السبت، يونيو 14، 2008

جامعاتنا جامعات مفاسد وضرار ـ 2

سامي الأخرس
كنت قبل فترة قد كتبت مقالاً بعنوان " جامعاتنا جامعات مفاسد وضرار " حيث سلط الضوء على الفساد الذي استشري في الجسد الأكاديمي الفلسطيني والذي نوهت من خلاله كأحد الذين تناولوا هذه القضية ومنهم من يعمل بالجسد الأكاديمي ويعيش فيه ، ولا أعلم سبباً لهذا الاستفزاز الذي أحدثه هذا المقال للبعض الذين شعروا بأنه موجه لهم شخصياً ، رغم أن المقال لم يتناول حالة بعينها وإنما سلط الضوء على قضية جديرة بالبحث والدراسة ووضع سبل العلاج والإصلاح .
فنحن أمام قضية هامة تتناول الأمل المشرق للمستقبل ، وبناء أجيال قادرة على حمل معول التحديث والتجديد لبناء وطن ممزق الأشلاء ، وقضية مبعثرة ما بين ممارسات الاحتلال الهمجية وسيوف الفساد والتشرذم ذات الجرح الدامي .
فالقضية غير قابلة للشخصنة أو لحسابات شخصية ضيقة لا يخشاها سوي من يمارسها فعلياً ، واستشعر إنها توصفه وتوصف حالته التي يعيش في ظلامها ووحلها ، فإن كان من إغتاظ من المقال يمارس ما جاء به فعليه أن يقف أمام مرآته ويحدث نفسه بصراحة وتجرد ماذا سيفعل أمام ضميره وأمام ربه ؟ وماذا سيقول لله عز وجل الذي قال : " إن الله يخشي عباده العلماء " وكيف له أن يُصنف نفسه من أهل العلم وأصحاب المعرفة والرأي السديد ممن يحملون الأمانة الأكثر نقاءاً ، فإن كان فاسداً ويمارس الفساد فمن باب أولي أن يقف أمام عورته المفضوحة ويسترها باعتداله وتقويم ذاته .
ربما أمسكت قلمي بعد فترة صمت طويلة عن الكتابة لأعيد عملية التوازن النفسي من جديد وابدأ من حيث انتهيت أمام حقيقة يعيشها الكون ألا وهي هل نكون صامتين أمام نجاسة الفساد ، أم نصدق أنفسنا وأبنائنا وأجيالنا ووطنا وضميرنا ونخوض عملية الإصلاح ؟ أم أن ذلك كفراً ورجساً من الشيطان الرجيم ؟! ونسلم بما تؤمن به النعامة عندما تدفن رأسها بالتراب وتعتقد إنها تحمي نفسها من الخطر.
فإن كانت لغة الصمت والنفاق هي التي تدغدغ أفئدة ومشاعر أولئك ، فأنا تضجرني وتصيبني بغثيان ولا أجيدها أو أجيد تراكيبها اللغوية ، ولا أعرف أن أمارسها . فالفساد الذي يحيط بنا أصبح يمثل موروث يكفينا لعشرات السنين ، فكيف لنا بفساد آخر يفسد عقولنا وبنائنا الأكاديمي والعلمي .
هنا لست بمنسحب أو أخشي كلمة حق ، بل كلي إصراراً على إعادتها وبأعلى صوتي وليسمعها من يشاء إن جامعاتنا الفلسطينية أصبحت مرتع لسوس أكاديمي ينخر جسدها وبنائها العلمي والأكاديمي ، سوس لا يفقه من ألقابه الأكاديمية غير الواسطة والمحاباة والمحسوبية ، وصلة القربي والمعارف ، وهي الحكم في التعامل مع الطلبة ورصد درجاتهم وتخرجهم ....إلخ . وهذا ليس تجني أو توزيع اتهامات بل هو الحقيقة المرة التي يخشي منها أولئك الواهمون أو النائمون في استراحة ضميرية لا تنقح عليهم كثيراً .
فلو أستدرك أحد مراكز الأبحاث وأجري دراسة ميدانية عن هذا الفساد فإنه حتما سيصدم من النتائج التي سيتوصل إليها . وهي الحقيقة التي لا تغطي بعيون عمياء وقلوب صماء .
ولعل السؤال الأهم هنا هل الفساد يتحمل أوزاره المدرس الجامعي لوحده أم النظام التعليمي ككل ؟!
بديهياُ يستحضرني مثل شعبي " إن كان رب البيت على الدف ضارب فشيمة أهل البيت الرقص " وهو الحال فالفساد لا يتحمل أوزاره المدرس الأكاديمي فقط بل النظام التعليمي ككل ، كونه قائم على الواسطة والمحسوبية وشعار الرجل الغير مناسب في المكان المناسب ، هذا النظام ينطبق على الجميع من الوزير إلي الغفير في النظام التعليمي ، فهي منظومة متكاملة مترابطة حلقاتها متواصلة ، ولك يتم إصلاحها فلابد من انقلاب مفاهيمي وقيمي شامل وعام يطال نظام اعتماد البرامج الأكاديمية واعتماد الشهادات الجامعية العلمية ، ونظام التوظيف والاختبارات التي تجري لهم ... إلخ من الأنظمة التعليمية .
وليس هنا بصدد ذكر العديد من الأمثلة عن الفساد التي حولت مدرس الجامعة لتاجر أحياناً يبحث عن الأوضاع المالية التي تأتي في المقام الأول على حساب الكل ، وهناك من يحاول إجبار الطلبة على القيام ببعض الأعمال التي تعود بالنفع المادي عليه والويل لمن عصى هذه الرغبة سيجد إهانة كرامة لدرجته النهائية ، والقانون بصف المدرس لأنه الوحيد صاحب السلطة في ذلك ....الخ من الأمثلة الموثقة والمعاشة .
فما الضير من تناول هكذا مواضيع ونقاشها ؟!
إذن فالعملية ليست شخصية وليست اعتباطية بل هي ظاهرة للعيان وملموسة من الجميع ، ولكن من يقنع النعامة أن دفن رأسها في التراب لا يحميها من الخطر ؟!
فإن كان ذلك المقال أو الذي سبقه سيغضب الكثيرون مني فليعلموا جيداً أن غضبهم دافعاً لي بأن أواصل طريقي وكلما قسوا علي أقسو عليهم ولكن بقلمي وسيفي المشرع دوما القلم فقط ، فلا أملك قوة أن أكون فاسداً أو منافقاً وأزركش لهم الابتسامات والكلمات .
فاليوم نحن أمام قضية وطن ومستقبل وكل قضية لها ضحاياها ويشرفني أن أكون ضحية هذه القضية إن قدر الله لي ذلك .
ولكن لن يلقي هذا القلم ما دام هناك نبضاً يشعل بي طاقة الحياة ... وللحديث بقية

ليست هناك تعليقات: