الأربعاء، سبتمبر 02، 2009

ناجي العلي .. رسوماته في كل مكان وزمان

نضال حمد
مرت بصمت الذكرى ال 22 لاستشهاد ناجي العلي ، فنان فلسطين الأول وضمير شعبها و مهندس مقاومتها بالرسم والكاريكاتور .. لم نسمع عن قيام فصيل أو منظمة أو حزب أو جمعية أو مركز أو مؤسسة فلسطينية ولا حتى عربية ، حتى الجرائد والصحف التي كان ناجي عمل بها لم تحيي ذكراه كما يجب .. لم يقم أي كان بأجراء نشاطات بالمناسبة هذا العام. مع العلم أن أرشيف الفنان من الرسوم الكاريكاتورية مليء بما ينفع ويفيد في هذه الايام الفلسطينية والعربية المقيتة. خاصة أن هذا العام حمل معه الكثير من الأمور السوداء التي لم يكن آخرها مؤتمر بيت لحم السادس ولا مجلس وطني رام الله ..


بالمناسبة لقد تذكرت فور رؤيتي للمجتمعين في رام الله كاريكاتورات ناجي عن هؤلاء ، فهو مثل كل من عاش تجربة بيروت يعرفهم منذ ذلك الوقت .. رأيتهم و هم يحتلون فنادق بيت لحم و رام الله ، طبعاً على نفقة الشعب الفلسطيني و على نفقة المنظمة، التي رددت كثيراً أنها شبه مفلسة ، ولهذا لم ولا تلتزم بصرف رواتب أسر الشهداء والجرحى كلهم... بالنسبة للمهيمنين على البيت الفلسطيني هؤلاء الشهداء ماتوا والجرحى أعيقوا ، فما حاجتهم لميتين ومعوقين ، خاصة أنهم الآن بالذات وفي هذه المرحلة خصوصاً يحتاجون لرافعي الرايات البيضاء ، وليس للمصبوغين بالدماء الحمراء. لقد أحضروا أعضاء المؤتمر و المجلس من مصر وغزة ولبنان بتنسيق دخول عبر الاحتلال الصهيوني ولم ينسقوا لهم العودة. لذا يقيم الذين لم يتمكنوا من العودة حتى الآن ومازالوا في فنادق رام الله مرتاحين. إذ عليهم الانتظار هناك حتى يسمح لهم الاحتلال بالعودة من حيث جاءوا .. ليبقوا في الدولة "المزعومة " التي حاولوا تصويرها للاهالي مخيماتهم في لبنان ، وذلك عبر بياناتهم وتصريحاتهم وفي مهرجاناتهم الكثيرة حرة و مستقلة.. لينعموا قليلاً بهذه الاستقلالية على الطريقة الاحتلالية..


ذكرني هؤلاء بالمتسلقين الذي كانوا يتسولون في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وغيرها ، ومنهم الآن أعضاء برلمانات وقادة سياسيين في بلادنا العربية السعيدة .. هؤلاء كان ناجي يحاربهم بريشته ويلاحقهم بدون ملل .. لأنهم كانوا برأيه يشكلون خطراً على استمرارية وديمومة الثورة. وكان على حق ففي الختام بأمثال هؤلاء ومعهم حطت رحال القيادة المتنفذة للمنظمة في غزة ,اريحا.. معلنة بداية زمن الأوسلة في فلسطين المحتلة.


يوم رأيت هؤلاء على أبواب المقاطعة ، تذكرت بعض قادة المصادفة في بيروت وتونس. .. ثم حضرتني فوراً ذكريات قبيحة من جمهورية الفاكهاني البيروتية ، حيث كان بعض اللصوص يحكمون ويصولون ويجولون باسم أجهزة أمن ال17 و العسكري ..الخ من أجهزة "التفنيص" و "التشبيح" .. في زمن بيروت الثورة والثروة ... بعد سنوات طويلة من خسارة الفاكهاني وحدوث مذبحة صبرا وشاتيلا ، و محاولات كسر ارادة ووحدة أهالي مخيم عين الحلوة ، مخيم ناجي العلي ، المحاصر من قبل الجيش العربي اللبناني بنفس الجدار - الاسوار الذي كان يفصل منطقة العميل انطون لحد عن بقية جنوب لبنان..


قبل سنوات عديدة ألتقيت بشخص فلسطيني بسيط ، فدائي يحب وطنه فلسطين ، كان في قوات فتح العسكرية في لبنان وكذلك في مهاجر ما بعد بيروت .. حدثني عن تجربته و قال لي أنهم في تلك القوات التي كان ينتمي اليها ، كانوا يعطونهم بعض الدروس التثقيفية ، وكانت بغالبيتها دروس تحريضية ضد فصائل اليسار الفلسطيني .. كانوا يقولون لهم : هؤلاء اليساريين كُفار ، لا يعبدون الله ولا يعترفون بالاسلام .. ولا .. ولا ... وألف لا أخرى ..


قال لي : لقد توجوا بطولاتهم بملاحقة ومراقبة ناجي العلي في لندن .. حيث اغتيل هناك .. قبل ذلك كانوا قد ارتكبوا مذبحة بحق مقاتلين من تنظيم منافس في طرابلس سنة 1983 وذلك فترة حصار المدينة من قبل حركة فتح الانتفاضة والجبهة القيادة العامة ... هذا الشخص أبلغني أيضاً أن أحد أفراد المجموعة التي راقبت الشهيد ناجي العلي موجود في دولة اوروبية حيث قدم اللجوء فيها منذ نحو عشرين سنة. أي بعد اغتيال ناجي بسنتين أو أكثر .. وهناك من المجموعة من عمل ويعمل في غزة والضفة باجهزة السلطة ..


ترى من يمكنه اليوم اعادة فتح ملف اغتيال الفنان المقاوم ناجي العلي ؟

من يستطيع استدعاءهم للتحقيق حول صحة هذه المعلومات التي سبق ونشرت في وسائل الاعلام؟



ترى لو كان ناجي مازال الآن على قيد الحياة بيننا ، كيف كان سيرسم بريشته الفتاكة ، هؤلاء الاشخاص واعمالهم وسياستهم ودورهم في تدمير القضية الفلسطينية ووصولها الى قلب النفق المظلم... بالتأكيد كان سوف يبدع في محاربتهم وتعريتهم وكشف المستور من فضائحهم .. لأنه كشخص صادق وكفنان ثوري كان حزباً كبيراً التفت حوله الملايين من جماهير الأمة العربية ، إذ كانت الجماهير ترى فيه " فشة خلقها " وطريق خلاصها من حكم الصعاليك والمماليك والمنبوذين والفاسدين والمستسلمين والطائفيين والأنقلابيين والمتأمركين . كان المعلم ناجي يعطي الجماهير الدروس الثورية والأخلاقية حين يطلع كل صباح برسم جديد يقدمه كوجبة افطار قومية ، انسانية ، ثورية.. افطار شهي مع حنظلة ، الصبي الذي لا يتعب ولا يكل ، الذي لم تمته الرصاصات التي اغتالت ناجي العلي. فحنظلة صامد بالرغم من السواد الذي يلف القضية الفلسطينية ، نراه في كل وجه فلسطيني يبتسم للحرية وللبنادق التي ستجلب السلام لفلسطين والعودة لأهلها وللاجئيها الى ديارهم المحتلة.

قتلوا ناجي العلي وغيبوا ريشته لكنهم لم يغيبوا رسومه التي تنطبق عليهم في كل مكان وزمان ..

* نضال حمد : مدير موقع الصفصاف
www.safsaf.org

ليست هناك تعليقات: