سعيد علم الدين
ما وراء هذه الحفاوة الفاقعة باستقبال ميشال عون؟
وهل هذه الحفاوة الرئاسية المبالغ فيها جدا إلى حد الإسفاف في استقبال ميشال عون في دمشق: طبيعية أم فولكلورية؟
أم أن هناك أسبابا مخفية، كعادة كل الأنظمة الشمولية الدكتاتورية كالنظام السوري في تهريجاته المفبركة، ومظاهراته المبرمجة، وممانعاته المستهلكة، وشعاراته المهترئة، ومهرجاناته المبرقعة، ومبالغاته الفاقعة، وبهوراته السياسية، والتي أغدقها كلها على ميشال عون دفعةً واحدةً. فغدا الأخير في دمشق وكأنه صلاح الدين العوني في قصة صراع انقلب عشقاً وغراما مع "قلب الأسد" ريشار او بشار:
راكبا درجة اولى في فخامة طائرته الرئاسية،
محلقا فوق عنجر "رستم غزالي" ومآثره المخابراتية ومقابره الجماعية،
عابرا فوق الحدود اللبنانية دون التفاتة الى معسكرات قوسايا وحلوى وينطا ودير العشاير المحتلة من قبل المنظمات الفلسطينية السورية، سائرا برأس مقطوع على السجادة الحمراء المغمسة بدماء المخطوفين والمفقودين من اللبنانيين وشهداء الجيش في مواجهة جحافل حافظ الوحشية، حيث شريعة الغاب، الأسير يرمى بالرصاص في الرأس دون محاكمة وحساب، ودون اعتبار لقوانين الحرب العسكرية،
ولابسا العباءة البعثية على الجثة العونية.
وهل لبس العباءة الدمشقية مقياس لعروبة عون الحقيقية،
أم لبيعته لنظام آل أسد الوراثي، واخلاصه لحكمهم المخابراتي، وانبطاحه امام بطش قبضتهم الدموية؟
وماذا عما نشرته صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية تحت خانة "أسرار لو فيغارو" بعنوان: "عندما كان الجنرال عون يلتقي الموساد في باريس".
مؤكدة أنه "التقى مرات عدة ممثلين للموساد الإسرائيلي في باريس، خلال منفاه في فرنسا بين العامين 1991 و2005".
الظاهر أن علاقات عون الوطيدة الموسادية ستساهم في رفع مرتبته في نظام الممانعة البشارية. واستغلال علاقاته هذه لمصلحة الكرسي والمفاوضات من تحت وفوق الطاولة التركية. وعون أبدا ليس منتج إسرائيلي، بل كان يضحك على الموساد الساذجين.
يقول نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم "ان خيار العماد عون هو خيار استراتيجي وليس مجرد زيارة عادية أو بروتوكولية، وهو يشق طريقا سيؤثر على التحالفات ومعالم القوى في المنطقة، وعلى بناء لبنان المستقبل".
من يستمع الى هذا الكلام الاستراتيجي المهذار، من فم الشيخ نعيم قاسم الهزار، يعتقد ان ميشال عون هو اوباما الشرق الجبار، القادم لتغيير "معالم القوى في المنطقة"، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين معززين مكرمين الى الديار، تحت راية البطل سمير القنطار، وهدم الجدار العنصري العازل في فلسطين بقبضته الشمشونية، ونفي اولمرت وليفني وباراك ونتنياهو وبيريس بالشختورة الى ما وراء البحار.
كلمة كبيرة يا شيخ نعيم وفضفاضة جدا على عون الختيار رئيس تكتل المفلسين!
هل تريد من خلالها يا شيخ نعيم إحياء عظام عون السياسية من الرميم: المهشمة شعبيا، والمحطمة مسيحيا، والمكسَّرة وطنيا؟ ولن تقدر!
فالقرار الاستراتيجي الوحيد هو فقط قرار الناخب اللبناني، الذي يعرف حق المعرفة من ضحى من اجل تحرره من نير النظام المخابراتي السوري وقدم الشهداء من اجل استقلال ومستقبل لبنان، ومن باع مبادئه وسيادة واستقلال ومستقبل بلاده بالملاليم، هاربا الى السفارة الفرنسية تاركا الرفاق والحريم، وعائدا مطيعا الى العباءة البعثية كاليتيم.
ومن هو ميشال عون أصلا ؟
هل هو بطريرك السياسة اللبنانية المميز؟
وهو كان قد أعلن نفسه يوما. الا ان احدا من زعماء لبنان والموارنة الكبار لم يزره ولم يأخذ إعلانه الفوقي الاستكباري بعين الاعتبار. واستَقْبَلَ يومها في الرابية بعض الصغار من الصفوف الدنيا والثانوية في السياسة اللبنانية وجماعة شكرا بشار: كقنديل وسكاف ووهاب وغصن ورعد ومنصور وميشال سماحة ماسك الدفاتر وفاتح الأبواب وغيرهم.
أم هل هو زعيم مسيحيي الشرق ولبنان الأوحد؟
وطاولة الحوار الوطني أعطت الأحجام الحقيقية للقوى السياسية اللبنانية: فعلى الصعيد الماروني هو واحد من خمسة، وعلى الصعيد المسيحي هو واحد من ثمانية، وعلى الصعيد الوطني اللبناني العام هو واحد من أربعة عشر زعيما.
فلماذا اذا كل هذه الهمروجة البعثية السورية في استقبال زعيم أقل من عادي؟ حتى ان عون ومنذ اكثر من ثلاث سنوات عاجز عن تنظيم مؤتمر جماهيري واسع وشعبي حاشد لافت للنظر ك"القوات" او "الكتائب" اللبنانية!
وهل استعاد ميشال عون مزارع شبعا وقلعة بشامون، واعاد لسوريا بضربة ديغول الجولان مع شواطئ طبرية واسكندرون، ليتم له هذا الاستقبال التاريخي الحافل واللافت للعيون كما وصفته بثينة والمعلم وباقي المطبلين على طبل بشار أبو العونيين الحنون.
ولهذا فحسب ما نرى تكمن الاسباب الحقيقية وراء استقبال عون بهذه الحفاوة الفاقعة والمبالغ فيها بالأمور التالية:
1- هي دليل على حالة الانعزال الخانقة التي ما زال يعيشها بشار الاسد شخصيا ويعانيها نظامه المفلس، رغم الانفتاح الفرنسي عليه. والمفلسون للمفلسين!
ولهذا فهو يفرح في قرارة نفسه ويشعر بمنتهى السعادة الفاقعة، لأي ثقب أو ثغرة أو شباك يطل منه على العالم الغربي وبالأخص الأمريكي المسيحي إعلاميا. فكيف اذا كان ضيفه أحد القادة المسيحيين اللبنانيين الذي كان له تاريخيا صولة وجولة في الكونغرس الأمريكي وقرار محاسبة سوريا. وهو هذا صاحب الصولة والجولة يذهب الآن تائبا الى سوريا على ما اقترفته يداه في الكونغرس بحقها.
بهذه الحركة الكاريكاتورية المبالغ فيها من قبل بشار تجاه عون، يريد من خلالها أن يقول للرأي العام الأمريكي ان قرار محاسبة سوريا كان خطئاً سياسيا فادحاً، ومجحفاً ظالما، يجب التراجع عنه، كيف لا وهذا صاحبه ميشال عون قد تراجع عنه وتاب، طالبا السماح والغفران من طاغية الشام صاحب باب الإرهاب.
2- تأتي هذه الحفاوة الرئاسية المبالغ فيها أيضا كتعويض لعون على فشل بشار الذريع في فرضه رئيسا دمية للجمهورية اللبنانية على شاكلة لحود. والدليل على ذلك أن الزياره اخترقت البروتوكالات وفاقت بكثير استقبال بشار لرئيس الجمهورية ميشال سليمان.
وكأن بشار يقول لعون انت رئيس الجمهورية الحقيقي للبنان. وأنت من سيأتي قريبا بهمة سوريا بشار رئيسا على محافظة لبنان.
3- وتأتي الحفاوة أيضا كمكافاة سخية من بشار لعون على تعطيله الانتخابات الرئاسية لاكثر من 7 اشهر مسببا بذلك فراغا دستوريا خطيرا وانقساما مدمراً وحربا اهلية فجرتها جماعة شكرا سوريا في 7 ايار باحتلال بيروت وضرب الجبل خدمة لسياسات المحور الإيراني السوري، وامتصتها بحكمة قوى 14 اذار السيادية حفاظا على السلم الأهلي في لبنان. حيث ان اتفاق الدوحة، الذي ادى الى انتخاب الرئيس سليمان ما كان ليمر، لولا موافقة سوريا وايران عليه.
ومن هنا تأتي حفاوة استقبال بشار لعون كإحدى الفواتير التي يدفعها النظام السوري ثمنا لخدمات عون المطيع والمدافع عن النظام وفي كل الأحوال والحالات، وحتى أن شاكر العبسي هبط الى لبنان بالبراشوت ولم يأت من سوريا ولم يخرج بعفو رئاسي من بشار لخراب لبنان.
4- مكافأة أخرى من بشار لعون الذي استطاع بمواقفه الانقلابية مدعوما بكتلته النيابية على عرقلة نجاح ثورة الارز بقيام الدولة السيدة الحرة المستقلة الديمقراطية، بل واستطاع مع حزب الله وجماعة 8 اذار تشويه هذه الديمقراطية لمصلحة الانظمة الشمولية كسوريا وايران. وسيعمل بعد الانتخابات القادمة على تشويه الديمقراطية اللبنانية. وكما بشرنا مسؤول العلاقات الدولية في دويلة "حزب الله" نواف الموسوي عن تأييده تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان في حال فوز الحزب وحلفائه بالأكثرية في الانتخابات التشريعية المقررة في 2009"، وقال في حديث إلى "وكالة الصحافة الفرنسية": "أياً يكن شكل النتائج، أيا يكن الفائز في الانتخابات، لبنان محكوم بالتوافق".
هذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلا. لأنه يشوه مسبقا قرار الناخب اللبناني ويلتف على نتيجة الانتخابات لتشويه اللعبة الديمقراطية. التي تنتج أكثرية لتحكم البلد واقلية لتنتقد بالكلمة وتعارض بالوسائل السلمية الديمقراطية المشروعة وليس الإرهابية التخريبية.
قول موسوي هو ترديد لما كان نصر الله قد قاله وهو يدل على محاولة الهروب الى الأمام من نتيجة الانتخابات.
على قوى 14 اذار ان ترفض هذا المنطق اللاديمقراطي وتطالب بأن تتم اللعبة الديمقراطية بسلام ونزاهة تحت المظلة الدولية من مراقبين ومشرفين. واذا حصل حزب الله وجماعة شكرا سوريا ومعهم عون السوري على الاكثرية فمبروك عليهم حكم لبنان، ليتم محاصرته برا وبحرا وجوا كغزة المنكوبة وشعبها الذي انتخب جلاديه وهو يعض اليوم أصابع الندم!
الجمعة، ديسمبر 05، 2008
العباءة البعثية على الجثة العونية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليقان (2):
الجنرال عون أرزة جذورها ضاربة في الارض ورأسها يعانق السماء .....حماه المسيح
خدام وعبد اللات وابنه الحميري هم من يدفعون لكتاب هكذا مقالات.... لعن الله المفسدين في الارض
إرسال تعليق