محمود كعوش
ما يحدث في الدانمرك هو جزء من حملة صهيونية متواصلة ضد الإسلام والمسلمين
كاتب وباحث من فلسطين المحتلة مقيم في الدانمرك
الأسباب الحقيقية للإساءة
بما أن الوقائع والممارسات اليومية تدلل على أن الولايات المتحدة هي زعيمة العالم الغربي بلا منازع وهي من يرسم سياسات بلدانه ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤونها الداخلية والخارجية، أرى أن من الضروري أن أذّكر عند صدور أي إساءة أو بذاءة من هذا البلد الغربي أو ذاك ضد الدين الإسلامي أو المسلمين أو خير البرية (ص) بأن السياسة الأميركية التي أصبحت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 رهينة رؤية صهاينة "تيار المحافظين الجدد" هي موضع شك وريبة من قبل خصوم الولايات المتحدة، وهي المسؤولة قبل غيرها عن هذه الإساءة أو تلك البذاءة.
وعلى خلفية هذه الحقيقة يمكن النظر إلى ما صدر في الدانمرك وبلدان غربية أخرى من إساءات وبذاءات استهدفت الإسلام والمسلمين ونبيهم الكريم (ص)، كان أبلغها نشر رسوم الكاريكاتور المسيئة قبل عامين وبضعة شهور وإعادة نشرها من جديد هذا العام.
هذه السياسة ما برحت منذ ذلك التاريخ تقدم الأدلة والقرائن التي تؤكد مضي الولايات المتحدة في ممارسة نهجها الفاشي والتصرف مع البلدان والشعوب التي لا تدور في فلكها، وبالأخص الإسلامية والعربية، بمنطق القوة ودبلوماسية البوارج والقاذفات الصاروخية، انطلاقاً من نزعة العدوان التي تطبع تطلعاتها الاستعمارية الهادفة لفرض نفوذها وهيمنتها العسكرية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية عليها، واستجابة لمنطق رئيسها الأعوج المتمثل بشعار "من ليس معنا فهو ضدنا" الذي رفعه عشية تلك الهجمات التي كانت موقع إدانة العالم كله، بما في ذلك العالم الإسلامي والوطن العربي.
فالولايات المتحدة وفي مسعى حثيث ودائم منها لبلورة هذه السياسة الرعناء لا تتورع عن سُلوك شتى الطرق والسبل الملتوية واستعمال كل الوسائل الفتاكة والأساليب الدنيئة المبنية على قوة البطش والإجرام والمغلفة بالنفاق والخداع والكذب والتدليس والتضليل والتشويه وقلب الحقائق وازدواجية المعايير.
وهي من أجل ذلك لا تتردد في كيل الإساءات والبذاءات والاعتداءات بشكل مباشر أو بالواسطة عبر كبار وصغار حلفائها وعملائها في بلدان الغرب، ومن بينها الدانمرك حيث توجد حكومة المحافظ "أناس فوغ راسموسين" التي تدين بالولاء الكامل لإدارة "المحافظين الجدد" في واشنطن وتصطف خلفها في حربها المتواصلة ضد ما اصطلح على تسميته "الحرب ضد الإرهاب".
المصطلحات الزئبقية والعالم الحر
لذا نراها تسخر خليطاً من المصطلحات الزئبقية الزائفة التي تشرف على فبركتها مطابخ الدعاية الصهيونية التي يُمسك بتلابيبها "المحافظون الجدد"، الذين لم يعد يهمهم غير خدمة مصالح الكيان اللقيط في تل أبيب والمسيحية اليمينية المتطرفة، حتى لو اقتضى ذلك توجيه كل أنواع الإساءات والبذاءات الكريهة والمُدانة للإسلام والمسلمين وأكرم خلق الله (ص)، بشكل مباشر أو بالواسطة.
والولايات المتحدة تسعى لأن تكون حملة الإساءات والبذاءات المتواصلة بمثابة "صاعق تفجير" تشعله بين الحين والأخر بدعوى "حرية الرأي والتعبير" السائدة في "العالم الحر" ليبقى سيفاً مسلطاً فوق رقاب المسلمين والعرب، تؤلب بواسطته الرأي العالم العالمي وبالأخص الغربي وبأخص الخصوص الأوروبي ضدهم وقت ما تشاء ووقت ما تتطلب مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني ذلك.
ولا شك أن الرسوم المسيئة التي نشرتها جريدة "يولاند بوستن" قبل عامين وأعادت نشر واحدة منها بالتزامن مع نشرها في 16 جريدة ووسيلة إعلام دانمركية أخرى في 13 فبراير /شباط هذا العام تحت سمع وبصر حكومة راسموسين والعالم الغربي أجمع قد جاءت في هذا السياق.
حسابات وأهداف استراتيجية مدروسة
ولقطع الشك باليقين وإثبات أن الإساءات الغربية المتكررة للرسول الكريم (ص) التي تندرج في إطارها جريمة نشر الرسوم الكاريكاتورية في الدانمرك عام 2005 وتكرار نشرها فيها هذا العام ودعوات بعض القادة الغربيين من أمثال وزير الداخلية الألماني "فولفغانغ شويبل" إلى تعميمها في كل الجرائد ووسائل الإعلام الأوروبية والغربية ليست عملية ارتجالية فردية بنت لحظتها ولا شكلاً من أشكال "حرية الرأي والتعبير" المزعومة وإنما هي حملة صهيونية متواصلة تسير وفق خطة ومنهجية جهنمية محكمة الحلقات أريد من ورائها خدمة حسابات وأهداف استراتيجية محددة ومدروسة، لا بد من تناول هذه القضية بكثير من الشفافية والموضوعية المستندتين إلى غيض من فيض الحقائق والأدلة المتوفرة والتي هي بالأصل غربية المصادر، لوضع النقاط على الحروف وتبيان دور "اللهو الخفي" الصهيوني في هذه الحملة.
من المفيد أن أبدأ بالإشارة إلى أن كل من يجتاز الطريق الممتد بين مدينة أرهوس ثاني أكبر المدن الدانمركية وبلدة سكانابورغ في شبه جزيرة يولاند التي تصل الدانمرك بألمانيا أو يتصفح جريدة "يولاند بوستن" أو يزور موقعها الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية يمكنه مشاهدة النجمة السداسية التي تمثل رمزاً رئيسياً وهاماً للصهاينة واليهود وهي تتصدر واجهة مبنى الجريدة وأعلى صفحتها الورقية الأولى وصفحتها الإلكترونية الرئيسية، وهو "تقليد" حرص الصهاينة واليهود المتشددون على التمسك به وإظهاره بشكل دائم وواضح في كل مكان يعيشون ويتواجدون فيه وفي كل موقع ينشطون من خلاله، على جميع الأصعدة والمستويات الإعلامية والثقافية والاقتصادية والرياضية والدينية والدنيوية.
علاقة فلمنغ روز ودانيال بايبس
وكما بات معروفاً منذ تفجر الأزمة الأولى للرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم في 30 سبتمبر/ أيلول 2005 فإن المحرر الثقافي في جريدة "يولاند بوستن" اليهودي والأوكراني الأصل الذي ينشط تحت اسم "فلمنغ روز" والذي يعمل رسام الكاريكاتور "كورت وسترغورد" بإمرته كان ولم يزل على علاقة وثيقة بحكام تل أبيب وصهاينة "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة الذين يقفون وراء الحملة الضارية على الإسلام والمسلمين ونبيهم الكريم محمد المعصوم (ص) وعلى العروبة والعرب ويؤيدون الكيان الصهيوني ويدعمون التوجهات الاستعمارية الأميركية الجديدة، التي عبرت عن نفسها بشكل عدواني وسافر بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وتلاشي نفوذه العالمي واستئثار الولايات المتحدة بالنظام العالمي أحادي القطبية، والتي تجسدت عملياً في احتلال أفغانستان والعراق وترويض "أنظمة الاعتدال العربي" ومحاولة فرض الذل والوصاية على فلسطين ولبنان والسودان والصومال.
ويرتبط "فلمنغ روز" "المشكوك بصحة اسمه" بصداقة حميمة وخاصة جداً مع الأكاديمي والكاتب والباحث الأميركي الشهير "دانيال بايبس"، أحد أكبر غلاة الصهاينة في التيار سالف الذكر، والذي كان قد عمل مديراً سابقاً لمعهد السياسة الخارجية الأميركية ويعمل الآن عضواً أساسياً ونافذاً في مجلس إدارة "معهد الولايات المتحدة للسلام" إلى جانب إدارته لـ"منتدى الشرق الأوسط" في واشنطن الذي يخدم من خلاله سياسات إدارة الرئيس جورج بوش الابن الخارجية، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق منها بـ"منطقة الشرق الأوسط" وما يُسمى زوراً وبهتاناً "الحرب على الإرهاب"!!
ويُشار في هذا الصدد إلى أن "منتدى الشرق الأوسط" كان قد بدأ العمل في عام 1990 كمؤسسة حكومية قبل أن يتحول في عام 1994 إلى مؤسسة خاصة يسيطر عليها "المحافظون الجدد" الموالون لتل أبيب بلا حدود أو تحفظ والذين توجه عملهم "لجنة العلاقات العامة الأميركية - الإسرائيلية"، المعروفة اختصاراً باسم "إيباك".
وكان "روز" قد سافر في أكتوبر/تشرين الأول 2004 إلى الولايات المتحدة حيث اجتمع هناك بعدد من "المحافظين الجدد" على رأسهم ملهمه وصديقه "دانيال بايبس"، وحسبما جاء في مقالة لـ"بايبس" نفسه حملت عنوان "رسوم الكرتون الدانمركية وأنا" فإن لقاءه مع "روز" جرى في مكتبه في فيلادلفيا في الخامس والعشرين من ذات الشهر، قبل أن يعود الأخير إلى الدانمرك وينشر في التاسع والعشرين منه مقالة في "يولاند بوستن" تحت عنوان "خطر الإسلاموية" أفرط فيها في مدح "بايبس" وأفكاره وتصوراته عن الدين الإسلامي والمسلمين.
بايبس أحد أبرز قادة الحملة الظالمة
ولفت الانتباه والاستهجان في تلك المقالة تركيز "روز" على ما أسماه "الحاجة لحشد أوروبا وتعبئتها في إطار حرب الحضارات ضد العالم الإسلامي"، وقوله أن "بايبس مندهش جداً لأنه لا يجد إدراكاً واسعاً في أوروبا لحقيقة الخطر الذي يمثله الإسلام"!!
و"بايبس" "سيئ الصيت والسمعة" هذا هو أحد أبرز قادة الحملة الظالمة والمغرضة التي تُشن ضد الإسلام والمسلمين والعروبة والعرب في العالم وضد الأميركيين من أصول إسلامية وعربية داخل الولايات المتحدة، وهو زعيم حملة الإرهاب والترهيب وكم الأفواه التي تُمارس بشراسة وبشكل متواصل ضد الأكاديميين وأساتذة الجامعات الأمريكية الذين يجاهرون بمناهضتهم للكيان الصهيوني ويقومون بانتقاد الممارسات العنصرية لقادته وجيشه، وضد الذين يظهرون تعاطفاً مع الفلسطينيين وتأييداً لقضيتهم العادلة.
ولا شك أن مؤلفاته السياسية والبحثية والتحليلية من أمثال "الإسلام الجهادي يصل أميركا" و"الجنود العبيد والإسلام" و"في الطريق إلى الرب" و"الطغاة الودودون" و"تخلف سوريا عن السلام" و"دليل المستعرب للعامية المصرية" تنطق بكنه شخصيته الكريهة وتعكس حجم حقده على الإسلام والعروبة ومدى عدائه وكراهيته للمسلمين والعرب!!
ومن فرط تطرفه وانحيازه السافر للكيان الصهيوني كان "بايبس" ولم يزل يرى "إن الطريق إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط لا يتأتى إلا من خلال الهيمنة العسكرية الكاملة لهذا الكيان على منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأن الإسلام دين إرهاب ويمثل خطراً داهما على العالم"، وكان ولم يزل يروج للمعزوفات الفكرية التلمودية الصهيونية والعنصرية البغيضة التي "أكل الدهر عليها وشرب" ولم تعد تنطلي حتى على صغار العقول، والتي أصبحت مثار جدل واستهجان كبيرين من قبل بعض اليهود المتنورين من أمثال البريطاني "جون روز" مؤلف كتاب "أساطير الصهيونية"، أحد أبرز الكتب إثارة للجدل بين الصهاينة واليهود المتطرفين.
وكثير من الكتاب والباحثين والمعلقين والمحللين والصحافيين الغربيين، وبالأخص الأميركيين والدانمركيين المعتدلين والموضوعيين منهم، يجزمون بأن لـ"بايبس" ومن ورائه صهاينة "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة بمن فيهم صقور إدارة الرئيس بوش الابن طبعاً يداً طويلة ومباشرةً في الترتيب لنشر الرسوم في جريدة "يولاند بوستن" الدانمركية في 30 سبتمبر /أيلول 2005 وإعادة نشرها فيها في 13 فبراير / شباط من العام الجاري بالتزامن مع نشرها في 16 جريدة ووسيلة إعلام دانمركية أخرى، وذلك من خلال المحرر الثقافي للجريدة سيئة الذكر "فلمنغ روز" ورسام الكاريكاتور "كورت وسترغورد" صاحب الرسم الوحيد الذي أعيد نشره، وهو واحد من 12 رسماً كانت الجريدة الآثمة قد قامت بنشرهم في المرة الأولى.
ويؤكد هؤلاء أن هدف "بايبس" و"المحافظين الجدد" من وراء نشر الرسوم في الدانمرك وبعض البلدان الغربية الأخرى في عام 2005 وإعادة نشرها من جديد في الدانمرك هذا العام وحذو النرويج حذوها ولربما بلدان غربية أخرى من بينها بلدان أوروبية في قادم الأيام هو تأجيج العداء ضد الإسلام والعروبة في أوروبا خدمة للصهيونية وكيانها العنصري الذي قام على حساب أرض فلسطين المباركة وتشتيت شعبها البطل، لمعرفتهم بأن المسلمين والعرب سيحتجون على الإساءة لرسولهم الكريم (ص) وسيعبرون عن ذلك بوسائل مختلفة لن يروق بعضها للأوروبيين والغربيين في الإطار الأعم.
ويدللون على ذلك بما قاله وكتبه كل من "روز" و"بايبس" بعد نشر الرسوم في المرة الأولى، والإطار الذي وضعا فيه هذه المسألة الدقيقة والحساسة من خلال مقالاتهما المغرضة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، قال "روز" في إحدى مقالاته التي خصصها للدفاع عن جريمة نشر الرسوم المسيئة ومحاولة تبريرها "إن هذه حرب ثقافية بين الغرب والإسلام، وفي داخل العالم الإسلامي نفسه، إن المسألة تتعلق بالاندماج، وفيما إذا كان دين الإسلام يتوافق مع المجتمع العلماني المعاصر؟"!!
وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضاً، قال معلمه "بايبس"، الذي اشتهر بمقالاته المفرطة في العداء للإسلام والعروبة والتي اعتاد على نشرها بين الحين والآخر في كبريات الجرائد والمجلات الأميركية اليمينية المعروفة بتطرفها ونزعتها الصهيونية، في واحدة من تلك المقالات حملت عنوان "الرسوم والإمبريالية الإسلامية" وجاءت في سياق مسلسل مقالات كتبها حول الرسوم المسيئة لخير البرية "إن القضية الرئيسية في معركة الرسوم هي: هل سينبري الغرب للدفاع عن قيمه ومبادئه بما في ذلك حرية التعبير، أم أنه سيترك المسلمين يفرضون عليه أنماط حياتهم الخاصة؟ لا مساومة على ذلك، وعلى الغربيين أن يستعيدوا حضارتهم وينعموا بحريتهم الكاملة، بما في ذلك حقهم في توجيه الإهانة والإساءة لمن يريد النيل من قيمهم ومبادئهم كائناً من كان!!".
الأخوان روث ستين و"قنبلة في العمامة"
وفي رأي لي نشرته في 6 مايو /أيار 2006 تحت عنوان "وشهد شاهدان من أهله!!" وتناولت من خلاله بالمعالجة والتحليل كتاب الأخوين الدانمركيين كلاوس وميغل روث ستين الذي أصدراه في كوبنهاغن حول الأزمة الأولى للرسوم المسيئة بعد شهور قليلة من تفجرها وأسمياه "قنبلة في العمامة"، تطرقت إلى ما ذهب إليه الأخوان روث ستين في كتابهما من أمور أكدت العلاقة الشيطانية بين الصهيونية وما جرى في الدانمرك، وانتقل منها إلى بلدان أوروبية وغربية أخرى.
فقد أرجع الأخوان روث ستين سبب تصاعد أزمة الرسوم إلى جهل كبير عند أقطاب السياسة الغربيين بمن فيهم الدانمركيين بالدين الإسلامي الحنيف "لأنهم لا ينظرون إليه إلا كدين يُصدر الإرهاب، ولأن تعصبهم لقيمهم على حساب قيم الآخرين وإغماض عيونهم وصم آذانهم عن رؤية وسماع الحقيقة لقيمهم جعلاهم يضربون عرض الحائط بقيم الثقافات الأخرى، وعلى وجه الخصوص قيم الثقافة الإسلامية"، وحملا السياسيين الدانمركيين في الموالاة والمعارضة وفي مقدمهم رئيس الحكومة أناس فوغ راسموسين وزعيمة "حزب الشعب الدانماركي" اليمني المتطرف "بيا كياسغورد" المسؤولية المباشرة لتفجر الأزمة وتفاقم الأوضاع بين المسلمين والدانمرك ومن خلفها العالم الغربي "لأنهم مالوا في تعاملهم مع أزمة الرسوم إلى العنصرية أكثر من ميلهم إلى إيجاد حل يُخرج الدانمرك من أزمتها، ولأنهم استغلوا الأزمة لجني مكاسب سياسية ذاتية وتحقيق مآرب وأهداف شخصية، من خلال بث الأكاذيب المختلفة وتضليلهم الرأي المحلي".
ونعت كلاوس وميغل روث ستين في كتابهما السياسيين الدانمركيين بنعوت وأوصاف مختلفة أبرزها "أبطال الحروب في العالم"، وذلك بسبب "قصر نظرهم وتبنيهم الأعمى والأحمق لسياسات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ودعمهم السافر لها في حربيها العدوانيتين على أفغانستان والعراق"، ورأيا "أن تحول الدانمرك من اليسار إلى اليمين كان ثمرة ضغوط مكثفة مارستها الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة المتناغمة مع تيار المحافظين الجدد بعد هجمات 11 سبتمبر /أيلول 2001 الأمر الذي عكس نفسه سلباً على علاقات الدانمرك بالبلدان الإسلامية والعربية".
جهل الغرب بالإسلام
وفيما انقسم الدانمركيون إبان أزمة الرسوم الأولى، كما هو حاصل الآن، إلى معسكرين أحدهما لا يكترث لما يجري والآخر يؤيد نشر الرسوم المسيئة باعتبار أنها شكل من أشكال "حرية الرأي والتعبير" وعلى رأسهم رئيس الحكومة وزعيمة "حزب الشعب الدانمركي"، اعتبر الأخوان روث ستين مسألة الرسوم "مقصودة وثمة من وقف وراء رسمها ونشرها بهدف كسر شوكة المسلمين وإيذائهم، انتقاماً للضربات الموجعة التي وجهتها بعض الجماعات المتطرفة لعواصم ومدن غربية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، لقد أشعلت تلك الضربات موجة غضب وسخط على الإسلام في نفوس الغربيين ما لبثت أن تفاقمت وتمددت إلى أن طالت الدانمركيين، ولم يعد بإمكان الغرب المتحضر التفريق بين حرية الرأي والتعبير وحرية العقيدة".
الأخوان الدانمركيان رأيا أن جهل الغرب بمن فيه الدانمرك بالإسلام وإيمان المسلمين بالله الواحد الأحد واعتزازهم بدينهم ونبيهم الكريم (ص) خلق فيه حالة من الذعر استغلتها بعض وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية لتضليل الناس بأكاذيب عن الإسلام واتهامه زوراً وبهتاناً بالإرهاب، متعمدة وضع ستارة سوداء على الوجه الرائع لهذا الدين بكل ما حمله من تسامح ومساواة وعفو عند المقدرة، وهذا ما دعاهما إلى التساؤل عن الوجهة التي يقود صناع القرار في الدانمرك مواطنيهم إليها "بعد أن زرعوا الكراهية والحقد على الإسلام في نفوسهم، في الوقت الذي يتبجحون فيه بأن الدستور يكفل حرية الرأي والتعبير للجميع، وأن الحرية تكفل لجميع الناس حق اعتناق الدين الذي يريدون وحق الدفاع عنه".
هذه العلاقة المريبة والمشينة بين الصهيونية ممثلة بحكام الكيان الغاصب في تل أبيب و"تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة وجريمة النشر المتكرر للرسوم المسيئة للرسول العربي"ص" في الدانمرك وبلدان غربية أخرى من بينها بلدان أوروبية عديدة، والتي أكدها كتاب وباحثون ومعلقون ومحللون وصحافيون غربيون من بينهم كلاوس وميغل روث ستين وأمثالهما وهم كُثر، هي التي ألحت على ضمير الكاتب والصحافي الأميركي صاحب الدراية الكبيرة بشؤون الإسلام والمسلمين كريستوفر بولين وجعلته يتساءل بسخرية لاذعة بعد استعراضه للعلاقة الممجوجة بين "فلمنغ روز" و"دانيال بايبس" عن مغزى ما فعله الأول، وعما إذا كان مسيحياً صهيونياً يقود حملة صليبية - دانمركية ضد الإسلام، أو أنه كان ملحداً لا يكن احتراماً لمعتقدات المسلمين أو يهودياً مخلصاً يلوح بالجنسية الدانمركية ويشارك في حملة صهيونية ضد المسلمين والعرب، ليخلص إلى القول: "رأيي أن الاحتمال الأخير هو الصحيح، فـ"روز" هو يهودي يقود حملة صهيونية، وعلاقته ببايبس تؤكد أن نشر الرسوم هو لحسابات وأهداف استراتيجية صهيونية".
وبولين الكاتب في "أميركان فري برس" أكد في مقالة أرسلها لموقع "مركز الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث" أن علاقة فلمنغ روز مع صهاينة "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة هي علاقة مؤكدة وثابتة، وأشار بولين في مقالته إلى مقابلة سبق لجريدة "نيويورك تايمز" أن أجرتها مع روز وأجاب فيها على سؤال عن عدم نشره رسماً كاريكاتورياً لرئيس حكومة الكيان الصهيوني السابق الإرهابي "آرئيل شارون" وهو يقبض على أنفاس طفل فلسطيني بالقول :"إن فعل ذلك يُعد عملاً عنصرياً". وأضاف أن "روز" امتنع عن الإجابة على سؤال وُجه إليه من قبل "أميركان فري برس" حول سبب دفاعه عن "شارون" الذي كان متهماً بجرائم حرب وإساءات متكررة للرسول الكريم (ص).
إلا رسول الرحمة
ما ذهب إليه كتاب وباحثون ومعلقون ومحللون وصحافيون غربيون منهم كلاوس وميغل روث ستين وكريستوفر بولين أكده أخيراً علماء ومفكرون وباحثون مسلمون ومسيحيون تداعوا لمناقشة جريمة تكرار نشر الرسوم المسيئة في الدانمرك في ندوة حاشدة نظمها في العاصمة الأردنية عمان "مركز الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث" المشار إليه سابقاً بالتعاون مع "شبكة إسلامنا" وحملت عنوان (إلا رسول الرحمة).
لقد أجمع هؤلاء في بيانهم الختامي على "أن ما قامت به الصحف الدانمركية بقصد الإساءة إلى الرسول الكريم (ص) قد تجاوز كل القيم والخطوط الحمراء في احترام الرموز الدينية، ولا يمت بصلة إلى حرية الرأي والتعبير، بل هو انتهاك صارخ وصريح لتلك الحرية"، ونبهوا من أن التطرف المتمثل بالإصرار على الإساءة للنبي (ص) "ينتج عنه تطرف مضاد يقود لمستقبل دموي في العلاقة بين الأمم والشعوب"، وأن "إعادة سبعة عشر جريدة ووسيلة إعلام دانمركية نشر تلك الرسوم أخرج القضية من إطار الحالات المحدودة والفردية ليحولها إلى ظاهرة يستوجب التعامل معها بشكل جدي".
وخلصوا في البيان إلى أنهم "اطلعوا على حقائق ومعلومات وأدلة دامغة تثبت تورط أتباع الفكر المتطرف للمسيحيين المتصهينين في الوقوف وراء تلك الإساءات بغية إشعال الصراع الحضاري والديني بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية"، موضحين بأن "العديد من زعماء الحزب الجمهوري الأميركي يتزعمون ويغذون هذه العقيدة المتطرفة لإذكاء العداء بين الإسلام والمسيحية من خلال هذه الانتهاكات وردود الفعل التي تلحقها".
أيادي الشر الصهيوني
لا تفكروا طويلاً بعد الآن أيها المسلمون والعرب، ولا تهنوا أو تتهاونوا لا كثيراً ولا قليلاً!! قفوا وتنبهوا، وفتشوا دائماً عن أيادي الشر الصهيوني في كل ما يجري ويُحيق بالمسلمين والعرب من مخاطر وشرور في الأوطان وخارجها لتحذروها وتتعاملوا معها بكل وعي وذكاء.
نعم إن ما يحدث في الدانمرك ويتسرب منها إلى بلدان أوروبية وغربية أخرى هو جزء من حملة صهيونية جهنمية متواصلة ضد الإسلام والمسلمين ونبي الرحمة (ص) تقف وراءها مطابخ "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة بإيعاز من حكام الكيان الغاصب في تل أبيب وتنفذ فصولها الأدوات المأجورة المنتشرة في عالم الغرب، بما في ذلك الدانمرك طبعاً.
وللحديث بقية...
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
kawashmahmoud@hotmail.com
ما يحدث في الدانمرك هو جزء من حملة صهيونية متواصلة ضد الإسلام والمسلمين
كاتب وباحث من فلسطين المحتلة مقيم في الدانمرك
الأسباب الحقيقية للإساءة
بما أن الوقائع والممارسات اليومية تدلل على أن الولايات المتحدة هي زعيمة العالم الغربي بلا منازع وهي من يرسم سياسات بلدانه ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤونها الداخلية والخارجية، أرى أن من الضروري أن أذّكر عند صدور أي إساءة أو بذاءة من هذا البلد الغربي أو ذاك ضد الدين الإسلامي أو المسلمين أو خير البرية (ص) بأن السياسة الأميركية التي أصبحت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 رهينة رؤية صهاينة "تيار المحافظين الجدد" هي موضع شك وريبة من قبل خصوم الولايات المتحدة، وهي المسؤولة قبل غيرها عن هذه الإساءة أو تلك البذاءة.
وعلى خلفية هذه الحقيقة يمكن النظر إلى ما صدر في الدانمرك وبلدان غربية أخرى من إساءات وبذاءات استهدفت الإسلام والمسلمين ونبيهم الكريم (ص)، كان أبلغها نشر رسوم الكاريكاتور المسيئة قبل عامين وبضعة شهور وإعادة نشرها من جديد هذا العام.
هذه السياسة ما برحت منذ ذلك التاريخ تقدم الأدلة والقرائن التي تؤكد مضي الولايات المتحدة في ممارسة نهجها الفاشي والتصرف مع البلدان والشعوب التي لا تدور في فلكها، وبالأخص الإسلامية والعربية، بمنطق القوة ودبلوماسية البوارج والقاذفات الصاروخية، انطلاقاً من نزعة العدوان التي تطبع تطلعاتها الاستعمارية الهادفة لفرض نفوذها وهيمنتها العسكرية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية عليها، واستجابة لمنطق رئيسها الأعوج المتمثل بشعار "من ليس معنا فهو ضدنا" الذي رفعه عشية تلك الهجمات التي كانت موقع إدانة العالم كله، بما في ذلك العالم الإسلامي والوطن العربي.
فالولايات المتحدة وفي مسعى حثيث ودائم منها لبلورة هذه السياسة الرعناء لا تتورع عن سُلوك شتى الطرق والسبل الملتوية واستعمال كل الوسائل الفتاكة والأساليب الدنيئة المبنية على قوة البطش والإجرام والمغلفة بالنفاق والخداع والكذب والتدليس والتضليل والتشويه وقلب الحقائق وازدواجية المعايير.
وهي من أجل ذلك لا تتردد في كيل الإساءات والبذاءات والاعتداءات بشكل مباشر أو بالواسطة عبر كبار وصغار حلفائها وعملائها في بلدان الغرب، ومن بينها الدانمرك حيث توجد حكومة المحافظ "أناس فوغ راسموسين" التي تدين بالولاء الكامل لإدارة "المحافظين الجدد" في واشنطن وتصطف خلفها في حربها المتواصلة ضد ما اصطلح على تسميته "الحرب ضد الإرهاب".
المصطلحات الزئبقية والعالم الحر
لذا نراها تسخر خليطاً من المصطلحات الزئبقية الزائفة التي تشرف على فبركتها مطابخ الدعاية الصهيونية التي يُمسك بتلابيبها "المحافظون الجدد"، الذين لم يعد يهمهم غير خدمة مصالح الكيان اللقيط في تل أبيب والمسيحية اليمينية المتطرفة، حتى لو اقتضى ذلك توجيه كل أنواع الإساءات والبذاءات الكريهة والمُدانة للإسلام والمسلمين وأكرم خلق الله (ص)، بشكل مباشر أو بالواسطة.
والولايات المتحدة تسعى لأن تكون حملة الإساءات والبذاءات المتواصلة بمثابة "صاعق تفجير" تشعله بين الحين والأخر بدعوى "حرية الرأي والتعبير" السائدة في "العالم الحر" ليبقى سيفاً مسلطاً فوق رقاب المسلمين والعرب، تؤلب بواسطته الرأي العالم العالمي وبالأخص الغربي وبأخص الخصوص الأوروبي ضدهم وقت ما تشاء ووقت ما تتطلب مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني ذلك.
ولا شك أن الرسوم المسيئة التي نشرتها جريدة "يولاند بوستن" قبل عامين وأعادت نشر واحدة منها بالتزامن مع نشرها في 16 جريدة ووسيلة إعلام دانمركية أخرى في 13 فبراير /شباط هذا العام تحت سمع وبصر حكومة راسموسين والعالم الغربي أجمع قد جاءت في هذا السياق.
حسابات وأهداف استراتيجية مدروسة
ولقطع الشك باليقين وإثبات أن الإساءات الغربية المتكررة للرسول الكريم (ص) التي تندرج في إطارها جريمة نشر الرسوم الكاريكاتورية في الدانمرك عام 2005 وتكرار نشرها فيها هذا العام ودعوات بعض القادة الغربيين من أمثال وزير الداخلية الألماني "فولفغانغ شويبل" إلى تعميمها في كل الجرائد ووسائل الإعلام الأوروبية والغربية ليست عملية ارتجالية فردية بنت لحظتها ولا شكلاً من أشكال "حرية الرأي والتعبير" المزعومة وإنما هي حملة صهيونية متواصلة تسير وفق خطة ومنهجية جهنمية محكمة الحلقات أريد من ورائها خدمة حسابات وأهداف استراتيجية محددة ومدروسة، لا بد من تناول هذه القضية بكثير من الشفافية والموضوعية المستندتين إلى غيض من فيض الحقائق والأدلة المتوفرة والتي هي بالأصل غربية المصادر، لوضع النقاط على الحروف وتبيان دور "اللهو الخفي" الصهيوني في هذه الحملة.
من المفيد أن أبدأ بالإشارة إلى أن كل من يجتاز الطريق الممتد بين مدينة أرهوس ثاني أكبر المدن الدانمركية وبلدة سكانابورغ في شبه جزيرة يولاند التي تصل الدانمرك بألمانيا أو يتصفح جريدة "يولاند بوستن" أو يزور موقعها الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية يمكنه مشاهدة النجمة السداسية التي تمثل رمزاً رئيسياً وهاماً للصهاينة واليهود وهي تتصدر واجهة مبنى الجريدة وأعلى صفحتها الورقية الأولى وصفحتها الإلكترونية الرئيسية، وهو "تقليد" حرص الصهاينة واليهود المتشددون على التمسك به وإظهاره بشكل دائم وواضح في كل مكان يعيشون ويتواجدون فيه وفي كل موقع ينشطون من خلاله، على جميع الأصعدة والمستويات الإعلامية والثقافية والاقتصادية والرياضية والدينية والدنيوية.
علاقة فلمنغ روز ودانيال بايبس
وكما بات معروفاً منذ تفجر الأزمة الأولى للرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم في 30 سبتمبر/ أيلول 2005 فإن المحرر الثقافي في جريدة "يولاند بوستن" اليهودي والأوكراني الأصل الذي ينشط تحت اسم "فلمنغ روز" والذي يعمل رسام الكاريكاتور "كورت وسترغورد" بإمرته كان ولم يزل على علاقة وثيقة بحكام تل أبيب وصهاينة "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة الذين يقفون وراء الحملة الضارية على الإسلام والمسلمين ونبيهم الكريم محمد المعصوم (ص) وعلى العروبة والعرب ويؤيدون الكيان الصهيوني ويدعمون التوجهات الاستعمارية الأميركية الجديدة، التي عبرت عن نفسها بشكل عدواني وسافر بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وتلاشي نفوذه العالمي واستئثار الولايات المتحدة بالنظام العالمي أحادي القطبية، والتي تجسدت عملياً في احتلال أفغانستان والعراق وترويض "أنظمة الاعتدال العربي" ومحاولة فرض الذل والوصاية على فلسطين ولبنان والسودان والصومال.
ويرتبط "فلمنغ روز" "المشكوك بصحة اسمه" بصداقة حميمة وخاصة جداً مع الأكاديمي والكاتب والباحث الأميركي الشهير "دانيال بايبس"، أحد أكبر غلاة الصهاينة في التيار سالف الذكر، والذي كان قد عمل مديراً سابقاً لمعهد السياسة الخارجية الأميركية ويعمل الآن عضواً أساسياً ونافذاً في مجلس إدارة "معهد الولايات المتحدة للسلام" إلى جانب إدارته لـ"منتدى الشرق الأوسط" في واشنطن الذي يخدم من خلاله سياسات إدارة الرئيس جورج بوش الابن الخارجية، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق منها بـ"منطقة الشرق الأوسط" وما يُسمى زوراً وبهتاناً "الحرب على الإرهاب"!!
ويُشار في هذا الصدد إلى أن "منتدى الشرق الأوسط" كان قد بدأ العمل في عام 1990 كمؤسسة حكومية قبل أن يتحول في عام 1994 إلى مؤسسة خاصة يسيطر عليها "المحافظون الجدد" الموالون لتل أبيب بلا حدود أو تحفظ والذين توجه عملهم "لجنة العلاقات العامة الأميركية - الإسرائيلية"، المعروفة اختصاراً باسم "إيباك".
وكان "روز" قد سافر في أكتوبر/تشرين الأول 2004 إلى الولايات المتحدة حيث اجتمع هناك بعدد من "المحافظين الجدد" على رأسهم ملهمه وصديقه "دانيال بايبس"، وحسبما جاء في مقالة لـ"بايبس" نفسه حملت عنوان "رسوم الكرتون الدانمركية وأنا" فإن لقاءه مع "روز" جرى في مكتبه في فيلادلفيا في الخامس والعشرين من ذات الشهر، قبل أن يعود الأخير إلى الدانمرك وينشر في التاسع والعشرين منه مقالة في "يولاند بوستن" تحت عنوان "خطر الإسلاموية" أفرط فيها في مدح "بايبس" وأفكاره وتصوراته عن الدين الإسلامي والمسلمين.
بايبس أحد أبرز قادة الحملة الظالمة
ولفت الانتباه والاستهجان في تلك المقالة تركيز "روز" على ما أسماه "الحاجة لحشد أوروبا وتعبئتها في إطار حرب الحضارات ضد العالم الإسلامي"، وقوله أن "بايبس مندهش جداً لأنه لا يجد إدراكاً واسعاً في أوروبا لحقيقة الخطر الذي يمثله الإسلام"!!
و"بايبس" "سيئ الصيت والسمعة" هذا هو أحد أبرز قادة الحملة الظالمة والمغرضة التي تُشن ضد الإسلام والمسلمين والعروبة والعرب في العالم وضد الأميركيين من أصول إسلامية وعربية داخل الولايات المتحدة، وهو زعيم حملة الإرهاب والترهيب وكم الأفواه التي تُمارس بشراسة وبشكل متواصل ضد الأكاديميين وأساتذة الجامعات الأمريكية الذين يجاهرون بمناهضتهم للكيان الصهيوني ويقومون بانتقاد الممارسات العنصرية لقادته وجيشه، وضد الذين يظهرون تعاطفاً مع الفلسطينيين وتأييداً لقضيتهم العادلة.
ولا شك أن مؤلفاته السياسية والبحثية والتحليلية من أمثال "الإسلام الجهادي يصل أميركا" و"الجنود العبيد والإسلام" و"في الطريق إلى الرب" و"الطغاة الودودون" و"تخلف سوريا عن السلام" و"دليل المستعرب للعامية المصرية" تنطق بكنه شخصيته الكريهة وتعكس حجم حقده على الإسلام والعروبة ومدى عدائه وكراهيته للمسلمين والعرب!!
ومن فرط تطرفه وانحيازه السافر للكيان الصهيوني كان "بايبس" ولم يزل يرى "إن الطريق إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط لا يتأتى إلا من خلال الهيمنة العسكرية الكاملة لهذا الكيان على منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأن الإسلام دين إرهاب ويمثل خطراً داهما على العالم"، وكان ولم يزل يروج للمعزوفات الفكرية التلمودية الصهيونية والعنصرية البغيضة التي "أكل الدهر عليها وشرب" ولم تعد تنطلي حتى على صغار العقول، والتي أصبحت مثار جدل واستهجان كبيرين من قبل بعض اليهود المتنورين من أمثال البريطاني "جون روز" مؤلف كتاب "أساطير الصهيونية"، أحد أبرز الكتب إثارة للجدل بين الصهاينة واليهود المتطرفين.
وكثير من الكتاب والباحثين والمعلقين والمحللين والصحافيين الغربيين، وبالأخص الأميركيين والدانمركيين المعتدلين والموضوعيين منهم، يجزمون بأن لـ"بايبس" ومن ورائه صهاينة "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة بمن فيهم صقور إدارة الرئيس بوش الابن طبعاً يداً طويلة ومباشرةً في الترتيب لنشر الرسوم في جريدة "يولاند بوستن" الدانمركية في 30 سبتمبر /أيلول 2005 وإعادة نشرها فيها في 13 فبراير / شباط من العام الجاري بالتزامن مع نشرها في 16 جريدة ووسيلة إعلام دانمركية أخرى، وذلك من خلال المحرر الثقافي للجريدة سيئة الذكر "فلمنغ روز" ورسام الكاريكاتور "كورت وسترغورد" صاحب الرسم الوحيد الذي أعيد نشره، وهو واحد من 12 رسماً كانت الجريدة الآثمة قد قامت بنشرهم في المرة الأولى.
ويؤكد هؤلاء أن هدف "بايبس" و"المحافظين الجدد" من وراء نشر الرسوم في الدانمرك وبعض البلدان الغربية الأخرى في عام 2005 وإعادة نشرها من جديد في الدانمرك هذا العام وحذو النرويج حذوها ولربما بلدان غربية أخرى من بينها بلدان أوروبية في قادم الأيام هو تأجيج العداء ضد الإسلام والعروبة في أوروبا خدمة للصهيونية وكيانها العنصري الذي قام على حساب أرض فلسطين المباركة وتشتيت شعبها البطل، لمعرفتهم بأن المسلمين والعرب سيحتجون على الإساءة لرسولهم الكريم (ص) وسيعبرون عن ذلك بوسائل مختلفة لن يروق بعضها للأوروبيين والغربيين في الإطار الأعم.
ويدللون على ذلك بما قاله وكتبه كل من "روز" و"بايبس" بعد نشر الرسوم في المرة الأولى، والإطار الذي وضعا فيه هذه المسألة الدقيقة والحساسة من خلال مقالاتهما المغرضة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، قال "روز" في إحدى مقالاته التي خصصها للدفاع عن جريمة نشر الرسوم المسيئة ومحاولة تبريرها "إن هذه حرب ثقافية بين الغرب والإسلام، وفي داخل العالم الإسلامي نفسه، إن المسألة تتعلق بالاندماج، وفيما إذا كان دين الإسلام يتوافق مع المجتمع العلماني المعاصر؟"!!
وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضاً، قال معلمه "بايبس"، الذي اشتهر بمقالاته المفرطة في العداء للإسلام والعروبة والتي اعتاد على نشرها بين الحين والآخر في كبريات الجرائد والمجلات الأميركية اليمينية المعروفة بتطرفها ونزعتها الصهيونية، في واحدة من تلك المقالات حملت عنوان "الرسوم والإمبريالية الإسلامية" وجاءت في سياق مسلسل مقالات كتبها حول الرسوم المسيئة لخير البرية "إن القضية الرئيسية في معركة الرسوم هي: هل سينبري الغرب للدفاع عن قيمه ومبادئه بما في ذلك حرية التعبير، أم أنه سيترك المسلمين يفرضون عليه أنماط حياتهم الخاصة؟ لا مساومة على ذلك، وعلى الغربيين أن يستعيدوا حضارتهم وينعموا بحريتهم الكاملة، بما في ذلك حقهم في توجيه الإهانة والإساءة لمن يريد النيل من قيمهم ومبادئهم كائناً من كان!!".
الأخوان روث ستين و"قنبلة في العمامة"
وفي رأي لي نشرته في 6 مايو /أيار 2006 تحت عنوان "وشهد شاهدان من أهله!!" وتناولت من خلاله بالمعالجة والتحليل كتاب الأخوين الدانمركيين كلاوس وميغل روث ستين الذي أصدراه في كوبنهاغن حول الأزمة الأولى للرسوم المسيئة بعد شهور قليلة من تفجرها وأسمياه "قنبلة في العمامة"، تطرقت إلى ما ذهب إليه الأخوان روث ستين في كتابهما من أمور أكدت العلاقة الشيطانية بين الصهيونية وما جرى في الدانمرك، وانتقل منها إلى بلدان أوروبية وغربية أخرى.
فقد أرجع الأخوان روث ستين سبب تصاعد أزمة الرسوم إلى جهل كبير عند أقطاب السياسة الغربيين بمن فيهم الدانمركيين بالدين الإسلامي الحنيف "لأنهم لا ينظرون إليه إلا كدين يُصدر الإرهاب، ولأن تعصبهم لقيمهم على حساب قيم الآخرين وإغماض عيونهم وصم آذانهم عن رؤية وسماع الحقيقة لقيمهم جعلاهم يضربون عرض الحائط بقيم الثقافات الأخرى، وعلى وجه الخصوص قيم الثقافة الإسلامية"، وحملا السياسيين الدانمركيين في الموالاة والمعارضة وفي مقدمهم رئيس الحكومة أناس فوغ راسموسين وزعيمة "حزب الشعب الدانماركي" اليمني المتطرف "بيا كياسغورد" المسؤولية المباشرة لتفجر الأزمة وتفاقم الأوضاع بين المسلمين والدانمرك ومن خلفها العالم الغربي "لأنهم مالوا في تعاملهم مع أزمة الرسوم إلى العنصرية أكثر من ميلهم إلى إيجاد حل يُخرج الدانمرك من أزمتها، ولأنهم استغلوا الأزمة لجني مكاسب سياسية ذاتية وتحقيق مآرب وأهداف شخصية، من خلال بث الأكاذيب المختلفة وتضليلهم الرأي المحلي".
ونعت كلاوس وميغل روث ستين في كتابهما السياسيين الدانمركيين بنعوت وأوصاف مختلفة أبرزها "أبطال الحروب في العالم"، وذلك بسبب "قصر نظرهم وتبنيهم الأعمى والأحمق لسياسات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ودعمهم السافر لها في حربيها العدوانيتين على أفغانستان والعراق"، ورأيا "أن تحول الدانمرك من اليسار إلى اليمين كان ثمرة ضغوط مكثفة مارستها الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة المتناغمة مع تيار المحافظين الجدد بعد هجمات 11 سبتمبر /أيلول 2001 الأمر الذي عكس نفسه سلباً على علاقات الدانمرك بالبلدان الإسلامية والعربية".
جهل الغرب بالإسلام
وفيما انقسم الدانمركيون إبان أزمة الرسوم الأولى، كما هو حاصل الآن، إلى معسكرين أحدهما لا يكترث لما يجري والآخر يؤيد نشر الرسوم المسيئة باعتبار أنها شكل من أشكال "حرية الرأي والتعبير" وعلى رأسهم رئيس الحكومة وزعيمة "حزب الشعب الدانمركي"، اعتبر الأخوان روث ستين مسألة الرسوم "مقصودة وثمة من وقف وراء رسمها ونشرها بهدف كسر شوكة المسلمين وإيذائهم، انتقاماً للضربات الموجعة التي وجهتها بعض الجماعات المتطرفة لعواصم ومدن غربية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، لقد أشعلت تلك الضربات موجة غضب وسخط على الإسلام في نفوس الغربيين ما لبثت أن تفاقمت وتمددت إلى أن طالت الدانمركيين، ولم يعد بإمكان الغرب المتحضر التفريق بين حرية الرأي والتعبير وحرية العقيدة".
الأخوان الدانمركيان رأيا أن جهل الغرب بمن فيه الدانمرك بالإسلام وإيمان المسلمين بالله الواحد الأحد واعتزازهم بدينهم ونبيهم الكريم (ص) خلق فيه حالة من الذعر استغلتها بعض وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية لتضليل الناس بأكاذيب عن الإسلام واتهامه زوراً وبهتاناً بالإرهاب، متعمدة وضع ستارة سوداء على الوجه الرائع لهذا الدين بكل ما حمله من تسامح ومساواة وعفو عند المقدرة، وهذا ما دعاهما إلى التساؤل عن الوجهة التي يقود صناع القرار في الدانمرك مواطنيهم إليها "بعد أن زرعوا الكراهية والحقد على الإسلام في نفوسهم، في الوقت الذي يتبجحون فيه بأن الدستور يكفل حرية الرأي والتعبير للجميع، وأن الحرية تكفل لجميع الناس حق اعتناق الدين الذي يريدون وحق الدفاع عنه".
هذه العلاقة المريبة والمشينة بين الصهيونية ممثلة بحكام الكيان الغاصب في تل أبيب و"تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة وجريمة النشر المتكرر للرسوم المسيئة للرسول العربي"ص" في الدانمرك وبلدان غربية أخرى من بينها بلدان أوروبية عديدة، والتي أكدها كتاب وباحثون ومعلقون ومحللون وصحافيون غربيون من بينهم كلاوس وميغل روث ستين وأمثالهما وهم كُثر، هي التي ألحت على ضمير الكاتب والصحافي الأميركي صاحب الدراية الكبيرة بشؤون الإسلام والمسلمين كريستوفر بولين وجعلته يتساءل بسخرية لاذعة بعد استعراضه للعلاقة الممجوجة بين "فلمنغ روز" و"دانيال بايبس" عن مغزى ما فعله الأول، وعما إذا كان مسيحياً صهيونياً يقود حملة صليبية - دانمركية ضد الإسلام، أو أنه كان ملحداً لا يكن احتراماً لمعتقدات المسلمين أو يهودياً مخلصاً يلوح بالجنسية الدانمركية ويشارك في حملة صهيونية ضد المسلمين والعرب، ليخلص إلى القول: "رأيي أن الاحتمال الأخير هو الصحيح، فـ"روز" هو يهودي يقود حملة صهيونية، وعلاقته ببايبس تؤكد أن نشر الرسوم هو لحسابات وأهداف استراتيجية صهيونية".
وبولين الكاتب في "أميركان فري برس" أكد في مقالة أرسلها لموقع "مركز الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث" أن علاقة فلمنغ روز مع صهاينة "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة هي علاقة مؤكدة وثابتة، وأشار بولين في مقالته إلى مقابلة سبق لجريدة "نيويورك تايمز" أن أجرتها مع روز وأجاب فيها على سؤال عن عدم نشره رسماً كاريكاتورياً لرئيس حكومة الكيان الصهيوني السابق الإرهابي "آرئيل شارون" وهو يقبض على أنفاس طفل فلسطيني بالقول :"إن فعل ذلك يُعد عملاً عنصرياً". وأضاف أن "روز" امتنع عن الإجابة على سؤال وُجه إليه من قبل "أميركان فري برس" حول سبب دفاعه عن "شارون" الذي كان متهماً بجرائم حرب وإساءات متكررة للرسول الكريم (ص).
إلا رسول الرحمة
ما ذهب إليه كتاب وباحثون ومعلقون ومحللون وصحافيون غربيون منهم كلاوس وميغل روث ستين وكريستوفر بولين أكده أخيراً علماء ومفكرون وباحثون مسلمون ومسيحيون تداعوا لمناقشة جريمة تكرار نشر الرسوم المسيئة في الدانمرك في ندوة حاشدة نظمها في العاصمة الأردنية عمان "مركز الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث" المشار إليه سابقاً بالتعاون مع "شبكة إسلامنا" وحملت عنوان (إلا رسول الرحمة).
لقد أجمع هؤلاء في بيانهم الختامي على "أن ما قامت به الصحف الدانمركية بقصد الإساءة إلى الرسول الكريم (ص) قد تجاوز كل القيم والخطوط الحمراء في احترام الرموز الدينية، ولا يمت بصلة إلى حرية الرأي والتعبير، بل هو انتهاك صارخ وصريح لتلك الحرية"، ونبهوا من أن التطرف المتمثل بالإصرار على الإساءة للنبي (ص) "ينتج عنه تطرف مضاد يقود لمستقبل دموي في العلاقة بين الأمم والشعوب"، وأن "إعادة سبعة عشر جريدة ووسيلة إعلام دانمركية نشر تلك الرسوم أخرج القضية من إطار الحالات المحدودة والفردية ليحولها إلى ظاهرة يستوجب التعامل معها بشكل جدي".
وخلصوا في البيان إلى أنهم "اطلعوا على حقائق ومعلومات وأدلة دامغة تثبت تورط أتباع الفكر المتطرف للمسيحيين المتصهينين في الوقوف وراء تلك الإساءات بغية إشعال الصراع الحضاري والديني بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية"، موضحين بأن "العديد من زعماء الحزب الجمهوري الأميركي يتزعمون ويغذون هذه العقيدة المتطرفة لإذكاء العداء بين الإسلام والمسيحية من خلال هذه الانتهاكات وردود الفعل التي تلحقها".
أيادي الشر الصهيوني
لا تفكروا طويلاً بعد الآن أيها المسلمون والعرب، ولا تهنوا أو تتهاونوا لا كثيراً ولا قليلاً!! قفوا وتنبهوا، وفتشوا دائماً عن أيادي الشر الصهيوني في كل ما يجري ويُحيق بالمسلمين والعرب من مخاطر وشرور في الأوطان وخارجها لتحذروها وتتعاملوا معها بكل وعي وذكاء.
نعم إن ما يحدث في الدانمرك ويتسرب منها إلى بلدان أوروبية وغربية أخرى هو جزء من حملة صهيونية جهنمية متواصلة ضد الإسلام والمسلمين ونبي الرحمة (ص) تقف وراءها مطابخ "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة بإيعاز من حكام الكيان الغاصب في تل أبيب وتنفذ فصولها الأدوات المأجورة المنتشرة في عالم الغرب، بما في ذلك الدانمرك طبعاً.
وللحديث بقية...
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
kawashmahmoud@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق