السبت، يونيو 14، 2008

حول المعاهدة الأمنية الأمريكية العراقية

د. عدنان الظاهر
أولاً :
قال رئيس حكومة إقليم شمال العراق نيجيرفان بارزاني إن [[ «الأكراد يدعمون الاتفاق الاستراتيجي بين العراق وأميركا»، وأكد «جدية دولة الإمارات العربية المتحدة في تنفيذ مشاريع في شمال العراق .واستعرض بارزاني، خلال الاجتماع الذي عقده مع أعضاء الحكومة الكردية، تفاصيل محادثاته في الولايات المتحدة، وقال إنه التقى الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وعدداً من كبار المسؤولين في واشنطن. وأشار الى أن محاور النقاش التي تناولتها المحادثات الأميركية - الكردية تركزت على «الاتفاق الاستراتيجي وقانون النفط وتنفيذ المادة 140 الخاصة بكركوك ومناقشة دور الأمم المتحدة في تنفيذها»، مؤكداً دعم الأكراد للمعاهدة الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة.وتثير المعاهدة، المتوقع عقدها بين بغداد وواشنطن، جدلاً واسعاً بين أبرز أقطاب القوى السياسية في الساحة العراقية، ففي حين أجمع الشيعة والسنّة على رفضها، لما فيها من انتهاك لسيادة العراق، أعلنت حكومة اقليم شمال العراق أن «أي اتفاق من شأنه الحفاظ على أمن العراق مُرحب به»وكان الناطق باسم حكومة الاقليم جمال عبدالله قال إن «عقد اتفاقات لحفظ الأمن في العراق ضروري جداً، ومن التهور رفض مثل هذه الاتفاقات سواء كانت مع أميركا أو مع أي دولة صديقة أخرى»، مشيراً الى عدم «اكتمال قدرة العراق على حماية نفسه بنفسه».على صعيد آخر، أكد بارزاني جدية دولة الإمارات العربية المتحدة في إقامة مشاريع استثمارية في شمال العراق ... ]] .
إنتهى تصريح السيد نيجريفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق لأعضاء حكومته مستعرضاً نتائج زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولقاءاته مع كبار المسؤولين الأمريكيين . ما وجه الغرابة في مثل هذه التصريحات ؟ أرى أنَّ فيها أكثر من أمر غريب وأكثر من مسألة مستغربة . ليزرْ السيد نيجريفان مّن يزرْ من بلدان وعواصم ولكن أنْ يلتقي برئيس جمهوية الولايات المتحدة الأمريكية ونائبه ديك جيني ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس فهذه أمور لا أتصور أنها حدثت في زماننا المعاصر . كيف يلتقي المستر بوش برئيس إقليم أصغر من ولاية كالفورنيا مساحة ً وربما أقل نفوساً ؟؟ لا تسمح البروتوكولات الدولية المتعارف عليها بمثل هذه اللقاءات . طيب ، وافق صاحب الدار والضيافة الرئيس الأمريكي المستر بوُش على لقاء السيد نيجريفان بارزاني ولكن ، كيف سمح له أن يناقشه في مسائل حساسة وبعضها شديد الإلتهاب وكلها تدخل ضمن صلاحيات الحكومة العراقية في بغداد وليس في أربيل ؟ أعني مسألة الإتفاقية الأمنية المزمع عقدها بين حكومة العراق والإدارة الأمريكية الحالية والمفاوضات بشأنها جارية على قدم وساق بين فريق عراقي وآخر أمريكي . ألا يحرج موقفُ السيد نيجريفان هذا الحكومة َ العراقية ؟ أفلا يحرج كلاً من وزير خارجية العراق السيد هوشيار زيباري ( وهو قريب نيجريفان بالدم والرحم ) وهو مساهم في المفاوضات الجارية حاليا ً ، كما سمعنا ، أسوة ً بالسيد برهم صالح وكلاهما من الإخوة الكرد العراقيين ؟ ثم َّ مسألة قانون النفط والغاز والمادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بوضع كركوك .
ألا يخل ُّ بشكل ما تأكيد السيد ناجريفان بارزاني على [[ دعم الأكراد للمعاهدة الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة ]] ويؤثر على مجمل مواقف الوفد العراقي المفاوض وهو أصلاً وفد ضعيف بحكم الواقع الراهن في العراق ؟ أليس الأكراد جزءاً من الشعب العراقي ؟ إذا ً علامَ هذا التسرع والتفرد في تثبيت المواقف الشديدة الخطورة ؟ لماذا يعزل الكرد أنفسهم عن باقي مكوِّنات الشعب العراقي ؟ هذا كلام خطير يصدر من مسؤول كردي عالي المستوى في مقاييس اليوم . كنا نقبله لو كان صادراً من مواطن عراقي آخر سواء ً أكانَ كردياً أوعربياً .
ثانيا ً :
المثقفون والإتفاقية
يثير إستغرابي ودهشتي بعض الأخوة المثقفين فيما يكتبون عن هذه الإتفاقية مدافعين عنها وعن نظافة وشرف الإدارة الأمريكية بشكل غير مقبول أبداً . إنهم للأسف الشديد يجمعون الأدلة ويستشهدون حقاً وباطلاً بالكثير من أمثلة التأريخ والحوادث لكي يزكّوا سياسات الحكومات الأمريكية المتعاقبة ويلمعون وجهها لإظهارها ملاكاً طاهرَ الذيل واللسان ليس من هم لها إلا الدمقراطية وحرية الشعوب !! لا أعدد جرائم أمريكا بحق الشعوب فإنها معروفة وما زال جيلنا يتذكر قنابل أمريكا النووية فوق مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في شهر آب عام 1945 . وما زلنا نتذكر جرائم ووحشية الجيش الأمريكي في فيتنام. وسوف لا ينسى جيلنا ما دبرت أمريكا من إنقلابات عسكرية وإنقلابات مضادة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية أكثرها شهرة إنقلاب الكونغو أوائل ستينيات القرن الماضي ضد بياتريس لومومبا وإنقلاب الثامن من شباط 1963 في العراق ثم الإنقلاب الشهير في شيللي في شهر أيلول من عام 1973 ضد سلفادور الليندي . يطالبنا هؤلاء الأخوة الغارقون في الطوباوية وأحلام اليقظة وبخور تحشيشة الغرام الأمريكي ... يطالبوننا أن ننسى تأريخ أمريكا الأسود وأنْ نفتح لها ومعها صفحات ٍ بيضا ً جُددا ً لكي نهنأ ونتنعم بعصر العالم الأوحد والعولمة السرطانية . أجل ْ ، خشيتي على ، وليس من ، هؤلاء المثقفين بل وجزعي الشديد من إنزلاقهم في منحدر مقارنات لا تصح ولا يمكن أن تصح َّ بين ما هو جارٍ في العراق اليوم وما جرى لبلدانَ آخَرَ مثل اليابان وألمانيا إثر الحرب العالمية الثانية . يقولون فليوقع العراق معاهدات كتلك التي وقعتها اليابان وألمانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية !! يا ناس !! أليس في رؤوسكم عيون ؟؟ الوضع مختلف جذرياً وكلياً يا ناس !! عودوا لرشدكم ... فكروا قليلاً لعلكم تهتدون إلى وضع أيديكم على الفوارق الكبيرة . خسرت ألمانيا واليابان الحرب ووقعتا صكوك الإستسلام لأمريكا وحلفائها الذين قاتلوا كلا من اليابان والمانيا . وقع إمبراطور اليابان نفسه على وثائق الإستسلام غير المشروط . كذلك فعل بعض جنرالات وماريشالات الجيش الألماني ولا أتذكر أسماءهم . كانت ألمانيا واليابان دولتين معتديتين ثم خسرتا الحرب ونالهما ما نالهما من دمار غير مسبوق . لم يعتد ِ العراق على أمريكا ولا على أي ٍّ من حلفائها بإستثناء غزوه الغادر للكويت في الثاني من شهر آب 1990 وما كانت الكويت يومذاك حليفاً ستراتيجياً لأمريكا. وحين هرب مجرم الحروب صدام حسين وقادته العسكريون والمدنيون أو سلموا أنفسهم لقوات الإحتلال لم يجبرهم أحد ٌ على التوقيع على وثيقة إستسلام غير مشروط . هل حاولت ذلك أمريكا مع صدام حسين خلال فترة إعتقاله لدى قواتها العاملة في العراق ؟ هل حاولت لكنه رفض التوقيع على مثل هذه الوثيقة ؟ لا أحد يدري غير قوات الإحتلال الأمريكية وربما بعض حلفائها وخاصة ً إسرائيل . لم يستسلم العراق رسميا ً فعلام تكبيله بمعاهدات أمنية وإتفاقيات عسكرية وإجباره أو إغرائه على منح القوات المحتلة قواعدَ ثابتة وأخرى متحركة ووجوداً طويل الأمد ؟ قال السيد المالكي قبل بضعة أيام ما معناه (( المعاهدة مع أمريكا ضرورية لأنها كفيلة بإخراج العراق من طائلة البند السابع )) . لعمري !! أيها العراقيون إختاروا بين بند عقوبات صارمة غير إنسانية فرضته أمريكا على مجلس الأمن ... أو الخلاص من نيره وقيوده بإبرام معاهدة طويلة الأمد تمنح أمريكا حرية إستباحة أجواء ومياه العراق الإقليمية وحق إقامة قواعد عسكرية وحصانة مقدسة لأفراد قواتها العسكرية العاملة في العراق وكذلك عناصر مرتزقة شركات الحماية والأمن ... كالمستجير من الرمضاء بالنار . أيها الناس !! ما الذي منع ويمنع أمريكا من رفع البند السابع ومجلس الأمن هو الآخر آلة بيد أمريكا تحركه كما تشاء وحيثما تشاء ؟ زالت حيثيات ومبررات هذا البند بمجرد سقوط نظام صدام حسين الذي كان يهدد الأمن والسلم الدوليين حسب مزاعمهم . أليس إحتلال العراق تهديدا ً للأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط في الأقل ؟ نعم ، سقط البند السابع تلقائيا ً بإختفاء مبررات وجوده لكنَّ لأمريكا حساباتها الأخرى التي لا أريد الخوض فيها في مقالي هذا .
ثالثاً
كما آلمني بعض الأخوة من حسني النوايا بأمريكا إلى حد السذاجة في قولهم إنَّ أمريكا لا تفرض قواعدها على أحد وإنها تنسحب من قواعدها حين يُطلبُ ذلك منها ويضربون بعض الأمثلة لتعزيز حجتهم . أود تذكير هؤلاء الإخوة بالمثلين الآتيين : المثال الأول من كوبا حيث ما زالت تطالب بإنسحاب أمريكا من قاعدتها في كوانتانامو ولكنَّ أمريكا ترفض وتصر على موقفها الرافض . المثال الثاني من اليابان حيث ما فتئت تطالب أمريكا تسليمها جزيرة أوكيناوا اليابانية ولكن َّ أمريكا ترفض ذلك !!
فليعبر العراقيون عن وجهات نظرهم وإجتهاداتهم ورؤاهم بشأن هذه المعاهدة وما يتبعها وما يتفرع عنها من إتفاقيات فلهم كل الحق في مناقشة بنودها بنداً بنداً في حال كشفها للملأ والإعلان عن أسماء الوفد العراقي المفاوض وإطلاع هذا الملأ على دقائق ما يجري وما يُنجز وما يتم الإتفاق أو الإختلاف بشأنه بين أطراف التفاوض . من حق العراقيين معرفة ذلك وإبداء الرأي وهو ما يجري في الواقع اليوم ولكن دون معرفة تفاصيل مُسوَّدة المعاهدة وباقي الإتفاقيات . فلتكشف حكومة السيد نوري كامل المالكي المخبوء فوقوف العراقيين معها وإسنادها أمران ضروريان إلى أقصى حد فإنها كحكومة ضعيفة أمام الإدارة الأمريكية الحالية وقواتها المسلحة تحتل العراق وتتحكم في الكثير من أموره العسكرية والسياسية والمالية ... فضلاً عن ضعفها أمام فريق التفاوض الأمريكي الذي هو في واقع الحال إمتداد عسكري للجيش الأمريكي من جهة وإمتداد سياسي لإدارة المستر بوش والبيت الأبيض من الجهة الأخرى . أي أنه يجمع قوتي البنتاكون والبيت الأبيض وربما القوى الأسطورية الجهنمية لمعاهد وبيوتات المال والإقتصاد وشركات النفط الأمريكية ... فمن هم أعضاء الوفد العراقي المفاوض وما إختصاصاتهم وما مصادر وأسس قواهم التفاوضية ؟؟


لا ضررَ ولا من عيب إذا ما إنقسم الناس إلى فريق مع الإتفاقيات والمعاهدة وفريق ضدها فإنَّ ذلك دليل نقاء ما يتنفس الناس من هواء وصحة الأجواء التي فيها يتحركون ويفكرون ويتنفسون. ليس في الإنفتاح من ضرر ولكن الضرر الفادح والخطر في الإنغلاق والتكتم والخشية من مفاتحة العراقيين بما يجري وراء الكواليس المعتمة أو المشبوهة .
كلمة أخيرة : إني أتحفظ صراحةً ً على بعض العناصر الداخلة في تركيبة الفريق العراقي المفاوض التي سربتها بعض الأنباء ... وسبب تحفظاتي على هذه العناصر هو ولاؤها المطلق للولايات المتحدة الأمريكية أي إنها منحازة لأمريكا بشكل أعمى وترى مصالحها جزءا لا يتجزأ من مصالح أمريكا في العراق وعموم منطقة الشرق الأوسط . فهل تصلح أساسا ً مثل هذه العناصر للتفاوض وتمثيل الجانب العراقي وهي أمريكية أكثر من الأمريكان وملكية أكثر من الملك ؟!

ليست هناك تعليقات: