سعيد علم الدين
عادة الفرسان ان تترجل عن صهوة جوادها او ترحل، اما الشهيد جبران تويني فلقد مرت ثلاث سنوات على استشهاده، وما زال ممتطيا صهوة جواده، وسيظل فارسا للأجيال القادمة وبيدها قلمُهُ ونبراسُهُ.
وبما أن الكلامَ شرفُ الرجال، فما كان من جبران، إلا أن عمده بدمائه، خالداً إلى الأبد في الضمير الوطني والوجدان، مردِّدا مع الأحرار في لبنان وفي الشرق وفي كل مكان:
لا يسلمُ شرفُ الكلامِ الحرِّ من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
فالكلمةُ الحرةُ الأبيةُ هي:
- ثورةٌ فكريةٌ على الظلم والعبودية تنتفضُ معها حروف الأبجدية.
- تفان وعطاء في سبيل قضية وليست فقط صف كلمات لغوية.
- فعل إيمان بعقيدة أو فكرة أو فلسفة أو مبدأ سياسي او اجتماعي او ديني او وطني مميز، يعبر عنه الإنسان بالموقف الصلب، الذي يصل بصاحبه احيانا الى حد الزج بالسجن، او التضحية بالروح من اجل اعلاء كلمته التي يؤمن بها، ويصبح عنده آنئذ قرار المواجهة، بالسجن أو النفي او التضحية حتى بالروح اسهل عليه من قرار التراجع عن كلمته او الفرار منها بالانقلاب جبناً عليها.
وإلا فكيف سيكون الكلامُ شرفَ الرجال والنساء أيضا؟
ومنهن الكثيرات كالسيدة الشهيدة الحية مي شدياق، ووزيرة حكومة الاستقلال الثاني السيدة نايلة معوض، ومنهن ايضا من يقبع اليوم في سجون النظام السوري بسبب مواقفهن السياسية الحرة كالسيدة د. فداء حوراني وغيرها من حرائر سوريا، اللواتي يتعرضن لأبشع أنواع الاضطهاد في نظام أعلن الحرب على الكلمة، والسلام مع العدو الإسرائيلي، والتحالف مع فجار الفساد وأهل الاستبداد.
لا نريد أن نذهب بعيداً لتقديم أمثلة شامخة يختزنها التراث الإنساني والتاريخ المسيحي والإسلامي المليء بشواهد لا تحصى من هذا القبيل، بل سنبقى في لبناننا الذي يعتبر اليوم نموذجا إنسانياً حيا، ومثالا عالميا صارخا على تقديم أحراره الشجعان شرف الكلمة على ما عداها معمدة بدمائهم الزكية بسبب مواقفهم السياسية الوطنية السيادية الديمقراطية الرافضة للوصاية البعثية السورية البشارية ومن ثم لهيمنة ولاية الفقيه الفارسية الرجعية الملَفْلَفَةِ بثقافة الموت السوداء والبؤس والجهل والظلام والمزايدات التي لا تحرر ارضا ولا تشبع بطنا ولا تكسي عريانا.
ولقد عبر الرئيس الأمريكي المنتخب أوباما بطريقة ذكية عن المخاض الدموي لثورة الأرز بقوله اللافت أمام الجماهير في برلين:
"اللبنانيون يدفعون ثمن ديمقراطيتهم بالدم"
ونحتفل اليوم بالذكرى الثالثة لرحيل شهيد ثورة الأرز الخالدة، وشهيد شرف الكلمة الحرة الأبية، وشهيد الموقف السياسي الصلب الشجاع، البطل اللبناني المقدام الصحفي جبران تويني الذي هبَّ ثائراً من أجل ثقافة الحياة وما هاب مجرمي ثقافة الموت. هو كان يعرف تمام المعرفة أن اسمه على لائحة الاغتيالات السوداء بعد اغتيال الشهيد سمير قصير، الا انه عاد فدائيا الى لبنان دون خوف يحمل دمه بشجاعة الفرسان على كفه، اخذا قرار المواجهة وحيداً بصدره العاري، لإعلاء شرف الكلمة وبالتالي لتعميد ثورة الأرز بالدماء، المنتصرةُ حتما بمشاعل الأحرار والشرفاء رغم استشراس وهمجية الثورة الظلامية المضادة وادواتها المخابراتية القاتلة الفتاكة المحترفة الإداء.
فالكلام كان شرف جبران من اجل ان ينتصر الشرفاء في لبنان،
والكلام كان ايضا صرخة جبران من أجل ان تنتصر حرية الكلمة وتسود في هذا الشرق المكمم الأفواه والمليء بالوحوش الضارية وعسس الليل والأشباح وهم يصطادون عصافير الحرية بالنبال والرماح!
ولن ننساك يا جبران يا شعلة الكلمةٍ الحرة والوجدان الحي
وسنسيرُ على خطاك حتى ينهض لبنان الأبي
كما حلمت انت به: سيداً حراً ديمقراطياً تعددياً عربياً مستقلاً لشعب مسلم مسيحي حضاري، منتفضٍ حرٍ غني بجذوره الضاربة في أعماق الأرض والتاريخ البهي.
الجمعة، ديسمبر 12، 2008
وما زال جبرانُ ممتطيا صهوةَ جوادِهِ
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق