الثلاثاء، سبتمبر 01، 2009

محرقة الأنروا

د. فايز أبو شمالة
أزعم أن قرار الجمعية العامة رقم 302، الصادر في 8 ديسمبر 1949، والذي بموجبه تأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأنروا" لتعمل كولاية مخصصة، ومؤقتة، أزعم أن القرار قد حدد مهام الوكالة في: التشاور مع الحكومات المحلية بخصوص تنفيذ مشاريع الإغاثة والتشغيل والتخطيط استعدادا للوقت الذي يستغنى فيه عن هذه الخدمات. وكفلسطينيين لن نستغني عن خدمات الإغاثة والتشغيل إلا إذا انتهت الأسباب التي جعلت من الشعب الفلسطيني لاجئاً، بل ونتمسك بخدمات الأنروا، إلى حين عودة اللاجئين إلى ديارهم، وحل قضيتهم السياسية حلاً عادلاً.
منذ تأسيس الأنروا وحتى يومنا هذا، والمؤسسة ملتزمة بتقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين دون أن تمس بمشاعرهم الوطنية، أو معتقداتهم الدينية، أو عاداتهم الاجتماعية، أو ثقافتهم الإنسانية، وظلت تحظى بثقة واحترام اللاجئين في الوطن والشتات، ولكن في اللحظة التي ستنحرف فيها الأنروا عن غايتها التي تأسست من أجلها، وتفكر أن تمارس دوراً سياسياً، أو تضع شروطاً حياتية مقابل خدماتها، أو التأثير الثقافي من خلال فرض دروس عن المحرقة التي لحقت باليهود، فإن ذلك سينعكس بالسلب على مجمل العلاقة القائمة بين الأنروا، واللاجئين الفلسطينيين، ورغم نفي مفوض الأنروا السيدة "كارين أبو زيد" تضمين مناهج المنظمة أي إشارة إلى المحرقة، ـ وهذا جدير بالتقدير ـ إلا أن ما يتم إعداده من نسخة أولية من المنهج لتعرض على مجموعات من المجتمع المدني، ليتم الموافقة عليها. يحتم على كل مسئول أن يتنبه لخطورة فتح الجراح الفلسطينية، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن العالم لم يجمع على حدوث المحرقة، ويتشككون في حدوثها وفق الرواية اليهودية، ويلتقي ملايين الأوربيين مع المفكر الفرنسي "رجاء جارودي" الذي أورد في كتابة "الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل" صفحة 107، اعتراف الدكتور "كيبوفي" من مركز الوثائق في تل أبيب عام 1960، وهو يقول: لا توجد أي وثيقة موقعة من "هتلر"، أو "هيملر"، أو هيدريش، تتحدث عن إبادة اليهود، ولا تظهر عبارة "الإبادة" في خطاب "جورنج" الموجة إلى "هيدريش" بشأن الحل النهائي للمسألة اليهودية". ويورد في صفحة 119من الكتاب نفسه، ما كتبه أحد القانونيين الأمريكان الذين أرسلوا إلى " داخاو" بعد أن أصبح معسكراً أمريكياً، ومركزاً للمحاكمات ضد جرائم الحرب، يقول: "لقد عشت في "داخاو" طوال 17 شهراً، بعد الحرب كقاضي عسكري للولايات المتحدة الأمريكية، وأستطيع أن أشهد: أنه لم يكن هناك أي غرف للغاز، وما يعرض على الزائر يقدم بطريقة خاطئة على أنه غرف للغاز، مع أنه محرقة لجثث الموتى، ولم يكن هناك أي غرف للغاز في ألمانيا، وأستطيع أن أؤكد أنه يستخدمون الأسطورة القديمة للدعاية بأن ملايين اليهود قد قتلوا، وبعد ست سنوات أقول: أنه كان هناك الكثير من اليهود الذين قتلوا، ولكن رقم المليون لم يتم بلوغه أبداً، واعتقد أنني مؤهل أكثر من غيري للحديث عن هذا الموضوع".
ثانياً: لو أجمعت كل حكومات العالم على حدوث المحرقة وفق الرواية اليهودية، فلن يقنع ذلك الفلسطيني الذي يرى العالم وقد أجمع على ظلمه، وأغمض عينه عن المحرقة القائمة بحقه بشكل يومي، وهي تشوي لحم الفلسطينيين على الحواجز، وتذيب عظمهم بالحصار، والعالم كله يتفرج، ويصمت، ويبلع لسانه. ولو سأل السيد جون جنج مدير عمليات الأنروا في غزة، أي تجمع طلابي فلسطيني، من هو اليهودي؟ لجاءه الجواب السريع: اليهودي هو الموت، والجراح، وعذاب الأسرى، واليهودي هو هدم البيوت، والدمار، والهلاك، والخداع، والحصار، والاغتصاب. فكيف تطالب من المعذب أن يذرف دمعاً على معذبه؟ وكيف تطالب من الضحية أن تمسح الدم عن سكين الجلاد، ولا تشهق في وجه العالم شهقة الموت؟!.
نحن الفلسطينيين لا نكتفي برفض تدريس المحرقة لأولادنا، وإنما يجب أن تكون لنا دروسنا الخاصة عن نازيي القرن الواحد والعشرين، عن اليهودي الإسرائيلي المجرم، والإرهابي الذي ما زال يفرض علينا أن نحيا المحرقة حتى هذه الساعة، إننا لا نكذب واقعنا الذي نعيشه، ونصدق أننا نحن الكارثة التي أسهمت فيها أوروبا لإنقاذ اليهود، فكيف نبكي على من يستبيح فرحنا، ويطعن جسدنا، ويغتصب بيتنا، ويشرب ماءنا، ويحاصر هواءنا؟ وكيف نصدق أن هذا اليهودي القاتل، المغتصب كان مظلوماً في يوم من الأيام، أو أنه تعرض للإبادة من أحد؟ كيف يصير المقتول قاتلاً إن لم تكن تجري في دمائه تعاليم وأفكار ومعتقدات خرافية عليك أن تتنبه لها يا مستر "جون جنج"؟ وأتمنى ألا تكون أحد أولئك الأجانب الذين جاء ذكرهم في الإصحاح الحادي والستين من سفر إشعيا، الذي يقول لليهود: "ويقف الأجانب، ويرعون غنمكم، ويكون بنو الغريب حرّاثيكم، وكرّاميكم، أما أنتم "اليهود" فتدعون كهنة الرب، تُسمّون خُدام إلهنا، تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون!.
fshamala@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: