نقولا ناصر
لا يجوز أي صمت فلسطيني عندما يطرح احدهم حل القضية الفلسطينية في الاردن ، خصوصا اذا كان اميركيا وعلى الاخص اذا كان مرشحا للرئاسة الاميركية ، لان مثل هذا الترحيل للقضية بنفيها بعيدا عن ارضها وشعبها الى بلد اخر وان كان "شقيقا" سيكون بالتاكيد مقدمة لترحيلها الى اصقاع اخرى من الكرة الارضية اكثر بعدا عن وطن القضية وموطنها ، وتوطئة لترحيل جماعي مزدوج لشعب القضية اولا ثم للشعب المرشح لاستضافته قسرا ب"تطفيشه" عن ارضه بعد ان تضيق به وب"ضيوفه الاشقاء" ، وتمهيدا لاعفاء المشروع الصهيوني في فلسطين والمسؤولين عن تحويله الى دولة من مسؤولياتهم التاريخية والسياسية المادية والمعنوية عن استمرار هذه القضية في استنزاف اهلها وقومهم واقليمهم دما وارضا وتنمية وسيادة طوال اكثر من ستين عاما .
ان الغليان السياسي البرلماني والشعبي الذي انفجر في الاردن حد التداعي الى انشاء "جبهة للانقاذ الوطني" كرد فعل على التصريحات المنسوبة الى روبرت كاغان مستشار المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية جون ماكين الذي قال فيها ، كما قيل ، ان ماكين يريد حل القضية الفلسطينية في الأردن كي تأخذ السياسة الاميركية "منحى مباشرا للتعامل مع القضية بشكل يريح المنطقة ودولها للتفرغ بمعاونة الاميركيين لنشر الديموقراطية ومحاربة ارهاب الاسلام الفاشي" ، .. ان هذا الغليان لم يجد له رديفا فلسطينيا حتى الان حيث يسود شبه صمت مطبق .
اما على المستوى الرسمي فان الصمت الفلسطيني على الغليان عبر النهر ، الذي حولته سرقة الاحتلال لمياهه ومنابعه الى جدول ، قد غطى عليه افصاح رسمي اردني يشي بحرص على احتواء اية مضاعفات سلبية على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وعلى تهدئة اية اثارة قد تنعكس سلبا على الاستقرار الداخلي باستغلال متصيدين في المياه العكرة لها ، فبادرت وزارة الخارجية الى نفي ان يكون كاغان قد ادلى بتصريحات تمس الاردن بينما بادرت اجهزة الاعلام الرسمية الى تكرار نفي الخارجية وكذلك نفي كاغان نفسه يوم الثلاثاء الماضي لان يكون قد ادلى بالتصريحات المنسوبة اليه في جامعة نيويورك ولان يكون قد زار الجامعة نفسها اصلا (جوردان تايمز في 19/6/2008) .
بالرغم من ذلك صدر رد رسمي غير مباشر على ارفع مستوى باللغتين الانكليزية والعربية عندما حذر الملك عبد الله الثاني اولا في خطاب له امام 29 من الحائزين على جائزة نوبل في مدينة البتراء التاريخية يوم الاربعاء الماضي من "المخاطر التي لم يسبق لها مثيل" المترتبة على عدم "التحرك خارج منطقة التهديد" بارتكاب "الخطا الفادح" المتمثل بعدم اغتنام الفرص الراهنة "لاقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة وقابلة للحياة" ، وثانيا في تصريحات للسفير اللبنانية اعادت الصحف الاردنية نشرها قبل الثلاثاء الماضي قال فيها: "لقد تعودنا على مثل هذه التسريبات الاعلامية والتحليلات السياسية .. والاردن هو الاردن وفلسطين هي فلسطين .. والفلسطينيون لن يقبلوا بديلا لوطنهم فلسطين" .
لكن القيادة ، لا بل القيادات الفلسطينية ، ربما اصبحت خبيرة في صناعة الاشاعة والحرب النفسية لدى دولة الاحتلال حد الاستهتار بعدم الرد عليها بالرغم من نتائجها السلبية الملموسة وربما وجدت ايضا في حقيقة ان موقع "فيلكا" الالكتروني الاسرائيلي الذي يديره لبناني كان هو المصدر الرئيسي للتصريحات المنسوبة الى كاغان حجة قوية لكي لا تجد حتى الان ان الامر يستحق أي مساهمة علنية منها تبدد جزءا في الاقل مما يخلقه ترويج مثل هذه الفقاعات الاعلامية الاسرائيلية بين حين واخر من تضليل لدى الراي العام العالمي .
وسواء قال كاغان او لم يقل ما نسب اليه فانه ياتي في سياق تتارجح القضية فيه بين حل دولتين حلم به الواقعيون الفلسطينيون والعرب وفي مقدمتهم صناع القرار الاردني لكن كل الدلائل تشير الى ان تحقيقه لم يعد "ممكنا" ، بعد ان فرض عليهم وقبلت واقعيتهم به ، وبين حل مثالي "يستحيل" تحقيقه لدولة واحدة تجمع عرب فلسطين ومستوطنيها اليهود تحلم به نخب تعيش في ابراج عاجية وتتمسك به ك"حل سلمي" بديل لحل الدولتين انطلاقا من ارضية مشتركة مع النظام العربي الرسمي الذي فرض عجزه عليه القبول بالتسويات السلمية ك"خيار استراتيجي" لانه وهذه النخب التي تلتقي معه يعتبرون التفوق العسكري لدولة الاحتلال قدرا لا راد له ويعتبرون أي مقاومة له "عدمية" تقدم التضحيات الوطنية مجانا . ولان الحل "الممكن" لم يعد ممكنا ولان الحل "المثالي" مستحيل فان انسداد خيار السلام والتفاوض يفتح المجال امام دولة الاحتلال للعودة بين حين واخر وفي هذا الشكل او ذاك الى تعويم اقتراحها القديم - الجديد بإلحاق قطاع غزة بمصر والضفة الغربية بالاردن كـ«خيار سلمي» ثالث .
ان وصول اسرائيلي كان من الاقطاب الرئيسيين الذين دعوا مبكرا الى حل الدولتين مثل افراهام بورغ ، رئيس البرلمان (الكنيست) السابق ، الى الاستنتاج بان هذا الحل "يوشك ان ينتهي" وان "ايامه اصبحت معدودة" واقتراحه اقامة "اتحاد فدرالي اسرائيلي – فلسطيني" كحل بديل بشرط تخلي اسرائيل عن الحرم القدسي الشريف للفلسطينيين وتخلي هؤلاء عن "ممارسة حق العودة" (هارتس 25/6/208) انما هو مؤشر الى ان اكثر الاسرائيليين "حمائمية" ما زالوا يصرون على حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج وطنهم وخارج الحقوق التي تمنحها لهم الشرعية الدولية وياتي ما يسمى "الخيار الاردني" في مقدمة حلولهم المفضلة .
وعلى سبيل المثال كتب ثوماس فريدان في النيويورك تايمز في الرابع من حزيران / يونيو الجاري يقول ان الوقت قد فات على حل الدولتين لان "أي عملية سلام تقليدية لن تتمكن من عكس" اتجاه الواقع الناجم عن الحقائق التي خلقها الاحتلال على الارض في الضفة الغربية ودعا للعودة الى الخيار الاردني . وقبل ذلك ، في السادس عشر من نيسان / ابريل الماضي كتب جيورا ايلاند في يديعوت احرونوت انه "حتى لو حدثت معجزة وتم التوصل الى اتفاق على الوضع النهائي وحتى لو تم تنفيذ هذا الاتفاق بنجاح فانه لن يحقق الاستقرار بل على العكس ، اذ لا توجد أي فرصة في ان تكون الدولة الفلسطينية الصغيرة المنشطرة والفقيرة في مواردها وطنا لشعب يشعر بالرضى" لذلك ينبغي "اعادة خلط الاوراق" والتفكير في حلول و"خيارات اقليمية" اخرى منها "عودة الى الخيار الاردني" .
وفق الوثائق الاسرائيلية المفرج عنها للفترة من 1947 – 1951 واجهت القيادة الصهيونية للدولة الاسرائيلية الناشئة مشكلة "اقليمية" حول ما ينبغي ان تفعله بقطاع غزة والضفة الغربية وكان امامها خياران اما ان تعهد بهما الى مصر والاردن على التوالي او تسلمهما الى عرب فلسطين لاقامة دولة لهم عليهما طبقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم (181) لتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية وتقول الوثائق ان القيادة الصهيونية اختارت الحل الاول لسبب وحيد هو عدم وجود عدد كاف من المهاجرين اليهود للسيطرة على المنطقتين ، بانتظار تغير الظروف لضمهما وهو ما تحقق باحتلال عام 1967 وما تبعه .
ويسيطر اليوم على الضفة الغربية اضافة الى جيش الاحتلال اقل بقليل من نصف مليون يهودي يستوطنون اكثر من (160) مستعمرة اقيمت في مفاصل استراتيجية وخصوصا في القدس ، وبالتالي فان المشكلة "الاقليمية" قد وجدت حلا لها وبقيت المشكلة "الديموغرافية" المتمثلة بوجود حوالي مليوني فلسطيني فيها يمثل "الخيار الاردني" حلا "سلميا" لمشكلتهم فيما يمثل الحل الاخر الترحيل الجماعي القسري لهم اما بالتطهير العرقي نفسه الذي قاد الى ترحيل مواطنيهم عام 1948 او بتفجير "حرب اهلية" بينهم وبين المستوطنين اليهود يقوم فيها جيش الاحتلال بالدور نفسه الذي قامت به قوات الانتداب البريطاني أنذاك ، وكلا الحلين نتيجته الكارثية واحدة سواء بالنسبة لعرب فلسطين ام لاشقائهم في الاردن .
ولا يختلف اثنان اليوم على ان فشل حل الدولتين واستحالة حل الدولة الواحدة حقيقة سياسية تخلق الحاضنة المثلى للترويج لحلول "اقليمية" للقضية الفلسطينية ترحل المسؤولية عنها من القوة المحتلة الى دول الجوار العربي وبخاصة الاردن ومصر ، لكن هذه الحقيقة تجعل مخاطر تصفية القضية بنفيها عن وطنها وموطنها الى جوارها خطرا ماثلا محدقا لا خطرا محتملا فحسب بقدر ما تصفع بقسوة واقعية من اجمعوا في النظام الرسمي العربي على المراهنة على معادلة الارض مقابل السلام وعلى حسن النوايا الاميركية وصدقية المجتمع الدولي في الزام دولة الاحتلال بها ، وفي مقدمة هؤلاء صناع القرار الفلسطيني والاردني والمصري الذين حان الوقت لكي يعيدوا النظر في رهانهم الاستراتيجي هذا قبل ان يطبق الخطر المحدق على القضية وعليهم معا .
*كاتب عربي من فلسطين
لا يجوز أي صمت فلسطيني عندما يطرح احدهم حل القضية الفلسطينية في الاردن ، خصوصا اذا كان اميركيا وعلى الاخص اذا كان مرشحا للرئاسة الاميركية ، لان مثل هذا الترحيل للقضية بنفيها بعيدا عن ارضها وشعبها الى بلد اخر وان كان "شقيقا" سيكون بالتاكيد مقدمة لترحيلها الى اصقاع اخرى من الكرة الارضية اكثر بعدا عن وطن القضية وموطنها ، وتوطئة لترحيل جماعي مزدوج لشعب القضية اولا ثم للشعب المرشح لاستضافته قسرا ب"تطفيشه" عن ارضه بعد ان تضيق به وب"ضيوفه الاشقاء" ، وتمهيدا لاعفاء المشروع الصهيوني في فلسطين والمسؤولين عن تحويله الى دولة من مسؤولياتهم التاريخية والسياسية المادية والمعنوية عن استمرار هذه القضية في استنزاف اهلها وقومهم واقليمهم دما وارضا وتنمية وسيادة طوال اكثر من ستين عاما .
ان الغليان السياسي البرلماني والشعبي الذي انفجر في الاردن حد التداعي الى انشاء "جبهة للانقاذ الوطني" كرد فعل على التصريحات المنسوبة الى روبرت كاغان مستشار المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية جون ماكين الذي قال فيها ، كما قيل ، ان ماكين يريد حل القضية الفلسطينية في الأردن كي تأخذ السياسة الاميركية "منحى مباشرا للتعامل مع القضية بشكل يريح المنطقة ودولها للتفرغ بمعاونة الاميركيين لنشر الديموقراطية ومحاربة ارهاب الاسلام الفاشي" ، .. ان هذا الغليان لم يجد له رديفا فلسطينيا حتى الان حيث يسود شبه صمت مطبق .
اما على المستوى الرسمي فان الصمت الفلسطيني على الغليان عبر النهر ، الذي حولته سرقة الاحتلال لمياهه ومنابعه الى جدول ، قد غطى عليه افصاح رسمي اردني يشي بحرص على احتواء اية مضاعفات سلبية على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وعلى تهدئة اية اثارة قد تنعكس سلبا على الاستقرار الداخلي باستغلال متصيدين في المياه العكرة لها ، فبادرت وزارة الخارجية الى نفي ان يكون كاغان قد ادلى بتصريحات تمس الاردن بينما بادرت اجهزة الاعلام الرسمية الى تكرار نفي الخارجية وكذلك نفي كاغان نفسه يوم الثلاثاء الماضي لان يكون قد ادلى بالتصريحات المنسوبة اليه في جامعة نيويورك ولان يكون قد زار الجامعة نفسها اصلا (جوردان تايمز في 19/6/2008) .
بالرغم من ذلك صدر رد رسمي غير مباشر على ارفع مستوى باللغتين الانكليزية والعربية عندما حذر الملك عبد الله الثاني اولا في خطاب له امام 29 من الحائزين على جائزة نوبل في مدينة البتراء التاريخية يوم الاربعاء الماضي من "المخاطر التي لم يسبق لها مثيل" المترتبة على عدم "التحرك خارج منطقة التهديد" بارتكاب "الخطا الفادح" المتمثل بعدم اغتنام الفرص الراهنة "لاقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة وقابلة للحياة" ، وثانيا في تصريحات للسفير اللبنانية اعادت الصحف الاردنية نشرها قبل الثلاثاء الماضي قال فيها: "لقد تعودنا على مثل هذه التسريبات الاعلامية والتحليلات السياسية .. والاردن هو الاردن وفلسطين هي فلسطين .. والفلسطينيون لن يقبلوا بديلا لوطنهم فلسطين" .
لكن القيادة ، لا بل القيادات الفلسطينية ، ربما اصبحت خبيرة في صناعة الاشاعة والحرب النفسية لدى دولة الاحتلال حد الاستهتار بعدم الرد عليها بالرغم من نتائجها السلبية الملموسة وربما وجدت ايضا في حقيقة ان موقع "فيلكا" الالكتروني الاسرائيلي الذي يديره لبناني كان هو المصدر الرئيسي للتصريحات المنسوبة الى كاغان حجة قوية لكي لا تجد حتى الان ان الامر يستحق أي مساهمة علنية منها تبدد جزءا في الاقل مما يخلقه ترويج مثل هذه الفقاعات الاعلامية الاسرائيلية بين حين واخر من تضليل لدى الراي العام العالمي .
وسواء قال كاغان او لم يقل ما نسب اليه فانه ياتي في سياق تتارجح القضية فيه بين حل دولتين حلم به الواقعيون الفلسطينيون والعرب وفي مقدمتهم صناع القرار الاردني لكن كل الدلائل تشير الى ان تحقيقه لم يعد "ممكنا" ، بعد ان فرض عليهم وقبلت واقعيتهم به ، وبين حل مثالي "يستحيل" تحقيقه لدولة واحدة تجمع عرب فلسطين ومستوطنيها اليهود تحلم به نخب تعيش في ابراج عاجية وتتمسك به ك"حل سلمي" بديل لحل الدولتين انطلاقا من ارضية مشتركة مع النظام العربي الرسمي الذي فرض عجزه عليه القبول بالتسويات السلمية ك"خيار استراتيجي" لانه وهذه النخب التي تلتقي معه يعتبرون التفوق العسكري لدولة الاحتلال قدرا لا راد له ويعتبرون أي مقاومة له "عدمية" تقدم التضحيات الوطنية مجانا . ولان الحل "الممكن" لم يعد ممكنا ولان الحل "المثالي" مستحيل فان انسداد خيار السلام والتفاوض يفتح المجال امام دولة الاحتلال للعودة بين حين واخر وفي هذا الشكل او ذاك الى تعويم اقتراحها القديم - الجديد بإلحاق قطاع غزة بمصر والضفة الغربية بالاردن كـ«خيار سلمي» ثالث .
ان وصول اسرائيلي كان من الاقطاب الرئيسيين الذين دعوا مبكرا الى حل الدولتين مثل افراهام بورغ ، رئيس البرلمان (الكنيست) السابق ، الى الاستنتاج بان هذا الحل "يوشك ان ينتهي" وان "ايامه اصبحت معدودة" واقتراحه اقامة "اتحاد فدرالي اسرائيلي – فلسطيني" كحل بديل بشرط تخلي اسرائيل عن الحرم القدسي الشريف للفلسطينيين وتخلي هؤلاء عن "ممارسة حق العودة" (هارتس 25/6/208) انما هو مؤشر الى ان اكثر الاسرائيليين "حمائمية" ما زالوا يصرون على حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج وطنهم وخارج الحقوق التي تمنحها لهم الشرعية الدولية وياتي ما يسمى "الخيار الاردني" في مقدمة حلولهم المفضلة .
وعلى سبيل المثال كتب ثوماس فريدان في النيويورك تايمز في الرابع من حزيران / يونيو الجاري يقول ان الوقت قد فات على حل الدولتين لان "أي عملية سلام تقليدية لن تتمكن من عكس" اتجاه الواقع الناجم عن الحقائق التي خلقها الاحتلال على الارض في الضفة الغربية ودعا للعودة الى الخيار الاردني . وقبل ذلك ، في السادس عشر من نيسان / ابريل الماضي كتب جيورا ايلاند في يديعوت احرونوت انه "حتى لو حدثت معجزة وتم التوصل الى اتفاق على الوضع النهائي وحتى لو تم تنفيذ هذا الاتفاق بنجاح فانه لن يحقق الاستقرار بل على العكس ، اذ لا توجد أي فرصة في ان تكون الدولة الفلسطينية الصغيرة المنشطرة والفقيرة في مواردها وطنا لشعب يشعر بالرضى" لذلك ينبغي "اعادة خلط الاوراق" والتفكير في حلول و"خيارات اقليمية" اخرى منها "عودة الى الخيار الاردني" .
وفق الوثائق الاسرائيلية المفرج عنها للفترة من 1947 – 1951 واجهت القيادة الصهيونية للدولة الاسرائيلية الناشئة مشكلة "اقليمية" حول ما ينبغي ان تفعله بقطاع غزة والضفة الغربية وكان امامها خياران اما ان تعهد بهما الى مصر والاردن على التوالي او تسلمهما الى عرب فلسطين لاقامة دولة لهم عليهما طبقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم (181) لتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية وتقول الوثائق ان القيادة الصهيونية اختارت الحل الاول لسبب وحيد هو عدم وجود عدد كاف من المهاجرين اليهود للسيطرة على المنطقتين ، بانتظار تغير الظروف لضمهما وهو ما تحقق باحتلال عام 1967 وما تبعه .
ويسيطر اليوم على الضفة الغربية اضافة الى جيش الاحتلال اقل بقليل من نصف مليون يهودي يستوطنون اكثر من (160) مستعمرة اقيمت في مفاصل استراتيجية وخصوصا في القدس ، وبالتالي فان المشكلة "الاقليمية" قد وجدت حلا لها وبقيت المشكلة "الديموغرافية" المتمثلة بوجود حوالي مليوني فلسطيني فيها يمثل "الخيار الاردني" حلا "سلميا" لمشكلتهم فيما يمثل الحل الاخر الترحيل الجماعي القسري لهم اما بالتطهير العرقي نفسه الذي قاد الى ترحيل مواطنيهم عام 1948 او بتفجير "حرب اهلية" بينهم وبين المستوطنين اليهود يقوم فيها جيش الاحتلال بالدور نفسه الذي قامت به قوات الانتداب البريطاني أنذاك ، وكلا الحلين نتيجته الكارثية واحدة سواء بالنسبة لعرب فلسطين ام لاشقائهم في الاردن .
ولا يختلف اثنان اليوم على ان فشل حل الدولتين واستحالة حل الدولة الواحدة حقيقة سياسية تخلق الحاضنة المثلى للترويج لحلول "اقليمية" للقضية الفلسطينية ترحل المسؤولية عنها من القوة المحتلة الى دول الجوار العربي وبخاصة الاردن ومصر ، لكن هذه الحقيقة تجعل مخاطر تصفية القضية بنفيها عن وطنها وموطنها الى جوارها خطرا ماثلا محدقا لا خطرا محتملا فحسب بقدر ما تصفع بقسوة واقعية من اجمعوا في النظام الرسمي العربي على المراهنة على معادلة الارض مقابل السلام وعلى حسن النوايا الاميركية وصدقية المجتمع الدولي في الزام دولة الاحتلال بها ، وفي مقدمة هؤلاء صناع القرار الفلسطيني والاردني والمصري الذين حان الوقت لكي يعيدوا النظر في رهانهم الاستراتيجي هذا قبل ان يطبق الخطر المحدق على القضية وعليهم معا .
*كاتب عربي من فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق