سعيد علم الدين
نقلت صحيفة "السفير" عن أوساط مواكبة للنقاش حول الاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار ان النموذج السويسري الذي بنى عليه رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع تصوره غير قابل للتطبيق في لبنان، حيث تركيبة النظام والشعب مختلفة، خلافا لنمط الكانتونات المعتمد في سويسرا.
هذا النقد سطحي ومتسرع وغير مقنع. لأنه ينظر الى شكل الاستراتيجية وديكورها دون التبحر في جوهرها. فالذي عناه د. جعجع هو الاستفادة من التجربة السويسرة، وليس تطبيقها بحذافيرها على لبنان. وهذا اصلا غير ممكن. كما طلب ايضا الاستفادة من تجربة "حزب الله". التي لا يمكن اصلا تطبيقها في سويسرا!
فعروف ان، لا لبنان هو سويسرا، ولا سويسرا عندها جارة طمَّاعة كسوريا تحلم بضمها والهيمنة عليها وتخريب نظامها الديمقراطي واغتيال من يعارضها.
ولا الواقع اللبناني يشبه السويسري، ولا سويسرا عندها تداعيات القضية الفلسطينية الكارثية كما لبنان.
ولا الشعب اللبناني هو السويسري، ولا الكانتونات السويسرية عندها ميليشيات ودويلات في قلب الدولة وفوضى كلبنان. ولكن اذا استمرت عليه الحال دون لملمة السلاح المنفلت فسيتحول لبنان قريبا بهمة الخبثاء والحاقدين والوصوليين واصحاب المشاريع كمشروع ولاية الفقيه الى العديد من الكانتونات اولها كانتون الضاحية التابع لإيران.
هذا وكانت قد عُقدت يوم 22 كانون اول 08 في قصر بعبدا تحت مظلة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الجلسة الثالثة من جلسات الحوار الوطني. حيث قدَّم فيها رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" د. سمير جعجع ورقته التفصيلية المترقبة على أحر من الجمر من الشعب اللبناني ومنهم السيد نبيه بري في موضوع الاستراتيجية الدفاعية.
ومن سيضمد الجراح ويوقف نزيف الوطن المدمَّى المستباح والمخترق منذ أربعين عاما سوى الحكماء!
ومن سيلملم أطراف لبنان المنتهك في قراره وحريته وسيادته واستقلاله سوى المخلصين له من الزعماء!
ومن سيقطع يد لصوص الإرهاب ويعيد الوطن لأبنائه وإلى موقعه العربي والعالمي المميز سوى القادة الشرفاء!
ومن سيخلِّص لبنان من الجمر المشتعل تحت رماد بلاد الأرز بسبب ما خلفته كارثة تموز الحمقاء ونصرها الإلهي المزعوم سوى الأذكياء؟
لقد أظهرت ورقة جعجع قمةً في الحكمة: بعقلانيتها المتزنة، وواقعيتها المستمدة من الواقع المرير وليس التنظير، وقانونيتها المستمدة من المواثيق اللبنانية والدولية، ونظرتها العسكرية الدقيقة الشاملة والواضحة والصريحة الأداء، التي لم تغفل عن شيء، وأخذت موقع ووضع وحجم وواقع وتركيبة لبنان التعددية بعين الاعتبار.
على العموم تميزت ورقة جعجع بغزارة المعلومات وقوة الحبك وشدة الاختصار تحت شعار "خير الكلام ما قل ودل،
فمن أطلق على القائد جعجع لقب "الحكيم" كان محقا! وبالتالي ظهرت طينة المفكر السياسي الاستراتيجي الأصيلة على حقيقتها.
فهنيئا للبنان بحكيمه زعيما وطنيا لبنانيا بارزاً، وعربيا مخلصا لقضايا الأمة العربية بامتياز، حاملا مع رفاقه من رموز 14 آذار وحلفائهم الكبار، الهم الوطني في عقله وفكره وقلبه وخلجات صدره، لتخليص الوطن من مشاكله التي يتخبط بها ولملمة أطرافه وجمع متضاداته لكي ينهض من جديد حرا سيدا ديمقراطيا تعدديا عربيا مستقلا.
فلقد هدف جعجع في إستراتيجيته وكما قال الى توفير" المناخ الملائم لتلاحم اللبنانيين ووحدتهم، في ظل بيرقهم الوطني وضمن القرار الواحد والوحيد للدولة اللبنانية ممثلة بالسلطة السياسية، لتدفع باتجاه إحلال السلم والاستقرار، ليكون لبنان على قدر طموحات أبنائه".
هو تحدث عن حياد لبناني مشابه للحياد السويسري الذي وفر على الاخيرة ومنذ اكثر من 150 عاما شر الحروب وبالأخص الحربيين العالميتين الكارثتين الأولى والثانية. هذا الحياد الذي تحدث عنه جعجع لم يكن حيادا سلبيا كالحياد السويسري وإنما إيجابيا عربيا حيث ربطه وبوضوح بالهم العربي وقضية فلسطين بالذات مؤكدا "الالتزام التام بالقضايا الإنسانية العادلة، وفي طليعتها قضية فلسطين والتمسك بالقرارات الدولية التي تؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم".
وكان المهزوم عسكريا وسياسيا وعقائديا وفكريا ميشال عون قد طرح ورقته الاستراتيجية سابقا، الخادمة لمصالح أسياده الجدد في ايران وسوريا ليبقى لبنان ساحة مستباحة لميليشياتهم ووكرا لمخابراتهم ومركزا لإرهابهم. والتي كانت بالدرجة الأولى إنشائية غير واقعية، ومهزلة فكرية وليست دفاعية.
أي ان ورقة عون كانت عبارة عن جبل ولد فأرة مذعورة من كثرة القطط التي شرعها عون للفتك بالفأرة. او فيل ولد ذبابة لن تجد من كثرة صياح الديوك، التي أباح لها عون الصياح بأعلى الأصوات وعلى كل الميكروفونات والمكبرات، مزبلةً ترقد عليها وترتاح.
وهنا جن جنون ميشال عون على هذه الاستراتيجية الفذة التي طرحها جعجع، فكان رده بعد الاجتماع الأسبوعي لتكتله في الرابية، الى وجود فرق بين استراتيجيته واستراتيجية جعجع "الذي وقع في تناقض في رؤيته لكيفية الدفاع عن لبنان"، وقال: "جعجع يريد ان يقاتل اسرائيل بجيش نظامي بينما نحن قلنا إن الجيش النظامي لن يستطيع أبدا ايجاد توازن قوى مع اسرائيل، لذلك طرحنا نظرية الشعب المقاوم". أضاف" بوجود الدولة لا دور للمقاومة، ونظرية الشعب المقاوم تكون عندما تعجز الدولة عن القيام بالدفاع عن الوطن فتنشأ مجموعات صغيرة تقوم هي بذلك.
وكأنه وبكل وقاحة يقول للشعب اللبناني يجب ان تبقى دولتكم عاجزة ومسلوبة القرار وبلا دور لكي نشرع الدور للمقاومة من خلال الشعب المقاوم. والا ما معنى كلامه السافر:"بوجود الدولة لا دور للمقاومة". انه هنا يرفض قيام الدولة ليبقى البلد مستباحا لحزب الله!
كلام هدام ومدمر للآمال ولا علاقة له باستراتيجية دفاعية للدولة، بقدر ما هو ابقاؤها عاجزة وضعيفة وهجينة ومخترقة لكي تسيطر دويلة "حزب الله" على لبنان بالكامل وتنصب عون رئيسا لجمهورية ولاية الفقيه فرع لبنان.
ولكن لا بد هنا من ابراز الفرق بين استراتيجة جعجع الدفاعية البناءة والتي تمثل بشكل عام موقف الشعب اللبناني وقوى 14 آذار، واستراتيجية عون التدميرية والتي تمثل بشكل أساسي موقف ايران وسوريا وميليشياتهما وطوابيرهما من جماعات 8 آذار.
أولا، انطلق د. جعجع في استراتيجيته واضعا نصب عينيه شعار:
لبنان أولا، الشعب اولا، الجيش اولا، الدولة اولا، والنظام اولا!
أما عون فقد انطلق في استراتيجيته مغمضا عينية على شعار:
ميشال عون أولا، الكرسي اولا، الصهر جبران باسيل اولا، حزب الله اولا، سوريا اولا وايران اولا! هذا هو الفرق الجوهري بين الاستراتيجيتين.
فجعجع دخل السجن مظلوما وخرج منه صلبا حكيما مرفوع الجبين، لينهي الظلم الواقع على الدولة ويرفض كل أشكال الوصاية على اللبنانيين.
عون بالمقابل هرب من قصر بعبدا مذعورا، والى السفارة الفرنسية مرعوبا، وعاد من منفاه الباريسي الهنيء ليظلم اللبنانيين ويهدم ما بنوه، ليبقي لبنان تحت الوصايات وساحة مستباحة للميليشيات ولمشاريع السوريين والإيرانيين.
جعجع خرج من الزنزانة حرا، وعون دخل في زنزانة الولي الفقيه فكرا.
دور ميشال عون الوحيد ومنذ نجاحه في الانتخابات هو عرقلة قيام الدولة اللبنانية وضرب قواها الحية وهذا ما يفعله اليوم بنذالة لا مثيل لها في اتهاماته المتكررة للنيل من فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي الذي ابلى بلاء حسنا وقدم الشهداء واحبط مؤامرة عصابة فتح الاسلام السورية، وكشف الكثير من خيوط عمليات الاغتيال. ومن هنا جاء اغتيال الشهيد وسام عيد. ومن هنا يظهر موقف عون الحقيقي في التغطية على الإرهاب لكي يرتع الإجرام ويسيطر اهل الخراب.
ولكن لن يصح الا الصحيح! ولبنان بهمة قادته الحكماء سيعود الى ابنائه سيدا حرا مستقلا رغم الصعاب! والمحكمة صارت على الأبواب، وهي ليست طبخة بحص كما قال عون يوما وانما هي طبخة سم للقتلة الجبناء!
الثلاثاء، ديسمبر 23، 2008
هنيئاً للبنان بحكيمِهِ
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
انت سعيد ام حزين؟
انت علم منكس الرأس لأسيادك الذين يدفعون لك ثمن كتابتك الخسيسة كل "14 الشهر" والتي تحمل ألوان السحالي كلون "جن بلاط"
كتابتك لاتجد لها من يقرأها او يسمعها
او حتى ان يعقب عليها لأنها مضيعة للوقت ومكررة ومنسوخة!!!
عصابة "14 ازعر" ستخسر الانتخابات وسنجدك تتبرأ من علاقتك بهم حين لايقدرون على شراء قميص يستر افكارك السوداوية
إرسال تعليق