمام الخيارات السلمية ؟! والمؤازرة الدولية لخطواتها لن تعفيها من المسؤولية أمام العالم !
وانتخابيا... إذا ما قدر وصمد الشعب الفلسطيني أمام العدوان وهذا ما أرَجحه.. فتجربة لبنان ليست ببعيدة.. فان أمراء الحرب الإسرائيليين سيجدون أنفسهم أمام أكثر من لجنة (فينوغراد ) وسيفقدون ثقة الناخب الذي راهنوا عليه وراهن عليهم وعلى قدراتهم المزعومة ! معركة غزة القادمة هي التي ستحسم نتائج الانتخابات الإسرائيلية وربما ستحسم وزن وثقل إسرائيل السياسي والعسكري في العالم والمنطقة والذي سيكون له إسقاطاته على الخارطة السياسية العالمية

ليست هناك تعليقات: