الجمعة، يونيو 20، 2008

المرأة السعودية و"مأساة ابليس"!


وجيهـــة الحويــدر

ربما من اكثر الكتب المثيرة للجدل حتى يومنا هذا، والذي طَرحَ بصورة فلسفية وذكية جدا عن ما سمي "بمأساة ابليس"، هو كتاب "نقد الفكر الديني" الذي نـُشر في أواخر الستينيات من القرن المنصرم للكاتب والفيلسوف السوري المخضرم "صادق جلال العظم"، حيث شرح فيه ماهية تلك المأساة التي نراها متجسدة بشكل متقارب وعجيب وكواقع حقيقي في حياة المرأة السعودية، لكن بصورة مغايرة محزنة.

"مأساة ابليس" تتلخص في ان ذاك المـَلَك الذي يـُدعى "ابليس" كان مطيعاً وناسكاً ومتعبداً لربه ولقرون طويلة، ثم وجد نفسه بين ليلة وضحاها مطروداً من رحمة ربه. فقد غَضِِبَ منه الرب وأمره بالخروج من رحابه الواسعة وجناته الفاتنة.

الحكاية معروفة ومتكررة حتى بين الاديان غير التوحيدية، حدث ذلك حين رفض "ابليس" الخضوع للأمر الألهي، والسجود "لآدم"، ذاك المخلوق الذي اقل منه شأناَ، لانه خُُلق من "طين حقير"، بينما "ابليس" خُلق من نار.

أين تكمن "المأساة" في الحكاية؟؟ وكيف رآها الكاتب "صادق جلال العظم"؟؟ المأساة عظيمة لمخلوق ضعيف مثل "ابليس" انذاك. ان "ابليس" حين طـَلبَ منه رب العالمين السجود "لآدم"، وجَـدَ "ابليس" نفسه في محنة بين اطاعة الأمر الإلهي، وبين اتباع المشيئة الإلهية أو الإرادة الإلهية،. فالرب طلب من "ابليس" ان يسجد "لآدم"، لكنه شاء له ان يعصي امره!! يقول "صادق جلال العظم" في طرحه "لذلك باستطاعتنا القول بأن الله أمر إبليس بالسجود لآدم ولكنه شاء له أن يعصي الأمر، ولو شاء لإبليس لأن يقع ساجداً لوقع ساجداً لتوه، إذ لا حول ولا قوة للعبد على رد المشيئة الإلهية" اذا في كلا الحالتين سيكون "ابليس" متمرداً وعاصياً للرب...مأساة ما بعدها مأساة!

الآن في حالة المرأة السعودية صارت تعيش تلك "المأساة" مع بعض الرتوش على الحكاية. المرأة السعودية الأمـَة الصابرة الخانعة المؤمنة المحتارة بين الأمر والمشيئة، مشيئة من "السيد الأول" وهو ما يُطلق عليه "مَحرَم شرعي" حيث يعكس السلطة الخاصة، وأمر او إرادة "السيد الثاني" المتمثل في صورة رجل الدولة حيث يجسد السلطة العامة..

حين يسمح الرجل السعودي "المَحـَرم" ببعض الحريات، ويعترف ببعض الحقوق للنساء في اسرته، واللواتي مازلن يعشن حياة الأماء، اثناءها تبدأ المعاناة وتظهر "مأساة ابليس" في حياة تلك النسوة البائسات بكل تفاصيلها. حين ترضخ المرأة لإطاعة "المَحرَم" وتمارس بعض حقوقها، تجد نفسها عاصية وخارجة عن القانون في بعض الاحيان، لأن رجل السلطة يرفض المرأة المتخلصة من بعض قيودها، ومرات يعاقبها حين تنزع الاغلال عنها.

دائما المرأة السعودية ذات "الاغلال المخففة" تعيش محنة شديدة مشابهة الى حد بعيد لمحنة "ابليس"، لأنها اذا اطاعت مشيئة الرجل "المَحرَم"، تجد نفسها عاصية لأمر رجل آخر الذي مرات يرتدي عباءة الدين، او يلتف في مشلح القبيلة، أو يلبس زي رجل امن، او يمسك بصولجان السلطة السياسية.

فعلى سبيل المثال ثمة عدد لا بأس به من الرجال السعوديين يسمحون لنسائهم بقيادة السيارة، لأنهم مؤمنون ان حرية الحركة بالوسائل المتاحة حق لا جدال فيه، حين تطيع المرأة مشيئة من اتاح لها الفرصة بأن تشعر أنها انسانة، تصطدم بأمر رجل امن او رجل دين يأتي ليقمع ذاك الشعور في داخلها ويضطهدها، كما حصل للنساء اللواتي قدن سيارتهن في الرياض في عام 1991م، ومازال يحصل لغيرهن بين فينة واخرى.

ذلك الامر او تلك "المأساة الابليسية" ان صح التعبير، تنطبق على معظم مناحي حياة المرأة السعودية التي تشعر بكيانها، ثمة من يشاء لها بنزع غطاء الوجه وآخر ينهرها ويأمرها بشدة بإرتداءه هذا نراه بشكل يومي في الطرقات والمحلات العامة، آخر يسمح لها بالزواج، وثان يأمر بطلاقها ويفصلها عن زوجها المحب لها، مثل قضية فاطمة العزاز التي زوّجها والدها وطلقوها اخوتها، وهناك من يسمح لها بالدراسة وآخر يأمرها بالبقاء في البيت، هذا الصراع للمرأة ظهر واضحا حين فُتحت ابواب البعثات والدراسة في الخارج للنساء السعوديات، ايضا نرى رجل آخر يتيح لها فرصة العمل بعدها يأتي من يحرمها منه، كما هو حاصلاً اليوم بعد ان صار الاختلاط في مجال العمل مسموح به طبقا للشريعة... وهكذا دواليك.. تبقى المسكينة ألعوبة بين مشيئة "المحرم" وأمر رجل السلطة، مع أن ما يحدث للمرأة اليوم في السعودية هو حقيقة خوف منها ومن قدراتها، اذا فهو لا علاقة له بالدين، وانما بالسلطة والهيمنة.

الجدير بالذكر، حتى تعي المرأة السعودية حق تقرير المصير وحق الوصاية على نفسها مثل سائر نساء العالم، ستظل تلوكها "مأساة ابليس" طوال حياتها، لأنها خضعت وقبلت ان تعيش حياة الأمة، وسلَمت "برضا" او بدون جميع شؤونها الخاصة والعامة في ايدي الرجال. سيستمر الرجال يتحكمون في كل صغيرة وكبيرة في حياتها، وسيعاملونها كالعبدة الرخيصة الى ان تعلن المرأة السعودية رفضها لواقعها المزري، وتطالب بإيقاف تلك المأساة المبتذلة..

ليست هناك تعليقات: