الأحد، يونيو 01، 2008

المفاوضات السورية الاسرائيلية – أو حقيبة واحدة اسمها الشرق الأوسط

نبيل عودة

لا يمكن النظر للمسار التفاوضي بين سوريا واسرائيل بمعزل عن مجمل الأحداث والتطورات السياسية التي تجري في الشرق الأوسط برمته.. بما في ذلك ما كشفته حرب لبنان الأخيرة ( 2006 ) ، من قدرة الصواريخ ، حتى البدائية منها ، في المفهوم العسكري الحديث ... على نسف الكثير من نظريات ومفاهيم الدفاع وأمن الجبهة الداخلية واساليب الحرب القادمة. ولا شك عندي ان الفكر العسكري عامة ، والاسرائيلي على الخصوص ، قادر على ايجاد الأجوبة للاشكاليات العسكرية الجديدة ، وهذا تدركه سوريا أيضا ... ربما لا يدركه اؤلئك الذين تقاتل الملائكة معهم ، وتوفر لهم درعا للحماية. ولكنه موضوع آخر ...
جنرالات اسرائيليين ، يصفون المفاوضات مع سوريا بأنها ذات اهمية استراتيجية .. رابطين الموضوع بتغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط . وزير الأمن الداخلي آفي ديختر( جنرال متفاعد ) قال : " ان عملية التفاوض بين اسرائيل وسوريا تعتبر خطوة استراتيجية من شأنها تغيير الواقع في الشرق الأوسط ، وأن هذه المفاوضات ستدخل مرحلة عملية في حال يتم طرد قيادات حماس والجهاد الاسلامي من الاراضي السورية ". وبالطبع ربط المفاوضات مع الجهود الاسرائيلية لدفع العالم لضرب ايران ومنعها من الوصول للسلاح النووي .
الجنرال غيورا آيلاند ، رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق نشر مقالا في صحيفة " هآرتس " يطرح فيه رؤيته ( على الأغلب رؤية مخططي استراتيجيات اسرائيل السياسية والعسكرية ) أوضح فيه الوضع بالنسبة لاتفاق سلام ممكن بين سوريا واسرائيل ، بقولة :" أحيانا يمكن لموضوع ما أن يكون هاما بلا قياس وبسيطا في نفس الوقت . " وان الاتفاق يشمل أربع مواضيع يلخصها كالتالي : " الموضوع الاول هو بالطبع تنازل اسرائيلي عن (كل) هضبة الجولان. الثاني هو العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. الثالث هو تعهد سوري بان تواصل اسرائيل تلقي مياه هضبة الجولان. والرابع هو ترتيبات امنية تفترض ان تعوض فقدان الجولان."
لا بد من ملاحظة ان المفاوضات التي تجري برعاية تركيا ، تتضمن حديثا عن انشاء قناة مياه تنقل المياه من الأراضي التركية الى اسرائيل عبر الجولان ، ونكون أغبياء مطلقين اذا لم نعط لموضوع المياه وحيويتها الاستراتيجية لاسرائيل ، قيمة لا تقل أهمية عن استراتيجيات الأمن ، وتسبق بأي مفهوم كان ، مسألة استمرار الاحتلال ، وربما لهذا السبب تجري المفاوضات برعاية تركيا. وأن لا ننسى انه في جذور حرب 1967، كانت قضية المياه ، ومنع سوريا من بناء سد لتحويل جزء من مياه أحد مجاري نهر الأردن الذي يصب في بحيرة طبريا.
ويقر أيلاند في مقاله ان سوريا غير قادرة في التاثير على موضوع النووي الايراني ، ولم يعد بمقدورهم التأثير بقضية حل حزب الله ، بعد اخراجهم من لبنان ، وبأن يكف عن تشكيله تهديدا على اسرائيل . وحتى انه يستهتر بموضوع اخراج قيادات حماس والجهاد من دمشق : " بل الأفضل بقائها هناك اذا كان سلام بين سوريا واسرائيل" – كما كتب .
وكانت الصحف الاسرائيلية قد اشارت الى ان المطلب السوري الأساسي لبدء مفاوضات مباشرة ، هو اقرار اسرائيل بما يسمى " وديعة رابين " التي وضعت لدى الادارة الأمريكية في وقته ، وتعتبر المفتاح للاتفاق بين الدولتين . ويستطيع المراقبون ان يفسروا تصريحات مختلف الشخصيات الاسرائيلية الرسمية وغير الرسمية السابقة من هذا المنظار ، منظار الفهم الاسرائيلي لعدم امكانية التقدم بدون اقرار "وديعة رابين" والتي تشمل حسب المصادر المختلفة انسحابا اسرائيليا شبه كامل من الأراضي السورية ، عدا بضع مئات من الأمتار لمنع وصول سوريا الى مياه بحيرة طبريا . وجدير بالذكر ان موضوع المياه ، واستمرار تدفق المياه من الجولان لاسرائيل هو موضوع تفوق أهميته ، باعين مخططي استراتيجيات اسرائيل العسكرية والأمنية ، من استمرار السيطرة على الأرض في الجولان.
وفي تصريح لوزير البنى التحتية بنيامين بن اليعازر ( وزير دفاع أسبق) للاذاعة الاسرائيلية قال : " ان السلام بين سوريا واسرائيل سيقلب الوضع الاستراتيجي في الشرق الاوسط ،لانه سيعزل ايران ويسكت حزب الله"، واضاف : "نتحدث عن سلام حقيقي، عن نهاية حالة الحرب، عن فتح الحدود واسرائيل مستعدة لدفع الثمن من اجل سلام كهذا وتعايش مع سوريا".
تصريحات رئيس الحكومة ايهود اولمرت لم تقع بعيدا عن الاقرار بأن " اسرائيل ستدفع ثمنا مؤلما للسلام مع سوريا "
شلومو غازيت ، رئيس شعبة الاستخبارات الأسبق يشرح في مقال نشره في صحيفة " معريف " بأن رئيس حكومة اسرائيل الأسبق ليفي أشكول اقترح عن طريق واشنطن ، مباشرة بعد حرب حزيران 1967 معاهدة سلام بين سوريا واسرائيل على اساس الحدود الانتدابية ، وعمليا " وديعة رابين " لا تختلف كثيرا في خطوطها العريضة ،عن اقتراحات أشكول في وقته ، وهي تشمل العودة الى الحدود الانتدابية ، أي ابعاد سوريا عن بحيرة طبريا ( قضية المياه ) ، وترتيبات أمنية لاسرائيل .
تصريح قائد الأركان السابق دان حالوتس ملفتة للنظر أيضا باقراره ان اسرائيل قادرة على الحياة بدون الجولان .
هناك تساؤلات لا يمكن فصلها عن مجرى ما يدور في الكواليس المغلقة بين سوريا واسرائيل تنعكس ، وانعكست بالتأكيد على أحداث الأسابيع الأخيرة المتوترة في لبنان خاصة.
فقط أعمى البصر والبصيرة لا يرى ان جزءا كبيرا من "انهاء" الأزمة اللبنانية ، مرحليا على الأقل ، ووقف مشروع حزب الله السياسي في لبنان ، لا يتعلق بحسابات الحزب السياسية أو حسابات أوامر الفقيه في قم الايرانية ، انما بما يجري بين سوريا واسرائيل .. والموقف الأمريكي والدولي والاسرائيلي ، بعضة كان واضحا بشكل رمزي ، بتحرك قطعة الاسطول الأمريكية ، وبعضه مخفي جزئيا أو بشكل كامل عبر التحركات الاسرائيلية والعربية ومختلف الدول ذات المصالح في لبنان ، وكان واضحا لسوريا أن الجولان أقرب لها من اعادة سيطرتها على لبنان، حتى لو كانت تفضل لبنان لما يحوية من قدرات اقتصادية .. وان أي تعويق في المباشرة بالمفاوضات يعني خسارة ورقتي الرهان ، والبقاء في ملعب مغامرة حزب الله ، السياسية - العسكرية التي وصلت الى باب مغلق ، استمرارها كان يعني دفع المنطقة لسانومي من ردود الفعل العسكرية ، لا يمكن معرفة حجم دمارها المدني والسياسي والعسكري على أنظمة المنطقة وشعوبها العربية بالأساس ، وهذا ردع النظام السوري الذي رأى ان حساباته في هذه المرحلة ، حول لبنان ، غير قابلة للانجاز ، وانه من الغباء الدخول في مغامرة سياسية في لبنان تحت عباءة حسن نصرالله الالهية ، قد تعرض النظام السوري نفسه لضربات قاتلة .
اذن ليس بالصدفة ان بدأت المفاوضات السورية الاسرائيلية اتضحت مساراتها في مرحلة بالغة الخطورة من الأزمة اللبنانية ، وكان من مصلحة اسرائيل وأمريكا عزل سوريا عن الأزمة اللبنانية، وعن امكانيات عسكرية قد ينفذها احد الجانبين ( الاسرائيلي أو الامريكي ) منفردا ، أو بمشاركة قوى أخرى مختلفة، اذا توهم حزب الله ان الظروف باتت مواتية لانجاز مشروعة. وهذا اتضح في اللحظات الحرجة الأخيرة من الأزمة اللبنانية . لا لم يكن اتفاقا بقدر ما كان تراجعا سوريا مقابل فرصة ذهبية لانجاز اعادة الجولان . وكان لا بد للنظام السوري بأن يفضل الجولان عن لبنان ، ليس نهاية لأطماع سوريا التاريخية في لبنان ، فحتى اليوم لم تقم علاقات دبلوماسية بين الدولتين وما زالت سوريا ترى بلبنان امتدادا جغرافيا وسياسيا سوريا .
وبالطبع تطمح سوريا بان تفتح امامها الطريق للخروج من وضع دولة ارهابية معزولة دوليا ، تخضع لمحور ارهابي ،اذ ليس في صالحها دوليا ، البقاء داخله ، رغم استهتارها المعلن حوله ، لذلك كل تصريحات النظام حول الحفاظ على ارتباطه مع ايران يمكن فهمه باطار موقف افتتاحي له قيمة استراتيجية هامة في المفاوضات مع اسرائيل ، لا بد من ثمن مناسب بأهميته يعوض النظام عن هذه العلاقات ، ويوفر له اسبابا بديلة وحيوية للحياة ، ثمنا للابتعاد عن نظام تحكمة عقلية غيبية مغامرة .
لا اخالف رأي بعض المحللين السياسيين العرب والأجانب بأن حزب الله ارتكب خطأه المميت ، حين حول "سلاح المقاومة" ، الذي كسب حوله اجماع نسبي واسع ، الى سلاح سياسي ، فئوي ، طائفي مقيت.
من هنا أيضا يمكن فهم اصرار سوريا على حضانة امريكية للاتفاق مع اسرائيل ، ليس فقط لأن " وديعة رابين " ضمن المحفوظات الأمريكية ... انما ، كما ذكرنا... لاخراج سوريا من دائرة " دول الارهاب" الأمريكية ، التي لا " تقلق " أبطالنا من بعض القومجين العرب ، ومنح سوريا اعتمادات وضمانات أمريكية ، تعطي للنظام السوري اوكسجينا حيويا لبقائه ، امام الاشكاليات القاتلة التي يواجهها على كل المستويات.
انا متمسك برأي يقول ان المفاوضات السورية الاسرائيلية وما يكون قد توصل اليه الطرفان ، هو وراء انهاء الأزمة اللبنانية في هذه المرحلة ، ورغم ما يظهر من تراجع في موقف الحكومة اللبنانية ، الا ان المقرر في النهاية هو انتهاء التلاعب بانتخاب الرئيس اللبناني ، وهو انجاز للشرعية اللبنانية في المقام الأول ، وشرعية حكومة فؤاد السنيورة السابقة واللاحقة، مما يجعل تشكيك حزب الله واتهاماته لها بالعمالة ،ضربا من الثرثرة ، ولكنه أضحى موضوعا جانبيا بالنسبة لما يدور في الكواليس التركية بين اسرائيل وسوريا.
ان عدم دخول الولايات المتحدة كطرف ضامن حتى الآن هو رهن باستراتيجية المفاوضات الاسرائيلية ، من فهمها للأهمية التي تبنيها سوريا على الرعاية الأمريكية وضماناتها. وبعد الوصول الى صيغة اتفاق ، سنرى ان واشنطن ستصبح الأب الشرعي الذي يوقع الاتفاق برعايته.
سنسمع تصريحات كثيرة متناقضة ، من اسرائيل ومن سوريا ، ولكن ما اراه ان اسرائيل تملك حسابا استراتيجيا متكاملا ، يشمل بالتأكيد اخراج سوريا من مواجهة محتملة مع حزب الله وربما مع ايران . ويشمل المسائل الاستراتيجية الحيوية لاسرائيل بما يتعلق بالمياه وبدائل أمنية عن الانسحاب من الجولان ، وتشمل ضمان أمن الجبهة الداخلية الاسرائيلية من القدرة التدميرية للصواريخ السورية اذا تواصل التوتر القائم وعدم وضوح مصير احتلال اسرائيل للجولان . ممنوع التغاضي عن هذه النقطة أيضا . وبالطبع هناك أهمية عظمى لاسرائيل في تقزيم حزب الله عبر سد احدى منافذ السلاح واللوجستيكا ، ومصدر اوكسجين هام في استمرار عربدة الحزب في لبنان . وهذا لا يعني ان معارضة حزب الله هو دعم لاسرائيل وسياستها ، أو للرؤية السياسية الأمريكية للشرق الأوسط ، فقط غير القادرين على رؤية الصورة الشاملة ، يتوهمون ان حزب الله وسلاحه هما حقا في سبيل مقاومة الاحتلال ... بينا حقيقة ما كشفته الأحداث الأخير دفن الوهم وأظهر ان للحزب مشروعه السياسي الذي يتجاوز الشرعية اللبنانية واستقلال لبنان وأمنه وتطوره.

نبيل عودة – كاتب واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات: