الاثنين، مارس 24، 2008

من ذاكرة الأسر 25

راسم عبيدات

الأسيران بلال ضمرة ومحمود خرابيش
شموع على طريق الحرية

.... يقول المناضل بلال ضمرة والذي التقيته في معتقل عسقلان عامي 2005 و2006 ، عندما حكمت بالسجن عشرين عاماً، كنت في ريعان الشباب،وكنت قانعاً أن تلك ضريبة يجب دفعها من أجل الوطن،من اجل الحرية ومن اجل وطن بلا قيود أو حواجز، وعندما استأنف الادعاء العام الإسرائيلي على الحكم، بحجة إن الحكم الذي صدر بحقي مخفف، لم يكن لتلك المسألة أية أهمية تذكر بالنسبة لي، ولم أسعى الى توكيل محام متمرس ولديه الخبرات والقدرات القانونية لمقارعة الجهاز القضائي الإسرائيلي، لقناعتي بأن تلك المحاكم هي صورية وان جهاز المخابرات العامة الإسرائيلي"الشاباك" هو من يتحكم في تحديد الأحكام، والمهم في الموضوع أن الادعاء الإسرائيلي ،استأنف ضدي ،وحكم علي بالسجن المؤبد، وقلت بكل فخر واعتزاز على"بي...." يا بلال، لن تمكث في السجن طويلاً،والثورة الفلسطينية لم تعدم وسيلة أو أسلوباً لتحريرنا من المعتقلات الإسرائيلية، وخصوصاً أننا ما زلنا كحركة أسيرة، نتمثل عملية تبادل الأسرى التي قامت بها الجبهة الشعبية – القيادة العامة والتي تحرر فيها 1150 أسير فلسطيني، من ذوي الأحكام المؤبدة، والذين أغلبهم من تصفهم إسرائيل بالأسرى"الملطخة أيديهم بدماء الإسرائيليين "، ولكن لم يكن نفس هذه الروحية والشعور يخالطان بلال عندما التقيت به عام 2005 في سجن عسقلان، وكان قد مضى على وجوده في المعتقل،أكثر من ثمانية عشر عاماً،حيث يقول بلال ،انظر يا أبو شادي ،من أجل وهم السلطة والمصالح والمراكز والاقتتال الداخلي،أضعنا زهرات شبابنا، ونحن لم نعد سوى مادة دعائية يستغلونها، القادة ومن مختلف القوى والفصائل في خطاباتهم وشعاراتهم ودعايتهم الانتخابية، والتي جميعها تؤكد على سنعمل وسنسعى وسنستمر، وغيرها من لازمة السين المتكررة والمجوفة والمفرغة من أي معنى أو مضمون، وحركة فتح التي انتمينا إليها كانت حركة عظيمة وعملاقة، وشكلت العمود الفقري للثورة والنضال الفلسطيني، وانظر الآن ماذا حل بها،أغرقوها بالفساد والفاسدين وأصحاب المصالح والمراكز،ولم تعد فتح هي فتح التي انتمينا إليها،وانأ في بعض الحيان ورغم أنني غير نادم على ما قدمته والثمن الذي دفعته، إلا أنه ينتابني شعور رهيب بأن نضالاتنا ذهبت سدى أو في غير محلها، وأنا وغيري من الأسرى القدماء ومن مختلف ألوان الطيف السياسي، كم كانت صدمتنا قوية ،عندما جاءت اتفاقيات أوسلو، وتركت مصيرنا في أيدي الإسرائيليين، يتحكمون في شروط الإفراج ويخترعون تقييمات وتصنيفات وتقسيمات للأسرى، وبما أضعف من هيبة ووحدة الحركة الأسيرة، وما أن تجاوزنا تأثيرات وانعكاسات مرحلة أوسلو على الحركة الأسيرة ، حتى جاء الاقتتال والاحتراب الداخلي الفلسطيني، والذي لم يترك أي من المحرمات أو الخطوط الحمراء ،إلا وتجاوزها وأريق الدم الفلسطيني وأزهقت الأرواح على مذبح الفئوية والمصالح والمراكز والامتيازات، وشنت إدارات سجون حملة قمع على الحركة الأسيرة، وقامت بخطوة من شأنها زيادة ضعف الحركة الأسيرة وخلق المزيد من الإحباط واليأس في صفوفها، حيث وضعت أسرى الحركة الإسلامية(حماس والجهاد)،في أقسام خاصة، مفصولة عن أقسام أسرى منظمة التحرير الفلسطينية، تحت حجج وذرائع عدم خلق احتكاك ومشاكل بين أسرى فتح وحماس، على خلفية ما يحصل خارج السجون، والمسألة لم تعد قصراً على خلق المعانيات عند الأسرى أنفسهم، بل تعدت المسألة ذلك الى الفصل بين الأهالي في الزيارات، وبما يزيد من معانياتهم وإذلالهم.
وبلال من الأسرى البسطاء والمنتمين للوطن لا للحزب أو الفصيل، وجل اهتمامه منصب أن يخرج من الأسر، ويشاهد والدته قبل أن تغادر الدنيا، هذا الوالدة التي وقفت أمام الكثير من أبواب المعتقلات الإسرائيلية التي رحل أو رحل إليها بلال من أجل أن تزوره وتطمئن عليه، وكم تعرضت للإهانات والذل والتفتيش المهين من قبل السجانين، وفي كل مرة تزور بلال تشحنه بالمعنويات، وتدعوه للصبر والصمود، وتقول له "السجن عمره ما سكر بابه على الرجال"، خليك رجل يمه يا بلال.
أما المناضل محمود الخرابيش من بدو منطقة أريحا،والذي التقيته أيضاً في سجن عسقلان في عامي 2005و2006 ، وكان قد مضى على وجوده في المعتقل 18 عاماً،فهو النموذج الحقيقي للأسير الفلسطيني، فهو إنسان يمتاز بالطيبة والبساطة الشديدة، ويقول نحن أسرى منطقة أريحا منسيون كما هو حال منطقتنا، لا يتعرفون علينا أو على أهالينا ،إلا في المواسم الانتخابية، ويقول الخرابيش أنا قدمت ودفعت ثمناً نضالياً وشخصياً ولا أريد من السلطة شيء سوى أن تعيش وتحييا أسرتي بكرامة، وكان يقول لي للمرحوم الدكتور أحمد المسلماني كتبت وخاطبت كل رجالات السلطة من احمد قريع الى صائب عريقات والمحافظ وغيرهم، من أجل أن يساعدوا أسرتي في بناء سكن لائق بهم كبشر، ولكن لا حياة لمن تنادي، وعلى ما أذكر فإنه كتب بذلك مناشدة للرئيس في الجريدة،على أمل أن يلقى هذا المناضل الاهتمام والعناية اللائقة، ولكن أيضاً لم تثمر مناشدته ، وفي اليوم الذي كنت سأغادر فيه المعتقل،وأتحرر من المعتقل تطوع الخرابيش وقص لي شعري، وضحكنا مطولاً، وقال لي يا أبو شادي وصيتي لك أن لا تعود مجدداً الى المعتقل، فيكفي ما قدمته وأنت رجل تقدم بك العمر، وأنا أريد منك أن تحاول مع الجهات المسؤولة،أن تحاول تحريك الملف فيما يخص إيجاد بيت متواضع للعائلة، وأنت تعرف ابنتي ستدخل الجامعة ،وهذا يعني مصاريف والتزامات، وعلى ما اعتقد أن أبناء الأسرى يفترض أن يكون لهم الأولية في مساعدات تخص الدراسة،والخرابيش لا يريد منّة من أحد أو ثمناً لتضحياته ونضالاته،بل ما يريده أن يكون هناك اهتمام بالعائلة، وهو إنسان مرح يمتاز بكرم البدو ولا يمتاز بخبثهم، وهو بالمطلق لا يبني ويقيم علاقاته الاعتقالية على أسس حزبية وتنظيمية، ولا يتطلع الى أن يحتل مراكز أو مراتب تنظيمية،وأكثر ما يمقت التوتر في العلاقات في الأسرى، ودائماً يقول أن المستفيد من ذلك هو إدارات السجون، وهذه الإدارات معنية،ببث روح الفرقة والخلاف بين أبناء الحركة الأسيرة خدمة لأهدافها ومصالحها.
والأسيران بلال ضمرة ومحمود الخرابيش هما نموذجان مصغران لأوضاع الحركة الأسيرة الفلسطينية، هذه الحركة العملاقة التي كانت وما زالت قلاع حصينة وخنادق نضالية متقدمة، واجب السلطة والأحزاب تجاهها وتجاه أسرهم وعائلاتهم الاحتضان والرعاية الكافيتين، والعمل بشكل جاد وفعلي من أجل تأمين إطلاق سراحهم، فحسن النوايا والمناشدات لن تجدي نفعاً ورهن إطلاق سراحهم لذلك،سيحول الكثيرين منهم من شهداء مع وقف التنفيذ الى شهداء فعليين، وليبادر الجميع لتحريرهم قبل فوات الأوان.

القدس – فلسطين

23/3/2008
Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: