راسم عبيدات
..... اليسار الفلسطيني بمختلف مكونات طيفه وتعبيره السياسي، كان له إسهاماته الكبيرة والكثيرة ومازالت الى حد ما ،والتي أغنت وأثرت التجربة والساحة الفلسطينية في مختلف ميادين الفعل والكفاح والنضال،والعمل المجتمعي والجماهيري بمختلف أشكاله،بل كان اليسار الفلسطيني في دور الريادة والقيادة في أساليب العمل السري والتنظيمي،وكذلك العمل الجماهيري،وكان هذا اليسار مكون رئيسي في بلورة الهوية والكيانية الفلسطينية، وله دور بارز في صوغ برامجها وتوجهاتها وتصوراتها وقراراتها،ورغم الثمن المكلف والباهظ الذي دفعته قوى اليسار الفلسطيني دماً وسجون ومطاردة وملاحقة وحصار في سبيل الثبات على مواقفها والدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية،والانحياز للطبقة العاملة فكراً وممارسة،إلا أنها أخفقت في أن تحفر لنفسها مكانة عميقة في الوجدان والذاكرة الشعبية الفلسطينية،وكذلك عجزت أن تكون وتتحول إلى أحزاب جماهيرية بالمعنى الكامل،بل ما نراه اليوم أن هذا اليسار معضلاته واستعصاءاته وأزماته ما زال يغلب عليها العمق والشمولية،وبما يهدد مستقبله، وينقله من الدور القائد والشريك في النظام السياسي الفلسطيني م-ت-ف إلى دور التبعية والتهميش في الخارطة السياسية الفلسطينية،وفي مجمل الحياة المجتمعية الفلسطينية،أن بقي يتعامل مع أزماته في إطار من النمطية والرتابة العاليتين،وتغّيب لغة المبادرة والإبداع والفعل،وإجادة لغة النقد والتحليل دون وضع البدائل العملية ووضعها موضع التنفيذ.
ورغم الحديث المتكرر عن تشكيل جبهة يسارية موحدة،كمقدمة لجبهة ديمقراطية عريضة،تضم كافة القوى المؤمنة بالخيار الديمقراطي،لتحقيق نوع من التوازن الداخلي أمام قطبي فتح وحماس، وبما يشكل حماية للبرنامج والمشروع الوطني من التبدد والضياع،بفعل سياسات الانقسام والخيارات السياسية المطروحة،وما يجري في المجتمع من تحولات تحد من التعددية وحرية الرأي والتعبير،وفرض قيم غريبة على المجتمع،تتعارض مع كل قيم الحداثة والتنوير،ولعل ما يجري على الأرض من ممارسات كالحملة المسعورة على مهرجان الرقص الشعبي،الذي قامت علية سرية رام الله الأولى قبل حوالي شهر،وإحراق العديد من المطاعم والمقاهي ومراكز ومحلات"الانترنت" وغيرها،ناقوس خطر يجب أن يدق أمام كل قوى الحداثة والتنوير.
والحوارات التي تجري في دمشق وغزة بين الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب،لتشكيل جبهة يسارية موحدة،رغم كونها خطوة ملحة وضرورية وفي الاتجاه الصحيح،ومطلب قواعد وأنصار تلك القوى وقطاعات واسعة من جماهير شعبنا،والتي ترى في تلك القوى معبراً عن همومها ومصالحها وتطلعاتها،وحاجة موضوعية في المجتمع الفلسطيني،ولكن استمرار شرذمتها وانقساماتها وتعدد تعبيراتها السياسية والتنظيمية،والضبابية العالية التي تلف برامجها ورؤيتها ومواقفها السياسية،وخصوصاً في القضايا المفصلية،حيث ظهرت تلك القوى في مرحلة الخلاف والاقتتال الداخلي بين فتح وحماس،وما قامت به حماس من حسم عسكري لاحقاً في القطاع، بدور التابع والمتذيل لهذا الفريق أو ذاك،بدلاً من تشكل رؤيتها ومواقفها وبرنامجها الخاص بؤرة استقطاب والتفاف للجماهير حولها وبما يمكن من بناء قطب سياسي أمام حماس وفتح،وبهتان بل وفقدان هويتها الفكرية،وغياب ومحدودية دورها في القضايا المجتمعية والديمقراطية والكفاحية والنضالية وبتفاوت نسبي بين أطرافها،كل ذلك عكس نفسه على شعبيتها وحضورها ودورها في السياسة والمجتمع.
واليوم عندما يجري الحديث عن حوارات لتشكيل جبهة يسارية موحدة،وحتى لا يخفق هذا الجهد،ولا يكون وحدة لمجموعة من القوى،تعيش العديد من الأزمات المركبة والمتداخلة فكرياً وسياسياً وتنظيمياً،وبالتالي تنتج قوة مأزومة على نحو أشد وأعمق،فأرى أن هناك العديد من المسائل التي يجب أن تجيب عليها تلك القوى،إذا ما أرادت طي صفحة أزماتها واشكالياتها المتراكمة،والأسئلة والأجوبة بالضرورة أن تخرج عن الرتابة والنمطية المعهودة، فهذه القوى مجتمعة عليها أن تقر أن أزماتها النوعية،بحاجة لأسئلة وأجوبة نوعية،وعليها أن تجيب على السؤال المحوري والهام،بعد كل هذه النضالات والتضحيات الكبيرة جداً،لماذا أخفق اليسار،وأين أخفق؟ والإجابة على هذا السؤال بحاجة إلى نقد تشريحي وجريء وبدون مواربة،وضحك على الذات قبل الآخرين،وتحليلات سطحية وعاطفية واستنتاجات مجزوءة وقاصرة،تحول الهزيمة لنصر وتضخم الحجم والذات والدور والفعل ،وهذا حسب وجهة نظري في اللحظة الراهنة غير قادرة على القيام به،العديد من قيادات هذه القوى والتي شاخت وتكلست وتعودت على نمط معين من العمل،وأخرى متخمة بالعمل المكتبي والمهام العملية على حساب الإبداع الفكري،تحاكي ولا تنتج ،وفكفكة حلقات الأزمات التي تعصف بقوى اليسار وتحديداً الفكرية منها،بحاجة إلى عقول وإرادات قادرة ودون تردد على مغادرة خط وعيها وسيرها التقليدي إلى وعي وخط سير جديد في تحليل أسباب الأزمة،وكذلك الإجابة على أسئلة الأزمة بقيت في نفس إطار التأويلات المحدودة،من طراز الحصار وشحة والموارد المالية،الظرف الموضوعي المجافي،وغياب الديمقراطية الحزبية،والجمود وضعف البنى الحزبية والتنظيمية،وغياب الحاضنة اليسارية،وغياب وضعف الخطاب الاجتماعي والديمقراطي وغيرها،رغم أن هذه الظروف الموضوعية المجافية نفسها،بل وعلى نحو أكثر سوء،ورغم ذلك تمكن حزب الله من تجاوزها،وتوجيه هزيمة قاسية لإسرائيل أكثر من مرة،وبما يعظم من دور القيادة المبدعة والمالكة للإرادة،والمنصهرة والملتحمة مع الجماهير والمعايشة همومها واحتياجاتها.
ومن هنا نرى أن هذه المقاربات التأملية فيها نقد لعوامل الضعف والركود،وليس لعوامل الأزمة،أي للعوامل الحاضنة للضعف والتي تطورت لتصبح عوامل إدامة وتعميق للأزمة،وعلينا الإقرار على أن جوهر الأزمة اليسارية ومظهرها العام،هو في مشروعها النظري وهويتها الفكرية،هذه الأزمة لم تكن طاغية وملحوظة في مراحل المد الوطني والانتصارات التي حققها الفكر الشيوعي على المستوى الكوني،ولكن هذه الأزمة أخذت بالتطور والتعمق من بعد الحقبة "الغورباتشوفية" وانهيار مركز الاشتراكية الاتحاد السوفياتي سابقاُ،وكل القوى اليسارية الفلسطينية،تعاملت مع هويتها الفكرية،على أساس أنها منظومة نظرية جاهزة،جرى إقحامها قسراً على واقع اجتماعي- اقتصادي ودون النظر لخصوصيته،ولم تنتج أي من القوى اليسارية فكراُ ونظرية اشتراكية معربة تتوائم مع هذا الواقع،وتأخذ بعين الاعتبار جوانب حياته الروحانية والتراثية،حتى أن الكثير من عناصر تلك الأحزاب وبعض قياداتها،لم تهضم هذه النظرية،وبقي تبنيها لها في الإطار الشكلاني،والعديد ممن أساؤا لأحزابهم وتنظيماتهم وللنظرية نفسها قبل أساءتهم للجماهير،من خلال اختزالهم للنظرية في التحريض على الإيمان والمؤمنين ودون أن يعوا أن هذه هي نظرية للعدالة الاجتماعية والمساواة والتوزيع العادل للثروات...الخ،وترديد لصيغ وكليشهات جاهزة عن المدرسة السوفياتية،ومن كان يخرج عن تلك الاجتهادات،يتهم بالقومجية والماوية والتروتسكية،ولكن والحق يقال أن هناك العديد من قادة الفكر في تلك الأحزاب،كان لهم إسهامات نظرية مهمة،وأخص بالذكر القائد الراحل الكبير حكيم الثورة جورج حبش والرفيق نايف حواتمة والرفيق الراحل القائد بشير البرغوثي واحمد قطامش وداود تلحمي وماهر الشريف،ومن الهام جداً قوله هنا أيضاً،أن صلاحية أي فكر لا تقاس بالمناقب الأخلاقية الرفيعة لأصحابه،ولا بالشحنات الثورية والإنسانية التي يشملها خطابه،مع أهميتها الرمزية والمعنوية،وإنما بعلاقة الترابط التي ينسجها مع الواقع أولاً،ثم وعي هذا الواقع ثانياً،ثم إنتاج المفاهيم والشروط التي تنتج تغير هذا الواقع ثالثاً.
ومن هنا أرى أن الحوارات التي تجريها القوى اليسارية،من أجل توحدها،بقدر ما لها من أهمية وقيمة عالية في صفوف قواعدها وأنصارها وقطاعات واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني،والتواقة لهذه الوحدة واستعادة هذه القوى لدورها وحضورها بين الجماهير ،فإن هذه القوى مطالبة بالوصول لهذه الوحدة بشكل متدرج،وأن تبنى هذه الوحدة على أسس وقواعد صلبة،تتجاوز الرؤى والنظرات الضيقة،والمصالح الفئوية المقيتة،فأي فشل من شأنه أن ينعكس بصورة سلبية كبيرة ليس على قواعد وأنصار هذه القوى،بل وعلى الكثير من قطاعات شعبنا الفلسطيني،والتي ترى في هذه القوى خشبة خلاص وحاضنة ومعبرة عن همومها ومصالحها وتطلعاتها،والإخفاق من شأنه أيضاً أن يضع علامة استفهام كبيرة على مستقبل هذه القوى ودورها الوطني التحرري ومشروعها الاجتماعي – الديمقراطي.
..... اليسار الفلسطيني بمختلف مكونات طيفه وتعبيره السياسي، كان له إسهاماته الكبيرة والكثيرة ومازالت الى حد ما ،والتي أغنت وأثرت التجربة والساحة الفلسطينية في مختلف ميادين الفعل والكفاح والنضال،والعمل المجتمعي والجماهيري بمختلف أشكاله،بل كان اليسار الفلسطيني في دور الريادة والقيادة في أساليب العمل السري والتنظيمي،وكذلك العمل الجماهيري،وكان هذا اليسار مكون رئيسي في بلورة الهوية والكيانية الفلسطينية، وله دور بارز في صوغ برامجها وتوجهاتها وتصوراتها وقراراتها،ورغم الثمن المكلف والباهظ الذي دفعته قوى اليسار الفلسطيني دماً وسجون ومطاردة وملاحقة وحصار في سبيل الثبات على مواقفها والدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية،والانحياز للطبقة العاملة فكراً وممارسة،إلا أنها أخفقت في أن تحفر لنفسها مكانة عميقة في الوجدان والذاكرة الشعبية الفلسطينية،وكذلك عجزت أن تكون وتتحول إلى أحزاب جماهيرية بالمعنى الكامل،بل ما نراه اليوم أن هذا اليسار معضلاته واستعصاءاته وأزماته ما زال يغلب عليها العمق والشمولية،وبما يهدد مستقبله، وينقله من الدور القائد والشريك في النظام السياسي الفلسطيني م-ت-ف إلى دور التبعية والتهميش في الخارطة السياسية الفلسطينية،وفي مجمل الحياة المجتمعية الفلسطينية،أن بقي يتعامل مع أزماته في إطار من النمطية والرتابة العاليتين،وتغّيب لغة المبادرة والإبداع والفعل،وإجادة لغة النقد والتحليل دون وضع البدائل العملية ووضعها موضع التنفيذ.
ورغم الحديث المتكرر عن تشكيل جبهة يسارية موحدة،كمقدمة لجبهة ديمقراطية عريضة،تضم كافة القوى المؤمنة بالخيار الديمقراطي،لتحقيق نوع من التوازن الداخلي أمام قطبي فتح وحماس، وبما يشكل حماية للبرنامج والمشروع الوطني من التبدد والضياع،بفعل سياسات الانقسام والخيارات السياسية المطروحة،وما يجري في المجتمع من تحولات تحد من التعددية وحرية الرأي والتعبير،وفرض قيم غريبة على المجتمع،تتعارض مع كل قيم الحداثة والتنوير،ولعل ما يجري على الأرض من ممارسات كالحملة المسعورة على مهرجان الرقص الشعبي،الذي قامت علية سرية رام الله الأولى قبل حوالي شهر،وإحراق العديد من المطاعم والمقاهي ومراكز ومحلات"الانترنت" وغيرها،ناقوس خطر يجب أن يدق أمام كل قوى الحداثة والتنوير.
والحوارات التي تجري في دمشق وغزة بين الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب،لتشكيل جبهة يسارية موحدة،رغم كونها خطوة ملحة وضرورية وفي الاتجاه الصحيح،ومطلب قواعد وأنصار تلك القوى وقطاعات واسعة من جماهير شعبنا،والتي ترى في تلك القوى معبراً عن همومها ومصالحها وتطلعاتها،وحاجة موضوعية في المجتمع الفلسطيني،ولكن استمرار شرذمتها وانقساماتها وتعدد تعبيراتها السياسية والتنظيمية،والضبابية العالية التي تلف برامجها ورؤيتها ومواقفها السياسية،وخصوصاً في القضايا المفصلية،حيث ظهرت تلك القوى في مرحلة الخلاف والاقتتال الداخلي بين فتح وحماس،وما قامت به حماس من حسم عسكري لاحقاً في القطاع، بدور التابع والمتذيل لهذا الفريق أو ذاك،بدلاً من تشكل رؤيتها ومواقفها وبرنامجها الخاص بؤرة استقطاب والتفاف للجماهير حولها وبما يمكن من بناء قطب سياسي أمام حماس وفتح،وبهتان بل وفقدان هويتها الفكرية،وغياب ومحدودية دورها في القضايا المجتمعية والديمقراطية والكفاحية والنضالية وبتفاوت نسبي بين أطرافها،كل ذلك عكس نفسه على شعبيتها وحضورها ودورها في السياسة والمجتمع.
واليوم عندما يجري الحديث عن حوارات لتشكيل جبهة يسارية موحدة،وحتى لا يخفق هذا الجهد،ولا يكون وحدة لمجموعة من القوى،تعيش العديد من الأزمات المركبة والمتداخلة فكرياً وسياسياً وتنظيمياً،وبالتالي تنتج قوة مأزومة على نحو أشد وأعمق،فأرى أن هناك العديد من المسائل التي يجب أن تجيب عليها تلك القوى،إذا ما أرادت طي صفحة أزماتها واشكالياتها المتراكمة،والأسئلة والأجوبة بالضرورة أن تخرج عن الرتابة والنمطية المعهودة، فهذه القوى مجتمعة عليها أن تقر أن أزماتها النوعية،بحاجة لأسئلة وأجوبة نوعية،وعليها أن تجيب على السؤال المحوري والهام،بعد كل هذه النضالات والتضحيات الكبيرة جداً،لماذا أخفق اليسار،وأين أخفق؟ والإجابة على هذا السؤال بحاجة إلى نقد تشريحي وجريء وبدون مواربة،وضحك على الذات قبل الآخرين،وتحليلات سطحية وعاطفية واستنتاجات مجزوءة وقاصرة،تحول الهزيمة لنصر وتضخم الحجم والذات والدور والفعل ،وهذا حسب وجهة نظري في اللحظة الراهنة غير قادرة على القيام به،العديد من قيادات هذه القوى والتي شاخت وتكلست وتعودت على نمط معين من العمل،وأخرى متخمة بالعمل المكتبي والمهام العملية على حساب الإبداع الفكري،تحاكي ولا تنتج ،وفكفكة حلقات الأزمات التي تعصف بقوى اليسار وتحديداً الفكرية منها،بحاجة إلى عقول وإرادات قادرة ودون تردد على مغادرة خط وعيها وسيرها التقليدي إلى وعي وخط سير جديد في تحليل أسباب الأزمة،وكذلك الإجابة على أسئلة الأزمة بقيت في نفس إطار التأويلات المحدودة،من طراز الحصار وشحة والموارد المالية،الظرف الموضوعي المجافي،وغياب الديمقراطية الحزبية،والجمود وضعف البنى الحزبية والتنظيمية،وغياب الحاضنة اليسارية،وغياب وضعف الخطاب الاجتماعي والديمقراطي وغيرها،رغم أن هذه الظروف الموضوعية المجافية نفسها،بل وعلى نحو أكثر سوء،ورغم ذلك تمكن حزب الله من تجاوزها،وتوجيه هزيمة قاسية لإسرائيل أكثر من مرة،وبما يعظم من دور القيادة المبدعة والمالكة للإرادة،والمنصهرة والملتحمة مع الجماهير والمعايشة همومها واحتياجاتها.
ومن هنا نرى أن هذه المقاربات التأملية فيها نقد لعوامل الضعف والركود،وليس لعوامل الأزمة،أي للعوامل الحاضنة للضعف والتي تطورت لتصبح عوامل إدامة وتعميق للأزمة،وعلينا الإقرار على أن جوهر الأزمة اليسارية ومظهرها العام،هو في مشروعها النظري وهويتها الفكرية،هذه الأزمة لم تكن طاغية وملحوظة في مراحل المد الوطني والانتصارات التي حققها الفكر الشيوعي على المستوى الكوني،ولكن هذه الأزمة أخذت بالتطور والتعمق من بعد الحقبة "الغورباتشوفية" وانهيار مركز الاشتراكية الاتحاد السوفياتي سابقاُ،وكل القوى اليسارية الفلسطينية،تعاملت مع هويتها الفكرية،على أساس أنها منظومة نظرية جاهزة،جرى إقحامها قسراً على واقع اجتماعي- اقتصادي ودون النظر لخصوصيته،ولم تنتج أي من القوى اليسارية فكراُ ونظرية اشتراكية معربة تتوائم مع هذا الواقع،وتأخذ بعين الاعتبار جوانب حياته الروحانية والتراثية،حتى أن الكثير من عناصر تلك الأحزاب وبعض قياداتها،لم تهضم هذه النظرية،وبقي تبنيها لها في الإطار الشكلاني،والعديد ممن أساؤا لأحزابهم وتنظيماتهم وللنظرية نفسها قبل أساءتهم للجماهير،من خلال اختزالهم للنظرية في التحريض على الإيمان والمؤمنين ودون أن يعوا أن هذه هي نظرية للعدالة الاجتماعية والمساواة والتوزيع العادل للثروات...الخ،وترديد لصيغ وكليشهات جاهزة عن المدرسة السوفياتية،ومن كان يخرج عن تلك الاجتهادات،يتهم بالقومجية والماوية والتروتسكية،ولكن والحق يقال أن هناك العديد من قادة الفكر في تلك الأحزاب،كان لهم إسهامات نظرية مهمة،وأخص بالذكر القائد الراحل الكبير حكيم الثورة جورج حبش والرفيق نايف حواتمة والرفيق الراحل القائد بشير البرغوثي واحمد قطامش وداود تلحمي وماهر الشريف،ومن الهام جداً قوله هنا أيضاً،أن صلاحية أي فكر لا تقاس بالمناقب الأخلاقية الرفيعة لأصحابه،ولا بالشحنات الثورية والإنسانية التي يشملها خطابه،مع أهميتها الرمزية والمعنوية،وإنما بعلاقة الترابط التي ينسجها مع الواقع أولاً،ثم وعي هذا الواقع ثانياً،ثم إنتاج المفاهيم والشروط التي تنتج تغير هذا الواقع ثالثاً.
ومن هنا أرى أن الحوارات التي تجريها القوى اليسارية،من أجل توحدها،بقدر ما لها من أهمية وقيمة عالية في صفوف قواعدها وأنصارها وقطاعات واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني،والتواقة لهذه الوحدة واستعادة هذه القوى لدورها وحضورها بين الجماهير ،فإن هذه القوى مطالبة بالوصول لهذه الوحدة بشكل متدرج،وأن تبنى هذه الوحدة على أسس وقواعد صلبة،تتجاوز الرؤى والنظرات الضيقة،والمصالح الفئوية المقيتة،فأي فشل من شأنه أن ينعكس بصورة سلبية كبيرة ليس على قواعد وأنصار هذه القوى،بل وعلى الكثير من قطاعات شعبنا الفلسطيني،والتي ترى في هذه القوى خشبة خلاص وحاضنة ومعبرة عن همومها ومصالحها وتطلعاتها،والإخفاق من شأنه أيضاً أن يضع علامة استفهام كبيرة على مستقبل هذه القوى ودورها الوطني التحرري ومشروعها الاجتماعي – الديمقراطي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق