راسم عبيدات
.......مع انه لا يجوز المقارنة والمساواة بين الضحية والجلاد ،ولكن لا بأس من أجراء هذه المقارنة،وذلك حتى يتم تعرية المواقف الأوروبية الغربية "وتعهير" وازدواجية المعايير لديها،وخصوصا بعد القرار الأوروبي الوزاري الأخير برفع سقف التعاون مع حكومة الاحتلال،في ظل تشديد حصارها واحتلالها للشعب والأرض الفلسطينية.
فالأسير المناضل صلاح الحموري والمعتقل منذ نيسان 2005 والمحكوم بالسجن سبعة أعوام،وهو فلسطيني مقدسي من حملة الجنسية الفرنسية،اعتقل لأنه قاوم الاحتلال مقاومة شعبية وجماهيرية، والمقاومة هذه حق كفلته له القوانين والمواثيق الدولية،ومقاومته للاحتلال هذه لم ينتج عنها قتل أي اسرائيلي،وفي أقبية وزنازين التحقيق الاسرائيلية،والذي تجاوز معه مدة الشهرين تعرض لكل أشكال وأصناف التعذيب الجسدي والنفسي،من الحرمان من النوم والأكل وقضاء الحاجة،والشبح والشبح المقلوب على كراسي أطفال وهو مكبل اليدين والقدمين ومغطى الرأس،وفي أوضاع غاية في القسوة والصعوبة،والصفع على الوجه والهز العنيف،ناهيك عن الصراخ والشتائم والضغط على الأعضاء التناسيلية والتهديد باعتقال العائلة والأسرة والذين تم استدعائهم أكثر من مرة من أجل الضغط على صلاح ودفعه الى تقديم اعترافات حول تهم لم يقوم بها،والشيء اللافت للنظر هنا رغم كون صلاح من حملة الجنسية الفرنسية،لم نسمع عن أي تحرك فرنسي لوقف تعذيب الحموري والمطالبة باطلاق سراحه ،كون الحموري أحد الرعايا الفرنسيين،لا على المستوى الحكومة ولا على مستوى البرلمان ولا حتى على مستوى القنصلية والسفارة،مع تثميننا وتقديرنا لكل الجهود والأنشطة التي قامت بها مؤسسات وأحزاب يسارية فرنسية دعماً لقضية للمناضل الحموري والمطالبة باطلاق سراحه،ولا عن صيحات الإستهجان وبيانات الشجب والاستنكار لاعتقاله والدعوة لاطلاق سراحه،وتحميل الحكومة الاسرائيلية المسؤولية عن حياته،وأقصى ما قام به السفير الفرنسي هو زيارة خجولة الى المناضل الحموري،وفرنسا والتي تعتبر القدس الشرقيه، مدينة محتلة وفق القوانين والمواثيق والقرارات الدولية،لم تحرك ساكناً تجاه حامل جنسيتها الحموري،بل أنها ربما تتحين أي فرصة لكي تسحب منه هذه الجنسية،لكونه مناضل فلسطيني،يدافع عن حقه في العيش بكرامة وحرية في دولة مستقلة غير محتلة،وحتى لا تحرج نفسها مع اسرائيل ولكي لا توجه لها تهمة دعم ومساندة"الارهاب".
أما في المقابل عندما تم أسر الجندي الاسرائيلي"جلعاد شاليط" والذي كان في دبابته على حدود مدينة غزة،فهو "حمل وضيع" ذهب هناك من أجل صيد "الغزلان البرية"،لا من أجل المشاركة في قتل شعب أعزل، والذين لا ندري أن سنحت له فرصة بذلك أم لا، والمهم هنا أن آسري الجندي الاسرائيلي"جلعاط شاليط " من ما تسميهم اسرائيل"بالارهابيين" الفلسطينيين،وحتي أشرطة الفيديو والرسائل التي أرسلت عبر الصليب الأحمر من"شاليط" لأسرته لم يجري تعذيبه لا نفسياً ولا جسدياً، بل يلقى العناية والمعاملة الحسنة من قبل آسريه،بخلاف المناضل الحموري،والذي لم يترك محققي المخابرات العامة الاسرائيلية"الشاباك" أي شكل وصنف من التعذيب الجسدي والنفسي الا ومارسوه بحقه،بما في ذلك وضعه مع المتعاونين (عملاءالاحتلال) في الغرف والزنازين من أجل تهديده وتخويفه والاعتداء عليه.
واللافت للنظر هنا موقف الحكومة الفرنسية،فمجرد آسر الجندي الاسرائيلي"جلعاد شاليط" حامل الجنسية الفرنسية والذي كان في مهمة عسكرية وبلباسه العسكري،دعت الى اطلاق سراحه فوراً،ودعت آسريه الى عدم المس بحياته،وقامت فرنسا على مستوى الرئاسة والوزارة والحكومة والبرلمان بتحرك دولي من أجل اطلاق سراحه،وعندما قامت اسرائيل بشن حربها العدوانية على المقاومة ولبنان في تموز/ 2006،كان هم فرنسا وأوروبا الغربية وأمريكا اطلاق سراح الجنود الآسرائيليين الأسرى الثلاثة،وعلى رأسهم"شاليط" حتى يعودوا الى أسرهم وعائلاتهم،أما الأحد عشر ألف أسير فلسطيني والذين قضى حوالي 90 منهم عشرين عام فما فوق،حتى أن عدد منهم يزيد عن عشرة دخلوا كتاب"غيتس" للارقام القياسية،فلم يتم التطرق لهم أو ذكرهم وكأنهم بدون أسر وعائلات وأبناء أو حتى بشر،وفرنسا والتي وزراءها وزعماءها في زياراتهم الى اسرائيل،كانوا فورا ًيهرعون لمقابلة عائلة"شاليط" والتضامن معها،ناهيك عن التدخلات والحملات الدولية لتأمين اطلاق سراحه،وبالمقابل لا ذكر أو تتطرق للمناضل الحموري أو حتى زيارة عائلته،فعلى رأي الشهيد الراحل غسان كنفاني "خيمة عن خيمة تفرق"،ورغم أن الذي أحق وأولى بالزيارة هو الحموري المناضل من أجل الحرية،وخصوصاً أن فرنسا عرفت معنى الاحتلال،ولكن في ظل" تعهير" وازدواجية المعايير،يصبح الجلاد ضحية والضحية جلاد.
ونحن نسوق هذه المقارنة غير المنطقية، لكي نفضح ونعري ما يسمى بدعاة وحماة الديمقراطية وحقوق الانسان من الأوروبين الغربيين،والذين يحوروا ويفصلوا ويطوعوا هذه القيم والمباديء، بما يخدم أهدافهم ومصالحهم،وما يتعارض مع ذلك فهو خارج ما يسمى بقيمهم ومبادئهم،والجميع يعرف الضغط الذي مارسته أمريكا وأوروبا الغربية على الرئيس الشهيد الراحل أبو عمار،من أجل اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية،وعندما مارس الشعب الفلسطيني هذا الحق في كانون ثاني من/ 2006،وجاءت نتائجه على غير المقاسات الأوروبية والأمريكية رفضوا نتائج هذه الانتخابات،وفرضوا حاصراً ظالماً على الشعب الفلسطيني ما زال مستمراً حتى الآن وعلى نحو أشد.
ومن هنا علينا كعرب وفلسطينيين أن نعي وندرك أن من قسم وجزء الوطن العربي،وزرع في قلبه وخاصرته دولة اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني،رغم كل الصخب والتصريحات الاعلامية والأوروبية الغربية،والتي تأتي في اطار تخفيف وطأة ردود الفعل العربية والفلسطينية،على دعمها المطلق لاسرائيل،والداعية الى اقامة دولة فلسطينية وفق المقاسات الاسرائيلية،ليست من أكثر ذر للرماد في العيون،ولكم فيما طرحته حول الموقف الفرنسي من حملة جنسيتها المناضل الحموري والجندي الاسرائيلي المأسور"جلعاد شاليط" عبرة ومثل وهي لم تساوي بين الضحية والجلاد،بل وقفت وساندت الجلاد على الضحية،ومثال حي أخر هو القرار الوزاري الأوروبي الأخير برفع التعاون مع اسرائيل،في الوقت الذي تحتل فيه الأرض الفلسطينية،وتفرض على شعبه حصاراً ظالماً،يطال أبسط مقومات الحياة من ماء وكهرباء وغذاء ودواء ونفط،وحتى الحالات المرضية والإنسانية تفقد حياتها يومياً بفعل هذا الحصار الظالم.
وبعد كل هذا هل هناك"اعهر" وأكثر نفاقاً من هذا الغرب،الذي،يتغني بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان،وفق ما تخدم مصالحه وأهدافه،ويحاربها ويتخلى عنها عندما تتعارض مع ذلك.؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق