الياس بجاني
مع ذكرى ولادة المخلص، وإطلالة السنة الجديدة، نتقدم من الجميع بأحر التهاني والتبريكات، طالبين من المولود الإلهي الفرج والسلام والطأنينة لوطننا، وعطايا الثبات والرجاء والإيمان للصامدين من أهلنا بوجه الظلم، والهداية للمرتدين منهم والشاردين، والبصيرة للمُغرر بهم، والتوبة للإسخريوتيين، وصحوة الضمير لحاملي مباخر التبجيل والذمية والتقية والنفاق.
مع الذكرى المقدسة تمثِّلنا الكلمة الحرة الموضوعية الصارخة، الكلمة التي كانت في البدء، والتي هي الله، والتي صارت بشراً فسكنت بيننا ورأينا مجدها، فهي تنوب عنا بمفهومها الإنجيلي مُحلِقةً في الأثير، راحلةً لتدق أبواب وقلوب الأهل في الوطن الأم، وبلاد الانتشار حيث رفاق غربتنا والحنين، معايدينهم بها وعبرها، راغبين لهم جميعاً في ميلاد مجيد وعام سعيد تكللهما بركات ونِعم السماء. ثم نسأل الطفل الإله دفق المسرات عليهم وإغداق أنداء السلام والوئام والمحبة والاطمئنان.
إن ما يواجهه وطننا وأهلنا من صعاب لا يمكن مقاربتها إلا بالإيمان والثقة المطلقة بالعناية الإلهية.
إن سلاح الإيمان المبني على الرجاء لا يُقهر وهو الأقوى. تسلحنا به منذ 7000 آلاف سنة ولا زلنا، وهو لم، ولن يخذلنا بإذن الله.
لنتذكر باستمرار أن فاقد الإيمان يجعل من نفسه عبداً لشهواته والأطماع، والقديس بولس الرسول يقول: "ألا تعلمون أنكم إذا جعلتم أنفسكم عبيداً في خدمة أحدٍ لتخضعوا له صرتم عبيداً لمن تخضعون؟ إما للخطيئة التي تقود إلى الموت، وإما إلى الطاعة التي تقود إلى البر" (رومة 6-15)
نطلب من طفل المغارة أن يقوي إيماننا لأن من له ذرة إيمان كحبة خردل يمكنه نقل الجبال، وقد وبخ السيد المسيح تلاميذه لضآلة إيمانهم يوم خافوا مرتبكين من هبوب رياح العاصفة على المراكب، قائلا لهم: "ما بالكم مضطربين يا قليلي الإيمان، ثم زجر الريح فسكن البحر وحدث هدوءُ تام" (متى 9-19-20)
ونحن نحتفل ونصلي، يجب أن لا ننسى أن سِيَّر القديسين والشهداء تُعلِمنا أن المؤمن لا يمكن أن تهزمه شدائد ولا تسحقه تجارب: "فالشدة تلد الصبر، والصبر يلد الاختبار، والاختبار يلد الرجاء، والرجاء لا يخيب صاحبه، لأن محبة الله أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وهب لنا" (رومة 5 - 4 و5).
نداء من القلب نوجهه إلى كل الذين قتلتهم الأنانية، وغرقوا في أوحال وشباك وأفخاخ النفوذ والمال والسلطة، وإلى كل من يخبطون مهزومين في دواخلهم لقلة إيمانهم ونفاد رجائهم، أن يتعظوا بكلام السيد المسيح: "إن ثبتّم في كلامي، كنتم حقاً تلاميذي تعرفون الحقّ والحق يحرركم" (يوحنا 8-32)
مع كل المؤمنين والشرفاء وأصحاب الضمائر الحية نجدِّد العهد والقسَّم متابعين مسيرة النضال السلمي والحضاري الهادف للذود بإيمان وعزيمة ودون هوادة عن حق أهلنا في وطن الأرز بحياة حرة وكريمة.
سنستمر بإذن إله العيد رافعين عالياً رايات الشهادة للحق دون خوف أو مسايرة، أو التفات لاحتياجات ذاتية آنية، أو مصالح لغير الوطن وناسه والهوية. فمن يشهد للحق، الحق يحرره.
ونحن في خشعة غربتنا الصامتة دائماً، والقاتلة أحيانا، نرحل بالقلب والروح والفكر على أجنحة الكلمة إلى أجواء لبناننا المعذب وجباله والوديان، وإلى صوامع نساكه وكنائسه والأديرة، وإلى مُهج ذوينا الصابرين على الضيم والشقاء بإيمان وجلد القديسين، راجين معهم الخلاص مع مجيء إله الفداء سيدنا يسوع المسيح، له المجد سجوداً وإكراماً.
ننتهزها سانحة لنتضرع إلى طفل المغارة، جاعلين من صُدُرنا مذوداً ليحل فيه، وبصوت عالٍ وخشوع نسأله قائلين:
اجعل صولجان القيادة عندنا قادراً، وتاج الرعاية مشرَّفاً لاستكمال استقلال وطني سيِّد ومُصان، أساسه العدل، والقانون حجر زاويته، والمساواة قاعدته، وشرعته الحقوق الدولية والسواعد حماته.
أبعد عنا خطايا ولوثات القنوط والإحباط والجبن، وثبت الرجاء بقلوبنا وعقولنا والوجدان.
أشرق على لبناننا وعلى وسع مساحته شمس الحرية.
صُنْ أطفاله ببراءتك، وأعضد أيتامه بيمينك، وساعد فقراءه.
أطلق السجناء والمعتقلين اعتباطاً من شبابه والجنود والرهبان القابعين في غياهب السجون السورية النازية، وردهم إلى أهلهم ومحبيهم.
ردَّ المبعدين قسراً وظلماً وعدواناً عن جنوبنا اللبناني الغالي، وعن أهلهم وأرضهم المقدسة المسقية عرقاً ودماءً وتضحيات. ردهم إلى بيوتهم وعيالهم سالمين، مرفوعي الرأس، ومصاني الكرامة والحقوق.
أَعِنْ المقهورين من أهلنا بلطفك، وإشفِ مرضاهم بحنانك، ورد مَن مِنهم ضل الطريق.
أُنصُفْ المظلومين والمضطهدين برفقك، وأفرِّج عن المتضايقين برأفتك.
دبِّر أهلنا بعطفك، وأدفء الباردين منهم بحرارة إحسانك، وأدفق على فراغهم نعمك والبركات.
نجِنا من كفر وبطش جلاَّدين وقادة وسياسيين ومسؤولين لا رحمة في قلوبهم ولا إشفاق.
اجمع شمل أهلنا تحت أفياء ألوهتك ومتِّعهم بضياء وجهك المُسرمد.
استبدل الظلام الذي يكتنف نفوس وخواطر ووجدان غالبية الممسكين بقرارنا والمصير بعطايا المحبة والإيمان والرجاء، وأردم فجوة العدم المرعبة في ضمائرهم، وأنر قلوبهم والعقول، ليعملوا بمشيئتك وحسب تعاليمك والشرائع.
أعطينا الشجاعة ليصارح بصدق كل امرءٍ منا ذاته، ويدرك بالعقل والقلب وعن قناعة راسخة وكاملة أنه المسؤول وحده عن وزناته فكراً وعملاً وتعاملاً أمام منبرك عندما يجيء بنا إليك ابنك الوحيد والملائكة يوم الحساب الأخير، حيث إما الفرح اللامتناهي، أو الثواب والعقاب، والبكاء وصريف الأسنان.
اجعل كل منا مولوداً جديدا بروحك القدوس، وقياميًّاً بقوة انتصارك المظفر.
أحرق فسادنا المُدَنَّس بنار طهرك الرائف، وأغمر موتانا بأنوارك وأسكن أرواحهم فسيح جناتك.
أنشر برحمتك السلام في ربوع لبناننا الحبيب، بلد السلام وفي العالم كله، وأطفئ نارِ الحروب والظلم بمحبتك المقدسة.
ميلاد مجيد وعام سعيد
الأربعاء، ديسمبر 24، 2008
لتشرق على لبناننا وعلى وسع مساحته شمس الحرية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
أخيرا استطعت أن أعجب بمقالة لالياس بيك..... بس اللي استغربتو انك ما اتهمت الجنرال عون بصلب السيد المسيح!!!!
إرسال تعليق