د. أفنان القاسم
باريس
نحو مؤتمر بال فلسطيني (4)
يدشن الأستاذ نافز علوان القلم الذكي مقالاته وقد غدا سكرتير تحرير "باريس القدس" بورقة عن مؤتمر بال حديث الساعة وحدثها، ويطرح بشأنه العديد من التساؤلات العميقة التي تحتاج مني إلى أجوبة السياسي والأديب معا كما ينعتني بلطفه وحبه، وهذه كانت حال فيكتور هيغو في كل معاركه السياسية، وحال طه حسين، وحال ناعوم شومسكي، والأقرب إلينا جميعا حال إدوارد سعيد، ولأبدأ مما كان يدعو إليه هذا الأخير عن الدولة الواحدة ذات الهويتين، دولة طوباوية لن يمكن لها القيام لأسباب هي بالأحرى خصائص تاريخية وإناسية ووجودية يتشبث بها كل طرف من الطرفين، وأنا في خطتي للسلام التي تم نشرها في كتاب منذ خمس سنوات، أعي تماما الكيانية والاستقلالية والخصوصية التي تصل أحيانا في ظرفنا العدائي الراهن إلى حد الشوفينية بل العنصرية للفردين الإسرائيلي والفلسطيني، لهذا تجدني أنادي بدولتين كل منهما دولة بأتم معنى الكلمة العصرية لدولة، يجمعهما اتحاد، وليس هذا لأن رؤيا سقطت علي وأنا نائم فألهمتني بذلك، ولكن لأن الشروط الموضوعية اليوم ليسها منذ العام 67 والنظرة الفلسطينية والإسرائيلية إلى الصراع هي غيرها، والاتحاد بين الدولتين بالتالي هو ابن الواقع الحالي ومن دونه لن يكون لإسرائيل مستقبل على الرغم من قوتها العسكرية التي تعمي الأعين الغبية لحكامها وتزيد من عنجهيتهم وغطرستهم، وكذلك لن يكون لفلسطين دولة قابلة للعيش على الرغم من أموال الدول المانحة وكل أموال العالم. فالاتحاد بين الدولتين المستقلتين هو الضامن لهذا الاستقلال وهو الضامن للهوية المستقلة وهو الضامن لرخاء الفرد وهو الضامن لأمن الواحد والآخر، وليس للأمن فقط بل وللقيلولة في النهارات الساخنة وللعسل في خلايا النحل وللندى على شفاه الورد بمعنى للحياة، فهم أكثر منا عذابا في الليل، وعندما يتركون أطفالهم على أبواب المدارس، وعندما ينظرون إلى البحر، إنهم لا يعيشون. ولكي يعيش الجميع دون احتلال لأرضنا وإنساننا وإنسانهم الإتحاد هو الحل (أنقر على العنوان لقراءة باقي المقال).
ولأني أعي في الإتحاد خطرا يهدد الدول العربية ونحن لا نريد أن نهدد أحدا ارتأيت قيام اتحاد مع الإتحاد يجمع الدول العربية أسميته "الإتحاد المشرقي" على شاكلة الإتحاد الأوروبي، وبعد دراستي لبنيته الوحدوية التدريجية رأيت أن يبدأ ما بين فلسطين وإسرائيل والأردن والسعودية، وفي هذه البداية قوة اقتصادية وديمغرافية وجغرافية، ولن يمنع الاتحاد المشرقي فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول الغرب من الانضمام إلى جانب شعوب الاتحاد ولأول مرة في التاريخ الحديث، للرفع من مستوى حياتهم وتقدمهم، فيدخلون عالم التحضر والتقدم من بابه الواسع كما جرى مع إسبانبا والبرتغال عند دخولهما الإتحاد الأوروبي، وكما سيجري مع دول أوروبا الشرقية الاتحاد السوفييتي سابقا.
لهذا على الدول العربية بأنظمتها وعلى علاتها ألا تخشى قيام الإتحاد الفلسطيني الإسرائيلي، فالاتحاد ليس ضدها بل هو مع دخولها فيه، وهو مفتوح لها كقوة اقتصادية وكقوة سياسية. وأنا كل ما أريده هو أن أمحو وصمة عار في جبين الأمة العربية، وأعيد لها مجدها.
وفيما يخص رؤوس الأموال الفلسطينية التي ستمول المؤتمر فقد تم الاتصال ببعض أصحابها وهي لن تطالب بغير تمويل المؤتمر ليخرج إلى النور إلى أن يحقق الهدف الذي قام من أجله، فالأموال هذه يمكنها أن تساهم في تحقيق قيام الدولة ولا يمكنها أن تنفق على الدولة بعد قيامها، وعلى كل حال لن نطالبها بذلك بعد أن نربط مصير الدولة بمصير الإتحادين. التضحية التي يتكلم عنها الأستاذ نافز في هذا الصدد لهي تضحية واجبة، إذ على الفلسطيني الثري أن يقوم بدوره التاريخي مثل الفلسطيني العادي، أما عني فليطمئن "أعدائي"، تاريخي الأدبي يحميني، وفرنسا ليست الصومال، ثم أنا لست هنا لأخذ منصب أحد، لأن الديمقراطية كما أفهمها لا تعني طرد الذين أختلف معهم سياسيا من مناصبهم، فليعلم عباس الذي قيل لي إنه يقرأ كل مقالاتي إني لست بآخذ لمنصبه ولا لمنصب الجبور أو دحمان أو هنية أو أي واحد آخر غيرهم، وأنا إن أخذت منهم شيئا فالتنازلات والخضوع والخنوع والاستسلام والغباء المذهبي وغير المذهبي. إذن إذا كان مؤتمر بال يعتبر رديفا لشيء فهو رديف لوضع قائم وطريق مسدود بسبب اتفاق أوسلو وهو لن يكون رديفا ولا بديلا لاتفاق أوسلو، إنه هنا من أجل هدف واحد أوحد: قيام الدولة الفلسطينية، وهو كدينامية لا يحتاج إلى سنين وسنين من طحن الفكرة وعجنها، أو إلى أجيال وأجيال من الفكر الفلسطيني كما يقول الأستاذ نافز، لأنه ما أن يبدأ بحضور أكبر عدد ممكن من مثقفي فلسطين وإسرائيل والعالم حتى يجر الجميع في حضنه، ويفرض نفسه على الجميع. خاصة وأن المؤتمر لن ينتهي بانتهائه، فهو لجان ستعمل فيما بعد، وبرنامج تأسيس للدولة، وأحزاب ستولد على الأرض إلى جانب كل التيارات الأخرى السياسية والمذهبية، ولن يكون تعدد الفكر عقبة بل خاصة من خواص بناء الدولة الحديثة كما هو الحال في الغرب وعنصرا أساسيا في بنيتها التشريعية والدستورية.
* انتظر ترجمة الخطة قريبا.
أفنان القاسم
أستاذ سابق في جامعة السوربون والجامعات المغربية والأردنية
أديب ومفكر فلسطيني
www.parisjerusalem.net
يدشن الأستاذ نافز علوان القلم الذكي مقالاته وقد غدا سكرتير تحرير "باريس القدس" بورقة عن مؤتمر بال حديث الساعة وحدثها، ويطرح بشأنه العديد من التساؤلات العميقة التي تحتاج مني إلى أجوبة السياسي والأديب معا كما ينعتني بلطفه وحبه، وهذه كانت حال فيكتور هيغو في كل معاركه السياسية، وحال طه حسين، وحال ناعوم شومسكي، والأقرب إلينا جميعا حال إدوارد سعيد، ولأبدأ مما كان يدعو إليه هذا الأخير عن الدولة الواحدة ذات الهويتين، دولة طوباوية لن يمكن لها القيام لأسباب هي بالأحرى خصائص تاريخية وإناسية ووجودية يتشبث بها كل طرف من الطرفين، وأنا في خطتي للسلام التي تم نشرها في كتاب منذ خمس سنوات، أعي تماما الكيانية والاستقلالية والخصوصية التي تصل أحيانا في ظرفنا العدائي الراهن إلى حد الشوفينية بل العنصرية للفردين الإسرائيلي والفلسطيني، لهذا تجدني أنادي بدولتين كل منهما دولة بأتم معنى الكلمة العصرية لدولة، يجمعهما اتحاد، وليس هذا لأن رؤيا سقطت علي وأنا نائم فألهمتني بذلك، ولكن لأن الشروط الموضوعية اليوم ليسها منذ العام 67 والنظرة الفلسطينية والإسرائيلية إلى الصراع هي غيرها، والاتحاد بين الدولتين بالتالي هو ابن الواقع الحالي ومن دونه لن يكون لإسرائيل مستقبل على الرغم من قوتها العسكرية التي تعمي الأعين الغبية لحكامها وتزيد من عنجهيتهم وغطرستهم، وكذلك لن يكون لفلسطين دولة قابلة للعيش على الرغم من أموال الدول المانحة وكل أموال العالم. فالاتحاد بين الدولتين المستقلتين هو الضامن لهذا الاستقلال وهو الضامن للهوية المستقلة وهو الضامن لرخاء الفرد وهو الضامن لأمن الواحد والآخر، وليس للأمن فقط بل وللقيلولة في النهارات الساخنة وللعسل في خلايا النحل وللندى على شفاه الورد بمعنى للحياة، فهم أكثر منا عذابا في الليل، وعندما يتركون أطفالهم على أبواب المدارس، وعندما ينظرون إلى البحر، إنهم لا يعيشون. ولكي يعيش الجميع دون احتلال لأرضنا وإنساننا وإنسانهم الإتحاد هو الحل (أنقر على العنوان لقراءة باقي المقال).
ولأني أعي في الإتحاد خطرا يهدد الدول العربية ونحن لا نريد أن نهدد أحدا ارتأيت قيام اتحاد مع الإتحاد يجمع الدول العربية أسميته "الإتحاد المشرقي" على شاكلة الإتحاد الأوروبي، وبعد دراستي لبنيته الوحدوية التدريجية رأيت أن يبدأ ما بين فلسطين وإسرائيل والأردن والسعودية، وفي هذه البداية قوة اقتصادية وديمغرافية وجغرافية، ولن يمنع الاتحاد المشرقي فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول الغرب من الانضمام إلى جانب شعوب الاتحاد ولأول مرة في التاريخ الحديث، للرفع من مستوى حياتهم وتقدمهم، فيدخلون عالم التحضر والتقدم من بابه الواسع كما جرى مع إسبانبا والبرتغال عند دخولهما الإتحاد الأوروبي، وكما سيجري مع دول أوروبا الشرقية الاتحاد السوفييتي سابقا.
لهذا على الدول العربية بأنظمتها وعلى علاتها ألا تخشى قيام الإتحاد الفلسطيني الإسرائيلي، فالاتحاد ليس ضدها بل هو مع دخولها فيه، وهو مفتوح لها كقوة اقتصادية وكقوة سياسية. وأنا كل ما أريده هو أن أمحو وصمة عار في جبين الأمة العربية، وأعيد لها مجدها.
وفيما يخص رؤوس الأموال الفلسطينية التي ستمول المؤتمر فقد تم الاتصال ببعض أصحابها وهي لن تطالب بغير تمويل المؤتمر ليخرج إلى النور إلى أن يحقق الهدف الذي قام من أجله، فالأموال هذه يمكنها أن تساهم في تحقيق قيام الدولة ولا يمكنها أن تنفق على الدولة بعد قيامها، وعلى كل حال لن نطالبها بذلك بعد أن نربط مصير الدولة بمصير الإتحادين. التضحية التي يتكلم عنها الأستاذ نافز في هذا الصدد لهي تضحية واجبة، إذ على الفلسطيني الثري أن يقوم بدوره التاريخي مثل الفلسطيني العادي، أما عني فليطمئن "أعدائي"، تاريخي الأدبي يحميني، وفرنسا ليست الصومال، ثم أنا لست هنا لأخذ منصب أحد، لأن الديمقراطية كما أفهمها لا تعني طرد الذين أختلف معهم سياسيا من مناصبهم، فليعلم عباس الذي قيل لي إنه يقرأ كل مقالاتي إني لست بآخذ لمنصبه ولا لمنصب الجبور أو دحمان أو هنية أو أي واحد آخر غيرهم، وأنا إن أخذت منهم شيئا فالتنازلات والخضوع والخنوع والاستسلام والغباء المذهبي وغير المذهبي. إذن إذا كان مؤتمر بال يعتبر رديفا لشيء فهو رديف لوضع قائم وطريق مسدود بسبب اتفاق أوسلو وهو لن يكون رديفا ولا بديلا لاتفاق أوسلو، إنه هنا من أجل هدف واحد أوحد: قيام الدولة الفلسطينية، وهو كدينامية لا يحتاج إلى سنين وسنين من طحن الفكرة وعجنها، أو إلى أجيال وأجيال من الفكر الفلسطيني كما يقول الأستاذ نافز، لأنه ما أن يبدأ بحضور أكبر عدد ممكن من مثقفي فلسطين وإسرائيل والعالم حتى يجر الجميع في حضنه، ويفرض نفسه على الجميع. خاصة وأن المؤتمر لن ينتهي بانتهائه، فهو لجان ستعمل فيما بعد، وبرنامج تأسيس للدولة، وأحزاب ستولد على الأرض إلى جانب كل التيارات الأخرى السياسية والمذهبية، ولن يكون تعدد الفكر عقبة بل خاصة من خواص بناء الدولة الحديثة كما هو الحال في الغرب وعنصرا أساسيا في بنيتها التشريعية والدستورية.
* انتظر ترجمة الخطة قريبا.
أفنان القاسم
أستاذ سابق في جامعة السوربون والجامعات المغربية والأردنية
أديب ومفكر فلسطيني
www.parisjerusalem.net
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق