الاثنين، مارس 31، 2008

إسرائيل قريباً عضواً في الجامعة العربية..!

محمد داود
أبدأ حديثي بالقضية الأبرز التي تشغل الساحة الدولية، وإن كانت ليست بأكثر أهمية عن قضايانا المحلية الفلسطينية وهموم الوطن المقسم الجريح في يوم " تخليد ذكرى الأرض" بعد أن أصبحت القمة العربية عديمة الجدوى، لكنها تبقى مثيرة للجدل، وقد برز هذا في الانقسام الذي حصل جلياً بعد تغيب نصف الزعماء العرب، ربما السبب يكمن في الحساسية من سوريا لأنها تملك أوراق الضغط في عدة ملفات تعتبر عوامل صراع في بعض البلدان العربية وهي الملف "اللبناني - الفلسطيني - العراقي"، وهذا لا يعني أن الذين تخلفوا عن حضور القمة العربية، أي النصف الثاني هم يسيرون في الفلك الأميركي كما وصفه البعض، فهناك دول تقيم علاقات متينة مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد حضرت القمة، وليست مناهضة لها، ولأن قمة العشرين هي دورية وتأتي في سياق الترتيب الأبجدي بعد السعودية.
فلا شك أنها كانت مصيرية، لأنها جاءت في ظل شرخ عربي واضح، ومتزامن مع حالة انقسام عميق يعانيه أيضاً المشهد الفلسطيني، عندما أقدمت حركة "حماس" بالانقلاب على شريكها السياسي الفلسطيني "فتح"، قبل تسعة أشهر على ألأقل، مما أدي إلى الانقسام الجغرافي والسياسي ..، ولا أريد سرد الرواية التي لاتخفى على أحد، فكما قالها العقيد القذافي بسخرية : "بأنهما يسيران في خطين متوازيين"، وقد أفرح الزعماء الحضور الذين باتت سيماهم على وجههم من شدة الاستحياء بعد أن تغيب أهم القادة العرب لا سيما دول الطوق ومن يعنيهم الأمر، وقد وصف القذافي الجمع العربي بأنهم مقتصرون داخل القاعة التي يجلسون فيها، وكشف ذلك رئيس الجامعة العربية عندما أعلنها بصراحة، بأن هناك أزمة ثقة، كما هو الحال الفلسطيني .
لا يخفى عليكم هناك استخفاف بالنظام العربي الراهن وحتى بمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تعاني هي الأخرى من تشرذم وتباين في العلاقات، كما النظام العربي، واستخفاف شديد بالنظم العربية المسلوبة الإرادة والقرار، من قبل النظام العالمي الجديد أحادي القطبية وانفراده بقيادة العالم والتصرف بصورة فردية، وهناك دعوة لتجريد وإقالة النظام العربي من أعماله لأنه لم يعد صالحاً كمشروع قومي عربي، وهو ما يذكرنا بالوحدة العربية التي جرت بين سوريا ومصر التي سرعان ما تم تفككها بعد ثلاثة أعوام من المعاناة، لأنهم أرادوا إفشال هذا النموذج الجريء الذي لو كتب له النجاح لكان واقعنا العربي أفضل بكثير مما هو عليه الحال الآن، ولاختلفت المعادلة، لكن المشروع باء بالفشل حتى لا يفكر به العرب من جديد، لخطورة مشروع الوحدة العربية على وجودها واستمرارها، وقد جرت محاولات أخرى للوحدة بين تلك الأقطار جميعها باتت بالفشل، ولا يخفي عليكم بأن بريطانيا هي من أنشأت النظام الإقليمي العربي كمشروع بديل ومساومة عن قيام أي وحدة عربية، وهو ما ظهر جلياً إبان فترة الخمسينات "حلف بغداد والهلال الخصيب .."
إن القمة العربية لها طابع رمزي في زمانها ومكانها وحضورها وفي قراراتها، وهو ما يجعلنا نتألم ونستذكر سنوات ما قبل منتصف الستينيات والسبعينيات التي ولت أحلامنا بها، والسعي لإفراغها من جماهيرها هو عنوان التحدي، لتبقى حبراً على ورق وإن كانت فهي غير إلزامية للأطراف، والخشية قائمة مالم يعمل الزعماء العرب على جسر الهوة القائمة بينهم بأسرع وقت ممكن قبل أن تفكك إستراتيجية الأمن العربي ويهدم التضامن العربي ويصبح نظامنا العربي هزيل ومهلهل وفي طيات الماضي الحزين، والكارثة الأشد خطورة، إذا وصلت لحد الصدام فيما بينها، أمام سياسات الفرز الحاصلة عقب حرب تموز 2006م ولازالت تسير على قدمٍ وثاق كما أعلنها العقيد القذافي للزعماء العرب في القمة عندما قال "الدور جاي علينا كلنا" بالإشارة للزعيمان الشهيد "ياسر عرفات" والشهيد "صدام حسين".
هكذا يبدو : تقسيم العالم على أساس الخير والشر والحديث عن مجرمين وإرهابيين بدل أعداء، ونجحت أميركا بتخطي دور الأمم المتحدة لقيادة العالم بعد أن وصفتها بالدول المارقة التي تشكل ملاذاً لإرهاب القوى الصالحة والأخرى الطالحة، نحو مزيداً من الاصطفاف الحاد، وتجزئة المجزئ، تحت شعار تقوده أمريكا "الفوضى البناءة"، من أجل خلق شرق أوسط جديد تعكف رايس على بلورته، أو مشروع الاتحاد المتوسطي "الفرانكفونية" تستبدل فيه الهوية القومية والوطنية والتاريخية والثقافية بهوية مصطنعة، أي برنامج سياسي واقتصادي ثقافي متكامل، تسوده الطائفية القبلية والخلافات المذهبية وغيرها من الخلافات التي أوجدها الاستعمار، على حساب الانتماء القومي العربي، وتمزيق الروابط العربية والإسلامية بحجة المناداة بالديمقراطية والحرية أو إرساء السلام والمحافظة على حقوق الإنسان، وهو ما تحدث عنه بيريس من انضمام إسرائيل للجامعة العربية، قائلاً : "أعتقد أن جامعتهم العربية يجب أن تسمى جامعة الشرق الأوسط، وعندئذ يمكن لإسرائيل أن تنضم إليها، نحن لن نصبح عرباً، ولكن الجامعة يجب أن تصبح شرق أوسطية"، وهو ما استكمله المؤرخ الصهيوني الأمريكي "برنارد"، بتقسيم المنطقة العربية إلى ثلاثين دويلة أثنية ومذهبية، فيما المثال الأخر "الاتحاد الأوروبي" الذي لا تربط أعضاؤه علاقات قومية ووجد مصلحته في الاقتصاد، ويمكنه أن يدافع وبقوة عن دول الحلف المشاركة في الاتحاد، فما بالنا نحن العرب والمسلمين تجمعنا وحدة الدين والعقيدة والعرق واللغة والاتجاه والحضارة .... في زمن التعلق بالنزوع العالمي المتزايد نحو التكتل والتعاون بين أفراد وشعوب لا يجمعهم نصف ما يجمعنا العرب من عوامل تقارب وانتماء كما أسلفنا.
فمن جديد يتحدث البعض عن التحدي والنجاح و الانتصار، فالقمة انتصرت لأنها عقدت في وقتها، المقاومة انتصرت في غزة رغم سقوط أكثر من 135 شهيداً ومئات الجرحى والمعاقين في التوغل الإسرائيلي الأخير قبل أقل من شهر وهكذا دواليك، فيما يعيش الشارع الفلسطيني والعربي حالة من التيه والعجز والتشتت، والتمترس القطري والفئوي الضيق نحو الهاوية، والمفارقة تكمن في ازدياد الهوة بين الموقف العربي الرسمي والموقف الشعبي من مسألة الصراع على المنطقة والنظرة إلى وسائل هذا الصراع وأدواته والعلاقة مع أطرافه، في ظل غياب إستراتيجية عمل معينة بدعم المقاومة الفلسطينية أو دعم المفاوض في الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية ومواجهة جرائم الاحتلال والاستيطان، وتهويد القدس، ومن طريقة التعامل مع هذا النظام المعقد، بانتظار أي تغير إقليمي، أو حل سياسي قادم تقوده أمريكا أو نظام إقليمي قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش" يصل إلى مجرد اتفاق إطار "استعراضياً "، وهو ما تعكف على التحضير له الوزيرة رايس في المنطقة في هذه الأثناء على أن يكون مراسيمه في الذكرى الستين لإقامة دولة إسرائيل على التراب الفلسطيني، وبين هذه الأمنيات يبقى السلام المنشود التي أبدت رايس دهشتها من حجم التسهيلات الإسرائيلية الممنوحة للفلسطينيين كرفع بعض الحواجز التي تقطع أوصال الضفة الغربية.
*كاتب وباحث*

ليست هناك تعليقات: