الجمعة، يونيو 13، 2008

الأسرى وأجهزة الهاتف الخلوي..ايجابيات وسلبيات

راسم عبيدات

....... الحرب بين الأسرى الفلسطينيين وإدارات سجون الاحتلال وأجهزة مخابراتها متواصلة ومستمرة بكل الأشكال والوسائل،فإدارات السجون تمارس كل أساليبها الاستخباراتية من أجل قتل وكسر إرادة المناضلين الفلسطينيين،وإفراغهم من محتواهم النضالي والكفاحي،ومنعهم من بناء وتنظيم أنفسهم تنظيمياُ واعتقاليا وحياتياً،عبر الكثير من الوسائل والأساليب المتنوعة والمتعددة،من قمع وعزل وتنقلات مستمرة بين السجون وأقسام العزل والزنازين،ومنع تواصلهم مع العالم الخارجي،وزرع العملاء والمتساقطين في صفوفهم،من أجل كشف طرق ووسائل اتصالاتهم وعلاقاتهم في داخل المعتقلات وخارجها، وللوقوف ومعرفة التفاصيل المتعلقة بشبكة علاقاتهم وحياتهم التنظيمية والحزبية الداخلية والاعتقالية والوطنية،وأيضاً طرق ووسائل وأساليب التواصل والتنسيق بين الأسرى في مختلف السجون الإسرائيلية،وبرامج وطرق وأساليب وآليات تفكيرهم وخططهم تجاه إدارات السجون ...الخ، وبالمقابل المناضلون الفلسطينيون وما يمتلكونه من اردات وما يختزنونه من طاقات،وإيمان بعدالة قضيتهم وحتمية انتصارهم وتحررهم،فهم يدرسون ويطورون من خططهم وبرامجهم وأساليبهم التي تمكنهم من التغلب والانتصار على ادارات السجون وهزيمتها في هذه المعارك النضالية.
وبعد فشل أوسلو واندلاع الانتفاضة الثانية آب/ 2001، وما ترتب عليها من اعتقالات طالت الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني،اتخذت المعركة بين الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وادارات السجون الإسرائيلية منحاً وشكلاً جديدين،حيث صمم الأسرى الفلسطينيون على كسر حالة العزل والحصار التي حاولت ادارات السجون فرضها عليهم،من خلال هجمة شاملة على كافة منجزاتهم ومكتسباتهم،مثل منع التواصل بين أقسام السجن الواحد،بحيث يصبح كل قسم من أقسام المعتقل سجن قائم بذاته،ومنع الزيارات للأسرى بين أقسام السجن الواحد،مع حملات من الدهم والتفتيش اليومي،واستبدال زيارات الأسرى لذويهم من خلال الشبك الحديدي،لزيارات على الهاتف ومن خلف زجاج....الخ.
هذا المخطط لإدارات السجون،استبقته الحركة الأسيرة باتخاذ قرار بإدخال أجهزة الهاتف النقال إلى السجون عبر طرقها ووسائلها الخاصة،وما هي سوى فترة قصيرة حتى أصبحت السجون الإسرائيلية مليئة بهذه الأجهزة،وقد ردت ادارة السجون على هذه الخطوة بالكثير من الإجراءات والممارسات القمعية،فعدا عن مراقبة والتصنت على مكالمات تلك الأجهزة،فقد قامت بوضع أجهزة تشويش في كل أقسام السجون لتعطيل عمل تلك الأجهزة،وبدأت بشن هجمة شاملة على الحركة الأسيرة من أجل منع تلك الظاهرة،ومصادرة وكشف مخابئ الأجهزة المهربة وطرق ووسائل تهريبها،وانأ هنا لست في إطار وصف وتحليل ما قامت به ادارات السجون من إجراءات وممارسات من أجل وقف هذه الظاهرة.
بل ما أنا هنا بصدده هو ماهية المترتبات والنتائج على وجود مثل هذه الأجهزة في السجون إيجابا وسلباً،وليعذرني إخوتي ورفاقي الأسرى على بعض العبارات والتوصيفات القاسية التي سترد في المقالة، فلا أحد يجادل بأن وجود تلك الأجهزة،كسر حاجز العزلة المفروض على الأسرى وأتاح لهم التواصل مع أهلهم وذويهم وأصدقائهم من خلال التحدث معهم مباشرة،وتحديداً الأسرى المحرومين من الزيارات العائلية وكذلك الأسرى القدماء، كما أنني لا أنكر أن العديد من الأسرى ومن خلال تلك الأجهزة لعب دوراُ في حل إشكالات وخلافات أسرية وعائلية ومشاكل اجتماعية ....الخ،وكذلك فإن تلك الأجهزة مكنت التنظيمات الاعتقالية الفلسطينية من التواصل شبه اليومي مع فصائلها وتنظيماتها،وأصبح لها مساهماتها وتأثيراتها ودورها في القرارات التنظيمية والسياسية،حتى المساهمة في إلقاء كلمات من داخل السجون عبر الهاتف في احتفالات ومهرجانات مختلفة تقيمها الفصائل الفلسطينية،بل وحتى المشاركة في مقابلات صحفية،والتواصل مع الفضائيات عندما كانت الحركة الأسيرة تتعرض لعمليات قمع ومداهمة من قبل ما يسمى وحدات قمع السجون الخاصة"نحشون وغيرها"،وكذلك طرح كل ما يتعلق بظروف وحياة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية،وما يحتاجونه من دعم ومساندة لقضيتهم في الخارج،ناهيك عن حل القضايا المادية المتعلقة بالأسرى من مخصصات و"كنتينا" وأية مشاكل أخرى اجتماعية وتنظيمية ،أو معالجات تحتاج إلى ردود سريعة،ناهيك عن أن هذه الأجهزة لعبت دوراً هاماً في التنسيق وترتيب الأوضاع التنظيمية الاعتقالية للمنظمات الأسيرة في مختلف السجون،بالإضافة إلى التشاور والتنسيق بين السجون في مختلف الشؤون الاعتقالية.
بالقدر المتحقق من ايجابيات وجود هذه الأجهزة ،فهناك العديد من المظاهر السلبية التي ترتبت على وجدودها،حيث ظهرت وبرزت ظاهرة الخصخصة،أي امتلاك الشخص المناضل جهاز خلوي خاص به،يتحكم في استعماله بمعزل عن التنظيم، وما يترتب على ذلك من تعزيز لسلطة الفرد والجهوية والعشائرية والبلدية،ناهيك عن الاستعمالات غير الصحيحة لهذا الجهاز وما ترتب عليها من مشاكل داخل السجون وخارجها،والأسرى هنا ليسوا أنبياء فهم جزء من المجتمع وتبرز العديد من المظاهر السلبية عندهم،فهناك عدد قليل استخدم الهاتف في اتصالات غرامية وعاطفية،وان كانت الظاهرة محدودة ،إلا أنها مست صورة وهيبة واحترام الأسرى،وهناك من استخدم الهاتف من أجل التجارة،حيث يقوم بتهريب هاتف خلوي وبيعه لعدد من المناضلين أو لفصيل معين بسعر قد يصل لعشرة أضعاف سعره الحقيقي،وهذا الممارسة لم تقتصر على أفراد بل وعلى تنظيمات،وأصبح هناك من يقومون ببيع خدمات اتصال للمناضلين من خلال تحديد سعر للدقيقة أعلى من الثمن الذي يدفعه الفصيل أو الشخص لشركة الاتصالات المشترك/ين معها،وبعض التنظيمات استخدم ذلك كنوع من عمليات الاستقطاب الحزبي والتنظيمي،بيع خدمات بأسعار مخفضة،لا يستطيع الفصيل المنتمي إليه المناضل البيع بها،وهناك نقطة على غاية من الأهمية فرغم إدراك المناضلين أن هذه الأجهزة لا يمكن إلا أن تكون مراقبة من قبل مخابرات السجون،فإن البعض لم يعر ذلك الأهمية المطلوبة،وحسب ما سمعنا أجرى اتصالات ذات طابع تنظيمي، وترتب عليه توجيه ضربات أمنية وكشف خلايا ومناضلين،ناهيك عن هذه الأجهزة كان لها دوراً سلبياً على الحياة الداخلية للتنظيمات،من حيث العزوف والفقر في الجلسات التنظيمية والسياسية،ومسألة أخرى على قدر عالي من الأهمية، أن هذه الأجهزة شكلت عبئاً مالياً ليس على التنظيمات والفصائل،بل على أسر وعائلات المناضلين وشبكة علاقاتهم،حيث وصلت الفواتير الشهرية الشخصية للعديد من الأسرى الآلاف من الشواقل شهريا، ناهيك عن التكاليف العالية للأجهزة التي يجري مصادرتها من قبل ادارات السجون قبل استخدامها.
ومن النوادر التي رافقت دخول هذه الأجهزة إلى المعتقلات،عدا عن عدم المعرفة باستخدامها من أغلب المناضلين القدماء،فإن المناضل عندما كان ينهي المكالمة ويضغط على الزر الخاص لمعرفة ما تبقى له من رصيد،كانت ترد عليه السكرتيرة الالكترونية بصوت فتاة،نسمعه نحن المناضلين، وهو يقول لها شكراً لك يا أختي.
وفي النهاية أقول على الرغم من الأهمية العالية لهذه الأجهزة ووجودها ودورها في حياة المناضلين،إلا أنه لا بد من معالجات جادة للكثير من المظاهر السلبية المرافقة لاستخدامها،بل والعمل على اجتثاثها،لأن استمرار هذه المظاهر واستفحالها،يوجه ضربة قوية للحركة الأسيرة،ويشكل مخاطر جدية على وحدتها وهيبتها وقراراتها التنظيمية والحزبية والاعتقالية.

ليست هناك تعليقات: