الثلاثاء، يونيو 03، 2008

غزة بزرميطا أووخ الحكونا ولكو

بسام أبو علي شريف
يسير في سوق فراس وسط مدينة غزة .. عجوز كهل .. يجر به عكاز هنا وهناك يتوكيء عليه وله فيه مأرب أخرى .. يداه ترجان .. ترتجفان وشفتاه أصابها رعاش جوال .. تضعه مراهقات وعذارا بين فخديها في وسط الليل كي تنام .. مستفز .. محبط .. مهان الكرامة والرجولة .. كطير لطشه فخ في رأسه فأغمى عليه بجانب فعل الصياد ..
يصرخون من حوله .. بأصوات مختلفة نغماتها .. سمك حبار .. بوري وآخرين عرق سوس ودخان وبنزين .. الأصوات لا تعجبه ويستفزه صداها .. وخاصة عندما ينادي المنادي كلور .. نقع .. فونيك .. ديتول .. سم فئران .. حب هان .. تمر هندي .. مع إني أعلم أن الفئران منعت بيع السم في غزة .. صرخ في الجميع دون نذير ..
لا أحد مبالي لعجوز كهل خرفان .. ينظرون إليه ثم يضحكون .. مالك يابا .. مالك يا حاج .. يا عم روح أقعد في الدار بلاش دبانة خضرة تعتقلك ولا صرصور معرنط يخطفك .. لم يعجبه الكلام وأخذ يغني يا ليل يا عين .. ولك شو بتكول .. دبانة تعتقلني .. ولك أنا لما كنت أكف في وسط الشارع كنت أعمل أزمة في المرور .. ولك أنا أبو سميح يا جعر .. روح .. روح دور على حالك .. وبدء يلف في وسط السوق .. عن ماذا يبحث لا أعرف .. في النهاية وقع نظره على شمعة بيضاء كبيرة ..
فصرخ قائلا لكيتك يا داشرة .. هاي شمعة فرحنا لما تزوجت أم سميح وعندما نصب قصة وحكاية مع بائع الشمع .. سامحه في ثمنها وطلب منه فقط المغادرة .. رد أبو سميح الجميل بكلمات طيبة ولك أنت أصيل الله يحي أصلك .. ثم وجد أمامه عربة لبيع أدوات المدرسة فاشترى لاصق أبيض وعندما هم لدفع الثمن ضحك البائع قائلا له .. على حسابي يابا سامحنا يا حج إحنا قصرنا في حقكوا .. أعطى مفتاح الدار لأولادك ..
وقف أبو سميح وانتصبت قامته وتذكر نفسه عندما كان يعد فرقة عين جالوت لطابور الصباح وهم يحيون العلم .. تعيش فلسطين عربية حرة .. ثم سالت الدمعة على خديه الظاهرة على ملامحها شعيرات دموية رفيعة .. وسار في طريقه وسط السوق ليجد ميزان العدالة ملقى في كوم من الربابكيا ..
مد أبو سميح عكازه وأخذ يدحدر في شارة الميزان المرسومة على قطعة خشب .. ثم تناولها بيده عندما أصبحت بين قدميه .. نظر إليه صاحب الخردة ثم ضحك .. وقال آه يابا بدك تشتغل محامي .. رد عليه أبو سميح بسك غلبة .. وقديش حسابك .. رد عليه البائع ببلاش يا حج .. مفيش عنا عدالة ولا قانون .. ضحك أبو سميح وأخذ يدمدم ..
كانون وإلا منقل فحم .. كلوا شوي .. انتهى أبو سميح من التسوق وعاد أثره خطواته ويبقى السؤال للقارئ .. لماذا اشترى أبو سميح الشمعة البيضاء واللاصق والميزان .. وهل إشعال الشمعة في وضح النهار ووضع اللاصق على فمه ورفع الميزان مقلوب فيه رسالة يريد أن يوصها لأحد هل أجد أحدا منكم يذهب لمنزل أبو سميح في جباليا البلد ويسأله ثم يعود ويخبرني عبر الإيميل ...
قطر- الدوحة

ليست هناك تعليقات: