الاثنين، يونيو 16، 2008

دور الخطاب الإسلاميّ التجديدي والتعايش السلمي في التنمية الوطنية


توجه سماحة الأمين العام للمجلس الإسلاميّ العربيّ في لبنان العلامة السيّد محمّد عليّ الحسينيّ، إلى مملكة البحرين للمشاركة في مؤتمر معالم التنمية الوطنية في الخطاب الدينيّ ، حيث عقد تحت رعاية رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة, وذلك في الفترة من 16 إلى 17 يونيو بفندق الدبلومات.
وكان لسماحته كلمة افتتاح المؤتمر، وورقة عمل . جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة وأزكى السلام على المبعوث رحمة للعالمين ,رسول السلم والسلام والإنسانية محمّد بن عبد الله صلوات ربي ّ عليه وعلى آله :
وبعد :
سادتي العلماء ,إخواني ,أخواتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لا يخفى عليكم ما للخطابة الدينية من أهمية كبيرة عندنا , باعتبارها فناً وأسلوباً للتواصل مع الآخرين ,وإيصال الأفكار إليهم .
والخطابة لها أركان ثلاثة : الخطيب والمخاطب والخطاب.
وكلامي هنا محصور بالخطاب, وما له من دور إسلاميٍّ فعالٍ في عملية التعايش السلمي في التنمية الوطنية .
لقد جاء في الحديث الشريف:{ إذا صلح العالم صلح العالم ,وإذا فسد فسد العالم }.
ويندرج هذا في الخطاب , فالخطاب الإسلاميّ التجديدي ,مسؤولية كبيرة تقع على عاتق علماء الأمة ودعاتها وخطبائها - أيدهم الله وسدَّد خطاهم ورعاهم -
لذا ينبغي أن يكون الخطاب متجدداً متقدماً سلمياً منفتحاً وسطياً رافضاً للعنف وداعياً للسلم والسلام ,فيه الصلاح والإصلاح والإرشاد, والفائدة للوطن والمجتمع والأمة , و عاملاً مهماً في الهداية والتوجيه, وله دور إسلاميّ وطنيّ مهم في التأكيد على التعايش السلمي ّ بين المواطنين ,وداعياً المسلمين إلى التمسك بحب أوطانهم ,والولاء لها,والدفاع عنها ,واعتبار الولاء لغيرها خيانة وحراماً .
وهذا هو الخطاب الإسلاميّ التجديدي المطلوب.
لا أن يكون خطاباً متطرفاً متعصباً متخلفاً ,فيه الفساد والإفساد والفتنة ,وبالتالي يكون سبباً من أسباب الفشل و الضلال والإضلال والانقسامات والتراجع والحروب والعنف والخيانة .
فالخطاب الدينيّ الإسلاميّ المتجدد ينبغي أن يكون منفتحاً,ليكون له دور كبير في التأثير الإيجابيّ على المسلمين في أوطانهم ,وتوجيههم إلى الطريق الصحيح ,وتنمية الوطنية الحقة في عقولهم وقلوبهم .لذا ينبغي أن يراعى فيه التجديد الدائم بالزمان والمكان, والعمل على قاعدة{ لكلّ مقام مقال }كما يجب البحث الجادّ لمعرفة الداء لإعطاء الدواء,وفهم المشكلة لتقديم الحلّ الناجع.
وعلى علماء الأمة ودعاتها وخطبائها - أيدهم الله – القسط الأكبر من هذه المسؤولية ,فليتحملوا مسؤولياتهم ,وليقوموا بواجبهم الديني كاملاً.
نحو تجديد الخطاب الإسلاميّ

التجديد : ضرورة.. ومفهوماً.. وقواعد :
«فالخطاب الإسلامي التجديدي» هو الذي يعتمد البحث والنظر والدليل والحجـة، ويبـتكر ويتعامل مع النصوص مباشرة كما يتعامل مع واقعه, فيفهمه ويستوعبه, ويستخرج له الحلول اعتماداً على الإسلام وهديه ومقاصده، دون أن يلتزم بتقليد السابقين لأن علومهم بنت زمانهم وقد استطاعت حلّ مشكلات ذلك الزمن ,لكن زماننا تغيرت فيه الظروف والحاجات والدوافع ,وهذا ما يدفعنا إلى التجديد لاالتقليد .لابأس علينا بل هو مفيد ومطلوب أن نطّلع على آراء القدامى,فإذا كان بعض هذه الحلول مجدياً في عصرنا يُؤتي أكله اعتبرناه تجديداً , وإذا لم يكن كذلك نعترف لهم بقيمته إبان زمانهم , واعتبرنا أن من واجبنا إعمال الفكر الجاد لإيجاد الحلول المناسبة لنا في زماننا وبذلك نكون قد أضفنا بناء جديداً فوق بنائهم.
إنا وإن كرمت أوائلنا لسنا على الآباء نتكلُ
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا
أما إذا توقفنا عند أقوالهم وحلولهم فإننا نعتبرمقصرين في حق أمتنا وأوطاننا وشعوبنا وأنفسنا,ونكون مخالفين لقول رسولنا الكريم : {إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها }.فمن خلال هذا الحديث الشريف نفهم أنه ليس من تناقض بين اكتمال الدين بقوله تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم }, وبين تجديد هذا الدين بشكل دائم إلى يوم الساعة,وذلك أن الإسلام عقيدة وشريعة.
وقد اكتملت العقيدة والشريعة بتمام الوحي ,لكن المسلم بحكم استخلاف الله له , في عمارة الأرض ,وسياسة المجتمع ,وتنمية العمران,لابد,وهو يقوم بمسؤوليات هذه الخلافة أن يعمل لمعرفة متجددة متطورة ,لأن ّكلّ ما نحتاج إليه في هذه الحياة يتطلب منا تجديد معرفتنا وتطويرها كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب{ع} ما من حركة إلا وتحتاج معها إلى معرفة.
وهذا التجديد لابد له من تجديد الخطاب الإسلامي الذي يعمل على التنمية الوطنية بين الأفراد والمجتمعات ,حتى يعمَّ كل وطن ويمتد إلى المسلمين في شتى أوطانهم.
وعلى العلماء والدعاة والخطباء والكتاب شحذ الهمم وشدّ العزائم ومضاعفة العمل والارتكاز على التخطيط في أعمالهم كلها وخطابهم الوطني على وجه الخصوص ,لأن حبّ الوطن من الإيمان ,وتركيز الخطاب الإسلامي التجديدي أمر ذو أهمية كبيرة في وجود أوطان قوية .
وهذا الخطاب الإسلامي ليكون في المستوى المطلوب لابد من همة من يقوم به وفي تصوره والسير قدماً فبذلك تحيا الأوطان وتعز.
وليقوم الخطاب الإسلامي التجديدي بما هو مأمول منه في عصرنا الحاضر وفي المستقبل لابد أن يرتكز هذا التجديد على القرآن والسنة والإستدلال الفقهي الإسلامي ,ومعرفة الزمان والمكان ,وأن يسير العمل على القاعدة القائلة { لكل مقام مقال}.
ولابد أن يكون واضحا لدينا جميعا أن التجديد يتناول الخطاب , لاالدين نفسه,لان الدين كما هو مرتكز في اذهاننا ثابت في عناصره الأساسية والجوهرية ,وفي نصوصه الثابتة,وبالتالي فإن التجديد لايمكن أن يطال القيم الأساسية,وإنما يطال الجوانب القابلة للتغير والتطور والإجتهاد.
وأبرز ما يمكن أن يكون ميداناً للتجديد هو قراءة النصوص الإسلامية ,وقراءة المفاهيم التي تتغير من مرحلة إلى مرحلة,ومن عصر إلى عصر,ومن مجتمع إلى مجتمع,على نحو يكون التجديد فيه هو القراءة التي تحاول أن تستلهم النص الديني في ثوابته الأساسية ,ولكن في الوقت نفسه تضفي على هذه القراءة روح العصر الذي تتم فيه هذه القراءة.
وبالتالي يصبح لكل عصر ولكل مرحلة سماتها المميزة لقراءة النص الإسلامي .
ومن هنا كان من المهمّ جداً الالتزام بعدد من القواعد المنهجية في هذا التجديد،و هي:

أولاً: إن التجديد الذي يطلبه «الخطاب الإسلامي» هو الذي لا ينقطع ولا ينفصل عن التأصيل، وإن ما نريده هو التجديد لا الإحياء، فالتجديد أعمق من الإحياء، لأن الإحياء بعث للروح، والتجديد بناء وتطوير، والتكامل بينهما. والإحياء قد يسبق التجديد، ويكون مقدمة له. والتجديد لا يعني مجرد المعاصرة، كما لا يعني مجرد التجديد، بمعنى التغير التلقائي الذي لا يخضع للتخطيط .
ثانياً: إن التجديد الذي نريده في «الخطاب الإسلامي» ليس دينياً منقطعاً عن الجانب الوطني، ولا مدنياً مفصولاً عن الجانب الديني.
ثالثاً: إن التجديد في «الخطاب الإسلامي» إنما يكون بعودة الفروع إلى الأصول، وانطباق الأصول على الفروع.
مهام التجديد ومجالاته:
إن من مهام التجديد ومجالاته:
أولاً: إن أولى مهام «الخطاب الإسلامي» الكفيل حقاً بالمساهمة في التنمية الوطنية ,والعيش السلمي للأمة لابد أن يكون نابعاً بالدرجة الأولى من الإسلام عقيدة وشريعة، ذلك أن الخروج من أزمة التخلف لا يمكن أن يتحقق بأدوات حضارية منقطعة عن الإسلام وحضارته وثقافته و قيمه.
ثانياً: المطلوب من «الخطاب الإسلامي التجديدي» أن يولي قضية «التنمية الوطنية والعيش السلمي»، اهتماماً كبيراً , لأنهما أساس قوي لإنجاح {الخطاب الإسلامي التجديدي} وماعلينا ونحن نبحث قضية التنمية الوطنية ,ولزوم اقترانها بالتعايش السلمي إلا أن نؤكد على هذا الارتباط القوي بين الخطاب والتنمية والتعايش السلمي , لنصل بأبناء بلادنا في أي بقعة من هذه البلاد وأي وطن من أوطان العرب إلى الهدف المنشود وهو أن يسود التعايش السلمي وتقوى التنمية الوطنية ,ويصل الوطن وأبناؤه إلى الهدف السامي ,وهو عزة الوطن وقوته وحصانته.وفي أيامنا هذه تصلنا أنباء مفزعة تقشعر لها الأبدان من استهداف بعض الجهات الحاقدة والحاسدة لبلادنا العربية,ولكن مادام ولاة أمرنا وعلماؤنا وخطباؤنا ودعاتنا كلٌّ يحمل في عقله وقلبه شرعية الدفاع عن الأوطان إذا هوجمت,وأن الشعوب الإسلامية تسير وراء أولي الأمر فيها وعلمائها,فلن يصل عدونا إلى مبتغاه مهما حاول.
ثالثاً: من مهام «الخطاب الإسلامي» الدعوة إلى غرس قيم المواطنة ومبادئها ومقوماتها وممارستها، على مستوى الفكر والتطبيق، ذلك أن المنفعة الاجتماعية تعاون بين الحكم والشعب في كل دولة من الدول,ومنها دولنا الإسلامية ,فإذا تعاونت الدولة ومسؤولوها مع الشعب عاشت الدولة بسلام ,وعاش الشعب هادىء البال مفكرا بوطنه وعزته وسؤدده.
ونحن في البلاد العربية-والحمدلله- نرى الروابط المتينة بين الدول وشعوبها ,والسلم والسلام واضحي المعالم,ترفرف أعلامها المنسوجة من الحب بين الدول العربية كلها ,وبين هذه الدول وشعوبها.

رابعاً: وإذا كان على «الخطاب الإسلامي» أن يؤكد على أخلاقيات التسامح وسعة الصدر, والعيش السلمي، وكظم الغيظ، والتعامل بالرفق مع الآخرين, ورفض العنف... إلى غير هذا وذاك من الأخلاقيات الإسلامية التي دعا إليها الله سبحانه في كتابه العزيز، ورسول الله في أحاديثه وسيرته وأمره ونهيه.
لكن هذا وذاك لا يمكن أن يعني أبداً التراخي في المطالبة بالحقوق والدفاع عن الحق وصلابة الموقف في بعض الأحوال التي يكون فيها تهديد يمكن أن يقع على مصالح أوطاننا الآنية والمستقبلية، ومن هنا يجد «الخطاب الإسلامي» نفسه ملزماً بأن يؤكد على تكوين الشخصية المسلمة القادرة على مقاومة المعتدي على أوطاننا، والقادرة على تحمل الصعاب والمجاهدة ومواجهة التحديات.
وهكذا نرى أن دور«الخطاب الإسلامي» بمهمة المساهمة في التنمية الوطنية ,والنهوض الحضاري للأمة يقتضي أن تكون وجهة التفكير فيه «مستقبلية».
إن هذا الدور الذي يتحمله الخطاب الاسلامي التجديدي ,والتعايش السلمي ,والتنمية الوطنية دور كبير لايمكن الوصول إلى غاياته العليا إلا بتضافر القوى,والتعاون والتنسيق,وليس لهذا الدور إلا أولو الأمر أولاًوعلماء الأمة ودعاتها وخطباؤها ثانياً.
وأخيراً إن مايثلج صدري وصدور إخواني العلماء أن نؤسس لجنة أو رابطة مهمتها تجديد الخطاب الوطني الإسلامي وإيصال هذا الخطاب إلى كل داعية وكل خطيب وكل عالم ,وليس ذلك بالأمر الصعب على علماء الأمة الذين تعودوا تحمل الصعاب , وماأكثر الوسائل التي تربط الناس في هذه الأيام ,ومنها الصحف والمجلات والمنابر والهوائيات وغيرها الكثير.
ونحن نعرف مقدار الجهود الملقاة علينا ,ولكننا نعرف أن الثواب على قدر العمل والمشقة .
وفقني الله وإياكم لما فيه خير هذه الأمة , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: