الخميس، ديسمبر 04، 2008

مصر والسعودية العمق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية

محمد داود

سجال سياسي وتصريحات إعلامية مثيرة لاشمئزاز يثيرها قادة سياسيون في قطاع غزة بحق زعماء دول عربية تمثل عمقاً إستراتيجياً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بل عنوانه، وكأنهم يعتقدون بأن هذا السجال يدور رحاه على مسرح داخلي بين شخصيات فلسطينية أو فصائلية ، في محاولة منهم للضغط على هذه الحكومات بترويج الشائعات والأفكار واستغلال أوراق داخلية وخاصة لهذه الدول لا سيما في هذه الفترة من "الحصار وموسم الحجيج" ربما لتوصيل رسائلهم.

فطالما عرف الشعب الفلسطيني دور مصر الشقيقة الوطني والقومي "رئيساً وحكومةً وشعباً" تجاه القضية الفلسطينية وما قدمته من شهداء عبر صيرورة تاريخية وحتى اللحظة تكتشف مقابر شهدائها، فأرض الكنانة على عهدها تسير من أجل رأب الصدع الفلسطيني وإنجاح الحوار الفلسطيني، فهي لا تكترث أهمية لوجود جهات أو فئات أو بعض الأشخاص محصوري الأفق لتعكير صفو العلاقة، كما أن مصر لا تكيل لطرف على حساب الطرف الأخر، وكل ما يعنيها هو أن تبقى حدودها الشمالية أمنه ومستقرة، لما يمثله إقليم قطاع غزة من أهمية تاريخية وأمن قومي واستراتيجي لها منذ عقود، وهي معنية أيضاً أن تبقى القضية الفلسطينية حية بمشروعها النضالي، وأن يحصل الفلسطينيين على حقوقهم الوطنية بوحدتهم وقرارهم السياسي والنضالي الموحد المستقل؛ وهي تعكف على ذلك، فتلك هي سمة يمتاز بها المصريون بحسن الجوار ، وقد لمست هذه الصفة بهم عن قرب في أنهم شعب قومي طيب وعاطفي وإنساني ويعشق الإنسان الفلسطيني أياً كان انتمائه أو ديانته، بل يقدسه ويحترمه ويشعره بأنه مقصراً وعليه واجبات تجاه وهي كلمة حق يجب أن تقال بهم.

السعوديون أيضاً لهم الباع وقد قدموا الغالي والنفيس لأجل القضية الفلسطينية مثلما فعلوا الأشقاء المصريون وغيرهم من الدول الشقيقة سواء بتصديهم للعصابات الصهيونية أثناء الحروب الماضية أو بما يقدمونه من دعم مادي وسياسي وعسكري و.. للفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وللقضية برمتها، ومن اجل ذلك كانت لهم المبادرات العربية والحلول السياسية "للصراع العربي الإسرائيلي" ، خاصة تلك التي طرحها العاهل السعودي في قمة بيروت التي جاءت مع سقف وحدود رسمتها منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس عرفات إبان حصار الأخير في مقره برام الله؛ وهي جاءت مع توافق دولي وعربي.

بالتالي يجب أن نحترم ونقدر الظروف الطارئة وعدم خلط الأوراق وحصر الوعي السياسي بأفق محدود يخدم أجندة حزبية وفكرية وأيضا إقليمية، فهناك روابط وعلاقات ومصالح إستراتيجية ووطنية وإنسانية وعلاقة جوار بل علاقة مصير يجب أن نعير لها اهتمام، والشعب الفلسطيني وقضيته بحاجة لمن يدافع عنها في المحافل الدولية، ويتصدى للسياسية والحرب الإعلامية والعسكرية الإسرائيلية وما يسعون إليه من تجريد وإفراغ للقضية الفلسطينية من بعدها الدولي والإقليمي بل والداخلي، التي تمكنت حقاً من خلط الأوراق وتحريف بعض المفاهيم خاصة مفهوم المقاومة والإرهاب واستطاعت أن تطمس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني لا سيما تجاه الأماكن المقدسة ومسألة الحدود "السلام مقابل الأرض" وبين "السلام مقابل السلام".

نعم سعى الرئيس عرفات مراراً لأن يوثق ويمتن من هذه العلاقات وهذا ما قرأته في كثرة زياراته لبلدان العالم ولقاءه لمختلف ألوان الطيف في تلك الدول حتى أنه لا يميز بين نظام معارضة أو نظام إسلامي أو علماني "عدواً أو صديقاً" أو دولة ليس لها مكاناً على الخارطة السياسية ، فحرص كل الحرص على أن تكون هناك رابطه وثيقة مع الجميع، فالمعركة فن استخدام "الأسلحة الدبلوماسية والسياسية" وفي الوقت والزمان المناسبين، وهو الذي نحن بحاجة إليه، من أجل نزع حقوقنا الوطنية واستمرار تدفق الدماء لقضيتنا العادلة، وصولاً إلى الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

نؤكد أن هناك تقصيراً من الدول العربية نحو القضية والشعب الفلسطيني أو على الأقل أمام الحصار المفروض على قطاع غزة، لكنها تدرك أن هناك ظروف طارئة تجري، وبالتالي المصلحة تحتاج أن يتم التعامل بحذر شديد معها "مع الكل الفلسطيني؛ لا تجزئة القضية"، كما ندرك أيضاً أن النظام الإقليمي العربي يمر بمعضلة لا تقل شأناً عن المثيل الفلسطيني الداخلي، وانكشافه على حاله في ظل حالة الاصطفاف وتشكيل سياسة المحاور.

على أي حال نتمنى أن نصحح مفاهيمنا وندرك خطورة المرحلة لا سيما مع جيراننا وإخواننا الأشقاء العرب، وأن لا يطغوا الانقسام السياسي على جوهر هذه العلاقات الخارجية ولتبقى القضية الفلسطينية حية، ولا ننسى دور مصر والعربية السعودية اللذان يمثلان عمق القضية ومركزها كما الدول العربية والإسلامية الأخرى حتى تبقى القضية تصدح وتتصدر أولويات المجتمع الدولي وفي المحافل الدولية ، وليبقى القرار فلسطينياً مستقلاً.

كاتب وباحث

ليست هناك تعليقات: