الثلاثاء، يونيو 24، 2008

ثمن التهدئة

محمد داود
تساؤلات عديدة يطرحها الشارع الفلسطيني والعربي وأيضاً الإقليمي لأننا تعودنا أن السياسة الإسرائيلية والأمريكية لا تلقى جزافاً، بالتالي يجب أن نعرف لماذا وافقت إسرائيل على التهدئة مع حماس وهل لأنها تريد تبريد الجبهة الجنوبية مع غزة تمهيدا لإشعال جبهة إيران ؟ ... فأولمرت ومن حوله القادة العسكريون الإسرائيليون ينتهجون خطوات وتحركات خداعة لا تعدو كونها ذراً للرماد في العيون، ويطلقون فقاعات مضللة في الهواء، فتصريحات أولمرت الأخيرة وحتى بلورة اتفاق التهدئة كما يؤكد المراقبون جاءت مدروسة لكسب مزيد من المواقف والوقت، لاسيما على مستوى أركان حكومته التي تعج بالخلافات والفساد، لكنهم بلا شك متحدون ومتفقون في سياستهم وعلى استعداد لمواجهة أي تحديات معادية وهذا سر قوتهم .... فالتهدئة جاءت كما تؤكد إسرائيل أنها ضمن إطار المسار التكتيكي مع "حماس"، وهي مرحلة عابرة، أي هي مصلحة إسرائيلية وحاجة فلسطينية لها استحقاق معين يمكن دفعها، ولها أهداف بعيدة المدى، سيما في ظل تأكيد محللين وقادة سياسيين بأنها اتفاق أمني تكتيكي بامتياز، وليس له أي دلالة سياسية، سيما في ظل الحديث عن مراحل يتم إطلاق شاليط والمقايضة بكمية الشاحنات التي تحمل السلع المدخلة وصولاً بنشر قوات عربية متعددة الجنسيات في قطاع غزة، لكي تشرف على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة في أراضي السلطة الفلسطينية، تعمل على حفظ الأمن وإعادة تشكيل وتأهيل الأجهزة الأمنية بقواعد مهنية سليمة وبعيداً عن الفصائلية.
ولعل ما نشر في وسائل الإعلام الأمريكية عن قيام أكثر من مئة طائرة هجومية من نوع اف 15 واف 16 بتدريبات ومناورات جوية في شرق المتوسط على مسافات طويلة تتراوح بين 1500و2000 كم، أي المسافة بين "تل أبيب" ومنشأة "نتانز" النووية الإيرانية" كما تناولت التدريبات سبل مواجهة العقبات والمتغيرات وسيناريوهات محتملة قد تطرأ خلال تنفيذ عمليات في مناطق تبعد مسافة كبيرة، ويشير مراقبون إلى أن هدف إسرائيل من الإعلان عن ذلك هو الردع والتلويح بالقوة وأنه لا يعني بالضرورة أن إسرائيل قررت مهاجمة إيران، لأن المسألة ليست بهذه البساطة، فهي رسائل وصفها احد المسئولون الأمريكيون "الإسرائيليون أرادوا أن نعلم، وأن يعلم الأوروبيون، والإيرانيون".
في نفس اللحظة ينشغل الإسرائيليون الآن في موضوع ثاني غير إيران وهو تبادل الأسرى، فالصحافة في لبنان تحدثت هذا الأسبوع عن أن معظم وقتها قضته وزيرة الخارجية الأمريكية رايس في زيارتها غير المتوقعة إلى لبنان، للبحث في مزارع شبعا، حيث وعدت رايس بان تبذل الإدارة الأمريكية كل جهد مستطاع كي تجد حلاً سياسياً لهذه المزارع، بعد أن أوضح حزب الله بأنه مستعد لمثل هذا الحل؛ يتم من خلاله تحرير الأسرى اللبنانيين وخروج الجيش من مزارع شبعا ووضعها بعهدة الأمم المتحدة وهما كفيلان بإسقاط شرعية سلاح حزب الله،.. وهذا ما يجعلنا نتساءل لماذا فجأة مزارع شبعا الآن؟ خاصة بعد فشل الرئيس بوش في تصميم سياسة أمريكية حول الأزمة اللبنانية، ومن ناحية أخرى في أعقاب الانعطافة الإسرائيلية – الفرنسية – العربية حيال سوريا وبرعاية تركية للانسحاب من الجولان السوري المحتل، من أجل إعادة استيعاب سوريا في "آسرة الشعوب"، واستمالةً لسياسة إسرائيل في تحييد الجبهات وذلك لضمان استتباب الأمن على جبهاتها المترامية الساخنة في خطوة لاحتواء النفوذ الإقليمي لإيران، والمحور الثالث هو قطاع غزة واحتواء حركة حماس التي تصنفها الولايات المتحدة ضمن محور الشر، لنكون أمام خيارين "الاحتواء وسحب البساط من تحت أقدام إيران كما تفعل مع سوريا أو اللجوء للخيار الثاني بتوجيه ضربة لها في غزة"، وتبقى المرحلة القادمة حاسمة جداً في تاريخ الصراع في منطقة الشرق الأوسط، من إقدام الولايات المتحدة على خطوة جريئة قد تكون في الغالب بتوجيه ضربة عسكرية بإشراك إسرائيل إلى المفاعلات النووية الإيرانية قبل رحيل الرئيس بوش؛ وكما قالت رايس أننا نشهد ميلاد عسير للشرق الأوسط، بالتالي التلويح بورقة الحرب أو شن عملية عسكرية واسعة بهدف إرهاب الدول العربية والإقليمية وأيضاً الفصائل الفلسطينية المقاومة وقادتها من أجل ابتزازهم ودفعهم للجلوس على مائدة المفاوضات، وتوقيع اتفاقات بأببخس الأثمان، مما ينعكس سلباً على مجمل القضية الفلسطينية وثوابت المقاومة الطاهرة في الشارع الفلسطيني والعربي وتحويرها لمقاومة عبئية وعبثية تحفظ أمن الكيان، وتقهر شعبها. وتصبح مطالبنا مقتصرة على الاحتياجات الإنسانية بعد أن انخفض المستوى الخطابي الفلسطيني فأصبح عنوانه "الأمن مقابل الغذاء"، بدلاً من الأرض مقابل السلام ... بعيداً عن القضايا السياسية قضايا الدولة الكبرى (الحدود والجدار والاستيطان واللاجئين والقدس الذي يتعرض لأكبر هجمة.
أما على صعيد حركة حماس؛ التي ستنال الثقة من التهدئة خاصة وأنها تضم فتح المعابر وهو ما سيخفف الضائقة الاقتصادية والاجتماعية على سكان القطاع، الذي يعاني من سجن كبير، وهذه الحقيقة ستزيد من الدعم السياسي والشرعية التي تحظى بها حماس ليس فقط، وإنما أيضاً في الضفة، لأنها من تقود الصفقة لكنها تأتي على حساب الرئيس محمود عباس بصفته المسئول ورئيس السلطة المنتخبة، بل ستنعكس على المفاوض الفلسطيني الذي يناضل من أجل انتزاع الحقوق الوطنية، بالتالي ستدخل المنافسة جدالاً جديداً حول مفهوم التهدئة وسقفه مع الاحتلال والخشية من أن يكون مشروع التهدئة الذي يفتقر إلى شرعية وحاضنة أن يصبح بديلاً عن اتفاق السلام و الاستحقاقات الوطنية التي كفلها المنتظم الدولي، لاسيما وأن الأطراف المتصارعة مرهقة، والخوض في مفاوضات معقدة شاقاً ليبقى البديل التهدئة فمثلاً : مصر وضعها الأمني الداخلي غير مستقر من مطالب الأقباط – ومطالب التيار السياسي الإسلامي "الإخوان المسلمين" – والدعوة للإصلاح والدمقراطة كما طالبها بوش– ومشكلة الفقر والبطالة و... فهي ليست بحاجة إلى تحديات أخرى خاصة بعد أن هددت حركة حماس وعلى لسان قادتها باجتياح معبر رفح بالقوة.، إسرائيل هي الأخرى ستحصن مستوطناتها الجنوبية كأولوية وستعمل على جمع المعلومات الاستخبارتية، لتتجنب الوقوع في مستنقع غزة حتى لا تكون أمام تقرير فينوغراد ثاني، فهي لن تترك الصيد الثمين في قطاع غزة، وترى في نجاح المبادرة المصرية للتهدئة مقدمة لإلقاء غزة في الملعب المصري وتحمل مسئولياته من جديد ما دام أنها ضمنت عودة شاليط سالماً لأهله وضمان الاعتراف والإقرار بالتهدئة وشروطها الأمنية من الفصائل الفلسطينية، والتخلي عن المشروع الاستراتيجي للنضال الفلسطيني كخيار لتحرير الأرض والمقدسات من جرائم الاحتلال، بالتالي هذا الإقرار له انعكاساته المختلفة على مجمل الصراع داخلياً وخارجياً وسيحرج الفصائل أنفسها أمام بعضها خاصة في ظل استمرار الجرائم الإسرائيلية في مدن الضفة والخروقات في غزة، بالتالي هي معنية بتعزيز الانقسام الفلسطيني لا سيما بعد أن أوهمت الطرف المسيطر على غزة بأنه أمام اختبار حتى يثبت ذاته للعالم على أنه قادراً على ضبط الأمن في قطاع غزة، والثمن أن ينال الشرعية الدولية على خريطة العمل السياسي.. وأخيراً نقول أن التهدئة لنا كفلسطينيين هي استراحة مقاتل بعد أن أصبحت وظيفتنا هو فتح بيوت للعزاء هنا وهناك.
كاتب وباحث

ليست هناك تعليقات: