الأحد، مارس 09، 2008

في الذكرى السنوية الثانية لاختطاف سعدات ورفاقه

راسم عبيدات

.......تأتي الذكرى السنوية الثانية لاختطاف أمين عام الجبهة الشعبية القائد أحمد سعدات وعدد من رفاقه، في ظل الكثير من المتغيرات والتطورات، وكذلك فقد جرت في النهر الكثير من المياه، وإذا كان قد مر على اختطاف واعتقال سعدات من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية عامان، فما زالت مسرحية محاكمة مستمرة، حيث يصر سعدات على عدم الاعتراف بشرعية هذه المحكمة، والتي يعتبرها أحد أدوات الاحتلال العسكرية، ووظيفتها إضفاء الشرعية القانونية على جرائم الاحتلال وممارساته المتناقضة مع منطق ونصوص القانون الدولي وتشريع الاحتلال وتكريس مفاهيمه وفرضها بالقوة على شعبنا الفلسطيني كجزء من الرؤيا الإسرائيلية لسبل إدارة الصراع وطبيعته.
وبالنسبة للتطورات والمتغيرات التي حصلت وما زالت تحصل والرفيق القائد سعدات في الأسر،فهي كثيرة ومتعددة،وطالت مرتكزات البرنامج الوطني،وتجاوزت كل المحرمات، وأريق الدم الفلسطيني على مذبح المصالح الفئوية والقبلية، وفي سبيل وهم سلطة لا وجود لها على الأرض، وبالنظر لهذه المتغيرات والتطورات على صعيد الجبهة الشعبية، فقد خسرت الجبهة عدد من قادتها، والذين كان لهم دور بارز في قراراتها وتوجهاتها ورؤيتها ومواقفها السياسية، وأكبر وأهم هذه الخسائر، ليس للجبهة وحدها، بل لكل الشعب الفلسطيني والأمة العربية، والقوى الثورية والتحررية والقومية عربياً وعالمياً، حيث رحل القائد والمؤسس جورج حبش، أحد أهم أعمدة النضال الوطني الفلسطيني والقومي العربي، هذا القائد الذي كان بمثابة البوصلة والهادي والمرشد وقوة المثل في نظافة اليد واللسان، وصلابة الموقف والقبض على المبدأ، والخاسرتان الأخريان، كانتا برحيل اثنان من أبرز أعضاء اللجنة المركزية العامة للجبهة الرفيق القائد خالد باكير،هذا القائد الذي تفولذ وتمرس في النضال، وأحد مؤسسي مدارس الصمود في الاعتقال والتحقيق، وكان دائماً لا يحب الظهور والإعلام، يبنى ويقود ويربي بصمت، وكان رجل المهام الصعبة، والتي لا يقوى عليها وعلى مسؤوليتها سوى الرجال الرجال، والخسارة الأخرى كانت برحيل فارس وقائد العمل الأهلي والمجتمعي،القائد الوطني الدكتور احمد المسلماني،هذا القائد الذي استحق لقب حكيم القدس عن جدارة لدوره البارز في الدفاع عن مدينة القدس وعروبتها، ناهيك عن دوره الحزبي والوطني العام، أما في العمل الحزبي والتنظيمي، فما زالت الجبهة بحاجة لقائد من طراز أمينها العام، يمسك بالحلقة التنظيمية والتي تعتبر الرافعة الأساسية لجوانب العمل الأخرى، فهذه الحلقة تعوزها الحوامل المتمرسة والمتفولذة والمتجددة، والتي تمتلك القدرة على العمل والبناء ، والمتسلحة بوضوح الرؤيا والبرنامج والهدف،ناهيك عن امتلاك الإرادة والقرار، أما في الجانب السياسي فما زالت الجبهة لم تخط لها خطاً ونهجاً سياسياً واضحين بين الجماهير، فهناك ضبابية عالية في هذا الجانب وعدم حسم واضح، وهذا يلقي بظلاله على مواقف وحضور الجبهة وسمعتها وهيبتها بين الجماهير،هذه المواقف التي تشعر في العديد من الأحيان أنها خروج عن النص والموقف وتذيل غير مبرر لهذا الطرف أو ذاك، فالمواقف السياسية يجب أن تكون حادة ونافرة، بدون موالاة أو مواربة،باختصار مازال هناك الكثير من العمل والحرث الجدي ،المطلوب من الجبهة حتى تستطيع أن تتحول إلى حزب جماهيري حقيقي وقائدة ورافعة لأي تيار أو خط ثالث في السياسة والمجتمع الفلسطينيين.
أما على الصعيد الفلسطيني، فنحن نرى أن الساحة الفلسطينية ، تعيش حالة واسعة من الشرذمة والانقسام، والتي وصلت حد الافتراق السياسي والفصل الجغرافي بين شطري الوطن، في صراع على وهم السلطة والمراكز والامتيازات بين قطبي السياسة الفلسطينية(فتح وحماس)، وخدمة لأجندات وأولويات غير فلسطينية، عادة ما يتم إلباسها وتغليفها قصراً بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، هذه الحالة والدوران فلسطينياً في حلقتها المفرغة، قد تقود إلى حالة من التدمير الذاتي للمشروع الوطني، ولكل المنجزات والمكتسبات التي عمدها وحققها شعبنا بالدماء والمعانيات الكبيرة والجسيمة، فحتى المجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي،بحق شعبنا وأهلنا في القطاع مؤخراً، والتي لم توفر لا بشراً ولا حجراً ولا شجراً، لم تدفع هذه القوى للتعالي فوق الجراح والخلافات،من أجل الحوار والتوحد،رغم أن الجماهير الفلسطينية، في كل ساحات الوطن توحدت في معمان النضال والتصدي للعدوان الهمجي على القطاع، والشيء المؤسف والمحزن والمخجل والمهين، أنه في الوقت الذي يوجه فيه العدو الإسرائيلي ،نيران حقده وعنصريته وتطهيره العراقي على شعبنا الفلسطيني،بغض النظر عن انتماءاته الفصائيلية والسياسية والحزبية، تنشغل العديد من القيادات الموتورة من كلا الفريقين، في مباريات وحملات القدح والردح والشتم والسب، في تحميل المسؤوليات ومقولة "أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة"،في تهرب واضح من تحمل مسؤولياتها وتغليبها لفئويتها ومصالحها على المصالح العليا للشعب الفلسطيني،وكأنها تقول بالفم المليان، إما أنا صاحب ومالك الموقف والقرار، وإما أن يذهب الوطن والشعب إلى المجهول والضياع،وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على عقليات مليشياتية وعصبوية مغرقة في الفئوية والأنا،فئويتها فوق وطنيتها.
وبالعودة للقائد المناضل أحمد سعدات، فليس الجبهة الشعبية وحدها تفتقد قدراته وطاقاته المحتجزة والمعطلة بفعل الاحتلال ووجوده خلف القضبان،بل يفتقده العمل الوطني الفلسطيني وشعبه على طول وعرض ساحات هذا الوطن، فهذا القائد قلما أنجبت الساحة الفلسطينية من طينته في الوفاء والإخلاص وصدق الانتماء، وامتلاك الجرأة في الموقف والوضوح في القرار، وعدم المساومة على المبادئ، والقبض عليها والتمسك بها في وقت تتنكر فيه الكثير من القيادات لتاريخها وللثورة والنضال، فأبو غسان لم يأتي للنضال صدفة أو لتحقيق مكاسب ومغانم ومراكز ومناصب وجاه، بل جبل وتشرب النضال ،وخاضه ومارسه بكل أشكاله وأنواعه ، وهو قائد لم يتعالى على الجماهير يوماً من الأيام، بل كان خادم لأصغر شبل في الحزب والتنظيم، ولم يضع الحواجز والمراتب بينه وبين أي رفيق أو حتى إنسان عادي، ورغم كل بساطته وتواضعه ،إلا أنه حاد وصلب في الدفاع عن أرائه ومعتقداته ومواقفه، وحتى جلاديه في مراكز التحقيق والمعتقلات يهابونه، ويعرفون مدى صلابته وصموده، وهو باختصار كان جامعاً وموحداً، وقابلاً للقسمة على جموع رفاق الحزب، ويرى فيه الكثيرين منهم، الجبهوي الحقيقي المعبر عن إرادتهم ومواقفهم ورؤيتهم، وهو نموذجهم ومرشدهم وقائدهم عاش معهم وتربى بينهم وقاسمهم همومهم وزنازين التحقيق "وأبراش" –أسرة- السجون، ولم يخذلهم يوماً، بل كان الدرع الحصين والحامي لكل أسرارهم.
وفي ذكرى مرور عامين على اعتقال "أبو غسان" ورفاقه،فإنه يجب أن يتجند ليس رفاق وأعضاء الجبهة الشعبية في أوسع حملة تضامن معه ومع رفاقه من أجل إطلاق سراحهم،وإطلاق سراح كل أسرى شعبنا الفلسطيني في سجون ومعتقلات الاحتلال،بل يجب أن يتم الطلب والضغط المستمر على السلطة الفلسطينية، من أجل العمل على إطلاق سراحه، كونها كانت جزء من الاتفاقيات التي جرى اعتقال "أبو غسان" ورفاقه في سجونها، وجرى اختطافه والغموض يكتنف موقفها ، وليتجند كل أبناء شعبنا في سبيل أوسع حملة شعبية وجماهيرية من أجل إطلاق سراح أسرانا، وعلى رأسهم قادته ووزرائه وأعضاء برلمانه المأسورين والمختطفين.


القدس –فلسطين

Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: