السبت، مارس 29، 2008

في الانقسام الفلسطيني ... القمة العربية منحازة

نقولا ناصر

لم يسبق في أي وقت ان ساور الوهم أي عربي فلسطيني لكي يعقد أي امل على مؤتمرات القمة العربية ، فكم بالحري اذا كانت قمة كهذه تنعقد والانقسام يكاد يكون عنوانا لها ، ناهيك عن عقد امل على قمة منقسمة لكي توحد انقساما فلسطينيا كانت القمم العربية ذاتها احد الاسباب الرئيسية فيه ولا يبدو ان قمة دمشق ستشذ عن ذلك كما اتضح من تجديد التزامها بمبادرة السلام العربية التي يختلف الفلسطينيون حولها حد الانقسام .

والياس الفلسطيني من قمم العرب ليس مقتصرا على عرب فلسطين بل يشاركهم فيه اشقاؤهم من شعوب الامة المنكوبة بقياداتها ولا يجد الرسميون العرب أي سبب لدحض هذه الحقيقة التي يعرفها القادة قبل شعوبهم . وربما كان احمد القطان ، السفير الدائم للعربية السعودية لدى جامعة الدول العربية الذي سيمثل بلاده في قمة دمشق ، وهي القمة العربية الاولى التي تستضيفها العاصمة العربية السورية ، معبرا عن "الياس الرسمي" عندما قال وهو يعلن التزام الرياض باي قرارات تصدر عن القمة ان "قرارات قمة دمشق والقمم السابقة سوف تظل حبرا على ورق" في غياب "الوحدة" بين العرب (اراب نيوز في 25 الجاري) ، بينما عبر مواطن عن "الياس الشعبي" عندما خاطب القادة العرب (الموقع الالكتروني لفضائية العربية) قائلا: "آمل في ان تحلوا ولو مشكلة عربية واحدة" !

لكن بالرغم من هذا الياس المطبق ما زال عرب فلسطين ، شعبا وقادة ، لا يجدون أي خيار بديل لهم سوى ان يستمروا في الامل بخير ياتيهم من القمم العربية ، لعل وعسى تحدث معجزة في زمن لم تعد غير الشعوب تصنع فيها معجزات ، لذلك يحرصون على المشاركة المنتظمة وعلى المستوى الارفع ، ولم تكن مشاركتهم في قمة دمشق استثناء ، غير ان هذه المشاركة في هذه المرة لا تبعث املا بقدر ما تفاقم الياس الوطني للاسباب التي حدت بالرئاسة الفلسطينية الى المشاركة .

والتصريحات الرسمية للرئيس محمود عباس وكبار مساعديه لم تخف انه يذهب الى دمشق من اجل تجديد "الشرعية العربية" للطريق المسدود الذي يواجه سياساته داخليا وخارجيا ، وللاسف ان كل الدلائل تشير الى انه سوف يحصل على هذه الشرعية ، وبالتالي فان القمة العربية الدورية العادية الجديدة لا تعد الشعب الفلسطيني بغير استمرار الوضع الراهن دون أي تغيير قد يمنحه ولو بصيص امل في حل لازمته الداخلية او انفراج في المفاوضات خارجيا او في دعم لمقاومته الوطنية تعزز صموده على الارض .

وتوجد على جدول اعمال القمة خمسة مواضيع فلسطينية هي مبادرة السلام العربية ومستجدات عملية السلام الفلسطينية والمبادرة اليمنية ودعم ميزانية حكومة سلطة الحكم الذاتي ومصير اكثر من الفي لاجئ عالقين منذ عامين على الحدود السورية العراقية وفي هذا الموضوع الاخير ليس من المتوقع ان تجد القمة مجتمعة حلا "عربيا" فشلت في ايجاده منفردة وهي على الارجح ستدعم الجهود الاممية لايجاد حلول "دولية" مجتزاة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في العراق مما يصب عمليا في "تشتيت" تجمعهم غير الاختياري في سياقات سياسية "واقعية" تبحث عن تصفية لمشكلة اللاجئين بعامة باعتبارها "العقبة الرئيسية" في طريق السلام الاميركي الاسرائيلي .

ومن المرجح كذلك ان تواصل القمة كسابقاتها التعهد بالدعم العربي لميزانية حكومة السلطة وليس من المرجح ان تاخذ القمة في الاعتبار ان هذا الدعم في هذه المرة سوف يستخدم لتعزيز احد طرفي الانقسام الفلسطيني على حساب الطرف الاخر مما يعمق هذا الانقسام واقعيا على الارض ،وبالتالي فان هذا الدعم لن يجد طريقه الى "عموم" الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بل ان حصة كبيرة منه ستذهب الى دعم التنسيق الامني مع دولة الاحتلال تنفيذا لخريطة الطريق التي فعلت طبقا لقرارات مؤتمر انابوليس في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي . والملاحظة الطريفة هنا ان ميزانية جامعة الدول العربية التي يطلب الفلسطيني دعما من قمتها بحاجة هي نفسها الى دعم اذ تعاني من عجز قدره (22) مليون دولار او حوالي (60%) من موازنتها السنوية البالغة (36) مليونا حيث تبلغ قيمة المساهمات المالية متاخرة الدفع (88) مليون دولار .

وفي مستجدات عملية السلام الفلسطينية فان الطريق المسدود الذي وصلت اليه عملية انابوليس غنية عن البيان لكن ما هو بحاجة الى كل البيان هو اصرار الرئاسة الفلسطينية على اقناع قمة دمشق بمواصلة دعمها لمواصلة هذه العملية العقيمة وهو التوجه العام لهذه القمة لدعمها فالقمة التي شاركت بضيوفها ومضيفيها في تلك القمة لا يسعها ولو ادبيا الا ذلك .

وربما يكون "اعلان صنعاء" والمبادرة اليمنية هما الموضوع الوحيد الذي قد تاتي رياح القمة بما لا تشتهيه سفن الرئاسة الفلسطينية غير ان توقع ان تحصل الرئاسة الفلسطينية على مبتغاها في المواضيع الاربعة الاخرى سوف يعزز موقفها لتجاهل أي قرار غير ايجابي ، من وجهة نظرها ، قد يصدر عن قمة دمشق لصالح تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية القائمة على اساس الشراكة .

لكن تظل "مبادرة السلام العربية" هي الرصيد العربي الذي تسوغ الرئاسة الفلسطينية مواصلة نهجها داخليا وخارجيا بالاستناد اليه وحرصت على تكرار حث القمة على عدم سحبها او تعديلها وتستخدم الاجماع العربي عليها اداة في صراعها مع الطرف الآخر في الانقسام الوطني باستخدام تحفظات حماس عليها لتحريض العرب على حماس ، غير ان الاهم من كل ذلك هو ان الرئاسة الفلسطينية تستخدمها تكتيكيا كمسوغ لعملية انابوليس دون ان تكون المبادرة العربية "مرجعية" معتمدة لا في انابوليس ولا في المفاوضات الفلسطينية المنبثقة عنها وقد اعلنت الرئاسة تكرارا انها سوف تلجا الى العرب استنادا اليها للبحث عن بديل لانابوليس في حال فشل هذه الاخيرة .

فقمة دمشق حتى قبل ان يلتئم شمل قادتها جددت يوم الخميس الماضي بعد اجتماع وزراء خارجيتها التزامها بما يسمى "مبادرة السلام العربية" التي يجمع عليها المعتدلون والممانعون على حد سواء والتي نجحوا في اقناع المجتمع الدولي بها لكنهم فشلوا في اقناع "شريك السلام" الاميركي بممارسة نفوذه لدى دولة الاحتلال الاسرائيلي لكي تقبل بها دون شروطها لاجراء تعديلات عليها تفرغها من مضمونها ، في تجاهل كامل للتحفظات الوطنية الفلسطينية عليها ولحقيقة وصولها ، على علاتها ، الى طريق مسدود .

وفي معمعة السجال الدائر حول الازمة اللبنانية لا يفوت المراقب الفلسطيني ملاحظة مفارقتين تاريخيتين في قمة دمشق الاولى ان المقاطعين لها او المخفضين لمستوى مشاركتهم فيها بسبب ازمة لبنان او نتيجة لمضاعفاتها العربية ، بهدف حرمان اية قرارات تتخذها القمة حول هذه الازمة من الشرعية او في الاقل من المصداقية كما ياملون ، بسبب غياب لبنان نفسه عنها ، انما تغيب عنهم حقيقة ان "مبادرة السلام العربية" قد تبنتها قمة بيروت عام 2002 في غياب فعلي وان لم يكن شكليا لفلسطين اذ كان الراحل ياسر عرفات ، ممثل الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة وليس ممثل سلطة الحكم الذاتي وحكومتها فقط ، محاصرا في رام الله ولم يستطع ممثلو واحد وعشرين دولة عربية حتى تامين القاء خطابه لهم عن بعد بحيث وزع نص خطابه عليهم في اليوم التالي فقط !

أما المفارقة التاريخية الثانية فهي استبدال الازمة اللبنانية بالقضية الفلسطينية باعتبارها "القضية المركزية" للامة العربية التي تسوغ مقاطعة القمة حد التهديد بانقسام عربي طويل الامد بينما لم نر أي دولة عربية تقاطع أي قمة بسبب فلسطين بعامة او بسبب حرص على حل الازمة الداخلية الفلسطينية الراهنة يعادل الحرص على حل الازمة اللبنانية بخاصة .

وتكمن مفارقة ثالثة في تساؤل منطقي يفرض نفسه ، اذ كيف يستطيع عرب منقسمون على انفسهم المساهمة بمصداقية في انهاء الانقسام الفلسطيني ، خصوصا اذا كان موقفهم الاستراتيجي متطابقا مع موقف احد طرفي هذا الانقسام ومتعارضا مع موقف الطرف الاخر ؟

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: