نبيل عودة
جددوا تراث القادة التاريخيين الأبطال الذين صنعوا هذا تاريخ
من الواقع السياسي للعرب في اسرائيل
لا أنكر ان ما يجري داخل الحزب الشيوعي الاسرائيلي يلفت انتباهي واهتمامي . اذ لايمكن تجاهل مركزية هذا الحزب التاريخية ، في حياة الجماهير العربية في اسرائيل .ومهما كانت اسبابي اليوم في عدم الاستمرار بانتمائي لهذا الحزب ، الا انني لا أنفي ان ثقافتي الفكرية والسياسية والاجتماعية والأدبية ، اكتسبتها بفضل برامج التثقيف والتنوير التي كانت ضمن الرؤية العامة ، وضمن الاهتمامات التي وضعت في رأس سلم الأولويات للقيادات الشيوعية الطليعية .
وكنت قد كتبت سابقا عن دور الطليعة الشيوعية في ارساء وتطوير الثقافة العربية في اسرائيل ، ضمن رؤيتهم للأهمية الاستراتيجية للموضوع الثقافي والتثقيقي في تجاوز حالة الضياع بعد النكبة ، وتشتت شعبنا ، وخطر الضياع الذي احاط ببقية الشعب الفلسطيني الباقي في وطنه .والأهم ، ضمن رؤيتهم الثاقبة لدور الفعل الثقافي ( عبر دمج الثقافي والسياسي ) في الحفاظ على هويتنا ولغتنا وتمسكنا بأرضنا ، واعادة ترابطنا كشعب له حلمه الانساني المشترك ... وخوضنا لنضال بالغ الشراسة والتعقيدات والتضحيات في تلك السنوات السوداء التي أعقبت النكبة ، او "التطهير العرقي "، كما يقول المؤرخ الاسرائيلي ايلي بابه في بحثه الجديد ، الذي يعتبر ادانة للمؤسسة الصهيونية وقادة حرب " استقلال اسرائيل " !!
ان اهتمامي بمصير الحزب ، قد يكون من عدم قدرتي على تزوير التاريخ ، كما فعل بعض القومجيين ، ومن رفضي للتطاول على فصيل شكل خشبة الانقاذ للأقلية العربية داخل اسرائيل . وبنفس الوقت انتقادي الحاد ، والحاد جدا ، لبعض الظواهر والتصرفات الشخصية وبعض الطروحات ، لم تكن مواقف عدائية ، بقدر ما كانت التزاما لجامعتي التي اريد أن اراها تشمخ من جديد ، وتتجدد ، وتتغير بما يتوافق مع التحولات الفكرية والدولية والمحلية .
ويؤسفني أن أقول ، ان رؤوس أقلام المؤتمر تضمنت مقولات استنفذت تفسها ، ولم أجد في الحزب تلك القوى القادرة على ارساء نهج التحول والتحديث . ان ما يحتاجه الحزب الشيوعي ليس التكرير الممل للصياغات العتيقة التي تجاوزها التطور ، انما مفكر بمستوى غرامشي ،
يطرح رؤية حداثوية للماركسية ، ولا يتمسك بالصياغات التي قيلت في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية لم تعد قائمة .
لا شك لدي أن من مهام الحزب الشيوعي الاسرائيلي ، نقد تجربته الخاصة والتجربة العامة ( التجربة الاشتراكية ) وان يحدد التحديات الجديدة على الصعيد الاجتماعي والسياسي الداخلي والدولي .وعلى رأس هذه التحديات ، مثلا .. طرح فكرة الدولة الديمقراطيه ، دولة صيانة حقوق الأنسان وحماية حقوق المواطن ، والتخفيف من الغلواء الطبقي ، او تعابير لم تعد قائمة في الواقع الا في بعض المخيلات ، مثل الحديث عن " برلتة "( التحول الى بروليتاريا ) العرب في اسرائيل .
أعزائي ، انتم مقبلون على مؤتمر حاسم وهام ، وساقول بصراحة اين ارى أهميتة ونقاط حسمه ، ولكن لا بد من الاشارة أولا الى ان ظاهرة البروليتايا ، كانت ظاهرة اوروبية لم تنتشر خارج اوروبا ، وترتبط بواقع سياسي واقتصادي اوروبي ، ولم تظهر البروليتاريا مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية ، فكيف الحال بشرقنا الاقطاعي المتخلف صناعيا وعلميا وتقنيا ؟! ووصف العمال بالبروليتاريا يشير الى عجز فكري عن فهم هذه الظاهرة الاقتصادية الأوروبية . والتأكيد الممل في ادبياتكم على الطبقية ، يجب ان يخفف مقابل التأكيد على قضايا المجتمع المدني وحقوق الانسان والحريات والدمقراطية والمساواة الشاملة ودعم الفئات الاجتماعية الضعيفة .
قرأت باهتمام نص المقابلة الطويلة مع السكرتير العام للحزب الشيوعي الاسرائيلي عصام مخول ( الاتحاد 07 – 05 – 28 ) حول المؤتمر الخامس والعشرين للحزب ، المزمع عقده في نهاية هذا الاسبوع .
رغم أهمية المقابلة ، الا انها عامة أيضا ، ولعل سكرتير الحزب عصام مخول ارادها صياغات عامة ، وتهرب من الكلام الملموس ، ووضع اليد على الجرح ، كما يقال ، لكي لا يستبق النقاشات المتوقعة ، وربما الأصح أن أقول الصراعات العاصفة داخل المؤتمر ، والتي بدت ظواهرها بحدة ، في الانتخابات التي أجرتها الفروع لاختيار ممثليها الى المؤتمر ، حيث برز واضحا سيطرة التيار الداعم للحزب على التيار الداعم لعضو في المكتب السياسي ، يشد نحو تهميش الحزب ، بل تقزيم الحزب ، عبر سعية منذ سنوات عدة لتحويل الجبهة الدمقراطية ( الجسم الذي أقامه الحزب ) الى حزب رسمي ، مما يعني أن كل من سيظل مخلصا وعضوا في الحزب ، ليس بامكانه أن يكون عضوا في حزب الجبهة أيضا .. لأن القانون الاسرائيلي يمنع أن يكون المواطن عضوا في حزبين في نفس الوقت .
ان معنى خطوة تحويل الجبهة الى حزب حدوث انقسام واسع في الحزب الشيوعي ، وتنصيب الجبهة بديلا للحزب ، الذي " فات زمانه " !
بحق يذكر عصام مخول في المقابلة ، ان الحزب هو الذي أقام الجبهة ، وهذا معروف للجميع . ولكن مخول يتجاهل الخلفية التاريخية التي قادت الى هذا الوضع ، وهي ضمن المراجعات التي بد من طرحها يوما ما ، اذا اراد الحزب الانطلاق من جديد ، وهذا غير وارد دون مراجعة الأخطاء وتصحيح المسار وانصاف نخبة لم تستطع ان تواصل السير مع حزب لا يحترم قراراته ، وتصاب قيادته بالرعب في مواجهة موقف متقلب لعضو في المكتب السياسي .. وأعني " الانقلاب الذي قام به المرحوم توفيق زياد في مؤتمر انتخاب الجبهة لقائمة مرشحيها للكنيست ( عام 1992 ) ، بالطبع ليس بدون ذعر وانكماش القيادة العاجزة المتبقية ، والتي عمليا كانت بداية التراجع والتفكك والهبوط في مكانة الحزب الشيوعي ، وسيادة الفوضى التنظيمية والفكرية والمالية في مؤسساته ... وما أعقب ذلك من تدهور صحافة الحزب وهبوطها في المستوى الأعلامي والثقافي والمادي ، والتراخي المرضي في التنظيم والتثقيف ، والأهم فقدان الحزب لمميزاته الفكرية والسياسية في الشارع العربي في اسرائيل ( عدد الشيوعيين اليهود صغير جدا وتأثيره في الشارع اليهودي تأثير هامشي تماما ). وأخطر ظاهرة سيادة تقديس الشخصية على حساب تقزيم الحزب .
هل تبقى الجبهة جسما تحالفيا بقيادة الحزب الشيوعي سياسيا وفكريا وتنظيميا ، أم ان الجبهة تصبح هي الجسم السياسي النشيط والبارز ، بينما يذوب الحزب تدريجيا بتآمر من بعض أعضائه ؟!
في المقابلة لم يجدد عصام مخول في الطروحات السياسية والفكرية ، هل الأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل مع موقف " دولتان لشعبين " أم نغمغم ونتأتئ تحت تأثير الحركة الاسلامية ( وربما تأثير حزب الله اللبناني أيضا )وتحت تأثير تيار عزمي بشارة (القابع في قصر لرئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في عمان ) .
هل الشطط والتطرف في الشعارات لا يضعنا في مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية ؟ هل نسينل الموقف البطولي لعصبة التحرر الوطني في فلسطين بقيادة فؤاد نصار واميل توما واميل حبيبي وتوفيق طوبي ، التي أيدت التقسيم ، ام اننا أصبحنا ننحني مع كل ريح وصار صبيان السياسة يؤثرون علينا ؟!
الم تسألوا أنفسكم لماذل ذبل الوهج الفكري والسياسي وتضائل وتراجع الدور الثقافي في الحزب الشيوعي ؟
لا أطرح هذه الأسئلة اسفزازا أو احراجا ، اطرحها بألم للمطالبة باسم التاريخ الطويل والمجيد والصحيح لعلكم تنقضون الغبار وتعودون الى المسار الطبقي الاجتماعي الثقافي ، الذي رسمه ونفذه الرواد الطلائعيين الأبطال ، قبل أن يبدا عهد النقسامات في الحزب ... من انقلاب 1992 وصولا الى الانقلاب الذي يحضر لة رئيس الجبهة ، عضو الكنيست محمد بركة .
شعبنا مصمم على البقاء والتطور في وطنه ، والحياة مع الشعب اليهودي هي حقيقة . رأينا أين أوصلت " قومجية " عزمي بشارة .. اذا كان مقياس قوميتنا هو اختيار المنفى ، فبئس هذه القومية !!
نريد للمؤتمر الخامس والعشرين أن يصون أولا وقبل كل شيء الحزب اطارا تاريخيا وطريقا ، لصالح شعبنا ومستقبلنا ، وهذا يعني دفن التآمر المكشوف والعلني ضد الحزب ن واعادة بروز الحزب سياسيا وجماهيريا ونضاليا وفكريا وثقافيا واجتماعيا . هنا بالضبط يبرز المميز السياسي بين الحزب الشيوعي والأحزاب الأخرى . وهذا ما يعيد للحزب شبابه وحيويته وتفرده السياسي والفكري .
أرى من مهام المؤتمر اعادة البناء على اساس التراث الثوري البطولي ، تراث اميل حبيبي وأميل توما وتوفيق طوبي وسليم القاسم وفؤاد خوري وجمال موسى وعثمان ابو راس ومحمود اغبارية ( ابو العفو ) ومنعم جرجورة وصبحي بلال وغسان حبيب وسهيل نصار وحنا نقارة والقائمة طويلة ... قائمة الأبطال الذين عرفوا الضرب وعرفوا التجويع وعرفوا المعتقلات وعرفوا النفي ، وكانوا يعطون الحزب مالا ولا يسرقون أموال الحزب...
أعيدوا هذا الزخم وهذا التاريخ . لا شيء مستحيل أمام من يملك هذا التراث البطولي .وسوف ترون أن كل المتطاولين على وحدة الحزب ومع مجرد بقاء الحزب ، هم غلمان مشاغبون وفقاعات صابون !!
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني - الناصرة
nabiloudeh@gmail.com
جددوا تراث القادة التاريخيين الأبطال الذين صنعوا هذا تاريخ
من الواقع السياسي للعرب في اسرائيل
لا أنكر ان ما يجري داخل الحزب الشيوعي الاسرائيلي يلفت انتباهي واهتمامي . اذ لايمكن تجاهل مركزية هذا الحزب التاريخية ، في حياة الجماهير العربية في اسرائيل .ومهما كانت اسبابي اليوم في عدم الاستمرار بانتمائي لهذا الحزب ، الا انني لا أنفي ان ثقافتي الفكرية والسياسية والاجتماعية والأدبية ، اكتسبتها بفضل برامج التثقيف والتنوير التي كانت ضمن الرؤية العامة ، وضمن الاهتمامات التي وضعت في رأس سلم الأولويات للقيادات الشيوعية الطليعية .
وكنت قد كتبت سابقا عن دور الطليعة الشيوعية في ارساء وتطوير الثقافة العربية في اسرائيل ، ضمن رؤيتهم للأهمية الاستراتيجية للموضوع الثقافي والتثقيقي في تجاوز حالة الضياع بعد النكبة ، وتشتت شعبنا ، وخطر الضياع الذي احاط ببقية الشعب الفلسطيني الباقي في وطنه .والأهم ، ضمن رؤيتهم الثاقبة لدور الفعل الثقافي ( عبر دمج الثقافي والسياسي ) في الحفاظ على هويتنا ولغتنا وتمسكنا بأرضنا ، واعادة ترابطنا كشعب له حلمه الانساني المشترك ... وخوضنا لنضال بالغ الشراسة والتعقيدات والتضحيات في تلك السنوات السوداء التي أعقبت النكبة ، او "التطهير العرقي "، كما يقول المؤرخ الاسرائيلي ايلي بابه في بحثه الجديد ، الذي يعتبر ادانة للمؤسسة الصهيونية وقادة حرب " استقلال اسرائيل " !!
ان اهتمامي بمصير الحزب ، قد يكون من عدم قدرتي على تزوير التاريخ ، كما فعل بعض القومجيين ، ومن رفضي للتطاول على فصيل شكل خشبة الانقاذ للأقلية العربية داخل اسرائيل . وبنفس الوقت انتقادي الحاد ، والحاد جدا ، لبعض الظواهر والتصرفات الشخصية وبعض الطروحات ، لم تكن مواقف عدائية ، بقدر ما كانت التزاما لجامعتي التي اريد أن اراها تشمخ من جديد ، وتتجدد ، وتتغير بما يتوافق مع التحولات الفكرية والدولية والمحلية .
ويؤسفني أن أقول ، ان رؤوس أقلام المؤتمر تضمنت مقولات استنفذت تفسها ، ولم أجد في الحزب تلك القوى القادرة على ارساء نهج التحول والتحديث . ان ما يحتاجه الحزب الشيوعي ليس التكرير الممل للصياغات العتيقة التي تجاوزها التطور ، انما مفكر بمستوى غرامشي ،
يطرح رؤية حداثوية للماركسية ، ولا يتمسك بالصياغات التي قيلت في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية لم تعد قائمة .
لا شك لدي أن من مهام الحزب الشيوعي الاسرائيلي ، نقد تجربته الخاصة والتجربة العامة ( التجربة الاشتراكية ) وان يحدد التحديات الجديدة على الصعيد الاجتماعي والسياسي الداخلي والدولي .وعلى رأس هذه التحديات ، مثلا .. طرح فكرة الدولة الديمقراطيه ، دولة صيانة حقوق الأنسان وحماية حقوق المواطن ، والتخفيف من الغلواء الطبقي ، او تعابير لم تعد قائمة في الواقع الا في بعض المخيلات ، مثل الحديث عن " برلتة "( التحول الى بروليتاريا ) العرب في اسرائيل .
أعزائي ، انتم مقبلون على مؤتمر حاسم وهام ، وساقول بصراحة اين ارى أهميتة ونقاط حسمه ، ولكن لا بد من الاشارة أولا الى ان ظاهرة البروليتايا ، كانت ظاهرة اوروبية لم تنتشر خارج اوروبا ، وترتبط بواقع سياسي واقتصادي اوروبي ، ولم تظهر البروليتاريا مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية ، فكيف الحال بشرقنا الاقطاعي المتخلف صناعيا وعلميا وتقنيا ؟! ووصف العمال بالبروليتاريا يشير الى عجز فكري عن فهم هذه الظاهرة الاقتصادية الأوروبية . والتأكيد الممل في ادبياتكم على الطبقية ، يجب ان يخفف مقابل التأكيد على قضايا المجتمع المدني وحقوق الانسان والحريات والدمقراطية والمساواة الشاملة ودعم الفئات الاجتماعية الضعيفة .
قرأت باهتمام نص المقابلة الطويلة مع السكرتير العام للحزب الشيوعي الاسرائيلي عصام مخول ( الاتحاد 07 – 05 – 28 ) حول المؤتمر الخامس والعشرين للحزب ، المزمع عقده في نهاية هذا الاسبوع .
رغم أهمية المقابلة ، الا انها عامة أيضا ، ولعل سكرتير الحزب عصام مخول ارادها صياغات عامة ، وتهرب من الكلام الملموس ، ووضع اليد على الجرح ، كما يقال ، لكي لا يستبق النقاشات المتوقعة ، وربما الأصح أن أقول الصراعات العاصفة داخل المؤتمر ، والتي بدت ظواهرها بحدة ، في الانتخابات التي أجرتها الفروع لاختيار ممثليها الى المؤتمر ، حيث برز واضحا سيطرة التيار الداعم للحزب على التيار الداعم لعضو في المكتب السياسي ، يشد نحو تهميش الحزب ، بل تقزيم الحزب ، عبر سعية منذ سنوات عدة لتحويل الجبهة الدمقراطية ( الجسم الذي أقامه الحزب ) الى حزب رسمي ، مما يعني أن كل من سيظل مخلصا وعضوا في الحزب ، ليس بامكانه أن يكون عضوا في حزب الجبهة أيضا .. لأن القانون الاسرائيلي يمنع أن يكون المواطن عضوا في حزبين في نفس الوقت .
ان معنى خطوة تحويل الجبهة الى حزب حدوث انقسام واسع في الحزب الشيوعي ، وتنصيب الجبهة بديلا للحزب ، الذي " فات زمانه " !
بحق يذكر عصام مخول في المقابلة ، ان الحزب هو الذي أقام الجبهة ، وهذا معروف للجميع . ولكن مخول يتجاهل الخلفية التاريخية التي قادت الى هذا الوضع ، وهي ضمن المراجعات التي بد من طرحها يوما ما ، اذا اراد الحزب الانطلاق من جديد ، وهذا غير وارد دون مراجعة الأخطاء وتصحيح المسار وانصاف نخبة لم تستطع ان تواصل السير مع حزب لا يحترم قراراته ، وتصاب قيادته بالرعب في مواجهة موقف متقلب لعضو في المكتب السياسي .. وأعني " الانقلاب الذي قام به المرحوم توفيق زياد في مؤتمر انتخاب الجبهة لقائمة مرشحيها للكنيست ( عام 1992 ) ، بالطبع ليس بدون ذعر وانكماش القيادة العاجزة المتبقية ، والتي عمليا كانت بداية التراجع والتفكك والهبوط في مكانة الحزب الشيوعي ، وسيادة الفوضى التنظيمية والفكرية والمالية في مؤسساته ... وما أعقب ذلك من تدهور صحافة الحزب وهبوطها في المستوى الأعلامي والثقافي والمادي ، والتراخي المرضي في التنظيم والتثقيف ، والأهم فقدان الحزب لمميزاته الفكرية والسياسية في الشارع العربي في اسرائيل ( عدد الشيوعيين اليهود صغير جدا وتأثيره في الشارع اليهودي تأثير هامشي تماما ). وأخطر ظاهرة سيادة تقديس الشخصية على حساب تقزيم الحزب .
هل تبقى الجبهة جسما تحالفيا بقيادة الحزب الشيوعي سياسيا وفكريا وتنظيميا ، أم ان الجبهة تصبح هي الجسم السياسي النشيط والبارز ، بينما يذوب الحزب تدريجيا بتآمر من بعض أعضائه ؟!
في المقابلة لم يجدد عصام مخول في الطروحات السياسية والفكرية ، هل الأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل مع موقف " دولتان لشعبين " أم نغمغم ونتأتئ تحت تأثير الحركة الاسلامية ( وربما تأثير حزب الله اللبناني أيضا )وتحت تأثير تيار عزمي بشارة (القابع في قصر لرئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في عمان ) .
هل الشطط والتطرف في الشعارات لا يضعنا في مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية ؟ هل نسينل الموقف البطولي لعصبة التحرر الوطني في فلسطين بقيادة فؤاد نصار واميل توما واميل حبيبي وتوفيق طوبي ، التي أيدت التقسيم ، ام اننا أصبحنا ننحني مع كل ريح وصار صبيان السياسة يؤثرون علينا ؟!
الم تسألوا أنفسكم لماذل ذبل الوهج الفكري والسياسي وتضائل وتراجع الدور الثقافي في الحزب الشيوعي ؟
لا أطرح هذه الأسئلة اسفزازا أو احراجا ، اطرحها بألم للمطالبة باسم التاريخ الطويل والمجيد والصحيح لعلكم تنقضون الغبار وتعودون الى المسار الطبقي الاجتماعي الثقافي ، الذي رسمه ونفذه الرواد الطلائعيين الأبطال ، قبل أن يبدا عهد النقسامات في الحزب ... من انقلاب 1992 وصولا الى الانقلاب الذي يحضر لة رئيس الجبهة ، عضو الكنيست محمد بركة .
شعبنا مصمم على البقاء والتطور في وطنه ، والحياة مع الشعب اليهودي هي حقيقة . رأينا أين أوصلت " قومجية " عزمي بشارة .. اذا كان مقياس قوميتنا هو اختيار المنفى ، فبئس هذه القومية !!
نريد للمؤتمر الخامس والعشرين أن يصون أولا وقبل كل شيء الحزب اطارا تاريخيا وطريقا ، لصالح شعبنا ومستقبلنا ، وهذا يعني دفن التآمر المكشوف والعلني ضد الحزب ن واعادة بروز الحزب سياسيا وجماهيريا ونضاليا وفكريا وثقافيا واجتماعيا . هنا بالضبط يبرز المميز السياسي بين الحزب الشيوعي والأحزاب الأخرى . وهذا ما يعيد للحزب شبابه وحيويته وتفرده السياسي والفكري .
أرى من مهام المؤتمر اعادة البناء على اساس التراث الثوري البطولي ، تراث اميل حبيبي وأميل توما وتوفيق طوبي وسليم القاسم وفؤاد خوري وجمال موسى وعثمان ابو راس ومحمود اغبارية ( ابو العفو ) ومنعم جرجورة وصبحي بلال وغسان حبيب وسهيل نصار وحنا نقارة والقائمة طويلة ... قائمة الأبطال الذين عرفوا الضرب وعرفوا التجويع وعرفوا المعتقلات وعرفوا النفي ، وكانوا يعطون الحزب مالا ولا يسرقون أموال الحزب...
أعيدوا هذا الزخم وهذا التاريخ . لا شيء مستحيل أمام من يملك هذا التراث البطولي .وسوف ترون أن كل المتطاولين على وحدة الحزب ومع مجرد بقاء الحزب ، هم غلمان مشاغبون وفقاعات صابون !!
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني - الناصرة
nabiloudeh@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق