سامي الأخرس
أحياناً بل وفي كثير من الأحيان يكون الصمت ثقافة استدراكية للمشهد القادم من السيناريو الذي تعيش فيه وتراه أمام ناظرك شاخصا بتقليديته ، وهو نفس المشهد الفلسطيني أو السيناريو الذي أتبعته حول موضوع التهدئة الفلسطينية – الإسرائيلية والذي اقتصر فقط على غزة ، وهو ما هدفت من خلاله إسرائيل وكعاداتها لضرب الوحدة الفلسطينية وضرب كل قاعدة يمكن أن تشكل نقطة ارتكاز لتحقيق توافق فلسطيني – فلسطيني .
والجدل الدائر بين مشروعية التهدئة وعدم مشروعيتها في الوقت الحالي هو جدل ينظر للنصف الفارغ من الكأس السياسي الفلسطيني الذي يثبت يوماً تلو يوم أنه كأس لا يروي ظمآن ، ولا يرطب جوف جاف ، أو أمعاء جافة ، ولا ينبت زرعاً في صحراء قاحلة لا أمل بها للحياة.
فمشروعية التهدئة تنبع في طياتها الإنسانية التي تعيش فيها غزة التي أضحت تفتقد لكل ما يمت للحياة بصلة نفسياً واقتصادياً واجتماعياً ، حيث أن غزة أضحت صحراء قاحلة جرداء تشتم رائحة الموت في كل زقاق فيها ، ورائحة عذاب تنبعث من كل منزل فيها ، وتحيط بها كتله لهب تحرق كل من يقترب منها حتى نسمة الهواء الصافية النقية ، وهو ما لم تنتبه له حركة حماس منذ فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006م حيث جعلت من تمسكها بالسلطة أولوية فوق أي أولوية أخرى وأصبحت تسخر كل طاقاتها وفق الغاية تبرر الوسيلة ، دون اعتبار للنتائج والآثار التي ستنعكس على الواقع والمجتمع الفلسطيني عامة ، وإن كان من حقها التمسك بشرعيتها كقوة فائزة في الانتخابات دفع ثمنها الشعب الفلسطيني سواء من حياته الاجتماعية التي مزقتها الشهوة للسلطة والسيطرة بالقوة وهو ما مزق النسيج الاجتماعي والوطني ، أو من حيث المأساة الاقتصادية التي أصبحت موت وجحيم لا يمكن العيش فيه ورغم ذلك لم تتوان حماس عن فرض الضرائب حتى على الخدمات التي تم إعفاء المواطن منها ، وتمادت أكثر عندما ذهبت إلي حد إلغاء التأمينات الصحية سارية المفعول لتعيد تجديدها لكي تجبي منها مبلغ معين والعديد من الضرائب التي هبطت من السماء ، وهذا يطرح السؤال الذي يرتبط بعملية التغيير في هذه اللحظة بالذات في مواقف حركة حماس وهل هذا إدراكاً من حماس أخيراً أن غزة تموت ؟! وما هي الأجواء والظروف التي استجدت لتغيير حماس أو تدرك فجأة أم هناك شعب يموت وتتخلي عن مغازلة المقاومة وحق المقاومة ومشروعية المقاومة هذه الشعارات التي تجرع لأجلها شعبنا كل كؤوس العلقم التي لا يمكن أن يتجرعها غيره .
هذه المقدمة فرضت نفسها بعدما قرأت التصريحات التي تناقلتها وسائل الإعلام اليوم على لسان الناطق بوزارة الداخلية المقالة طاهر النونو :" الحكومة لن تسمح لمن يطلق عبارات التخوين وصكوك الوطنية وفقاً لمزاجه الحزبي التحكم بمصلحة الشعب وخرق الإجماع الوطني حيث ستتخذ التدابير اللازمة لحماية الشعب من أصحاب الرؤى الضيقة المرتهنة بالاحتلال " هذا ما أوردته وكالات الأنباء على لسان النونو الناطق باسم الداخلية المقالة ، وهذا التصريح يحتاج لعشرات الدراسات لكي نستطيع المفارقة ما بين قبل أسبوع من مواقف وتصريحات ، وما بين هذا الانقلاب الخطابي في المفاهيم بين عشية وضحاها ، كما ولا أدرك من يُقصد بأصحاب الرؤى الضيقة المرتهنة بالاحتلال ، هل هم مطلقي الصواريخ من كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس أم من ؟! إن كان المقصود كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس فهاتين الجهتين وحسب الإحصاءات الرسمية فإنهم ومنذ عام تقريبا يحتلان المرتبة الأولي والثانية بالتوالي في سلم مقاومة الاحتلال ، وردهما جاء مشروع على عمليات الاغتيال والاجتياحات التي تقوم بها قوات الاحتلال في الضفة الغربية التي تعتبر جزء محتل من فلسطين .
هذا يعيدني إلى موضوع التهدئة مرة أخرى ، رغم إنه يأتي في نفس السياق ولكن لماذا لم يتم فرض التهدئة في الضفة الغربية كما هو الحال في غزة إن كنا نتحدث عن وطن واحد ؟! وأي إجماع وطني قصده النونو ؟
إسرائيل نجحت في مبتغاها حيث استطاعت منح حماس وحكومتها الشرعية السياسية التي تبحث عنها وهي تدرك أن الثمن الذي ستدفعه حماس غالي جداً مقابل هذه الشرعية التي حاولت سلبها من مؤسسة الرئاسة في نفس الوقت ، وهنا بيت القصيد ، فحماس التي مُنحت هذه الشرعية ستدافع عنها بكل قوة وحزم مهما كان الثمن ، فهي خاضت لأجل هذه الشرعية معارك شرسة وغير مستعدة لإفتقاد هذه الشرعية تحت أي مسمي من المسميات ، وكذلك مستعدة أن تتهم رفاق المقاومة بالأمس بأصحاب رؤي مرتهنة بالاحتلال كما وأورد سابقا في تصريحات النونو ، ولسان حالها يقول " قاوموا في الضفة إن شئتم المقاومة " وهنا تمت فعلياً وعملياً عملية التجزئة والتفتيت لفلسطين أولاً وللمقاومة ثانياً ، أما صيغة الإجماع الوطني التي دافع عنها طاهر النونو فلم يرحب بالتهدئة سوي الرئيس محمود عباس وحكومة سلام فياض ، في الوقت الذي أبدت كل فصائل الفعل الوطني تحفظاتها على التهدئة وسقفها وهو ما أكده قيام الجهاد الإسلامي بأول عملية اختراق للتهدئة .
أما التصريح الآخر فهو على لسان الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري : " أن أطرافاً في رام الله لها علاقة مباشرة بتحريك وتوجيه هذه المجموعة التي لم يكن لها أي فعل حينما كانت تحرق غزة بأكملها " وهنا المقصود كتائب شهداء الأقصى ولا أعتقد المقصود سرايا القدس ولكن نسي الناطق باسم حركة حماس أن كتائب الأقصى حسب التقارير الأخيرة تحتل المرتبة الأولي في عملية المقاومة منذ عام تقريبا يليها سرايا القدس ذراع الجهاد الإسلامي ، وهذا التصريح يعتبر تجريد لفصيل مسلح من شرف المقاومة والنضال مهما كانت المسميات والأسباب ، وأن هؤلاء هم رفاق الأمس ورفاق الخندق والبندقية .
هنا أنا ليس مدافعاً عن أحد، فليس لي ناقة أو جمل سوي لمس هذه التحولات الخطيرة والانقلاب الحاد والخطير في الموقف السياسي الفلسطيني ، هذا الموقف الذي فرضته إسرائيل التي أسقطت فتح قبل خمسة عشر عاماً في وحل أوسلو وجردتها من شرعيتها الجماهيرية حتى أصبحت فتح أشلاء ممزقة يتقاسمها الكبار أباطرة المال والفساد ، وبذلك خسرنا فصيل هام في عملية النضال والمقاومة ، وها هي تمارس (إسرائيل ) نفس السيناريو مع حركة حماس القطب الأخر القوي حيث تريد تحويلها لشرطي في غزة يحرس حدودها ويؤمن سلامتها ، ويفسح لها المجال تعيث فساداً في الضفة الغربية وهو ما بدت تتضح معالمه من خلال عملية حشد واستنفار قصوى شاهدتها اليوم في صفوف كتائب القسام على الحدود ومناطق إطلاق الصواريخ .
فالإشكالية الآن ليست التصريحات والمواقف المبعثرة المتخبطة هنا وهناك وإنما الزرع والغرس الذي غرسته إسرائيل وهو " الفتنة " وإعادة الحالة الفلسطينية – الفلسطينية إلى ما قبل عام من الآن ، حيث القتل والتكفير والتخوين ..الخ من عملية الانقسام الدموية ، وكذلك سرقة حركة حماس وكتائبها وتجريدها من مشروعيتها المقاومة التي انطلقت من أجلها وتريد تحويلها لأداة ضد فصائل الفعل الوطني ، وبذلك نُشيع حركة حماس إلى مثواها الأخير كما شَيعنا حركة فتح سابقاً ، والنتيجة سقوط للمشروع الوطني الفلسطيني بوجهيه المقاوم والسياسي في ظل ثنائية القطبية الفلسطينية وافتقاد باقي الفصائل لمؤهلات قيادة الشعب الفلسطيني بأوضاعها الحالية .
فالعملية لا تحتاج لإفراز ذهني لكي تتضح معالمها وخيوطها ، وإنما هي تكرار تقليدي لذات المعالم السابقة ، فالمؤامرة ليس ضد طرف فلسطيني بعينه بل هي ضد المشروع الوطني عامة ، وحركة حماس خاصة التي استلقت كجثة مخدرة على سرير غرفة العمليات لعبث المبضع الإسرائيلي بها كيفما يشاء ويمزق شرايينها كيفما يحلو له ، ما دامت حماس تعيش في غيبوبة السلطة .
إذن ما الحل؟!
هنا المشهد هو نفس المشهد القديم الجديد حيث غُلبت المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية وأصبح الوطن أداة في يد الأحزاب والقوي الحزبية كلاً يستغله حسب أهوائه ومصالحه ، مع غياب فعلي لكافة قوي ومؤسسات المجتمع الأخرى المدني منها والسياسي ، وحالة الصمت التي تخيم عليها ، فهي أصبحت عاجزة لا تقوي على فعل شيء سوي المشاهدة والاستمتاع بالحالة لمعاشة كما فعلت سابقا .
وعليه لا يمكن صياغة آليات لحلول منطقية وموضوعية قابلة للتحقق دون استعادة فلسطين المسروقة من قطبي السلطة ، وإعادة النظر في عملية الخصخصة التي خضعت لها فلسطين ، ومن ثم البدء بحوار وطني وشعبي على قاعدة " الوطن فوق الجميع " وما دون ذلك فهو ضرب من الخيال والأوهام وتلاعب بالمشاعر والعواطف ستقودنا لمزيد من التناحر والانقسام ، وتفسح المجال للاحتلال يتصرف بنا كيفما يشاء.
أحياناً بل وفي كثير من الأحيان يكون الصمت ثقافة استدراكية للمشهد القادم من السيناريو الذي تعيش فيه وتراه أمام ناظرك شاخصا بتقليديته ، وهو نفس المشهد الفلسطيني أو السيناريو الذي أتبعته حول موضوع التهدئة الفلسطينية – الإسرائيلية والذي اقتصر فقط على غزة ، وهو ما هدفت من خلاله إسرائيل وكعاداتها لضرب الوحدة الفلسطينية وضرب كل قاعدة يمكن أن تشكل نقطة ارتكاز لتحقيق توافق فلسطيني – فلسطيني .
والجدل الدائر بين مشروعية التهدئة وعدم مشروعيتها في الوقت الحالي هو جدل ينظر للنصف الفارغ من الكأس السياسي الفلسطيني الذي يثبت يوماً تلو يوم أنه كأس لا يروي ظمآن ، ولا يرطب جوف جاف ، أو أمعاء جافة ، ولا ينبت زرعاً في صحراء قاحلة لا أمل بها للحياة.
فمشروعية التهدئة تنبع في طياتها الإنسانية التي تعيش فيها غزة التي أضحت تفتقد لكل ما يمت للحياة بصلة نفسياً واقتصادياً واجتماعياً ، حيث أن غزة أضحت صحراء قاحلة جرداء تشتم رائحة الموت في كل زقاق فيها ، ورائحة عذاب تنبعث من كل منزل فيها ، وتحيط بها كتله لهب تحرق كل من يقترب منها حتى نسمة الهواء الصافية النقية ، وهو ما لم تنتبه له حركة حماس منذ فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006م حيث جعلت من تمسكها بالسلطة أولوية فوق أي أولوية أخرى وأصبحت تسخر كل طاقاتها وفق الغاية تبرر الوسيلة ، دون اعتبار للنتائج والآثار التي ستنعكس على الواقع والمجتمع الفلسطيني عامة ، وإن كان من حقها التمسك بشرعيتها كقوة فائزة في الانتخابات دفع ثمنها الشعب الفلسطيني سواء من حياته الاجتماعية التي مزقتها الشهوة للسلطة والسيطرة بالقوة وهو ما مزق النسيج الاجتماعي والوطني ، أو من حيث المأساة الاقتصادية التي أصبحت موت وجحيم لا يمكن العيش فيه ورغم ذلك لم تتوان حماس عن فرض الضرائب حتى على الخدمات التي تم إعفاء المواطن منها ، وتمادت أكثر عندما ذهبت إلي حد إلغاء التأمينات الصحية سارية المفعول لتعيد تجديدها لكي تجبي منها مبلغ معين والعديد من الضرائب التي هبطت من السماء ، وهذا يطرح السؤال الذي يرتبط بعملية التغيير في هذه اللحظة بالذات في مواقف حركة حماس وهل هذا إدراكاً من حماس أخيراً أن غزة تموت ؟! وما هي الأجواء والظروف التي استجدت لتغيير حماس أو تدرك فجأة أم هناك شعب يموت وتتخلي عن مغازلة المقاومة وحق المقاومة ومشروعية المقاومة هذه الشعارات التي تجرع لأجلها شعبنا كل كؤوس العلقم التي لا يمكن أن يتجرعها غيره .
هذه المقدمة فرضت نفسها بعدما قرأت التصريحات التي تناقلتها وسائل الإعلام اليوم على لسان الناطق بوزارة الداخلية المقالة طاهر النونو :" الحكومة لن تسمح لمن يطلق عبارات التخوين وصكوك الوطنية وفقاً لمزاجه الحزبي التحكم بمصلحة الشعب وخرق الإجماع الوطني حيث ستتخذ التدابير اللازمة لحماية الشعب من أصحاب الرؤى الضيقة المرتهنة بالاحتلال " هذا ما أوردته وكالات الأنباء على لسان النونو الناطق باسم الداخلية المقالة ، وهذا التصريح يحتاج لعشرات الدراسات لكي نستطيع المفارقة ما بين قبل أسبوع من مواقف وتصريحات ، وما بين هذا الانقلاب الخطابي في المفاهيم بين عشية وضحاها ، كما ولا أدرك من يُقصد بأصحاب الرؤى الضيقة المرتهنة بالاحتلال ، هل هم مطلقي الصواريخ من كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس أم من ؟! إن كان المقصود كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس فهاتين الجهتين وحسب الإحصاءات الرسمية فإنهم ومنذ عام تقريبا يحتلان المرتبة الأولي والثانية بالتوالي في سلم مقاومة الاحتلال ، وردهما جاء مشروع على عمليات الاغتيال والاجتياحات التي تقوم بها قوات الاحتلال في الضفة الغربية التي تعتبر جزء محتل من فلسطين .
هذا يعيدني إلى موضوع التهدئة مرة أخرى ، رغم إنه يأتي في نفس السياق ولكن لماذا لم يتم فرض التهدئة في الضفة الغربية كما هو الحال في غزة إن كنا نتحدث عن وطن واحد ؟! وأي إجماع وطني قصده النونو ؟
إسرائيل نجحت في مبتغاها حيث استطاعت منح حماس وحكومتها الشرعية السياسية التي تبحث عنها وهي تدرك أن الثمن الذي ستدفعه حماس غالي جداً مقابل هذه الشرعية التي حاولت سلبها من مؤسسة الرئاسة في نفس الوقت ، وهنا بيت القصيد ، فحماس التي مُنحت هذه الشرعية ستدافع عنها بكل قوة وحزم مهما كان الثمن ، فهي خاضت لأجل هذه الشرعية معارك شرسة وغير مستعدة لإفتقاد هذه الشرعية تحت أي مسمي من المسميات ، وكذلك مستعدة أن تتهم رفاق المقاومة بالأمس بأصحاب رؤي مرتهنة بالاحتلال كما وأورد سابقا في تصريحات النونو ، ولسان حالها يقول " قاوموا في الضفة إن شئتم المقاومة " وهنا تمت فعلياً وعملياً عملية التجزئة والتفتيت لفلسطين أولاً وللمقاومة ثانياً ، أما صيغة الإجماع الوطني التي دافع عنها طاهر النونو فلم يرحب بالتهدئة سوي الرئيس محمود عباس وحكومة سلام فياض ، في الوقت الذي أبدت كل فصائل الفعل الوطني تحفظاتها على التهدئة وسقفها وهو ما أكده قيام الجهاد الإسلامي بأول عملية اختراق للتهدئة .
أما التصريح الآخر فهو على لسان الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري : " أن أطرافاً في رام الله لها علاقة مباشرة بتحريك وتوجيه هذه المجموعة التي لم يكن لها أي فعل حينما كانت تحرق غزة بأكملها " وهنا المقصود كتائب شهداء الأقصى ولا أعتقد المقصود سرايا القدس ولكن نسي الناطق باسم حركة حماس أن كتائب الأقصى حسب التقارير الأخيرة تحتل المرتبة الأولي في عملية المقاومة منذ عام تقريبا يليها سرايا القدس ذراع الجهاد الإسلامي ، وهذا التصريح يعتبر تجريد لفصيل مسلح من شرف المقاومة والنضال مهما كانت المسميات والأسباب ، وأن هؤلاء هم رفاق الأمس ورفاق الخندق والبندقية .
هنا أنا ليس مدافعاً عن أحد، فليس لي ناقة أو جمل سوي لمس هذه التحولات الخطيرة والانقلاب الحاد والخطير في الموقف السياسي الفلسطيني ، هذا الموقف الذي فرضته إسرائيل التي أسقطت فتح قبل خمسة عشر عاماً في وحل أوسلو وجردتها من شرعيتها الجماهيرية حتى أصبحت فتح أشلاء ممزقة يتقاسمها الكبار أباطرة المال والفساد ، وبذلك خسرنا فصيل هام في عملية النضال والمقاومة ، وها هي تمارس (إسرائيل ) نفس السيناريو مع حركة حماس القطب الأخر القوي حيث تريد تحويلها لشرطي في غزة يحرس حدودها ويؤمن سلامتها ، ويفسح لها المجال تعيث فساداً في الضفة الغربية وهو ما بدت تتضح معالمه من خلال عملية حشد واستنفار قصوى شاهدتها اليوم في صفوف كتائب القسام على الحدود ومناطق إطلاق الصواريخ .
فالإشكالية الآن ليست التصريحات والمواقف المبعثرة المتخبطة هنا وهناك وإنما الزرع والغرس الذي غرسته إسرائيل وهو " الفتنة " وإعادة الحالة الفلسطينية – الفلسطينية إلى ما قبل عام من الآن ، حيث القتل والتكفير والتخوين ..الخ من عملية الانقسام الدموية ، وكذلك سرقة حركة حماس وكتائبها وتجريدها من مشروعيتها المقاومة التي انطلقت من أجلها وتريد تحويلها لأداة ضد فصائل الفعل الوطني ، وبذلك نُشيع حركة حماس إلى مثواها الأخير كما شَيعنا حركة فتح سابقاً ، والنتيجة سقوط للمشروع الوطني الفلسطيني بوجهيه المقاوم والسياسي في ظل ثنائية القطبية الفلسطينية وافتقاد باقي الفصائل لمؤهلات قيادة الشعب الفلسطيني بأوضاعها الحالية .
فالعملية لا تحتاج لإفراز ذهني لكي تتضح معالمها وخيوطها ، وإنما هي تكرار تقليدي لذات المعالم السابقة ، فالمؤامرة ليس ضد طرف فلسطيني بعينه بل هي ضد المشروع الوطني عامة ، وحركة حماس خاصة التي استلقت كجثة مخدرة على سرير غرفة العمليات لعبث المبضع الإسرائيلي بها كيفما يشاء ويمزق شرايينها كيفما يحلو له ، ما دامت حماس تعيش في غيبوبة السلطة .
إذن ما الحل؟!
هنا المشهد هو نفس المشهد القديم الجديد حيث غُلبت المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية وأصبح الوطن أداة في يد الأحزاب والقوي الحزبية كلاً يستغله حسب أهوائه ومصالحه ، مع غياب فعلي لكافة قوي ومؤسسات المجتمع الأخرى المدني منها والسياسي ، وحالة الصمت التي تخيم عليها ، فهي أصبحت عاجزة لا تقوي على فعل شيء سوي المشاهدة والاستمتاع بالحالة لمعاشة كما فعلت سابقا .
وعليه لا يمكن صياغة آليات لحلول منطقية وموضوعية قابلة للتحقق دون استعادة فلسطين المسروقة من قطبي السلطة ، وإعادة النظر في عملية الخصخصة التي خضعت لها فلسطين ، ومن ثم البدء بحوار وطني وشعبي على قاعدة " الوطن فوق الجميع " وما دون ذلك فهو ضرب من الخيال والأوهام وتلاعب بالمشاعر والعواطف ستقودنا لمزيد من التناحر والانقسام ، وتفسح المجال للاحتلال يتصرف بنا كيفما يشاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق