صبحي غندور
يبدو أنّ هناك سعياً يسير قُدُماً نحو تسوية أزمات داخلية في أكثر من مكان بالمنطقة العربية، أو يسير على الأقلّ نحو وضع ضوابط وسقوف لهذه الأزمات حتى لا تنتقل من السيء إلى الأسوأ المجهولة نتائجه لدى الأطراف كلّها.
فتجربة "اتفاق الدوحة" بشأن الأزمة اللبنانية كانت اختباراً ناجحاً لما يمكن تكراره في أزمات عربية أخرى مشتعلة حالياً. وهاهي دجيبوتي، الدولة العربية الصغيرة في الجناح الأفريقي بالأمَّة، تنجح في رعاية اتفاق بين الأطراف الصومالية، كما نجحت قطر، الدولة العربية الصغيرة في الجناح الآسيوي، برعاية الاتفاق بين الأطراف اللبنانية المتنازعة.
وتتواصل الجهود المصرية في قلب الأمَّة لرعاية اتفاق بين طرفيْ الصراع الفلسطيني على قواعد وأسس شبيهة باتفاق الدوحة اللبناني الذي لم يحسم الخلاف على القضايا السياسية الجوهرية المختلف عليها، لكنّه حدّد ضوابط وآليات سياسية وقانونية للتعامل مع هذه القضايا من أجل وقف التدهور الأمني ومخاطره الداخلية والإقليمية.
وما هو مشترك بين هذه الأزمات اللبنانية والفلسطينية والصومالية أنّها جميعها قائمة بسبب صراعات، لها جذورها المحلية طبعاً لكنّها متفجّرة بسبب الخلاف الحاصل بين أطراف إقليمية ودولية، وما لهذه الأطراف من حلفاء محلّيين.
حبّذا لو كانت تحدث هذه "التسويات" الآن في ظلّ تضامن عربي فعّال، وفي إطار تفاهم مصري/سعودي/سوري يضمن هذه التسويات ويدعمها إقليمياً ودولياً.
فليس المطلوب وقف التدهور فقط في الأزمات العربية الراهنة بل معالجة جذرية لها وبناء مستقبل أفضل لأوطان وشعوب الأمّة كلّها. لكن واقع الحال الآن أنّ حجم الضغوط الأميركية على أكثر من طرف عربي تمنع الاندفاع في مسيرة التوافق العربي الشامل رغم المصلحة العربية المباشرة في ذلك.
فمسؤولية الإدارة الأميركية كانت واضحة في ازدواجية مواقفها من حكومة حركة حماس من جهة، وفي رفضها لأي تعديل سياسي في الواقع الحكومي اللبناني، من جهة أخرى. وليست الديمقراطية هي مرجعية هذه الازدواجية الأميركية، ولا هي أيضاً المحبّة لحركة "فتح" أو لقوى "14 آذار"، بل إنّ المعيار الأميركي الوحيد هو الموقف من إسرائيل ومن السياسة الأميركية في المنطقة.
وهناك أطراف عربية تجد لها مصلحةً في نهج الإدارة الأميركية، رغم مسؤولية هذه الإدارة عن تهميش القضية الفلسطينية والصراع العربي/الإسرائيلي، ورغم التعثّر الكبير أيضاً الحاصل في سياسات هذه الإدارة في العراق وفي عموم المنطقة، فالمرجعية الأميركية القائمة الآن تتهاوى سياسياً داخل أميركا نفسها، فكيف بمصير من يرتهنون بها أو يراهنون عليها؟!
إنَّ الخطر الأكبر الذي يواجه العرب حالياً هو انشغال شعوب المنطقة بصراعاتها الداخلية. فمن رحْم هذه الأزمات على أراضي فلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان تتوالد مخاطر سياسية وأمنية عديدة أبرزها الآن مخاطر الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية، إضافة إلى الصراعات السياسية والتنافس على السلطة.
ومع هذه الأزمات، المفتعل بعضها من قوى دولية وإقليمية، تتصاعد الأزمة الأميركية/الإيرانية، في ظل "الصراع البديل" المتواصل من خلال أطراف محلية فاعلة في ساحات الأزمات الدائرة.
إنّ الخطر الداهم الآن هو على المنطقة العربية كلّها وليس فقط على أراضي هذه الأزمات المشتعلة. فهذه الأزمات هي تعبير أيضاً عن تفاعلات ووقائع قائمة تعيشها وتشهدها الأمَّة العربية كلَّها، وهي نتاج طبيعي لتدخّل أجنبي يحدث دون إرادة عربية مشتركة في مواجهته، فيحصل الاستفراد بالأوطان لكن في إطار المشروع الأميركي الواحد لمنطقة الشرق الأوسط كلّها. ومع هذا المشروع الأميركي يتحرّك منذ سنوات على الأرض، المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم البلاد العربية لتكون الدولة اليهودية الأقوى هي المهيمنة على الدويلات المتصارعة.
وعلى جوار حدود الأرض العربية، تنمو مشاريع إقليمية تستفيد من خطايا السياسة الأميركية ومن غياب المرجعية العربية ذات المشروع الواحد لمستقبل الأمّة العربية.
إنَّ الصراع على "هُويّة الصراع" في المنطقة العربية هو جوهر المشكلة السائدة الآن، فهو صراع دولي/إقليمي في إطاره العام الجاري حالياً، لكن يريد البعض تحويله إلى صراعات طائفية ومذهبية في أكثر من مكان. وصمّام الأمان لوحدة الأوطان والمجتمعات العربية يكون في التأكيد على الطبيعة السياسية للصراع، وفي ملء الفراغ الكامن عربياً من حيث انعدام المرجعية العربية الفاعلة والمشروع العربي الواحد لمستقبل الأمَّة وأوطانها.
إنّ ضعف المناعة في الجسد العربي هو الذي جعله قابلاً لاستقبال حالات الأوبئة التي تعشّش الآن في خلاياه، وأخطرها وباء الانقسام الطائفي والمذهبي.
ولو لم يكن حال الأمّة العربية بهذا المستوى من الوهن والانقسام، لما كان ممكناً أصلاً استباحة بلاد العرب من الجهات الأربع كلّها.
فالعرب يدفعون الآن ثمن خطايا كبيرة حدثت خلال العقود الثلاث الماضية في المنطقة، فضلاً عن أنّهم الآن بلا بوصلة مرشدة لحركتهم السياسية.
والتعامل مع تزايد نفوذ قوى الجوار الأقليمي لا يجب أن يحجب أولوية المخاطر الأخرى المتمثّلة بالاحتلال الأجنبي والإسرائيلي، بل تستدعي هذه التحديات كلّها تصحيح التوازنات في المنطقة من خلال قيام تضامن عربي شامل وسليم يضع الأسس المتينة للعلاقات بين الدول العربية، وبينها وبين سائر دول الجوار.
ولن يتحقّق هذا التضامن العربي الفعّال ما لم تحصل رؤية عربية مشتركة بين مصر والسعودية وسوريا. ففي ظلّ التباعد الحاصل بين دمشق والرياض والقاهرة، يتمدّد النفوذ الأجنبي والإقليمي في المنطقة، ويتواصل الاحتلال، وتتعزّز فرص الحروب الأهلية التي ستحرق الأخضر واليابس معاً في معظم أرجاء المنطقة.
إنّ كثيرين من أبناء الأمّة يتشكّكون الآن من هُويتهم العربية وممّا هو مشترك بين بلدان هذه الأمّة، دون إدراك منهم أنّ ما هو قائم من وضع سلبي لا يعبّر أصلاً عن العروبة نفسها. فالحديث هو عن "أمَّة عربية" بينما هي أوطان وحكومات متعدّدة، وأحياناً متصارعة، بينما المتعاملون مع هذه الأمّة العربية من قوًى إقليمية ودولية هم أمم موحّدة بكل معاني التوحّد أو التكامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري. فلو أنّ حال هذه القوى كان شبيهاً بحال العرب الآن، لما استطاعت أصلاً أن تشكّل تحدّياً أو خطراً على غيرها.
يبدو أنّ هناك سعياً يسير قُدُماً نحو تسوية أزمات داخلية في أكثر من مكان بالمنطقة العربية، أو يسير على الأقلّ نحو وضع ضوابط وسقوف لهذه الأزمات حتى لا تنتقل من السيء إلى الأسوأ المجهولة نتائجه لدى الأطراف كلّها.
فتجربة "اتفاق الدوحة" بشأن الأزمة اللبنانية كانت اختباراً ناجحاً لما يمكن تكراره في أزمات عربية أخرى مشتعلة حالياً. وهاهي دجيبوتي، الدولة العربية الصغيرة في الجناح الأفريقي بالأمَّة، تنجح في رعاية اتفاق بين الأطراف الصومالية، كما نجحت قطر، الدولة العربية الصغيرة في الجناح الآسيوي، برعاية الاتفاق بين الأطراف اللبنانية المتنازعة.
وتتواصل الجهود المصرية في قلب الأمَّة لرعاية اتفاق بين طرفيْ الصراع الفلسطيني على قواعد وأسس شبيهة باتفاق الدوحة اللبناني الذي لم يحسم الخلاف على القضايا السياسية الجوهرية المختلف عليها، لكنّه حدّد ضوابط وآليات سياسية وقانونية للتعامل مع هذه القضايا من أجل وقف التدهور الأمني ومخاطره الداخلية والإقليمية.
وما هو مشترك بين هذه الأزمات اللبنانية والفلسطينية والصومالية أنّها جميعها قائمة بسبب صراعات، لها جذورها المحلية طبعاً لكنّها متفجّرة بسبب الخلاف الحاصل بين أطراف إقليمية ودولية، وما لهذه الأطراف من حلفاء محلّيين.
حبّذا لو كانت تحدث هذه "التسويات" الآن في ظلّ تضامن عربي فعّال، وفي إطار تفاهم مصري/سعودي/سوري يضمن هذه التسويات ويدعمها إقليمياً ودولياً.
فليس المطلوب وقف التدهور فقط في الأزمات العربية الراهنة بل معالجة جذرية لها وبناء مستقبل أفضل لأوطان وشعوب الأمّة كلّها. لكن واقع الحال الآن أنّ حجم الضغوط الأميركية على أكثر من طرف عربي تمنع الاندفاع في مسيرة التوافق العربي الشامل رغم المصلحة العربية المباشرة في ذلك.
فمسؤولية الإدارة الأميركية كانت واضحة في ازدواجية مواقفها من حكومة حركة حماس من جهة، وفي رفضها لأي تعديل سياسي في الواقع الحكومي اللبناني، من جهة أخرى. وليست الديمقراطية هي مرجعية هذه الازدواجية الأميركية، ولا هي أيضاً المحبّة لحركة "فتح" أو لقوى "14 آذار"، بل إنّ المعيار الأميركي الوحيد هو الموقف من إسرائيل ومن السياسة الأميركية في المنطقة.
وهناك أطراف عربية تجد لها مصلحةً في نهج الإدارة الأميركية، رغم مسؤولية هذه الإدارة عن تهميش القضية الفلسطينية والصراع العربي/الإسرائيلي، ورغم التعثّر الكبير أيضاً الحاصل في سياسات هذه الإدارة في العراق وفي عموم المنطقة، فالمرجعية الأميركية القائمة الآن تتهاوى سياسياً داخل أميركا نفسها، فكيف بمصير من يرتهنون بها أو يراهنون عليها؟!
إنَّ الخطر الأكبر الذي يواجه العرب حالياً هو انشغال شعوب المنطقة بصراعاتها الداخلية. فمن رحْم هذه الأزمات على أراضي فلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان تتوالد مخاطر سياسية وأمنية عديدة أبرزها الآن مخاطر الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية، إضافة إلى الصراعات السياسية والتنافس على السلطة.
ومع هذه الأزمات، المفتعل بعضها من قوى دولية وإقليمية، تتصاعد الأزمة الأميركية/الإيرانية، في ظل "الصراع البديل" المتواصل من خلال أطراف محلية فاعلة في ساحات الأزمات الدائرة.
إنّ الخطر الداهم الآن هو على المنطقة العربية كلّها وليس فقط على أراضي هذه الأزمات المشتعلة. فهذه الأزمات هي تعبير أيضاً عن تفاعلات ووقائع قائمة تعيشها وتشهدها الأمَّة العربية كلَّها، وهي نتاج طبيعي لتدخّل أجنبي يحدث دون إرادة عربية مشتركة في مواجهته، فيحصل الاستفراد بالأوطان لكن في إطار المشروع الأميركي الواحد لمنطقة الشرق الأوسط كلّها. ومع هذا المشروع الأميركي يتحرّك منذ سنوات على الأرض، المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم البلاد العربية لتكون الدولة اليهودية الأقوى هي المهيمنة على الدويلات المتصارعة.
وعلى جوار حدود الأرض العربية، تنمو مشاريع إقليمية تستفيد من خطايا السياسة الأميركية ومن غياب المرجعية العربية ذات المشروع الواحد لمستقبل الأمّة العربية.
إنَّ الصراع على "هُويّة الصراع" في المنطقة العربية هو جوهر المشكلة السائدة الآن، فهو صراع دولي/إقليمي في إطاره العام الجاري حالياً، لكن يريد البعض تحويله إلى صراعات طائفية ومذهبية في أكثر من مكان. وصمّام الأمان لوحدة الأوطان والمجتمعات العربية يكون في التأكيد على الطبيعة السياسية للصراع، وفي ملء الفراغ الكامن عربياً من حيث انعدام المرجعية العربية الفاعلة والمشروع العربي الواحد لمستقبل الأمَّة وأوطانها.
إنّ ضعف المناعة في الجسد العربي هو الذي جعله قابلاً لاستقبال حالات الأوبئة التي تعشّش الآن في خلاياه، وأخطرها وباء الانقسام الطائفي والمذهبي.
ولو لم يكن حال الأمّة العربية بهذا المستوى من الوهن والانقسام، لما كان ممكناً أصلاً استباحة بلاد العرب من الجهات الأربع كلّها.
فالعرب يدفعون الآن ثمن خطايا كبيرة حدثت خلال العقود الثلاث الماضية في المنطقة، فضلاً عن أنّهم الآن بلا بوصلة مرشدة لحركتهم السياسية.
والتعامل مع تزايد نفوذ قوى الجوار الأقليمي لا يجب أن يحجب أولوية المخاطر الأخرى المتمثّلة بالاحتلال الأجنبي والإسرائيلي، بل تستدعي هذه التحديات كلّها تصحيح التوازنات في المنطقة من خلال قيام تضامن عربي شامل وسليم يضع الأسس المتينة للعلاقات بين الدول العربية، وبينها وبين سائر دول الجوار.
ولن يتحقّق هذا التضامن العربي الفعّال ما لم تحصل رؤية عربية مشتركة بين مصر والسعودية وسوريا. ففي ظلّ التباعد الحاصل بين دمشق والرياض والقاهرة، يتمدّد النفوذ الأجنبي والإقليمي في المنطقة، ويتواصل الاحتلال، وتتعزّز فرص الحروب الأهلية التي ستحرق الأخضر واليابس معاً في معظم أرجاء المنطقة.
إنّ كثيرين من أبناء الأمّة يتشكّكون الآن من هُويتهم العربية وممّا هو مشترك بين بلدان هذه الأمّة، دون إدراك منهم أنّ ما هو قائم من وضع سلبي لا يعبّر أصلاً عن العروبة نفسها. فالحديث هو عن "أمَّة عربية" بينما هي أوطان وحكومات متعدّدة، وأحياناً متصارعة، بينما المتعاملون مع هذه الأمّة العربية من قوًى إقليمية ودولية هم أمم موحّدة بكل معاني التوحّد أو التكامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري. فلو أنّ حال هذه القوى كان شبيهاً بحال العرب الآن، لما استطاعت أصلاً أن تشكّل تحدّياً أو خطراً على غيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق