الأربعاء، مارس 05، 2008

هذا النصر شر من هزيمة...

نبيل عودة

لم يفاجئني "انتصار حماس العظيم " على جيش اسرائيل . مثل هذه الانتصارات أصبحت تقليدا عربيا منذ النصر الألهي في لبنان . محمود الزهار في خطابه ، يذكرني بكل المنتصرين بثمن خرائب شعوبهم ، وباتساع "مقابرها القومية" . كيف ننتصر دون أن تزداد مقابرنا ، ونذرف الدموع ألما وضياعا واحباطا ؟ أمس انتصرنا بمئات القتلى والاف الجرحى في لبنان ، انتصرنا بجلب الدمارلقرى وأحياء وجسور وبنى تحتية أعادت لبنان نصف قرن الى الوراء ، ربما من معاني الآنتصار الألهي أيضا احباط خطط الصهاينة باعادة لبنان قرنا كاملا الى الوراء.. لم يسمح لهم المنتصر الالهي الا باعادة لبنان نصف قرن فقط !! واليوم في غزة مئات القتلى والجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ ، والجرحى يموتون بدون فرصة للعلاج في دولة حماستان المنتصرة الاهيا على دولة الصهاينة في حرب الأيام الخمسة للزهار ، انتصرت حماس بمئات المنازل المدمرة ومئات الاف الأشجار المقلوعة والطرقات المجرفة ، ولم يتبق ما يصلح للتدمير في دولة حماستان الا الانسان الفلسطيني ، وسيكون الانتصار العظيم يوم تصبح غزة مقبرة جماعية كبيرة للحلم الفلسطيني .
الم ينتصر طاغية العراق في وقته صدام حسين على ايران بمليون ضحية وتدمير اقتصاد العراق ، ونشر المقابر الجماعية للمعارضين ، وقطع آذان المتخلفين عن الموت في الجبهة ، وهروب ملايين العراقيين الى المنفى؟..
الم ينتصر بشار الأسد يوم أعلن ، بعزيمة قوية ... ردا على الغارة الاسرائيلية الأخيرة ، وقبلها ردا على تحليق الطيران الاسرائيلي الاستفزازي فوق قصره الرئاسي ، ان الرد السوري سيكون مؤلما و"في الوقت المناسب" ؟ .. ويا ويل المعتدين من العرب اذا تبين ان العرب يملكون في دنياهم مثل هذا " الوقت المناسب "!!
ربما نحن العرب لم نعد نعرف معنى الخجل . ولم نعد نعرف معنى " الوقت المناسب" .
فقط أحزابنا الألهية تعرف كيف تحقق الانتصارات بتدمير أوطانها وتعريض مواطنيها للقتل والتشويه ، فهي بالحساب الأخير لن تخسر شيئا ، لا سلطة ولا برامج تطوير ، ولا بنى تحتية ، ولا أموالا ، ولا تطوير للتعليم والعلوم والضمانات الصحية والاجتماعية ، وضمان مستقبل ابناء الوطن . ولن يقلقها ازدياد ديون الدولة وخراب الاقتصاد ، ولا تتعطل احلامها الالهية بالجنائن السماوية ... انما تزداد اتساعا واقترابا من الحلم والوهم !!

قلبي يؤلمني على شعبي ،وكل شعب ... يتعرض للقتل اليومي وتدمير مرافق حياته ، لأن صناضيد حماس واشباههم يواصلون تحرير غزة الفلسطينية من الفلسطينيين. يواصلون العابهم النارية مع الوحش العسكري للشرق الأوسط بوهم انهم ينزلون به الخسائر والهزائم.
ليس مستهجنا ان يقارن المراقبون السياسيون بين حزب الله وحماس ، الأول زج بلبنان في حرب لا يريدها الشعب اللبناني ، خدمة لملالي قم واتباعهم العرب في دمشق . والثاني يزج بالشعب الفلسطيني في حرب تتناقض مع آفاق الوصول الى حل يخرج الحلم الفلسطيني الى الضوء.
الأول تمرد ويواصل التمرد على الشرعية اللبنانية ، والثاني تمرد ويواصل التمرد على الشرعية الفلسطينية.
الأول يهدد بابادة اسرائيل ، مؤمنا ان موت اللبنانيين وتدمير لبنان انتصار الاهي، والثاني يسير على دربه مهددا بابادة العدو الاسرائيلي بين خرائب ومقابر الشعب الفلسطيني ، مؤمنا ان الموت انتصار فلسطيني .
الأول اذا استمر سيقود لبنان الى كارثة ، من الصعب تقدير مداها ، والثاني اذا استمر سيقود الشعب الفلسطيني الى ضياع لا عودة منه ، ربما لمئات السنين القادمة .
هل من يوقف هذه المغامرات بمصير الانسان اللبناني والفلسطيني ؟
هل من يصون حقوق الشعب الفلسطيني ومستقبله ، من اخطر اعدائه ، المنتصرون في غزة؟
هل من يصون حقوق الشعوب العربية من مصائبها السلطوية ، والواهمين بالانتصار عبر المزيد من الدمار والموت؟

لا لست انهزاميا ، ولست ممن يعومون على شبر من السياسة .ولست أعمى البصر والبصيرة .. ولست سعيدا بالهزائم العربية ، وما زالت مرارة هزائمنا تملأني ألما وحنقا .ولكني أحب شعبي ويؤلمني انه ما زال يصدق الدجالين، ما زال يصدق المهزومين من ساسة لا يؤتمنون الا على تسييس الخيل . وارى طريق الكوارث في هذا الزمن العربي الأسوأ من السيء. أرى الانتصارات الوهمية وما ستجلبه من كوارث اذا تواصل وهمنا بأصحابها. أرى كيف تحول اغتيال نشيط عسكري من حزب الله ، ربما من أقرب المقربين عربيا لحزب الله الى حدث له امتداد دولي ، بينما قتل شخصيات مركزية ، من رؤساء حكومة ووزراء ، أخرجوا لبنان من حربه الأهلية ، وأعادوا بناء مؤسساته وبناه التحتية ، وفتحوا آفاق الانطلاق الى المستقبل امام شعبه ، وشخصيات لم تحمل في تاريخها الا القلم ولم تحترم الا العقل ، لم يثر أدنى غضب او تنديد ورفض من الحزب الالهي ، رغم انه اتهم اسرائيل بالجرائم وانتهى الموضوع عند هذه العبارة . هل لنا ان نستنج ما هو وراء الصمت على قتل الشخصيات اللبنانية ، وأحدهم هو جورج حاوي ، الشيوعي الحقيقي الذي بادر الى تنظيم المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني . وربما جاء قتله للحيلولة دون اسماع صوته ضد بيع الحزب الشيوعي وصحافته بالمزاد العلني في سوق الملالي؟!

لا استهتر بالصمود الذي حققه رجال حزب الله ، ولا استهتر ببطولات اسطورية ليس لنا معرفة سابقة للجيوش العربية بها. ولا استهتر بالمعنى الاستراتيجي ، السياسي والعسكري ... الذي انجز في هذه الحرب . ولكني مضطر الى طرح سؤال جوهري ، لمصلحة من زج بالشعب اللبناني في هذه الحرب التي لم يتحضر لها ولم يتخذ القرار بخوضها ، ونزلت عليه نزول الكارثة؟!
نفس السؤال ينطبق على الأبطال الفلسطينين الذين يضحون بأرواحهم في حرب غير متكافئة اطلاقا ومدمرة للحلم الفلسطيني . ان ما يجري في غزة هو استمرار للتمرد على الشرعية الفلسطينية . هو استمرار في قتل كل أمل في الوصول الى اقامة وطن قومي للشعب الفلسطيني ووقف نزيف الدم الفلسطيني .
ان ما ترتكبه اسرائيل في قطاع غزة ، وما ارتكبته في لبنان سابقا هي جرائم حرب بشعة، ان استهداف المدنيين لا تبرير له . أيضا لا استطيع الا القول ان استهداف المدنيين في اسرائيل جريمة حرب بكل المقاييس التي نعتبر فيها استهداف اسرائيل للمدنيين الفلسطينيين جرائم حرب . ان حربا تجري بين قوتين تستهدفان المدنيين ، في غزة او في غيرها هي تجاوز لكل مفاهيم أمنية أو نضالية .
ان أكبر انتصار للشعب الفلسطيني هو عودة قطاع غزة الى حضن السلطة الفلسطينية ، وعزل كل المغامرين بمصير هذا الشعب الذين يدفعونه الى الموت والضياع .
ان حماس تعطي التبرير الكامل للعدوان الاسرائيلي ، وتفتح امام اسرائيل الفرصة للمزيد من التملص بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة . وانتصارات حماس ستنزل المزيد من الكوارث على شعبنا وحقوقه .
نحن لا نعيش على أوهام وخرافات حماس . منذ الساعة الأولى ، من انتصار حماس في الانتخابات الفلسطينية كتبت ان انتصار حماس كارثة للشعب الفلسطيني . وللأسف رؤيتي لم تكن بعيدة عن الواقع الكارثي الذي تقود حماس شعبنا الفلسطيني اليه.. طريق الانتصارات الالهية!!
والمؤلم اننا نتألم بصمت ولا نجرؤ على بق الحصوة والصراخ بوجه حماس : كفى !!
أعطوا للسلطة الفلسطينية ان تقود نضال شعبنا بما يتلاءم وظروفنا المعقدة والمركبة داخل الحصار الاسرائيلي والعربي . على الأقل تعالوا نجرب هذه الطريق ، طريق المفاوضات .. التي تآمرنا عليها ، ونعمل بنشاط فلسطينيين مضللين وعربا اتباعا لوأدها.

نبيل عودة – كاتب واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات: