الأحد، يونيو 22، 2008

من ذاكرة الأسر 32

راسم عبيدات
المناضلان خالد الحلبي وسامر متعب
شموع على طريق الحرية

....... مع بداية الانتفاضة الأولى كانون أول/1987 تحولت مدينة القدس،كونها في تماس يومي ومباشر مع الاحتلال،بكل تمظهراته الأمنية والعسكرية ووجوده المادي في قلب مدينة القدس،وما يقوم به من ممارسات وإجراءات قمعية بحق سكان المدينة المقدسة،الى ساحة للعمل اليومي الانتفاضي،وما كاد يمر يوم دون أن يكون هناك مواجهات وأعمال انتفاضية ضد الاحتلال، والمهمة الأساسية والمباشرة في هذا الجانب،وقعت على نشطاء العمل الانتفاضي من الطلبة الثانويين وفئة الشباب،وفي إطار إثبات والتأكيد على هوية وعروبة القدس،ناهيك عن التنافس ألفصائلي واثبات الذات والوجود والفاعلية والجماهيرية ،ألقت فصائل العمل الوطني الفلسطيني،بكل ثقلها في هذا الجانب،وخالد الحلبي كونه كان أحد النشطاء البارزين للجبهة الشعبية في إطار اتحاد لجان الطلبة الثانويين في مدينة القدس،فقد وجد في هذه الانتفاضة فرصة ،يعبر فيها عن ذاته وقناعاته وأفكاره ،ويدعم بالفعل لا بالقول الأفكار والشعارات التي حملها ويؤمن بها،يترجمها الى قوة مادية على الأرض،ومن هنا شكل نموذجاٌ وقائداً ميدانياً لأبناء جيله،وتحولت مدرسته الفرير في باب الخليل،الى ساحة مهمة للعمل الطلابي من حيث التأطير والتحريض والتنظيم والمشاركة في المناشطات الانتفاضية،ومن هنا فإن الحلبي وكل نشطاء العمل الانتفاضي ومن مختلف ألون الطيف السياسي الفلسطيني،كانوا في دائرة الاستهداف المباشر،من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية،حيث جرى اعتقال خالد وعدد آخر من رفاقه،بينهم رفيق دربه شادي الشرفا،من على مقاعد الدراسة الثانوية،ورغم أن الفترة التي قضاها خالد وشادي في المعتقل كانت قصيرة ولعدة أشهر،إلا أنها لعبت دوراً هاماً وبارزاً في صقل شخصياتهم وتجاربهم،ووسعت من مداركهم وخبراتهم وتجاربهم،وزادتهم تشرباً وتمسكاً بالقيم والمفاهيم والأفكار والمبادئ التي آمنوا بها،وما أن تحرر خالد من المعتقل،حتى غدا بين أقرانه ورفاقه رمزاً وقائداً طلابياً،وعهدت إليه الجبهة الشعبية بقيادة وتولي مسؤوليات إطارها الطلابي في مدينة القدس، ومن ثم جرى تكليفه وحسب ما علمت من رفاقه وأصدقاءه بمهام تنظيمية في إطار منطقة القدس،وهذا شكل إضافات نوعية في خبراته وتجاربه ،وما أن جاءت الانتفاضة الثانية،حتى أضحى أحد القيادات التي هي موضع ثقة حزبه ورفاقه،ومن الذين يعتمد عليهم في مهام حزبية وكفاحية،والحديث هنا لرفاقه في المعتقل،وفي الانتفاضة الثانية أيلول/2000 شارك بفاعلية بها،وتعددت أنشطنه ومهامه،وهذا جعله من المستهدفين المباشرين للاحتلال وأجهزته الأمنية،فقد جرت مداهمة بيته أكثر من مرة،ورفض تسليم نفسه ،وأصبح من المطلوبين لأجهزة الأمن الإسرائيلية، وبالتالي انتقل الى حياة المطاردة والاختفاء والعمل السري،ليجري بعد عام وأثناء عمليات الاجتياح الواسعة لرام الله اعتقاله من هناك،وليبدأ دورة جديدة من الاعتقال والنضال في زنازين ومراكز تحقيق وسجون الاحتلال، وليحكم عليه بالسجن 28 عاماً،والحلبي وقبل الحديث عنه قي المعتقل، وكما عرفته في الخارج،فهو قادم من بيئة وعائلة متحررة وليست مغلقة،وهو إنسان مرح ويحب الانبساط والحياة،وكان شديد الاعتداد بنفسه والاهتمام بمظهره ولباسه الشخصي،وله شبكة واسعة من العلاقات مع الفئة الشابة(شبان وشابات)، وكان أقرانه وأصدقائه،يطلقون عليه لقب"دنجوان" وسالب قلوب العذارى،وفي المقابل كان شديد الحرص والغيرة على قضايا الحزب والوطن،وهذه السجايا والمزايا،جعلته قادر على نسج شبكة واسعة من العلاقات الاعتقالية في المعتقل،مع كل ألوان الطيف السياسي،وكان أيضاً محبوباً من رفاق حزبه،وفي المعتقل تولى الكثير من المهام والمسؤوليات في إطار حزبه،وعلى الصعيد الوطني العام،حيث مثل الجبهة الشعبية أكثر من مرة في اللجنة الوطنية العامة للأسرى،والحلبي من المعتقلين المبادرين في طهي الطعام، وخصوصاً القدرة والمقلوبة والمعتقلين نيام،في الهزيع الأخير من الليل،أو في الساعات الأولى من الصباح،حيث يصحو المعتقلين على رائحة الأكل،بين ساخط ومستنكر لهذا العمل،وبين من هو جائع ويشاطر الحلبي الأكل ومثمناً جهده ودوره،والحلبي من المعتقلين المشهود لهم في لعبة"الزهر"،وهذه اللعبة تحتاج الى قدرات عالية من التفكير والتركيز،وفي بعض الأحيان يضطر الحلبي لقضاء عدة ساعات في اللعب،حيث يجرب أكثر من معتقل حظه في محاولة التغلب عليه في هذه اللعبة،والتي لا تخلو بعض الأحيان من الشتائم والحرد والزعل،وفي الجوانب الإنسانية فهو إنسان لديه طيبة عالية،وعندما كان يستمع الى إحدى الأغنيات في التلفاز،تراه يحن ويستذكر الخارج بكل أيام مرحه وسروره وشبكة علاقاته هنا وهناك،وكان يحرص وفاء للأحبة على التواصل معهم من خلال الرسائل،وفي النهاية يقول الحلبي تصبحون على وطن،وفجر الحرية آت وباب السجن لن يغلق على أحد،وستخرجون جميعكم منه ،إما على أرجلكم أو محمولين على الأكتاف.
أما الرفيق سامر متعب والمحكوم بالسجن خمسة وعشرين عاماً،فكان إنسان عادي كأي فلسطيني،ليس له اهتمامات بالسياسة،واستمر على هذا الحال حتى اندلعت الانتفاضة الثانية وأحدثت انعطافة حادة في حياته،وأخذ يتفاعل بالمحيطين به من الأصدقاء،ويشاركهم العديد من أنشطتهم،فعاليات انتفاضية جداريات وشعارات ومسيرات ومهرجانات واشتباكات مع الجنود في المسيرات والمظاهرات،ولكن سامر كانت استعداداته وتوقعاته،أعلى وأبعد من هذه الأعمال،وكان يرى أن الرد على جرائم وممارسات الاحتلال بحق شعبنا،يجب أن تتجاوز الحجر والشعار،ومن هنا اتجه الى العمل الكفاحي والنضالي،ولعل الجميع من حوله من أهل وأصدقاء،ولمعرفتهم بسامر وما يبدو عليه من درجة عالية من الهدوء والبساطة ،قد استغربوا أن يجري اعتقاله وليتضح لاحقاً،انه من ضمن الخلايا المتهمة بالسيارات المفخخة،وليحكم عليه بالسجن 25 عاماً،وفي السجن الذي بدت حياته جديدة على سامر،بدأ سامر بشق تجربته هذه بالتركيز على الثقافة وعلى العمل الحزبي والتنظيمي،وهذا الشاب الطموح بدا يكتسب مهاراته ويطور من قدراته ويكتسب المزيد من التجارب والخبرات،دون أن يغفل صقل شخصيته في جوانب أخرى،حيث المواظبة على الرياضة في المعتقل،والرفيق سامر،ليس مسكوناً بالنظافة،بل مهووس بها،وإذا ما كان أحد من المناضلين،يريد أن يستفز سامر في هذا الجانب،فكان يأتي للجلوس على سريره"برشه"،أو يشرب الشاي أو القهوة في كأسه،وهنا تثور ثائرة سامر،ويبدأ حفلة طويلة من الجلي أو الغسيل لأغراضه التي تم استخدامها أو استعمالها،ولكن شيئاً فشيئاً بدأت هذه الحالة تتراجع عنده ،وسامر متعب مناضل عنيد وممسك بأفكاره وقناعاته،وفي المقابل إنسان فيه مسحة عالية من الطيب والإنسانية،ويرفض التقسيمات الفصائلية في الهموم العامة ،ويركز على وحدة الحركة الأسيرة في وجه إدارات قمع السجون الإسرائيلية،التي تستهدف الأسرى كمجموع وليس كفصائل.
والحلبي ومتعب هم من أسرى القدس،غير المشمولين بصفقات الإفراج أو ما يسمى ببوادر حسن النية،وهم يرون أن قضيتهم،هم وغيرهم من أسرى القدس والداخل،لن تحل إلا من خلال صفقات التبادل،ولذا فهم آمالهم وآمال غيرهم من الأسرى معلقة على ما يجري في بيروت وغزة،ويناشدون ويطالبون سيد المقاومة سماحة الشيخ حسن نصر الله وكذلك المجاهدين في حماس،أن يجعلوا قضيتهم في رأس سلم الأولويات،وأن تشملهم صفقات التبادل تلك.

ليست هناك تعليقات: