وجيهة الحويدر
اتسمت الحياة السياسية والاجتماعية في الثمانينات والتسعينات بالتوحش ، لكن هذا لا يعني ابدا ان العقود السابقة كانت ذات سمات سمحة وأليفة، بل كانت بنفس الطابع والصبغة ومرات كانت اشد بكثير، لدرجة ان البعض يتهكم اليوم عن تلك الحقبة من تاريخ السعودية، بأنه "من لم يُلقى به في السجن فليس بسعودي" من كثرة اعداد السجناء السياسيين، والاعتقالات العشوائية.
الستينات والسبعينات كانت الحرب الباردة في اوجها، والسعوديين لم يكونوا خارج رحاها. الناصرية في مصر والبعث في الشام والعراق والاحزاب الشيوعية ايضا كانت مننتشرة، ولها اقدام راسخة في الشرق الاوسط، وطموحات بعيدة الأمد في المنطقة، مما جعل المعسكر الغربي الرأسمالي وحلفائه منهم السعودية يعدون العدة لمكافحة الموجة.
التيارات الدينية والاخوانية نهضت بأجندة تحارب تلك الانظمة، لذلك كانت مُطاردة في بلدان لديها تطلعات في التخلص من الموروث الرجعي المهيمن على الحياة العامة، وتحديث انظمتها وقوانينها. قاوم السلفيون النهضة والحداثة في بلدانهم فقمعوا بوحشية، مما جعل الناجون منهم يفرون الى السعودية التي استقبلتهم هم وقاداتهم بالأحضان الدافئة، خاصة الذين قدموا من مصر وبلاد الشام.
حين انضم الاخوانيون للسلفيين في السعودية، افرزوا صيغة جديدة متشددة في فرض الشرائع الدينية في الاعلام والتعليم وفي السلوك العام. الاخواني والسلفي معسكران قويان تمكنا من تشكيل نهج الحياة السياسية والاجتماعية في السعودية في ذلك العهد، والذي مازال تبعاته حاضرة الى يومنا هذا.
في نهاية المطاف لتلك الحقبة المعتمة تتوجت في عام 1979م بالمحاولة السلفية المسلحة لقلب النظام السعودي بقيادة جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني واتباعهما في الحرم المكي في مكة المكرمة. في فجر اليوم الاول من دخول الامة الاسلامية القرن الخامس عشر الهجري، اندلعت اشتباكات عسكرية في الحرم المكي بين مسلحين سعوديين متشددين ورجال الامن السعودي وقوات اجنبية اخرى، واستمر القتال لأسبوعين كاملين تقريبا من اجل القضاء عليهم، وانهاء حركتهم العسكرية، لكن ليس امتدادهم الفكري.
لم يُعرف حتى اليوم من المتورط معهم من القادة العسكريين السعوديين، وكم عددهم، وكيف تمكنوا من تخزين اسلحتهم ومأونتهم في سرادين الحرم بدون ان يعلم احد عنهم. كل ما عُرف عنهم هو مطالبهم وأهمها هو تطبيق السلفية كسياسة دولة، والعودة بالناس الى عهد الخلافة الراشدة، اي اعادة عقارب الساعة 1400 سنة الى الوراء!
اثناء انشغال جهاز الامن السعودي بمحاربة العتيبي ورجاله في مكة المكرمة، قام الشيعة في المنطقة الشرقية بإنتفاضة حقوقية ومظاهرات عارمة في نفس الوقت والذي تزامن في شهر محرم، شهر الطقوس الشيعية، حيث خرج الشيعة بعد العزاءات الحسينية افواج غاضبة الى الشواع احتجاجا على احوالهم المعيشية المزرية، وضد التمييز الذي تمارسه الدولة عليهم. قُتل في تلك الانتفاضة اكثر من 30 شخصاً من الشيعة، وُسجن المئات معظمهم كانوا من مدينتي القطيف وصفوى وضواحيها.
الحركة الشيعية تلك كانت شبه صدى للثورة الايرانية التي كان قاداتها انذاك يحاولون تصدير الثورة الى الخارج وتحريض الشيعة المهمشين على المطالبة بحقوقهم، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية الشيعية العالية مثل بعض دول الخليج ولبنان والعراق.
مع بداية الثمانينات دخلت ايران في حرب نازفة مع العراق استمرت لثمان سنوات، وخرجت السعودية منتصرة في معركتيها في شرق البلاد وغربه، فقد قُضيى تماما على الحركة الحقوقية الشيعية، وعلى اثرها تضاعف التمييز ضدهم، وازداد حصارهم وملاحقتهم والتضييق عليهم في عيشهم.
على الضفة الاخرى قُتل جميع اتباع جهيمان العتيبي بعد أن شُهّر بهم في الاعلام، واعتقل الكثير من انصارهم، ولكي تأمن الدولة شرهم ارتكبت خطيئة كبرى حيث فتحت الابواب على مصراعيها للمد السلفي، وسلمت لرجاله زمام الامور لنشر الفكر المتشدد المفعم بالايدلوجية الجهادية في جميع منابر الدولة واهمها الاعلام والتعليم، لكي تقضي على الحركات التحررية والاصلاحية، ومن اجل اعداد الجهاديين للحرب في افغانستان لتحرير بلاد المسلمين من المحتل الروسي الكافر على حسب شعاراتهم انذاك، والتي تطورت فيما بعد فتحولت الى جهاد مسلح لنشر الاسلام في كل بقاع الدنيا قاطبة، حتى بلد مهبط الاسلام السعودية، كفروا قاداتها ووضعوها في قائمة الدول التي ستطالها ايدي جماعاتهم المتشددة المتوحشة، وستنفذ فيها عملياتهم الارهابية.
لعقود طويلة السعودية تنتهج انظمة متشددة وصارمة في تعاملها مع مواطنيها، مما حوّل اعداد لا بأس بها من النساء والرجال السعوديين الى قساة وعنيفين في تعاملهم مع بعضهم البعض ومع الجاليات الاخرى. وخلق فئة من الشباب المتوحش بحيث اصبح لا يتردد ابدا في تفجير نفسه وقتل العباد وتخريب البلاد.
هناك أسباب اسياسية ومهمة يحتاج المسئولين وصانعي القرار في السعودية ان يتوقفوا عندها، ويعيدوا النظر فيها، ويحاولوا معالجتها واحتوائها قبل فوات الآوان، فهي التي تفسر جوانب كثيرة من هذه السلوكيات السعودية الوحشية وتزيد من تفاقمها، وتوفر ارض خصبة لتفريخ الارهابيين.
الأسباب هي كالتالي ومرتبة حسب اهميتها:
اولا: القهر بشقيه السياسي والاجتماعي:
إن القهر بشقيه السياسي والاجتماعي وقعه شديد في حياة الشعب السعودي، فقد سلبه حقوقه الشرعية الأساسية في حرية التعبير، وحرية المعتقد، والحرية الشخصية والابداعية، وحتى الشعور بالامان، وتسبب في انعدام العدالة والمساواة امام القانون، والمشاركة العادلة في القرار السياسي وفي توزيع الثروات.
القهر صار نمط حياة وثقافة سائدة بين السعوديين، فالقهر موجود في البيت، والقهر موجود في المدرسة، وفي العمل وفي المؤسسات الحكومية والخاصة وحتى في الطرقات والاماكن العامة. هذا القهر يتمثل في القوانين الصارمة، وفي رجال الامن، والشرطة الدينية، ويمارسه بعض المسئوليين في المؤسسات الحكومية والخاصة، حتى بات الانسان السعودي يشعر اليوم انه امام خيارين: اما ان يكون قاهرا، او أن يكون مقهورأ.
ولّد ذلك القهر في حياة الناس دائرة عنف كبيرة ومعقدة لا تنتهي، وحوّل كل من ملكَ سلطة الى دكتاتوري وجبار، حتى النساء المضطهدات بعضهن يتحولن الى قاهرات لنساء اخريات اضعف منهن او اقل شأنا منهن، لذلك نقرأ مرات في الصحف عن ربات بيوت سعوديات يعذبن عاملات في منازلهن الى حد الموت، او عاملات المنازل ينفسّن عن قهرهن بتعذيب اطفال بقسوة، وتظل دائرة العنف تطحن الناس وتسحق انسانيتهم بدون رحمة.
ثانيا: التطبيق الوحشي للعقوبات والاحكام الجنائية
ان تطبيق اشد العقوبات الجسدية على المخالفين للقانون ومرتكبي الجريمة في الاماكن العامة، خلق اجواء من الرعب والتوحش في نفوس الناس، بالاضافة الى انه قلل من قيمة الانسان وحط من آدميته، فالسعودية هي الدولة الوحيدة التي تستخدم السيف كأداة لإهدار دم القاتل وازهاق روحه مثل البهيمة. ايضا هي البلد الوحيد الذي يستخدم عقوبة حد الحرابة في اعدام ما يُثبت عليهم بأنهم من "المفسدين" في الارض، حيث يُقطع رأس الجاني ويظل معلقاً من يديه وكأنه مصلوبا، ورأسه مرميا على الارض بجانبه لساعات طويلة من النهار في الأماكن العامة، والشباب والأطفال والمارة يتفرجون عليه وكأنهم في فسحة، والآن مع الأنترنت اصبحت بعض الاعدامات تصور خفية وتُوضع على اليوتيب، مثلما حدث قبل شهور لأحمد العنزي الذي قُتل وعُلق في احدى الساحات العامة في الرياض، ونُشر فيلم اعدامه على الانترنت.
في العقود السابقة كان الزاني يُرمى به في حفرة في مكان عام، ويُرجم حتى يلفظ انفاسه الاخيرة، واذا خرج من حفرته يُعاد اليها لتنهال عليه الصخور حتى الموت. المارة يشاركون في تنفيذ حكم الاعدام مع رجال الامن، ومن لا يشارك في جريمة الرجم، يقف ليتفرج على المشهد ويؤيد الرماة. هذا الصنف من العقوبة توقف لأسباب غير معروفة، ربما لشدة وحشيته.
بالرغم من ان السعودية لديها برنامج متطور لتأهيل ذوي الاعاقات والاحتياجات الخاصة، لكن لا زالت الأحكام التعزيرية للسارق تسبب عاهات واعاقات دائمة. لا زال ينفذ حكم قطع يد السارق امام الناس ويترك معاقا ومنبوذا طوال حياته. توقف لعقود طويلة هذا الصنف من الاحكام على السارق، لكن مع بداية هذا العام في الرياض عاد من جديد، فقد قُطعت يد حسن بن عياش احمد صغير يمني الجنسية امام الناس بتهمة انه سارق.
ايضا استخدام عقوبة الجلد التي تتنافى مع ابسط حقوق الانسان، لازال يُمارس ذاك العقاب على المواطن علنا وسرا وعلى اتفه خطيئة، حيث يهينوا الجاني أمام الناس ويتعمدوا إيلامه، والشباب والأطفال والمارة يحدّقون في المشهد، وكأنهم يتفرجون على فيلم تراجيدي، وليس واقعا مريرا يعكس مدى احتقار الانسان الذي اقترف خطيئة، والذي بالإمكان معاقبته بطريقة تحفظ له آدميته وكرامته.
ربما افضل مثال يعكس مدى توحش الناس السعوديين، هي قصة مازن عبد الجواد والذي يُطلق عليه اليوم "المجاهر بالرذيلة" الذي ظهر في برنامج احمر بالخط العريض في محطة "ال بي سي"، والذي دفع الناس انفسهم الى المطالبة بمعاقبته اشد عقوبة وصلت الى حد الاعدام، لأنه تحدث عن علاقاته الخاصة بالنساء، الامر الذي يمارسه كثير من الرجال السعوديين في الداخل والخارج.
ثالثا: انعدام القوانين المدونة وغياب سيادة القانون
المحاكم السعودية الى يومنا هذا تفتقر للقوانين المدونة. كل قاضي سعودي يحكم على حسب فهمه ومعرفته بالشريعة الاسلامية. السعودية وايران الدولتين الوحيدتين في العالم قضاتهم رجال دين متشددين يحكمون بقوانين دينية هم اجتهدوا في استحداثها، واطلقوا عليها شرع الله. لذلك مرات كثيرة يُحكم على الجناة بأحكام مختلفة بالرغم من ارتكابهم نفس الجريمة. هذا يجعل الناس تعيش في خوف وتخبط حيث لا احد يعلم ماذا سيحل به حين يلج اروقة المحاكم لأي جنحة.
ايضا القانون في السعودية لا سيادة له على المتنفذين والفاسدين في الدولة، فوباء الواسطة هو الذي يتحكم في مصائر الناس ومستقبلهم، ولأن القضاة رجال دين نجد بعضهم يتعاطفون مع من هم مثلهم، او يسير على نهجهم او من لديه نفوذ وثراء.
بالطبع الشرطة الدينية فوق القانون دائما مهما ارتكبوا من جرائم واهانات في حق الناس، حتى لو كانت جريمة قتل، مثلما حصل في عام 2008م في قضية سلمان الحريصي الذي ضُرب بأيدي رجال الشرطة الدينية بتهمة انه يحتسي الخمر ويصنّعه، وهُشمت جمجمته الى ان فارق الحياة. القتلة برأتهم محكمة التمييز في الرياض، بالرغم من ان التقرير الطبي اثبت ان سبب الوفاة شرخ في الجمجمة ادى الى نزيف حاد ومن ثم الوفاة.
وسنكمل استعراض اسباب اخرى ادت الى التوحش السعودي في الجزء القادم من هذه المحاولة.... وللحديث بقية...
اتسمت الحياة السياسية والاجتماعية في الثمانينات والتسعينات بالتوحش ، لكن هذا لا يعني ابدا ان العقود السابقة كانت ذات سمات سمحة وأليفة، بل كانت بنفس الطابع والصبغة ومرات كانت اشد بكثير، لدرجة ان البعض يتهكم اليوم عن تلك الحقبة من تاريخ السعودية، بأنه "من لم يُلقى به في السجن فليس بسعودي" من كثرة اعداد السجناء السياسيين، والاعتقالات العشوائية.
الستينات والسبعينات كانت الحرب الباردة في اوجها، والسعوديين لم يكونوا خارج رحاها. الناصرية في مصر والبعث في الشام والعراق والاحزاب الشيوعية ايضا كانت مننتشرة، ولها اقدام راسخة في الشرق الاوسط، وطموحات بعيدة الأمد في المنطقة، مما جعل المعسكر الغربي الرأسمالي وحلفائه منهم السعودية يعدون العدة لمكافحة الموجة.
التيارات الدينية والاخوانية نهضت بأجندة تحارب تلك الانظمة، لذلك كانت مُطاردة في بلدان لديها تطلعات في التخلص من الموروث الرجعي المهيمن على الحياة العامة، وتحديث انظمتها وقوانينها. قاوم السلفيون النهضة والحداثة في بلدانهم فقمعوا بوحشية، مما جعل الناجون منهم يفرون الى السعودية التي استقبلتهم هم وقاداتهم بالأحضان الدافئة، خاصة الذين قدموا من مصر وبلاد الشام.
حين انضم الاخوانيون للسلفيين في السعودية، افرزوا صيغة جديدة متشددة في فرض الشرائع الدينية في الاعلام والتعليم وفي السلوك العام. الاخواني والسلفي معسكران قويان تمكنا من تشكيل نهج الحياة السياسية والاجتماعية في السعودية في ذلك العهد، والذي مازال تبعاته حاضرة الى يومنا هذا.
في نهاية المطاف لتلك الحقبة المعتمة تتوجت في عام 1979م بالمحاولة السلفية المسلحة لقلب النظام السعودي بقيادة جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني واتباعهما في الحرم المكي في مكة المكرمة. في فجر اليوم الاول من دخول الامة الاسلامية القرن الخامس عشر الهجري، اندلعت اشتباكات عسكرية في الحرم المكي بين مسلحين سعوديين متشددين ورجال الامن السعودي وقوات اجنبية اخرى، واستمر القتال لأسبوعين كاملين تقريبا من اجل القضاء عليهم، وانهاء حركتهم العسكرية، لكن ليس امتدادهم الفكري.
لم يُعرف حتى اليوم من المتورط معهم من القادة العسكريين السعوديين، وكم عددهم، وكيف تمكنوا من تخزين اسلحتهم ومأونتهم في سرادين الحرم بدون ان يعلم احد عنهم. كل ما عُرف عنهم هو مطالبهم وأهمها هو تطبيق السلفية كسياسة دولة، والعودة بالناس الى عهد الخلافة الراشدة، اي اعادة عقارب الساعة 1400 سنة الى الوراء!
اثناء انشغال جهاز الامن السعودي بمحاربة العتيبي ورجاله في مكة المكرمة، قام الشيعة في المنطقة الشرقية بإنتفاضة حقوقية ومظاهرات عارمة في نفس الوقت والذي تزامن في شهر محرم، شهر الطقوس الشيعية، حيث خرج الشيعة بعد العزاءات الحسينية افواج غاضبة الى الشواع احتجاجا على احوالهم المعيشية المزرية، وضد التمييز الذي تمارسه الدولة عليهم. قُتل في تلك الانتفاضة اكثر من 30 شخصاً من الشيعة، وُسجن المئات معظمهم كانوا من مدينتي القطيف وصفوى وضواحيها.
الحركة الشيعية تلك كانت شبه صدى للثورة الايرانية التي كان قاداتها انذاك يحاولون تصدير الثورة الى الخارج وتحريض الشيعة المهمشين على المطالبة بحقوقهم، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية الشيعية العالية مثل بعض دول الخليج ولبنان والعراق.
مع بداية الثمانينات دخلت ايران في حرب نازفة مع العراق استمرت لثمان سنوات، وخرجت السعودية منتصرة في معركتيها في شرق البلاد وغربه، فقد قُضيى تماما على الحركة الحقوقية الشيعية، وعلى اثرها تضاعف التمييز ضدهم، وازداد حصارهم وملاحقتهم والتضييق عليهم في عيشهم.
على الضفة الاخرى قُتل جميع اتباع جهيمان العتيبي بعد أن شُهّر بهم في الاعلام، واعتقل الكثير من انصارهم، ولكي تأمن الدولة شرهم ارتكبت خطيئة كبرى حيث فتحت الابواب على مصراعيها للمد السلفي، وسلمت لرجاله زمام الامور لنشر الفكر المتشدد المفعم بالايدلوجية الجهادية في جميع منابر الدولة واهمها الاعلام والتعليم، لكي تقضي على الحركات التحررية والاصلاحية، ومن اجل اعداد الجهاديين للحرب في افغانستان لتحرير بلاد المسلمين من المحتل الروسي الكافر على حسب شعاراتهم انذاك، والتي تطورت فيما بعد فتحولت الى جهاد مسلح لنشر الاسلام في كل بقاع الدنيا قاطبة، حتى بلد مهبط الاسلام السعودية، كفروا قاداتها ووضعوها في قائمة الدول التي ستطالها ايدي جماعاتهم المتشددة المتوحشة، وستنفذ فيها عملياتهم الارهابية.
لعقود طويلة السعودية تنتهج انظمة متشددة وصارمة في تعاملها مع مواطنيها، مما حوّل اعداد لا بأس بها من النساء والرجال السعوديين الى قساة وعنيفين في تعاملهم مع بعضهم البعض ومع الجاليات الاخرى. وخلق فئة من الشباب المتوحش بحيث اصبح لا يتردد ابدا في تفجير نفسه وقتل العباد وتخريب البلاد.
هناك أسباب اسياسية ومهمة يحتاج المسئولين وصانعي القرار في السعودية ان يتوقفوا عندها، ويعيدوا النظر فيها، ويحاولوا معالجتها واحتوائها قبل فوات الآوان، فهي التي تفسر جوانب كثيرة من هذه السلوكيات السعودية الوحشية وتزيد من تفاقمها، وتوفر ارض خصبة لتفريخ الارهابيين.
الأسباب هي كالتالي ومرتبة حسب اهميتها:
اولا: القهر بشقيه السياسي والاجتماعي:
إن القهر بشقيه السياسي والاجتماعي وقعه شديد في حياة الشعب السعودي، فقد سلبه حقوقه الشرعية الأساسية في حرية التعبير، وحرية المعتقد، والحرية الشخصية والابداعية، وحتى الشعور بالامان، وتسبب في انعدام العدالة والمساواة امام القانون، والمشاركة العادلة في القرار السياسي وفي توزيع الثروات.
القهر صار نمط حياة وثقافة سائدة بين السعوديين، فالقهر موجود في البيت، والقهر موجود في المدرسة، وفي العمل وفي المؤسسات الحكومية والخاصة وحتى في الطرقات والاماكن العامة. هذا القهر يتمثل في القوانين الصارمة، وفي رجال الامن، والشرطة الدينية، ويمارسه بعض المسئوليين في المؤسسات الحكومية والخاصة، حتى بات الانسان السعودي يشعر اليوم انه امام خيارين: اما ان يكون قاهرا، او أن يكون مقهورأ.
ولّد ذلك القهر في حياة الناس دائرة عنف كبيرة ومعقدة لا تنتهي، وحوّل كل من ملكَ سلطة الى دكتاتوري وجبار، حتى النساء المضطهدات بعضهن يتحولن الى قاهرات لنساء اخريات اضعف منهن او اقل شأنا منهن، لذلك نقرأ مرات في الصحف عن ربات بيوت سعوديات يعذبن عاملات في منازلهن الى حد الموت، او عاملات المنازل ينفسّن عن قهرهن بتعذيب اطفال بقسوة، وتظل دائرة العنف تطحن الناس وتسحق انسانيتهم بدون رحمة.
ثانيا: التطبيق الوحشي للعقوبات والاحكام الجنائية
ان تطبيق اشد العقوبات الجسدية على المخالفين للقانون ومرتكبي الجريمة في الاماكن العامة، خلق اجواء من الرعب والتوحش في نفوس الناس، بالاضافة الى انه قلل من قيمة الانسان وحط من آدميته، فالسعودية هي الدولة الوحيدة التي تستخدم السيف كأداة لإهدار دم القاتل وازهاق روحه مثل البهيمة. ايضا هي البلد الوحيد الذي يستخدم عقوبة حد الحرابة في اعدام ما يُثبت عليهم بأنهم من "المفسدين" في الارض، حيث يُقطع رأس الجاني ويظل معلقاً من يديه وكأنه مصلوبا، ورأسه مرميا على الارض بجانبه لساعات طويلة من النهار في الأماكن العامة، والشباب والأطفال والمارة يتفرجون عليه وكأنهم في فسحة، والآن مع الأنترنت اصبحت بعض الاعدامات تصور خفية وتُوضع على اليوتيب، مثلما حدث قبل شهور لأحمد العنزي الذي قُتل وعُلق في احدى الساحات العامة في الرياض، ونُشر فيلم اعدامه على الانترنت.
في العقود السابقة كان الزاني يُرمى به في حفرة في مكان عام، ويُرجم حتى يلفظ انفاسه الاخيرة، واذا خرج من حفرته يُعاد اليها لتنهال عليه الصخور حتى الموت. المارة يشاركون في تنفيذ حكم الاعدام مع رجال الامن، ومن لا يشارك في جريمة الرجم، يقف ليتفرج على المشهد ويؤيد الرماة. هذا الصنف من العقوبة توقف لأسباب غير معروفة، ربما لشدة وحشيته.
بالرغم من ان السعودية لديها برنامج متطور لتأهيل ذوي الاعاقات والاحتياجات الخاصة، لكن لا زالت الأحكام التعزيرية للسارق تسبب عاهات واعاقات دائمة. لا زال ينفذ حكم قطع يد السارق امام الناس ويترك معاقا ومنبوذا طوال حياته. توقف لعقود طويلة هذا الصنف من الاحكام على السارق، لكن مع بداية هذا العام في الرياض عاد من جديد، فقد قُطعت يد حسن بن عياش احمد صغير يمني الجنسية امام الناس بتهمة انه سارق.
ايضا استخدام عقوبة الجلد التي تتنافى مع ابسط حقوق الانسان، لازال يُمارس ذاك العقاب على المواطن علنا وسرا وعلى اتفه خطيئة، حيث يهينوا الجاني أمام الناس ويتعمدوا إيلامه، والشباب والأطفال والمارة يحدّقون في المشهد، وكأنهم يتفرجون على فيلم تراجيدي، وليس واقعا مريرا يعكس مدى احتقار الانسان الذي اقترف خطيئة، والذي بالإمكان معاقبته بطريقة تحفظ له آدميته وكرامته.
ربما افضل مثال يعكس مدى توحش الناس السعوديين، هي قصة مازن عبد الجواد والذي يُطلق عليه اليوم "المجاهر بالرذيلة" الذي ظهر في برنامج احمر بالخط العريض في محطة "ال بي سي"، والذي دفع الناس انفسهم الى المطالبة بمعاقبته اشد عقوبة وصلت الى حد الاعدام، لأنه تحدث عن علاقاته الخاصة بالنساء، الامر الذي يمارسه كثير من الرجال السعوديين في الداخل والخارج.
ثالثا: انعدام القوانين المدونة وغياب سيادة القانون
المحاكم السعودية الى يومنا هذا تفتقر للقوانين المدونة. كل قاضي سعودي يحكم على حسب فهمه ومعرفته بالشريعة الاسلامية. السعودية وايران الدولتين الوحيدتين في العالم قضاتهم رجال دين متشددين يحكمون بقوانين دينية هم اجتهدوا في استحداثها، واطلقوا عليها شرع الله. لذلك مرات كثيرة يُحكم على الجناة بأحكام مختلفة بالرغم من ارتكابهم نفس الجريمة. هذا يجعل الناس تعيش في خوف وتخبط حيث لا احد يعلم ماذا سيحل به حين يلج اروقة المحاكم لأي جنحة.
ايضا القانون في السعودية لا سيادة له على المتنفذين والفاسدين في الدولة، فوباء الواسطة هو الذي يتحكم في مصائر الناس ومستقبلهم، ولأن القضاة رجال دين نجد بعضهم يتعاطفون مع من هم مثلهم، او يسير على نهجهم او من لديه نفوذ وثراء.
بالطبع الشرطة الدينية فوق القانون دائما مهما ارتكبوا من جرائم واهانات في حق الناس، حتى لو كانت جريمة قتل، مثلما حصل في عام 2008م في قضية سلمان الحريصي الذي ضُرب بأيدي رجال الشرطة الدينية بتهمة انه يحتسي الخمر ويصنّعه، وهُشمت جمجمته الى ان فارق الحياة. القتلة برأتهم محكمة التمييز في الرياض، بالرغم من ان التقرير الطبي اثبت ان سبب الوفاة شرخ في الجمجمة ادى الى نزيف حاد ومن ثم الوفاة.
وسنكمل استعراض اسباب اخرى ادت الى التوحش السعودي في الجزء القادم من هذه المحاولة.... وللحديث بقية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق