راسم عبيدات
عيد وراء عيد وأسرانا الأبطال خلف القضبان،وقائمة عمداء الأسرى والذين مر على وجودهم في المعتقلات الإسرائيلية،أكثر من عشرين عاماً تقترب من التسعين أسير،والذي قضوا خمسة عشر عاماً فما فوق تقترب من الثلاثمائة أسير،ولا آفاق في الحرية والتحرر من الأسر،وصفقات الإفراج أحادية الجانب وما يسمى بحسن النوايا،عدا عن كونها تبقيهم وتصنفهم ضمن الأسرى الذين لا تنطبق عليهم الشروط والمواصفات الإسرائيلية،فحتى حسن النوايا تلك،يعد بها الطرف الإسرائيلي ولا ينفذها، ويتراجع عنها متى شاء،والحسابات الداخلية والحزبية والانتخابات الإسرائيلية لا تضع مصير أسرانا في المزاد،بل مصير كل العملية التفاوضية العبثية،والقائمة التي وعد بها "أولمرت"الرئيس الفلسطيني بإطلاق سراح 250 أسير فلسطيني،تتأرجح بين التأجيل والشطب لبعض الأسماء،ورغم ترحيبنا بكل أسير فلسطيني يتنفس هواء الحرية،فإننا واثقون أن تلك القائمة ولا غيرها من صفقات الإفراج وما يسمى ببوادر حسن النية القادمة ستلامس الجوهر ولب الموضوع،فالذين سيطلق سراحهم عدا عن أن إسرائيل تحدد أسماءهم والمدد المتبقية لهم من أحكامهم،والذين غالباً ما يكونون من الأسرى الذين قاربت أحكامهم على الانتهاء،فإسرائيل حتى هنا تتعمد إذلال واهانة الطرف الفلسطيني المفاوض،فهي تخضع تلك القائمة للعديد من الإجراءات من اعتراضات"الشاباك" والوزراء وأعضاء الكنيست والمستوطنين ...الخ من التعقيدات وإجراءات الذل والإهانة.
والسؤال المحوري والجوهري هنا، كم عيد آخر سيبقى أسرانا في السجون والمعتقلات الإسرائيلية،وفق المنطق والرؤية الإسرائيلية؟،وكم من أسير سيتحول من شهيد مع وقف التنفيذ إلى شهيد فعلي؟،وفي كل مرة وجولة تفاوضية نقول لأسرانا وذويهم بأننا لا ولن نقبل بالمنطق والرؤية الإسرائيلية وشروط الإفراج عنهم،وبأننا لا ندخر جهداً من أجل إطلاق سراحهم،والمأساة هنا أننا لا نصارح لا شعبنا ولا أسرانا،بأننا عاجزون عن إطلاق سراحهم وأن هذه الطريق والعملية التفاوضية لا ولن تؤمن إطلاق سراحهم،وأن هذا الخيار غير مجدي وأن تحريرهم يلزمه شروط وخيارات أخرى،أثبتت صحتها وجدوها في تحررهم من الأسر على قاعدة الندية والتمسك بالشروط،ومن يرفض إطلاق سراح أسير قضى أكثر من ربع قرن في السجون وجاوز عمره السبعين عاماً،هل يقنع طفل رضيع بأن هذا العدو حقاً يريد السلام ويوافق على تحرير أسرانا وفق العملية التفاوضية الجارية؟،ونحن ندرك تمام الإدراك أن هذا العدو يريد أن يبتزنا ويملي شروطه علينا في كل شيء بدءاً من إزالة كومة تراب عن مدخل مدينة أو قرية وانتهاءً بتحرير أسير يضطر الرئيس الفلسطيني عباس،لعقد عدة لقاءات قمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي"أولمرت" لكي ينجح في تحريره من الأسر.
ان المعادلة في هذا الملف يجب أن تستقيم،وأن تدار العملية بشكل آخر،وأن يتم الاصرار على اغلاق هذا الملف، وبحضور دولي فاعل ،كما يجب أن يطرح هذا الملف للجدولة والتنفيذ،وما دون ذلك فهذا الخيار يجب أن يغلق ويجب التخلي عنه بعد أن استنفذ، وأن يفسح المجال للعمل بشكل جدي مع خيارات أخرى أثبتت جدواها وفاعليتها والرهان عليها.
والعيد يأتي هذه المرة على أهلنا في قطاع غزة المحاصر منذ عام ونصف أكثر قسوة وشدة،وغزة في القرن الحادي والعشرين،قرن الثورة التكنومعلوماتية ،تعود إلى عهد المشاعية البدائية ،والمسألة لم تعد قصراً على فقدان الماء والكهرباء والغذاء والدواء،بل الوضع ينذر بكارثة تأخذ صفة الشمولية وتطال البشر والشجر والحيوان، فالبنوك أقفلت أبوابها ولا سيولة نقدية فيها،وغياب النقد قلنا يستعاض عنه بالتبادل البضاعي بضاعة مقابل بضاعة،ولكن حتى هذه البضائع غير متوفرة في الأسواق،وما يتوفر منها لا قدرة للناس بشرائه،والناس تمتهن كرامتها وتغرق في طوابير الذل والمهانة للحصول على ما يجود به الخيرون والمؤسسات الإنسانية لسد رمق أطفالهم من الجوع، فلا خروف عيد ولا ملابس ولا العاب للأطفال الذين ينتظرون العيد بفارغ الصبر،والمأساة هنا أنه رغم كل الذي يحصل ومع وصول القطاع إلى مرحلة الموت الجماعي،ما زلنا في الساحة الفلسطينية غارقين في المناكفات السياسية،والتي وصلت حد التدخل في العبادات وأركان الدين،وكأن لسان حال المتناكفين يقول إما أنا وسلطتي وقراري،وإما فليذهب الوطن ومن فيه إلى الجحيم،والمضحك المبكي هنا هذا الصراع على وهم سلطة،لا تمتلك لا سلطة رام الله ولا سلطة غزة شروط فك ورفع الحصار الظالم عنها،وهذا الوهم السلطوي والتمسك بالكراسي والمناصب،إن لم تثوب كل القيادات إلى رشدها وتغلب مصالح الوطن على فؤيتها ومصالحها،سيقود ذلك إلى ما قاد نيرون لحرق روما وهدم المعبد على رأسه ورأس شعبه.
ارحموا شعبنا وارحمونا من مناكفاتكم ومن أجنداتكم ومن مصالحكم ،وأعيدوا للوطن لحمته وأنهوا حالتي الانقسام السياسي والجغرافي،فشروط الحوار والوحدة تعرفونها جيداً وهي ليست بحاجة إلى "فذلكات" واشتراطات واختراعات ،والشعب وصل حد القهر والكفر الذي ليس ما بعده ذنب،وهو يتساءل والأسرى يتساءلون،هل من المعقول أن تكون كل النضالات والتضحيات،من أجل أن نتقاتل ونتصارع على وهم سلطة يتساوى فيها الغفير والوزير،في الإذن والقرار فالحركة والتنقل والتجول بإذن من صاحب السلطة الفعلية ،ألا وهو الاحتلال الذي يفتح المعابر متى شاء ويغلقها متى شاء.
ويأتي العيد هذا العام أيضاً والمستوطنون يعربدون ويتزعرنون ويشنون حرباً شاملة على شعبنا على طول وامتداد جغرافية وتاريخية هذا الوطن من عكا وحتى الخليل،والعربدة والزعرنة والسعّار هذا يمهد لما هو قادم وهو جداً خطير،طرد وتطهير عرقي وترحيل قسري،وسعّار المستوطنين هذا والذي تحول لتيار شعبي منظم وممأسس ومهيكل،يحظى بدعم وإسناد من قمة الهرمين الديني والسياسي في إسرائيل،ونشهد تجلياته وتمظهراته بشكل سافر ووقح في الحرب الشاملة التي تشنها سوائب المستوطنين على أهلنا في الخليل،حيث إحراق المنازل والمتاجر والممتلكات العامة،ومحاولات القتل من درجة الصفر تحت سمع وبصر وحماية قوات الاحتلال وجيشه،وما يجري ويحدث في الخليل،يحدث في باقي أرجاء الوطن،حيث سوائب المستوطنين،تقتل وتجرح وتحرق وتسرق وتدمر وتغلق الطرق في كل جغرافية الوطن، في عكا،في يافا،في الخليل،في نابلس ورام الله وقلقيله..الخ،ونحن نواصل العبث والتلهي بمفاوضات عبثية،لم تحرز أي تقدم في أي من القضايا الجوهرية ،قدس، لاجئين، استيطان،وحتى القضايا الحياتية لشعبنا الفلسطيني،منذ مؤتمر "أنابوليس" للسلام تزداد سوءً وتدهوراً،ونواصل القدح والذم والتحريض على بعضنا ونعزز الانقسام والضعف الداخلي،وعدونا يستغل كل ذلك وينفذ برامجه على الأرض،تهويد وأسرلة للقدس،ومسلل تطهير عرقي لعرب 1948،وتقطيع أوصال ومعازل في الضفة الغربية..الخ.
فهل يأتي العيد القادم على نحو أسوء ويضيع فيه كل شيء،أما ترتقي قوانا وأحزابنا الى مستوى وقدر المسؤوليات والمهام ،وتصلب جبهتها الداخلية وتصون وحدة الوطن.؟
هذا السؤال ستجيب عليه التطورات القادمة،والتي نأمل أن تستوعبها حركتنا الوطنية والاسلامية جيداً،وأن لا تسلك نفس المسلك الذي سلكه نيرون.؟
الأحد، ديسمبر 07، 2008
عن العيد والأسرى وغزة والحصار وسعّار المستوطنين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق