صبحي غندور
بات واضحاً الآن ما ترمز اليه معركة المستوطنات الإسرائيلية في القدس وفي الضفة الغربية. فهي تأكيد على حقيقة الموقف الإسرائيلي الرافض لإقامة دولة فلسطينية ولحلّ الدولتين ولأيِّ حلٍّ عادل للصراع العربي/الإسرائيلي، فمن يرفض تجميد بناء (وليس تفكيك) المستوطنات كيف يمكن أن يقبل بالانسحاب من الأراضي المحتلة؟!
أيضاً، فإنّ مسألة المستوطنات هي رمز الآن لمدى العجز الأميركي والاستهتار الإسرائيلي بمن يمدّ إسرائيل بالسلاح والمال والدعم السياسي لعقود طويلة. فإذا كانت الإدارة الأميركية (ومعها كل أطراف اللجنة الرباعية) غير قادرة على إجبار إسرائيل على وقف بناء المستوطنات، كيف ستجبرها إذن على إخلاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وتسهيل بناء الدولة الفلسطينية المستقلة؟!
ثم أليس التعنّت الإسرائيلي في رفض وقف بناء المستوطنات دلالة كبيرة على مدى الضعف العربي الراهن وعدم وجود تأثير عربي ضاغط على واشنطن يوازي الضغوطات الإسرائيلية القائمة الآن على إدارة أوباما؟!
إنّ الاختلاف الحالي الحاصل بين واشنطن وتل أبيب ليس في المواقف من قضية المستوطنات فقط، بل هو اختلاف في الرؤى حول السياسة المتعلّقة بالشرق الأوسط.
فبينما جاءت غالبية الأميركيين بإدارة جديدة تتّصف بالاعتدال وترفض الاستمرار في نهج الحروب العسكرية وتدعو خصوم أميركا لحلّ الأزمات عن طريق التفاوض، جاءت غالبية الإسرائيليين بحكومة يمينية متطرّفة لا تقبل بحلّ الدولتين ولا يعترف بعضها بالاتفاقات السابقة مع الفلسطينيين، وهي حكومة تريد التصادم العسكري مع إيران والاستمرار في الحروب على حركات المقاومة بفلسطين ولبنان، ولا تريد أصلاً الدخول في تسوية شاملة أو في اعتماد المبادرة العربية كخطّة للسلام.
لذلك، تعاند حكومة نتنياهو كثيراً لكي لا تسلّم بالمطالب الأميركية المدعومة من كافّة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ومن الرأي العام العالمي بأسره. وحاول نتنياهو قبض الثمن الباهظ سياسياً وعسكرياً ومالياً لإسرائيل قبل إعلان قبوله بمبدأ حلّ الدولتين، وهو جعل القبول بهذا المبدأ مرتهناً بشروط إسرائيلية وسوف تزداد لائحة الشروط كلما ازدادت المطالب الأميركية منه.
لكن حتى لو تجاوبت إسرائيل الآن مع ما تريده واشنطن، فإنّ ما قد يحصل هو العودة إلى المماطلة في تنفيذ التعهّدات والغرق في التفاصيل بحيث يتمّ مع مرور الزمن تعطيل الأهداف.
على الجانب العربي، للأسف أن الأطراف العربية بمختلف مواقعها جاهزة الآن للدخول في تسوية شاملة بينما هي غير مستعدّة للبديل المطلوب في حال عدم حصول التسوية واستمرار العجز الأميركي والتصلّب الإسرائيلي. فالمشكلة هي أولاً في انعدام الموقف الفلسطيني الواحد المسنود أيضاً بانعدام الموقف العربي الواحد. ولعلّ الانقسامات والصراعات العربية هي أفضل دعم تحصل عليه حكومة نتنياهو في الظرف الحالي. ثمّ ما الحكمة من تبنّي بعض الأطراف للشروط الموضوعة على "حركة حماس" من أجل قبول مشاركتها في حكومة وفاق وطني فلسطيني، بينما تتعامل هذه الأطراف وكل القوى الدولية مع حكومة نتنياهو رغم ما فيها من قوًى لا تريد حلّ الدولتين ولا تعترف باتفاقيات سابقة وتهدّد بتهجير الفلسطينيين من الأراضي المحتلّة في العام 1948؟!
كم هو مهمٌّ الآن أن يتذكّر العرب أنَّ إسرائيل لم تنسحب من سيناء إلا نتيجة حرب أكتوبر عام 1973 واستخدام التنسيق العربي المشترك بأوجهه السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وكم هو مهمٌّ أيضاً الآن أن يتذكّر العرب أنَّ إسرائيل لم تنسحب من جنوب لبنان إلا نتيجة المقاومة الوطنية اللبنانية والتضامن اللبناني والإقليمي معها، كما كان فيما بعد دور المقاومة الفلسطينية في إجبار إسرائيل على الانسحاب من قطاع غزة، بينما لم تؤدِّ اتفاقيات أوسلو وما بعدها إلا لمزيدٍ من العدوان الإسرائيلي والاستهتار بحقوق الشعب الفلسطيني.
إنّ إدارة باراك أوباما، التي لم تأخذ حتماً بنهج إدارة بوش في الشرق الأوسط، تعود في سياستها بالمنطقة إلى النهج الذي كانت عليه الإدارة الأميركية في فترتيْ بيل كلينتون من تشجيع على تسويات سياسية، كما حدث في الاتفاق الفلسطيني/الإسرائيلي في أوسلو وما بعده، وكما جرى بين الأردن وإسرائيل في اتفاق وادي عربة، وفي دعم المفاوضات بين سوريا وإسرائيل حتى نهاية عهد كلينتون، لكن طبعاً مع ضغوط مارستها واشنطن في تلك الحقبة على عدّة أطراف عربية لمباشرة خطوات التطبيع مع إسرائيل دون انتظار لمصير المفاوضات.
وهذا ما نراه الآن يحدث من ضغوط أميركية على عدة حكومات عربية من أجل مقايضة تجميد الإستيطان بخطوات التطبيع مع إسرائيل. وفي ذلك ليس فقط تناقضاً مع ما أقّرته القمة العربية عام 2002 من مبادرة سلام مشروط التطبيع فيها بإنجاز التسوية الشاملة على كل الجبهات وبإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بل هو أيضاً أشبه بإعلان عربي شامل بالتسليم الكامل بالشروط الإسرائيلية وبالتخلّي عن آخر ورقة في المفاوضات تملكها الحكومات العربية بعدما جرى التخلي الرسمي الفلسطيني أيضاً عن خيار المقاومة المسلحة.
إن إدارة أوباما تتعامل الآن مع واقع عربي فيه انقسام بين حكومات عربية بعضها أقام معاهدات وعلاقات مع إسرائيل وبعضها الآخر لم يفعل ذلك بعد ويدعم قوى المقاومة ضدّ الإحتلال الإسرائيلي، وبين المحورين محور ثالث يترنّح ما بين الإثنين!. أيضاً، تتعامل إدارة أوباما مع ملف فلسطيني هو جوهر الصراع في المنطقة لكن المعنيين بهذا الملف ينقسمون الآن بين "مفاوض فقط" وبين "مقاوم فقط" وعلى أرض فلسطينية محتلة هي نفسها تعاني من انقسام جغرافي وسياسي بين "حكومة التفاوض" و"حكومة المقاومة"!. وحال هذه الإدارة الأميركية ليس بأحسن من الحال العربي من حيث مظاهر الضعف والعجز. فالنيّة الشخصية الطيبة للرئيس باراك أوباما لا تنفع وحدها للحكم على السياسة الأميركية أو حتى في صنعها. ففي الحالة الأميركية، فإن معيار "النيات هو بالأعمال"، حيث لم نلمس أي موقف أميركي حاسم حتى الآن في مواجهة تمرّد "الخادم الإسرائيلي" على "سيده الأميركي" بل نرى أن حجم الضغوط الإسرائيلية من داخل أميركا ومن أعضاء الكونغرس تزداد يوماً بعد يوم على الرئيس أوباما وملفاته الكبرى داخلياً وخارجياً. فماذا سينتج هذا المزيج من وقائع الحال عربياً وأميركياً وإسرائيلياً؟!
هي فرصة كبيرة أمام الحكومات العربية لكي تعيد النظر في خلافاتها وأوضاعها المزرية على أكثر من صعيد، وبأن تجعل من الهمجية والعنجهية الإسرائيلية مدخلاً لتضامن عربي يفرض على إسرائيل التنازلات ويعاقبها بالحدّ الأدنى سياسياً واقتصادياً، ويدفع الأطراف الفلسطينية إلى توحيد موقفها السياسي على قاعدة الجمع بين "اليد التي تحمل البندقية، واليد التي تحمل غصن الزيتون"، وإلاّ فإن الخيار الآخر هو استنساخ الماضي القريب من الأزمات والصراعات العربية والفلسطينية لكن في جسم عربي أصبح مثقلاً بالجراح ولا يحتمل المزيد منها.
بات واضحاً الآن ما ترمز اليه معركة المستوطنات الإسرائيلية في القدس وفي الضفة الغربية. فهي تأكيد على حقيقة الموقف الإسرائيلي الرافض لإقامة دولة فلسطينية ولحلّ الدولتين ولأيِّ حلٍّ عادل للصراع العربي/الإسرائيلي، فمن يرفض تجميد بناء (وليس تفكيك) المستوطنات كيف يمكن أن يقبل بالانسحاب من الأراضي المحتلة؟!
أيضاً، فإنّ مسألة المستوطنات هي رمز الآن لمدى العجز الأميركي والاستهتار الإسرائيلي بمن يمدّ إسرائيل بالسلاح والمال والدعم السياسي لعقود طويلة. فإذا كانت الإدارة الأميركية (ومعها كل أطراف اللجنة الرباعية) غير قادرة على إجبار إسرائيل على وقف بناء المستوطنات، كيف ستجبرها إذن على إخلاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وتسهيل بناء الدولة الفلسطينية المستقلة؟!
ثم أليس التعنّت الإسرائيلي في رفض وقف بناء المستوطنات دلالة كبيرة على مدى الضعف العربي الراهن وعدم وجود تأثير عربي ضاغط على واشنطن يوازي الضغوطات الإسرائيلية القائمة الآن على إدارة أوباما؟!
إنّ الاختلاف الحالي الحاصل بين واشنطن وتل أبيب ليس في المواقف من قضية المستوطنات فقط، بل هو اختلاف في الرؤى حول السياسة المتعلّقة بالشرق الأوسط.
فبينما جاءت غالبية الأميركيين بإدارة جديدة تتّصف بالاعتدال وترفض الاستمرار في نهج الحروب العسكرية وتدعو خصوم أميركا لحلّ الأزمات عن طريق التفاوض، جاءت غالبية الإسرائيليين بحكومة يمينية متطرّفة لا تقبل بحلّ الدولتين ولا يعترف بعضها بالاتفاقات السابقة مع الفلسطينيين، وهي حكومة تريد التصادم العسكري مع إيران والاستمرار في الحروب على حركات المقاومة بفلسطين ولبنان، ولا تريد أصلاً الدخول في تسوية شاملة أو في اعتماد المبادرة العربية كخطّة للسلام.
لذلك، تعاند حكومة نتنياهو كثيراً لكي لا تسلّم بالمطالب الأميركية المدعومة من كافّة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ومن الرأي العام العالمي بأسره. وحاول نتنياهو قبض الثمن الباهظ سياسياً وعسكرياً ومالياً لإسرائيل قبل إعلان قبوله بمبدأ حلّ الدولتين، وهو جعل القبول بهذا المبدأ مرتهناً بشروط إسرائيلية وسوف تزداد لائحة الشروط كلما ازدادت المطالب الأميركية منه.
لكن حتى لو تجاوبت إسرائيل الآن مع ما تريده واشنطن، فإنّ ما قد يحصل هو العودة إلى المماطلة في تنفيذ التعهّدات والغرق في التفاصيل بحيث يتمّ مع مرور الزمن تعطيل الأهداف.
على الجانب العربي، للأسف أن الأطراف العربية بمختلف مواقعها جاهزة الآن للدخول في تسوية شاملة بينما هي غير مستعدّة للبديل المطلوب في حال عدم حصول التسوية واستمرار العجز الأميركي والتصلّب الإسرائيلي. فالمشكلة هي أولاً في انعدام الموقف الفلسطيني الواحد المسنود أيضاً بانعدام الموقف العربي الواحد. ولعلّ الانقسامات والصراعات العربية هي أفضل دعم تحصل عليه حكومة نتنياهو في الظرف الحالي. ثمّ ما الحكمة من تبنّي بعض الأطراف للشروط الموضوعة على "حركة حماس" من أجل قبول مشاركتها في حكومة وفاق وطني فلسطيني، بينما تتعامل هذه الأطراف وكل القوى الدولية مع حكومة نتنياهو رغم ما فيها من قوًى لا تريد حلّ الدولتين ولا تعترف باتفاقيات سابقة وتهدّد بتهجير الفلسطينيين من الأراضي المحتلّة في العام 1948؟!
كم هو مهمٌّ الآن أن يتذكّر العرب أنَّ إسرائيل لم تنسحب من سيناء إلا نتيجة حرب أكتوبر عام 1973 واستخدام التنسيق العربي المشترك بأوجهه السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وكم هو مهمٌّ أيضاً الآن أن يتذكّر العرب أنَّ إسرائيل لم تنسحب من جنوب لبنان إلا نتيجة المقاومة الوطنية اللبنانية والتضامن اللبناني والإقليمي معها، كما كان فيما بعد دور المقاومة الفلسطينية في إجبار إسرائيل على الانسحاب من قطاع غزة، بينما لم تؤدِّ اتفاقيات أوسلو وما بعدها إلا لمزيدٍ من العدوان الإسرائيلي والاستهتار بحقوق الشعب الفلسطيني.
إنّ إدارة باراك أوباما، التي لم تأخذ حتماً بنهج إدارة بوش في الشرق الأوسط، تعود في سياستها بالمنطقة إلى النهج الذي كانت عليه الإدارة الأميركية في فترتيْ بيل كلينتون من تشجيع على تسويات سياسية، كما حدث في الاتفاق الفلسطيني/الإسرائيلي في أوسلو وما بعده، وكما جرى بين الأردن وإسرائيل في اتفاق وادي عربة، وفي دعم المفاوضات بين سوريا وإسرائيل حتى نهاية عهد كلينتون، لكن طبعاً مع ضغوط مارستها واشنطن في تلك الحقبة على عدّة أطراف عربية لمباشرة خطوات التطبيع مع إسرائيل دون انتظار لمصير المفاوضات.
وهذا ما نراه الآن يحدث من ضغوط أميركية على عدة حكومات عربية من أجل مقايضة تجميد الإستيطان بخطوات التطبيع مع إسرائيل. وفي ذلك ليس فقط تناقضاً مع ما أقّرته القمة العربية عام 2002 من مبادرة سلام مشروط التطبيع فيها بإنجاز التسوية الشاملة على كل الجبهات وبإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بل هو أيضاً أشبه بإعلان عربي شامل بالتسليم الكامل بالشروط الإسرائيلية وبالتخلّي عن آخر ورقة في المفاوضات تملكها الحكومات العربية بعدما جرى التخلي الرسمي الفلسطيني أيضاً عن خيار المقاومة المسلحة.
إن إدارة أوباما تتعامل الآن مع واقع عربي فيه انقسام بين حكومات عربية بعضها أقام معاهدات وعلاقات مع إسرائيل وبعضها الآخر لم يفعل ذلك بعد ويدعم قوى المقاومة ضدّ الإحتلال الإسرائيلي، وبين المحورين محور ثالث يترنّح ما بين الإثنين!. أيضاً، تتعامل إدارة أوباما مع ملف فلسطيني هو جوهر الصراع في المنطقة لكن المعنيين بهذا الملف ينقسمون الآن بين "مفاوض فقط" وبين "مقاوم فقط" وعلى أرض فلسطينية محتلة هي نفسها تعاني من انقسام جغرافي وسياسي بين "حكومة التفاوض" و"حكومة المقاومة"!. وحال هذه الإدارة الأميركية ليس بأحسن من الحال العربي من حيث مظاهر الضعف والعجز. فالنيّة الشخصية الطيبة للرئيس باراك أوباما لا تنفع وحدها للحكم على السياسة الأميركية أو حتى في صنعها. ففي الحالة الأميركية، فإن معيار "النيات هو بالأعمال"، حيث لم نلمس أي موقف أميركي حاسم حتى الآن في مواجهة تمرّد "الخادم الإسرائيلي" على "سيده الأميركي" بل نرى أن حجم الضغوط الإسرائيلية من داخل أميركا ومن أعضاء الكونغرس تزداد يوماً بعد يوم على الرئيس أوباما وملفاته الكبرى داخلياً وخارجياً. فماذا سينتج هذا المزيج من وقائع الحال عربياً وأميركياً وإسرائيلياً؟!
هي فرصة كبيرة أمام الحكومات العربية لكي تعيد النظر في خلافاتها وأوضاعها المزرية على أكثر من صعيد، وبأن تجعل من الهمجية والعنجهية الإسرائيلية مدخلاً لتضامن عربي يفرض على إسرائيل التنازلات ويعاقبها بالحدّ الأدنى سياسياً واقتصادياً، ويدفع الأطراف الفلسطينية إلى توحيد موقفها السياسي على قاعدة الجمع بين "اليد التي تحمل البندقية، واليد التي تحمل غصن الزيتون"، وإلاّ فإن الخيار الآخر هو استنساخ الماضي القريب من الأزمات والصراعات العربية والفلسطينية لكن في جسم عربي أصبح مثقلاً بالجراح ولا يحتمل المزيد منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق