سامي الأخرس
طرح في الأونة الأخيرة عدة تصريحات صحفية من بعض الرموز الحزبية تدعو لتشكيل قائمة موحدة لانتخابات المجلس التشريعي القادمة – إن جرت- وإن كتب لها أن تجري فعلاً حتى لو أصدر الرئيس مرسوماً رئاسياً بذلك، وكل المؤشرات تؤكد أن الانتخابات لن تجري في موعد استحقاقها، للعديد من الأسباب التي لا يمكن تجاهلها، وعلى رأسها الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني ورفض حركة حماس إجراء الانتخابات في موعدها وهو ما يحتاج لوقفة وقراءة متأنية لهذا الموقف ولكن ليس هنا مجال تلك الوقفة، كون هذا المقال يتناول موضوع القائمة الموحدة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وعودة على بدء، فإن هذا الطرح وفي هذا الوقت يؤكد أن هناك خللاً سياسياً طارئ في الفهم العام للانتخابات لدى كل من يطرح ذلك الرأي المتعلق بالقائمة الموحدة، ليس من باب التشائم أو عدمية الإيمان بالوحدة، ولكن من خلال القراءة السياسية للأيديولوجيا الفكرية، والمذهبية السياسية التي تتكون منها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. فبالعودة لتاريخ م.ت.ف والمعارك السياسية الفلسطينية – الفلسطينية داخل م.ت.ف والمجتمع الفلسطيني، يلاحظ أن المعركة بين اليسار واليمين حملت عنوان عريض، ألا وهو الخلاف السياسي في الرؤية والطرح، فمنذ السبعينات وطرح البرنامج المرحلي عام 1974م والأزمة السياسية الفلسطينية تتعمق وتزداد وانقساماً وهو ما طرح لخلق بدائل سياسية للمنظمة ونهجها مثل" جبهة الإنقاذ الوطني"، وتكتل القوى العشرة، والتيار الوطني والديمقراطي، وانسحاب بعض القوى من المنظمة وتجميد البعض الآخر لعضويته في اللجنة التنفيذية، كل ذلك كان بناءً على الخلافات السياسية، والفجوة الواسعة ما بين أطروحات وبرامج اليسار السياسية التي لا زالت حتى راهن اللحظة ثابتة، وما بين أطروحات اليمين الفلسطيني وشعارات المرحلية والتكتيك السياسي للوصول إلى الهدف الاستراتيجي.
ولكي نكون أكثر تحديداً في طرحنا، ولو سلم أن هناك خطوة فعلية لخوض الانتخابات بقائمة موحدة فهذا يوجب على اليسار الفلسطيني وكذلك على اليمين الإجابة عن العديد من الأسئلة المحددة، وهي هل سيتوافق اليسار واليمين سياسياً على برنامج سياسي مشترك؟ وما هي محددات هذا البرامج؟ ومن سيهبط ويتنازل بسقف شعراته وبرامجه السياسية للتلاقي مع حركة فتح؟ أم ستصعد حركة فتح بشعاراتها ومشروعها السياسي لتتلاقى مع اليسار؟
المفصل الرئيس في عملية التوافق سيكون أمام الخيار السياسي، وهو الذي مثل ذروة التناقض والصراع بين فصائل م.ت.ف، فإن كان اليسار الفلسطيني سيهبط بسقف شعاراته وبرامجه السياسية، عليه أن يعيد صياغة تلك البرامج الإستراتيجية التي يتبناها ولا زال، وهو ما يعني تنازله عن الدولة المستقلة في حدود1967م، والتنازل عن حق العودة، وعن القدس كعاصمة، وتلقائياً التنازل عن كل الثوابت الوطنية الفلسطينية. وهذا إن تحقق يمكن خوض الانتخابات بقائمة موحدة، وأكاد أجزم بأن اليسار الفلسطيني لن يُقدم على الانتحار السياسي، وخط شهادة الوفاة النهائية لمبررات وجوده، كما أن كل أطروحات اليسار وبرامجه لا تعطي أي إيحاءات مباشرة أو غير مباشرة على تحقيق ذلك، وعليه فإن هذا الخيار يسقط تلقائياً، ليتم اللجوء للخيار الآخر ألاّ وهو صعود حركة فتح ببرنامجها السياسي لسقف ما يتم طرحه من قبل اليسار، ورغم عملية الإحلال والتجديد التي شهدتها فتح بعد نجاح مؤتمرها السادس والشعارات التي طرحها هذا المؤتمر، إلاّ أنه لا يمكن التسليم بأن تتخلى حركة فتح بسهولة عن مشروعها السياسي وقيادتها للعملية السياسية، لكي تمنح اليسار شراكة معها، وهو ما رفضته ترفضه فتح تاريخياً.
كما أن المتتبع والقارئ السياسي لمنهجية الرئيس محمود عباس السياسية يدرك إنه من الصعوبة تحقيق ذلك، حيث أن الرئيس محمود عباس له برنامجه السياسي الذي يشكل منهجية وقناعة راسخه يسير على نهجها منذ ما قبل أوسلو 1993م، ودافع عنها – ولا زال- يدافع عنها، وعليه فإن هذا الخيار غير قابل للتخمين أو التنبؤ لأنه ساقط فعلاً.
وهنا يبرز سؤال آخر ما البديل لتحقيق القائمة والبرنامج المشترك؟
في معرض الإجابة عن هذا السؤال لابد من البحث عن خيارات مفتوحة تحتاج لإعادة صياغة كما أسلفت سابقاً، لرسم خطوط عامة للبرامج السياسية، ولكي تتم هذه الصياغة لابد وأن يتنازل أحد الأطراف عن برنامجه السياسي الحزبي والوطني ليخضع للآخر. وهذا التنازل يحتاج للإجابة عن جملة من التساؤلات التي يجب أن تطرح في الداخل الحزبي والوطني عن مصير التالي:
- ما هو مصير المفاوضات الفراغية التي تجري منذ زمن بعيد دون أي نتائج عملية؟
- ما مفهوم الدولة الفلسطينية وحدودها وطبيعتها؟ وآليات تحقيقها؟
- ما مصير اللاجئين وحق العودة وتقرير المصير؟
- مستقبل م.ت.ف؟ ومستقبل مشروع المقاومة؟
وفي إطار الإجابة على تلك الأسئلة يتم البحث عن مدى نجاح الانتخابات التشريعية القادمة بقائمة موحدة حسب ما يصدر أخيراً من تصريحات. وهو ما يعتبر كلمة الحسم النهائية في ذلك.
بكل الأحوال لا يمكن خوض الانتخابات بقائمة موحدة لما تم تناوله سابقاً، فالفجوة كبيرة بين الأطراف الفلسطينية التي لا زالت تختلف فيما بينها حول مستقبل م.ت.ف ومستقبل السلطة ودورها أيضاً.
أما السبب الآخر الذي يدعو للتوقف أمامه هو منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها ككيان معنوى، وهل هذا الكيان لازال قائماً أم يحتضر؟
الجميع يدرك أن م.ت.ف تعرضت منذ عام1982م ولا زالت تتعرض لمحاولات الاقصاء، والقتل المتعمد، والتشكيك بوجودها وقدرتها، وفعاليتها، ومحاولات تصفيتها نظراً للرمزية الوطنية التي مثلتها، وربما أكثر من نجح في احاطة المنظمة بالتشكيك قوى الإسلام السياسي التي تيقن أن وجود المنظمة هو العقبة الأكبر في طريق امسكها بزمام الأمور بفلسطين، حيث استطاعت قيادة حملة منظمة ضد م.ت.ف مستغلة عاملين: الأول: ضعف وترهل م.ت.ف بعد عام1993م، واندثار وجودها الفعلى على الأرض سياسياً، واجتماعياً، واقتصاره على المسمى الوظيفي فقط، كجسد بلا روح. والعامل الآخر: استغلال عدم معاصرة الأجيال الحالية للمنظمة، وعدم معرفة أو إدراك تاريخ ودور هذا الكيان، خاصة أن هذا الجيل لم يعاصر أو يعرف عن المنظمة شيئاً سوى إسمها الذي اقترن بالترهل والفساد والتنازلات، وحالة الموات التي تعيش فيها، ولذلك فإنه غير معني بها أو بمدى وجودها من عدمه، وهو ما رجح اطروحات قوى الإسلام السياسي، وأضعف م.ت.ف في الشارع الفلسطيني.
وعليه وأمام هذه الحقيقة هل ستنجح قائمة م.ت.ف وتحقق انجازاً انتخابياً يعيدها إلى الحياة إن تم التوافق على تلك القائمة؟!
شكلت حماس قوة ضغط جماهيري منذ اتفاقيات أوسلو1993م، استطاعت من خلالها تحقيق انتصاراً سياسياً حاسماً على فصائل وقوى م.ت.ف، وحركة فتح، تُرجم هذا النجاح عملياً في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو ما صعد بهذه الحركة على قمة الهرم السياسي لسلطة أوسلو، وأصبحت جزء من هذا النظام السياسي، والحزب الحاكم الأول والمنتخب ديمقراطياً من سكان غزة والضفة الغربية، وبذلك يمكن القول أن برنامج م.ت.ف وفصائلها فشل وانهزم فعلياً أمام برنامج حركة حماس، وهو ما عمق من أزمة المنظمة وسارع من وتيرة إندثار مبررات وجودها على المستوى الجماهيري، ولكن بعد هذا النصر السياسي لحماس هل لا زال الحال عما هو عليه بعد عام 2005م؟ وهل فعلاً لا زالت حركة حماس بعد أربعة سنوات في سلم السلطة وقيادتها قادرة على تكرار ما فعلته مرة أخرى؟
استطاعت حركة حماس بداية تسلمها الحكم أن تحوز على تعاطف الشعب الفلسطيني داخلياً وخارجياً رغم إنها انغمست في سقف أوسلو، وخاصة بعد فرض الحصار عليها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب بل والعرب أيضاً، حيث أوجدت لنفسها غطاء سياسي يمكن من خلاله تحقيق التعاطف الجماهيري الفلسطيني والعربي على المستوى الشعبي وهو ما تحقق فعلاً، ولكن حركة حماس ومع ممارساتها للسلطة ارتكبت أخطاء قاسية وقاتلة بحق نفسها بداية ومن ثم بحق الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة، حيث مارست العنف كوسيلة لحل تناقضاتها السياسية والسلطوية سواء بانقلابها العسكري والسياسي على الحكم الذي تمتلكه هي وما ارتكب خلال هذا الانقلاب من ممارسات عنف ضد البسطاء من ابناء الشعب الفلسطيني، وعلميات التدمير الغريبة للمنازل والمؤسسات، والاشتباك مع العائلات الفلسطينية في الشجاعية والصبره بمشهد دموى قاسي، انتهاءً بأحداث مدينة رفح ومسجد ابن تيمية وما صاحبه من أحداث، واستخدام مفرط للعنف والقوة في حسم الخلافات، كما حدث مع حركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والاعتداء على الجامعات والجمعيات وسيطرتها عليها عنوة تحت تهديد السلاح، وهو ما أفرز حقداً وكرهاً بداخل أبناء الأحزاب والشعب ضدها كما الحال مع عناصر الجهاد الإسلامي رغم حالة الغزل بين قيادة الحركتين إلا أن هذا يأتي من باب النفاق السياسي، وليس الإلتقاء، وتفشي بعض المظاهر التي توحى للجمهور أن هناك حالة من الاستقواء لدى ابناء حماس الذين اصبحوا يمتلكوا ويمارسوا كل الصلاحيات، وحياة البذخ التي عانى منها شعبنا مع سلطة فتح، إضافة لعدم قدرة حماس على تحقيق أي عملية إصلاح وتغيير في النظام الاجتماعي الفلسطيني الذي زادت نسبة الفقر به، وبقى الحال بالواسطات والمحسوبيات كما هو، وتفشت ظاهرة الاحتكار الاقتصادي، واقتصار الوظائف على عناصر الحركة والمقربين منها، والعطايا السخيه من سيارات وغيرها لأبناء الحركة ومناصريها، وخشية الجماهير من الاحتكاك بعناصر حماس تخوفاً من البطش الذي انطبع بذهن المواطن البسيط، والشلل الذي اصاب مرافق قطاع غزة التي تعيش على مساعدات وكالة الغوث الدولية وما تجود به مكرمة رام الله للخدمات الصحية والتعليمية... إلخ.
هذه المفارقات نقلت حركة حماس من حركة تتبنى مشروع مقاوم يستقطب الجماهير الفلسطينية، إلى موقع حزب السلطة الذي كانت توجد به حركة فتح التي عوقبت جماهيرياً بسبب ممارساتها السابقة، وهنا يمكن التنبؤ بأن حركة حماس ستدفع الثمن الذي دفعته حركة فتح سابقاً في الانتخابات السابقة لأن الجماهير لا تغفر لأحزاب السلطة خطاياها.
المعركة الانتخابية القادمة- إن جرت- لن تكون سهلة أمام جميع القوى، فإن خسرت حركة حماس زخمها الاستقطابي الجماهيري فهي بنفس الوقت حققت مكاسب كبيرة على الصعيد التنظيمي والعسكرى، حيث أصبح لديها جيش من الموظفين والمقاتلين (المنتفعين) الذين يريدون الحفاظ على مصالحهم، وهو ما يشكل رافداً لها في أي عملية استقطاب جماهيري وانتخابي، إضافة للرصيد الاستقطابي النسوي الذي تمتلكه وتتميز به عن باقي الفصائل، هذا الرافد الذي كان له اليد الطولى في عملية الحسم السابقة، مما يعنى عدم المراهنة على سقوط مدوى لحركة حماس، ولكن وبذات الوقت لن يكون لها نجاح حاسم، وربما لن تجني 30% مما جنته سابقاً، ورغم ذلك فلن تسقط كقوة مؤثرة في النظام السياسي الفلسطيني كما يراهن البعض. وهذا التراجع إن صح فهو سيصب في صالح م.ت.ف وفصائلها وبعض القوى والشخصيات المستقلة التي استطاعت استثمار حالة الانقسام السياسي لصالحها.
وآخر ما يمكن طرحه في هذا الصدد رغم حالة حركة حماس السياسية فإن قوى م.ت.ف لم تستثمر ذلك جماهيرياً ومعها الجهاد الإسلامي التي تقوقعت في شرنقتها، وتركت الوطن وديعة بأيدي حركتي فتح وحماس، واتخذت موقع المتفرج والمهادن للقوتين في رام الله وغزة، فهل سيلجأ لها الجمهور كطوق نجاه من حالة الانقسام؟ أم يعاقبها على حالة الترهل هذه؟
طرح في الأونة الأخيرة عدة تصريحات صحفية من بعض الرموز الحزبية تدعو لتشكيل قائمة موحدة لانتخابات المجلس التشريعي القادمة – إن جرت- وإن كتب لها أن تجري فعلاً حتى لو أصدر الرئيس مرسوماً رئاسياً بذلك، وكل المؤشرات تؤكد أن الانتخابات لن تجري في موعد استحقاقها، للعديد من الأسباب التي لا يمكن تجاهلها، وعلى رأسها الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني ورفض حركة حماس إجراء الانتخابات في موعدها وهو ما يحتاج لوقفة وقراءة متأنية لهذا الموقف ولكن ليس هنا مجال تلك الوقفة، كون هذا المقال يتناول موضوع القائمة الموحدة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وعودة على بدء، فإن هذا الطرح وفي هذا الوقت يؤكد أن هناك خللاً سياسياً طارئ في الفهم العام للانتخابات لدى كل من يطرح ذلك الرأي المتعلق بالقائمة الموحدة، ليس من باب التشائم أو عدمية الإيمان بالوحدة، ولكن من خلال القراءة السياسية للأيديولوجيا الفكرية، والمذهبية السياسية التي تتكون منها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. فبالعودة لتاريخ م.ت.ف والمعارك السياسية الفلسطينية – الفلسطينية داخل م.ت.ف والمجتمع الفلسطيني، يلاحظ أن المعركة بين اليسار واليمين حملت عنوان عريض، ألا وهو الخلاف السياسي في الرؤية والطرح، فمنذ السبعينات وطرح البرنامج المرحلي عام 1974م والأزمة السياسية الفلسطينية تتعمق وتزداد وانقساماً وهو ما طرح لخلق بدائل سياسية للمنظمة ونهجها مثل" جبهة الإنقاذ الوطني"، وتكتل القوى العشرة، والتيار الوطني والديمقراطي، وانسحاب بعض القوى من المنظمة وتجميد البعض الآخر لعضويته في اللجنة التنفيذية، كل ذلك كان بناءً على الخلافات السياسية، والفجوة الواسعة ما بين أطروحات وبرامج اليسار السياسية التي لا زالت حتى راهن اللحظة ثابتة، وما بين أطروحات اليمين الفلسطيني وشعارات المرحلية والتكتيك السياسي للوصول إلى الهدف الاستراتيجي.
ولكي نكون أكثر تحديداً في طرحنا، ولو سلم أن هناك خطوة فعلية لخوض الانتخابات بقائمة موحدة فهذا يوجب على اليسار الفلسطيني وكذلك على اليمين الإجابة عن العديد من الأسئلة المحددة، وهي هل سيتوافق اليسار واليمين سياسياً على برنامج سياسي مشترك؟ وما هي محددات هذا البرامج؟ ومن سيهبط ويتنازل بسقف شعراته وبرامجه السياسية للتلاقي مع حركة فتح؟ أم ستصعد حركة فتح بشعاراتها ومشروعها السياسي لتتلاقى مع اليسار؟
المفصل الرئيس في عملية التوافق سيكون أمام الخيار السياسي، وهو الذي مثل ذروة التناقض والصراع بين فصائل م.ت.ف، فإن كان اليسار الفلسطيني سيهبط بسقف شعاراته وبرامجه السياسية، عليه أن يعيد صياغة تلك البرامج الإستراتيجية التي يتبناها ولا زال، وهو ما يعني تنازله عن الدولة المستقلة في حدود1967م، والتنازل عن حق العودة، وعن القدس كعاصمة، وتلقائياً التنازل عن كل الثوابت الوطنية الفلسطينية. وهذا إن تحقق يمكن خوض الانتخابات بقائمة موحدة، وأكاد أجزم بأن اليسار الفلسطيني لن يُقدم على الانتحار السياسي، وخط شهادة الوفاة النهائية لمبررات وجوده، كما أن كل أطروحات اليسار وبرامجه لا تعطي أي إيحاءات مباشرة أو غير مباشرة على تحقيق ذلك، وعليه فإن هذا الخيار يسقط تلقائياً، ليتم اللجوء للخيار الآخر ألاّ وهو صعود حركة فتح ببرنامجها السياسي لسقف ما يتم طرحه من قبل اليسار، ورغم عملية الإحلال والتجديد التي شهدتها فتح بعد نجاح مؤتمرها السادس والشعارات التي طرحها هذا المؤتمر، إلاّ أنه لا يمكن التسليم بأن تتخلى حركة فتح بسهولة عن مشروعها السياسي وقيادتها للعملية السياسية، لكي تمنح اليسار شراكة معها، وهو ما رفضته ترفضه فتح تاريخياً.
كما أن المتتبع والقارئ السياسي لمنهجية الرئيس محمود عباس السياسية يدرك إنه من الصعوبة تحقيق ذلك، حيث أن الرئيس محمود عباس له برنامجه السياسي الذي يشكل منهجية وقناعة راسخه يسير على نهجها منذ ما قبل أوسلو 1993م، ودافع عنها – ولا زال- يدافع عنها، وعليه فإن هذا الخيار غير قابل للتخمين أو التنبؤ لأنه ساقط فعلاً.
وهنا يبرز سؤال آخر ما البديل لتحقيق القائمة والبرنامج المشترك؟
في معرض الإجابة عن هذا السؤال لابد من البحث عن خيارات مفتوحة تحتاج لإعادة صياغة كما أسلفت سابقاً، لرسم خطوط عامة للبرامج السياسية، ولكي تتم هذه الصياغة لابد وأن يتنازل أحد الأطراف عن برنامجه السياسي الحزبي والوطني ليخضع للآخر. وهذا التنازل يحتاج للإجابة عن جملة من التساؤلات التي يجب أن تطرح في الداخل الحزبي والوطني عن مصير التالي:
- ما هو مصير المفاوضات الفراغية التي تجري منذ زمن بعيد دون أي نتائج عملية؟
- ما مفهوم الدولة الفلسطينية وحدودها وطبيعتها؟ وآليات تحقيقها؟
- ما مصير اللاجئين وحق العودة وتقرير المصير؟
- مستقبل م.ت.ف؟ ومستقبل مشروع المقاومة؟
وفي إطار الإجابة على تلك الأسئلة يتم البحث عن مدى نجاح الانتخابات التشريعية القادمة بقائمة موحدة حسب ما يصدر أخيراً من تصريحات. وهو ما يعتبر كلمة الحسم النهائية في ذلك.
بكل الأحوال لا يمكن خوض الانتخابات بقائمة موحدة لما تم تناوله سابقاً، فالفجوة كبيرة بين الأطراف الفلسطينية التي لا زالت تختلف فيما بينها حول مستقبل م.ت.ف ومستقبل السلطة ودورها أيضاً.
أما السبب الآخر الذي يدعو للتوقف أمامه هو منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها ككيان معنوى، وهل هذا الكيان لازال قائماً أم يحتضر؟
الجميع يدرك أن م.ت.ف تعرضت منذ عام1982م ولا زالت تتعرض لمحاولات الاقصاء، والقتل المتعمد، والتشكيك بوجودها وقدرتها، وفعاليتها، ومحاولات تصفيتها نظراً للرمزية الوطنية التي مثلتها، وربما أكثر من نجح في احاطة المنظمة بالتشكيك قوى الإسلام السياسي التي تيقن أن وجود المنظمة هو العقبة الأكبر في طريق امسكها بزمام الأمور بفلسطين، حيث استطاعت قيادة حملة منظمة ضد م.ت.ف مستغلة عاملين: الأول: ضعف وترهل م.ت.ف بعد عام1993م، واندثار وجودها الفعلى على الأرض سياسياً، واجتماعياً، واقتصاره على المسمى الوظيفي فقط، كجسد بلا روح. والعامل الآخر: استغلال عدم معاصرة الأجيال الحالية للمنظمة، وعدم معرفة أو إدراك تاريخ ودور هذا الكيان، خاصة أن هذا الجيل لم يعاصر أو يعرف عن المنظمة شيئاً سوى إسمها الذي اقترن بالترهل والفساد والتنازلات، وحالة الموات التي تعيش فيها، ولذلك فإنه غير معني بها أو بمدى وجودها من عدمه، وهو ما رجح اطروحات قوى الإسلام السياسي، وأضعف م.ت.ف في الشارع الفلسطيني.
وعليه وأمام هذه الحقيقة هل ستنجح قائمة م.ت.ف وتحقق انجازاً انتخابياً يعيدها إلى الحياة إن تم التوافق على تلك القائمة؟!
شكلت حماس قوة ضغط جماهيري منذ اتفاقيات أوسلو1993م، استطاعت من خلالها تحقيق انتصاراً سياسياً حاسماً على فصائل وقوى م.ت.ف، وحركة فتح، تُرجم هذا النجاح عملياً في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو ما صعد بهذه الحركة على قمة الهرم السياسي لسلطة أوسلو، وأصبحت جزء من هذا النظام السياسي، والحزب الحاكم الأول والمنتخب ديمقراطياً من سكان غزة والضفة الغربية، وبذلك يمكن القول أن برنامج م.ت.ف وفصائلها فشل وانهزم فعلياً أمام برنامج حركة حماس، وهو ما عمق من أزمة المنظمة وسارع من وتيرة إندثار مبررات وجودها على المستوى الجماهيري، ولكن بعد هذا النصر السياسي لحماس هل لا زال الحال عما هو عليه بعد عام 2005م؟ وهل فعلاً لا زالت حركة حماس بعد أربعة سنوات في سلم السلطة وقيادتها قادرة على تكرار ما فعلته مرة أخرى؟
استطاعت حركة حماس بداية تسلمها الحكم أن تحوز على تعاطف الشعب الفلسطيني داخلياً وخارجياً رغم إنها انغمست في سقف أوسلو، وخاصة بعد فرض الحصار عليها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب بل والعرب أيضاً، حيث أوجدت لنفسها غطاء سياسي يمكن من خلاله تحقيق التعاطف الجماهيري الفلسطيني والعربي على المستوى الشعبي وهو ما تحقق فعلاً، ولكن حركة حماس ومع ممارساتها للسلطة ارتكبت أخطاء قاسية وقاتلة بحق نفسها بداية ومن ثم بحق الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة، حيث مارست العنف كوسيلة لحل تناقضاتها السياسية والسلطوية سواء بانقلابها العسكري والسياسي على الحكم الذي تمتلكه هي وما ارتكب خلال هذا الانقلاب من ممارسات عنف ضد البسطاء من ابناء الشعب الفلسطيني، وعلميات التدمير الغريبة للمنازل والمؤسسات، والاشتباك مع العائلات الفلسطينية في الشجاعية والصبره بمشهد دموى قاسي، انتهاءً بأحداث مدينة رفح ومسجد ابن تيمية وما صاحبه من أحداث، واستخدام مفرط للعنف والقوة في حسم الخلافات، كما حدث مع حركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والاعتداء على الجامعات والجمعيات وسيطرتها عليها عنوة تحت تهديد السلاح، وهو ما أفرز حقداً وكرهاً بداخل أبناء الأحزاب والشعب ضدها كما الحال مع عناصر الجهاد الإسلامي رغم حالة الغزل بين قيادة الحركتين إلا أن هذا يأتي من باب النفاق السياسي، وليس الإلتقاء، وتفشي بعض المظاهر التي توحى للجمهور أن هناك حالة من الاستقواء لدى ابناء حماس الذين اصبحوا يمتلكوا ويمارسوا كل الصلاحيات، وحياة البذخ التي عانى منها شعبنا مع سلطة فتح، إضافة لعدم قدرة حماس على تحقيق أي عملية إصلاح وتغيير في النظام الاجتماعي الفلسطيني الذي زادت نسبة الفقر به، وبقى الحال بالواسطات والمحسوبيات كما هو، وتفشت ظاهرة الاحتكار الاقتصادي، واقتصار الوظائف على عناصر الحركة والمقربين منها، والعطايا السخيه من سيارات وغيرها لأبناء الحركة ومناصريها، وخشية الجماهير من الاحتكاك بعناصر حماس تخوفاً من البطش الذي انطبع بذهن المواطن البسيط، والشلل الذي اصاب مرافق قطاع غزة التي تعيش على مساعدات وكالة الغوث الدولية وما تجود به مكرمة رام الله للخدمات الصحية والتعليمية... إلخ.
هذه المفارقات نقلت حركة حماس من حركة تتبنى مشروع مقاوم يستقطب الجماهير الفلسطينية، إلى موقع حزب السلطة الذي كانت توجد به حركة فتح التي عوقبت جماهيرياً بسبب ممارساتها السابقة، وهنا يمكن التنبؤ بأن حركة حماس ستدفع الثمن الذي دفعته حركة فتح سابقاً في الانتخابات السابقة لأن الجماهير لا تغفر لأحزاب السلطة خطاياها.
المعركة الانتخابية القادمة- إن جرت- لن تكون سهلة أمام جميع القوى، فإن خسرت حركة حماس زخمها الاستقطابي الجماهيري فهي بنفس الوقت حققت مكاسب كبيرة على الصعيد التنظيمي والعسكرى، حيث أصبح لديها جيش من الموظفين والمقاتلين (المنتفعين) الذين يريدون الحفاظ على مصالحهم، وهو ما يشكل رافداً لها في أي عملية استقطاب جماهيري وانتخابي، إضافة للرصيد الاستقطابي النسوي الذي تمتلكه وتتميز به عن باقي الفصائل، هذا الرافد الذي كان له اليد الطولى في عملية الحسم السابقة، مما يعنى عدم المراهنة على سقوط مدوى لحركة حماس، ولكن وبذات الوقت لن يكون لها نجاح حاسم، وربما لن تجني 30% مما جنته سابقاً، ورغم ذلك فلن تسقط كقوة مؤثرة في النظام السياسي الفلسطيني كما يراهن البعض. وهذا التراجع إن صح فهو سيصب في صالح م.ت.ف وفصائلها وبعض القوى والشخصيات المستقلة التي استطاعت استثمار حالة الانقسام السياسي لصالحها.
وآخر ما يمكن طرحه في هذا الصدد رغم حالة حركة حماس السياسية فإن قوى م.ت.ف لم تستثمر ذلك جماهيرياً ومعها الجهاد الإسلامي التي تقوقعت في شرنقتها، وتركت الوطن وديعة بأيدي حركتي فتح وحماس، واتخذت موقع المتفرج والمهادن للقوتين في رام الله وغزة، فهل سيلجأ لها الجمهور كطوق نجاه من حالة الانقسام؟ أم يعاقبها على حالة الترهل هذه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق