الثلاثاء، مارس 11، 2008

من ذاكرة الأسر 24

راسم عبيدات
الأسيران ماهر أبو كرش وطالب أبو مصطفى
شموع على طريق الحرية

.......أوضاع الحركة الأسيرة في تراجع مستمر، والهم الذاتي والخلاص الفردي يطغيان على الهم والخلاص الجمعيان، وقلاع الأسر التي كانت مضرب الأمثال والتغني بها من قبل شعبنا وأهلنا، بأنها خنادق متقدمة للنضال ومدارس وجامعات لتخريج القادة والكادرات الحزبية والتنظيمية، فقدت هذه الصفة، وكل ذلك بفعل أوسلو وما ألحقه من ضرر بالغ بالشعب والحركة الأسيرة، فالتنظيمات حلت منظماتها الحزبية، وأضحت منظمات ديمقراطيه،وتسودها علاقات من الشللية والجهوية والعشائرية،بدل الأصول والقواعد الحزبية والتنظيمية، والكثير من التقاليد المعمول بها ،أوقف العمل بها،حيث الجلسات التنظيمية والثقافية ألغيت ، وللإنصاف تراجعت إلى أدنى مستوياتها عند أكثر الفصائل المتشبثة بهذه التقاليد، وأصبح هناك عزوف عن العمل في القضايا التنظيمية والحزبية، وحالة من الترقب تسود في أوساط المعتقلين، هل ستكون أسماءهم من ضمن الأسماء التي سيفرج عنها وفق تلك الاتفاقيات أم لا؟، وسخط وحالة من فقدان الثقة بين كل الأسرى، لقبول الطرف الفلسطيني بالشروط والتصنيفات والتقسيمات الإسرائيلية للأسرى،من يفرج عنه ومن لا يفرج، والمسألة وجدت انعكاساتها بشكل حاد وقاسي ،عند أسرى القدس والثمانية وأربعين، والذين اعتبر الاحتلال،انه لا يحق الطرف الفلسطيني التحدث باسمهم، وبالتالي فهم غير مشمولين بالإفراج وفق هذه الاتفاقيات، وقضيتهم تبقى معلقة لقضايا الحل النهائي، ناهيك عن ما تسميهم إسرائيل بالأسرى الملطخة أيديهم بالدماء، والمقصود الذين عندهم قتل إسرائيليين.
ولكن تحدث تطورات متسارعة ومتلاحقة ،حيث تندلع الانتفاضة الثانية في أيلول/ 2000، وتشارك فيها الجماهير والقوى والأحزاب والفصائل بكثافة عالية، ويترتب على ذلك دخول الآلاف للمعتقلات الإسرائيلية، وهذه الجموع الجديدة من الأسرى، بحاجة لحواضن وتوعية وتربية ،فيما يخص الواقع ألاعتقالي ومتطلباته ، وهنا بدأت التنظيمات بإعادة دراسة واقعها من جديد، على ضوء هذه المستجدات،وأعادت هيكلة أوضاعها الحزبية والتنظيمية والثقافية والاعتقالية، وفي هذا المجال لا بد أنك ستجد من يتقدم الصفوف، ويأخذ زمام المبادرة ويعلق الجرس، وقد كان من بين هؤلاء المناضلين الذين أخذوا على عاتقهم هذه المهمة، المناضلان ماهر أبو كرش وطالب أبو مصطفى من قطاع غزة، والمعتقلين في أوائل التسعينات والمحكومين بالسجن المؤبد لعلاقتهما بقتل إسرائيليين، وأبو كرش هو من أسرة مناضلة عرف الكثيرين من أفرادها زنازين وسجون الاحتلال، وهو إنسان هادئ إلى أبعد الحدود ، ويتسلح دائماً بالتفاؤل والبسمة لا تغادر وجه، لعب مع رفاقه دوراً في إعادة ترتيب أوضاع منظمات الجبهة الشعبية في الأسر، وكان في الكثير من الأحيان، يعمل في الخارجية واللجنة الاعتقالية، وقد تعرض أكثر من مرة للعديد من العقوبات الاحتلالية لدوره القيادي في الجبهة الشعبية والحركة الأسيرة، حيث عرف الزنازين والترحيل والترحيل ألقسري من سجن لآخر عقابا له على هذا الدور، ومن خلال معرفتي بهذا الرفيق في سجني عسقلان ونفحة/2000 و2001، فهو إنسان يتصرف بتلقائية وبساطة، ولديه غيرة وحرص على جموع أفراد الحركة الأسيرة، وبعيداً عن الفئوية والعصبوية المقيتة، واسع العلاقات الاجتماعية والاعتقالية، وأبو كرش من المناضلين الذين يسهرون حتى ساعات الفجر الأولى، وهذا يلقي بدوره على نشاطه وحركته خلال النهار، وكم من مرة قلت له،أنت تعشق النوم عشقاً، وكان يرد علي"حبسه" وقلت نوم يا أبوشادي، وهو قانع جداً بأن قضيته هو وأمثاله من الأسرى، والذين تصفهم إسرائيل"بالإرهابيين والملطخة أيديهم بدماء الإسرائيليين"، لن تجد لها أي حل من خلال حسن النوايا، وهي بحاجة لجهد وطرائق عمل أخرى، وبدون ذلك فإنهم والكثيرين من على شاكلته من الأسرى ،سيتحولون من شهداء مع وقف التنفيذ إلى شهداء حقيقيين، حيث تزايدت نسبة وأعداد الأسرى الذين يستشهدون في السجون الإسرائيلية،بسبب السياسات القمعية الإسرائيلية، من مداهمات واقتحامات لغرف وأقسام السجون، وقتل متعمد بالرصاص الحي، الى إهمال طبي متعمد كذلك، حيث أصبح عدد الأسرى الذين استشهدوا في السجون الإسرائيلية، نتيجة تلك السياسات القمعية 195 أسير فلسطيني.
أما الأسير مصطفى أبو طالب،رفيق ماهر أبو كرش، والذي يعرف باسم "خوليو الإسباني" حيث يتعلم الاسبانية في السجن ويستمع الى الأغاني الاسبانية،ويحلم بعد التحرر من الأسر،إن يذهب الى اسبانيا وحسب تعبيره ،فأن اسبانيا بلد الجمال بشقيه المادي والروحي، وطالب أبو مصطفى والذي يتحدث كثيراً عن القيود والموانع الاجتماعية في القطاع، وهو يرى أن الكثير من المواريث الاجتماعية، هي جزء من حالة الجهل والتخلف التي يعيشها شعبنا الفلسطيني، وأبو مصطفى استطاع أن يحقق نقلة نوعية على صعيد ،تطوير قدراته الثقافية والتنظيمية، حيث يكثر من الدراسة، وتراه دائم الانخراط في هيئات العمل الحزبي، وهو يشعر وعدد آخر من الرفاق أنهم تعرضوا لظلم غير مبرر على صعيد تقييم أوضاعهم الحزبية والتنظيمية، وكان هذا الجانب مصدر قلق لهم،وكان يخوضوا نقاشات وحوارات مطولة حول هذا الموضوع، مع المرحوم الدكتور احمد المسلماني، والذي كان له رؤيا في هذه المسائل والمواضيع،بأنه يجب أن لا تكون هناك فواصل وحواجز بين الرفاق، والمهم أن يتحمل كل شخص مسؤولياته في إطار المهام الموكلة إليه، ورغم ذلك فانا أرى بصورة شخصية،ليس لها علاقة بالحزبية،بأن مثل هذه المسائل لها قيمة معنوية كبيرة في الأسر، وخصوصاً للأسرى الذين امضوا سنوات طويلة في الأسر، ولم يجري أي حراك تقيمي وتنظيمي على أوضاعهم،ناهيك عن دورها التحفيزي والتقيمي، وأبو مصطفى إنسان هادئ، وكان يسرد لنا القصص عن والده الذي كان ذو بأس شديد،في التعامل مع العائلة، وكيف كان الجميع يهابه ويحسب له ألف حساب.
وأبو مصطفي تقييماته وأرائه ووجهة نظره،حول قضاياهم،أي الأسرى الذين تعتبرهم إسرائيل،بأن أيديهم ملطخة بالدماء،لا تختلف عن تقييمات رفيق دربه وغيره من الأسرى،بأنه لا أمل ولا مجال لهم للتحرر والانعتاق من الأسر ،من خلال ما يسمى بحسن النوايا الإسرائيلية، فهذه سياسة غير مجدية ولذر الرماد في العيون،ولابتزاز الأسرى والطرف الفلسطيني، وتنطوي على شروط والتزامات سياسية، وعلى الطرف الفلسطيني المفاوض والأحزاب والقوى الفلسطينية، أن تبحث بشكل جدي عن طرق ووسائل تمكن من تحررهم من الأسر بعزة وكرامة .


القدس- فلسطين

Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: