الكولونيل شربل بركات
يوم تخلى العالم عن لبنان ودوره في استقرار المنطقة بحسب نظريات بعض الديماغوجيين أمثال وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر في 1973 الذي أقر بدور سوريا في توازن المنطقة بعد حرب تشرين وبالتالي في فرض رؤيتها بشأن لبنان الدولة، كان هناك خللا أساسيا في النظرة القيمية في توجه الغرب الذي طالما نادى، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، بحق الشعوب بتقرير المصير وبمساندة الدول الديمقراطية بمواجهة الأنظمة التوتاليتارية.
فهل كان كيسينجر مهندس السلام في الشرق الأقصى يتخلى عن لبنان وديمقراطيته الدقيقة مقابل سيطرة الفلسطينيين على جزء منه وإقامة دولتهم، كما يقول البعض، وبالتالي انتفاء الأسباب لقيام دولة فلسطينية على جزء من أرض إسرائيل؟
أم أنه، كما يقول آخرون، كان يرمي إلى جر الاتحاد السوفياتي إلى لعبة حروب جديدة تؤدي إلى سقوط الكتلة الشرقية في صراع مع القوى الإسلامية التي اعتمدت على الوهابية وأصوليتها لتنقض هيكل الأممية الشيوعية التي كان نادى بها كارل ماركس ولينين وغيرهم من آباء الشيوعية والتي كانت أوصلت الصين لتصبح اللاعب الأساس في الشرق الأقصى فتطرد تباعا الفرنسيين والأمريكيين من جنوب شرق آسيا وتهدد تايوان واليابان؟
لا شك أن حرب لبنان وسيطرة منظمة التحرير التي قادها عرفات على غرب بيروت أوقفت موضوع تحرير فلسطين وألهت العروبيين و"الثوريين الدوليين" عن العمل لقلب مزيد من الأنظمة مؤقتا حتى تتمكن الثورة الفلسطينية من تأمين "طريق القدس" التي تمر، دون شك، بجونيه. وبالتالي تحول المشروع الذي تغطى خلفه كل الثوريين العرب وطروحاتهم في العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق البروليتاريا، إلى عودة واضحة نحو أحلام الفتوحات الإسلامية والخلافة. وإذا بجورج حبش وجورج حاوي وغيرهم من الثوريين يصبحون في المعادلة الجديدة خوارج ويضطر صدام حسين أن يشهر إسلام ميشال عفلق ليجري له مراسم دفن رسمية. فهل خطط الغرب وكيسينجر أيضا لهذه الردة؟
إذا كان هذا صحيحا فإن كيسينجر إذا قد ساهم في خلق مشكلة أفغانستان للسوفيات وبالتالي فإن مشروع حرب النجوم الذي بدأه الرئيس ريغن لم يفعل إلا إكمال التغيير في موازين القوى ما سرّع في انحلال الكتلة الشرقية لاحقا.
ولكن خطر هذه الكتلة في الحرب الباردة بين الشرق والغرب والذي أوصل إلى توازن قوى فرض نوعا من السلم الحذر بين أكبر قوتين ونوعا من التفاهم على أغلب الأمور، لن يحصل مع الإسلاميين الجدد الذين سيسيطرون كما يخططون على منابع النفط من وسط آسيا إلى البحر المتوسط وشمال أفريقيا ويهددون منذ اليوم، ليس فقط بإنشاء دولة عربية في فلسطين أو بإعادة اللاجئين إليها، بل بالقضاء على دولة إسرائيل وإعادة اليهود الذين هربوا من ظلم هتلر في نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى أوروبا أو رميهم في البحر وبإكمال الفتح الذي كان توقف في بواتييه زمن رولان في القرن الثامن وفي فيينا في القرن الخامس عشر وتهديد قلب الدول الحديثة في أميركا وأوروبا وأوقيانيا.
ما نريد أن نقوله أن محاربة الكتلة الشرقية في لبنان وبأجساد اللبنانيين لم يكن مبررا، ولا ترك لبنان يقع تحت عبء الفاقة والحرب طيلة ثلاثين سنة، كما لن يكون مبررا أيضا محاربة أميركا أو الغرب في لبنان، ولا حتى إسرائيل التي تتفاوض مع الفلسطينيين على التفاصيل ويتسابق العرب على توقيع السلام معها.
ولن يجدي نفعا أن نحاول، تحت أية شعارات، أن نستقوي بالآخرين ضد بعض، إن كان هؤلاء الآخرين أموال البترول السعودي أو "المال الحلال" الإيراني، أو أسلحة السوفيات وحلف وارسو، أو أسلحة الثورة الخمينية أو القاعدة وغيرها.
ولا يمكن أن يفرض على أبناء لبنان أن يبقى البلد ساحة لتصفية خلافات الآخرين كائنا من كان هؤلاء، لأن بقاءه مشروع حرب سيشعل المنطقة عاجلا أم آجلا، وهذا ما اقتنع به المجتمع الدولي يوم قرر أن يحرر لبنان من تبعات المشاريع التي فرضت عليه، فكان القرار 1559 وكان الدعم الدولي لحكومته، ولكن اللبنانيين الذين اعتقدوا بأن "المصلحة العامة هي مجموعة المصالح الشخصية" لم يقدروا أن يستوعبوا ما هو الوطن بعد، ولذا فهم مهما فعلوا لن يستطيعوا أن يسيروا بالوطن إلى شاطئ الأمان لأن "المصلحة العامة هي القاسم المشترك للمصالح الشخصية" وليس مجموعها، وعندما نعرف الفرق بين هذين التحديدين نبدأ باستيعاب المشكلة وبتفهم الحلول؛ فالوطن الذي لا تبنيه أحلام أبنائه وطموحاتهم وتضحياتهم لا يمكن لدول العالم مجتمعة أن تبنيه، والقهر إنما يولد الثورة والاتكال على الآخرين لن يخرج أحدا من المستنقع، فالآخرون يمكنهم المساعدة ولكنهم لن يعرفوا ما في داخل البيت ولا هم قادرون على التعاون من أجل النهوض.
الحل إذا يكمن في إصرار اللبنانيين على تحرير نفوسهم أولا من المصالح الشخصية أو الفئوية الضيقة والتوجه نحو بناء دولة تسعى إلى السلم وتعمل في سبيل الخير لبنيها أولا ومن ثم لكل جيرانها الأقربين والأبعدين، ولا سلاح فيها إلا سلاح الدولة، ولا سلطة تقوم على قهر الناس، ولا استتباع أو استزلام لأي كان لأن لبنان موطن الكل وموئل الأحرار.
ولكن الواجب أن نقاوم الخطأ ونظهره لكي نتخطاه لا أن نسايره ونخافه ونحاول التعايش معه بانتظار أن يأتي من يغيره لأن مصالحه تغيرت، فالدول لا تبنى بالتمني والأوطان لا تحصن بالصلوات فقط، وبانتظار رحمة السماء فإن الله سبحانه يقول:"قم يا عبدي فأقوم معك".
فلا الأمم المتحدة ولا الولايات المتحدة ولا أوروبا أو الصين أو السعودية أو مصر سيدافعون عن اللبنانيين وحقهم بالحياة، ويعرفون كيف تبنى الدولة وكيف تسقط، ولا إيران أو سوريا أو إسرائيل سوف يقدرون على فرض هيمنة أو تغيير معادلة أو استعباد حر، لأن الحرية قناعة شخصية وإيمان داخلي ينعكسان ثقة بالنفس ودافعا للصمود وعدم الرضوخ وحافزا للعمل من أجل التغيير، والأوطان التي ينعم بنوها بهذه الصفات تقوم ولو كبت، إنما تلك التي ينتظر أبناؤها أن تأتيهم الحلول المعلبة خالصة جاهزة فتلك لا تقوم لها قائمة ولو سندها ألف نظام وأيدها ألف طاغية.
فيا أيها اللبنانيون شمروا عن سواعدكم وكفوا عن البكاء أو التهويل بالغير، ولكن في نفس الوقت توقفوا عن المغالاة والتباهي فلكل ظلم نهاية ولكل جبار يوم ومهما برع البعض في الدعاية والتسويق فإن الحق لا بد سيظهر والخير سينتصر بنعمة الإيمان الصحيح الذي يعرف الرحمة ويحافظ على كرامة الناس ويعترف بالخطأ ساعة يحصل، لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة.
فهل سيقوم لبنان بعد كل ما حصل؟ وهل سيفهم أبناؤه بأن الهدف يجب أن يكون أهم من الوسيلة، والوطن أهم من المناصب؟
يوم تخلى العالم عن لبنان ودوره في استقرار المنطقة بحسب نظريات بعض الديماغوجيين أمثال وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر في 1973 الذي أقر بدور سوريا في توازن المنطقة بعد حرب تشرين وبالتالي في فرض رؤيتها بشأن لبنان الدولة، كان هناك خللا أساسيا في النظرة القيمية في توجه الغرب الذي طالما نادى، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، بحق الشعوب بتقرير المصير وبمساندة الدول الديمقراطية بمواجهة الأنظمة التوتاليتارية.
فهل كان كيسينجر مهندس السلام في الشرق الأقصى يتخلى عن لبنان وديمقراطيته الدقيقة مقابل سيطرة الفلسطينيين على جزء منه وإقامة دولتهم، كما يقول البعض، وبالتالي انتفاء الأسباب لقيام دولة فلسطينية على جزء من أرض إسرائيل؟
أم أنه، كما يقول آخرون، كان يرمي إلى جر الاتحاد السوفياتي إلى لعبة حروب جديدة تؤدي إلى سقوط الكتلة الشرقية في صراع مع القوى الإسلامية التي اعتمدت على الوهابية وأصوليتها لتنقض هيكل الأممية الشيوعية التي كان نادى بها كارل ماركس ولينين وغيرهم من آباء الشيوعية والتي كانت أوصلت الصين لتصبح اللاعب الأساس في الشرق الأقصى فتطرد تباعا الفرنسيين والأمريكيين من جنوب شرق آسيا وتهدد تايوان واليابان؟
لا شك أن حرب لبنان وسيطرة منظمة التحرير التي قادها عرفات على غرب بيروت أوقفت موضوع تحرير فلسطين وألهت العروبيين و"الثوريين الدوليين" عن العمل لقلب مزيد من الأنظمة مؤقتا حتى تتمكن الثورة الفلسطينية من تأمين "طريق القدس" التي تمر، دون شك، بجونيه. وبالتالي تحول المشروع الذي تغطى خلفه كل الثوريين العرب وطروحاتهم في العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق البروليتاريا، إلى عودة واضحة نحو أحلام الفتوحات الإسلامية والخلافة. وإذا بجورج حبش وجورج حاوي وغيرهم من الثوريين يصبحون في المعادلة الجديدة خوارج ويضطر صدام حسين أن يشهر إسلام ميشال عفلق ليجري له مراسم دفن رسمية. فهل خطط الغرب وكيسينجر أيضا لهذه الردة؟
إذا كان هذا صحيحا فإن كيسينجر إذا قد ساهم في خلق مشكلة أفغانستان للسوفيات وبالتالي فإن مشروع حرب النجوم الذي بدأه الرئيس ريغن لم يفعل إلا إكمال التغيير في موازين القوى ما سرّع في انحلال الكتلة الشرقية لاحقا.
ولكن خطر هذه الكتلة في الحرب الباردة بين الشرق والغرب والذي أوصل إلى توازن قوى فرض نوعا من السلم الحذر بين أكبر قوتين ونوعا من التفاهم على أغلب الأمور، لن يحصل مع الإسلاميين الجدد الذين سيسيطرون كما يخططون على منابع النفط من وسط آسيا إلى البحر المتوسط وشمال أفريقيا ويهددون منذ اليوم، ليس فقط بإنشاء دولة عربية في فلسطين أو بإعادة اللاجئين إليها، بل بالقضاء على دولة إسرائيل وإعادة اليهود الذين هربوا من ظلم هتلر في نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى أوروبا أو رميهم في البحر وبإكمال الفتح الذي كان توقف في بواتييه زمن رولان في القرن الثامن وفي فيينا في القرن الخامس عشر وتهديد قلب الدول الحديثة في أميركا وأوروبا وأوقيانيا.
ما نريد أن نقوله أن محاربة الكتلة الشرقية في لبنان وبأجساد اللبنانيين لم يكن مبررا، ولا ترك لبنان يقع تحت عبء الفاقة والحرب طيلة ثلاثين سنة، كما لن يكون مبررا أيضا محاربة أميركا أو الغرب في لبنان، ولا حتى إسرائيل التي تتفاوض مع الفلسطينيين على التفاصيل ويتسابق العرب على توقيع السلام معها.
ولن يجدي نفعا أن نحاول، تحت أية شعارات، أن نستقوي بالآخرين ضد بعض، إن كان هؤلاء الآخرين أموال البترول السعودي أو "المال الحلال" الإيراني، أو أسلحة السوفيات وحلف وارسو، أو أسلحة الثورة الخمينية أو القاعدة وغيرها.
ولا يمكن أن يفرض على أبناء لبنان أن يبقى البلد ساحة لتصفية خلافات الآخرين كائنا من كان هؤلاء، لأن بقاءه مشروع حرب سيشعل المنطقة عاجلا أم آجلا، وهذا ما اقتنع به المجتمع الدولي يوم قرر أن يحرر لبنان من تبعات المشاريع التي فرضت عليه، فكان القرار 1559 وكان الدعم الدولي لحكومته، ولكن اللبنانيين الذين اعتقدوا بأن "المصلحة العامة هي مجموعة المصالح الشخصية" لم يقدروا أن يستوعبوا ما هو الوطن بعد، ولذا فهم مهما فعلوا لن يستطيعوا أن يسيروا بالوطن إلى شاطئ الأمان لأن "المصلحة العامة هي القاسم المشترك للمصالح الشخصية" وليس مجموعها، وعندما نعرف الفرق بين هذين التحديدين نبدأ باستيعاب المشكلة وبتفهم الحلول؛ فالوطن الذي لا تبنيه أحلام أبنائه وطموحاتهم وتضحياتهم لا يمكن لدول العالم مجتمعة أن تبنيه، والقهر إنما يولد الثورة والاتكال على الآخرين لن يخرج أحدا من المستنقع، فالآخرون يمكنهم المساعدة ولكنهم لن يعرفوا ما في داخل البيت ولا هم قادرون على التعاون من أجل النهوض.
الحل إذا يكمن في إصرار اللبنانيين على تحرير نفوسهم أولا من المصالح الشخصية أو الفئوية الضيقة والتوجه نحو بناء دولة تسعى إلى السلم وتعمل في سبيل الخير لبنيها أولا ومن ثم لكل جيرانها الأقربين والأبعدين، ولا سلاح فيها إلا سلاح الدولة، ولا سلطة تقوم على قهر الناس، ولا استتباع أو استزلام لأي كان لأن لبنان موطن الكل وموئل الأحرار.
ولكن الواجب أن نقاوم الخطأ ونظهره لكي نتخطاه لا أن نسايره ونخافه ونحاول التعايش معه بانتظار أن يأتي من يغيره لأن مصالحه تغيرت، فالدول لا تبنى بالتمني والأوطان لا تحصن بالصلوات فقط، وبانتظار رحمة السماء فإن الله سبحانه يقول:"قم يا عبدي فأقوم معك".
فلا الأمم المتحدة ولا الولايات المتحدة ولا أوروبا أو الصين أو السعودية أو مصر سيدافعون عن اللبنانيين وحقهم بالحياة، ويعرفون كيف تبنى الدولة وكيف تسقط، ولا إيران أو سوريا أو إسرائيل سوف يقدرون على فرض هيمنة أو تغيير معادلة أو استعباد حر، لأن الحرية قناعة شخصية وإيمان داخلي ينعكسان ثقة بالنفس ودافعا للصمود وعدم الرضوخ وحافزا للعمل من أجل التغيير، والأوطان التي ينعم بنوها بهذه الصفات تقوم ولو كبت، إنما تلك التي ينتظر أبناؤها أن تأتيهم الحلول المعلبة خالصة جاهزة فتلك لا تقوم لها قائمة ولو سندها ألف نظام وأيدها ألف طاغية.
فيا أيها اللبنانيون شمروا عن سواعدكم وكفوا عن البكاء أو التهويل بالغير، ولكن في نفس الوقت توقفوا عن المغالاة والتباهي فلكل ظلم نهاية ولكل جبار يوم ومهما برع البعض في الدعاية والتسويق فإن الحق لا بد سيظهر والخير سينتصر بنعمة الإيمان الصحيح الذي يعرف الرحمة ويحافظ على كرامة الناس ويعترف بالخطأ ساعة يحصل، لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة.
فهل سيقوم لبنان بعد كل ما حصل؟ وهل سيفهم أبناؤه بأن الهدف يجب أن يكون أهم من الوسيلة، والوطن أهم من المناصب؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق