الأربعاء، مارس 12، 2008

القدس ما بعد عملية القدس

راسم عبيدات
.... بعد العملية الفدائية التي نفذها الشهيد علاء أبو دهيم في إحدى المراكز الدينية الأكثر تطرفاً في إسرائيل، انفلتت حملة تحريض عنصرية،ضد السكان العرب في القدس عامة، وسكان جبل المكبر خاصة، وهذه الحملة تعكس وتكشف زيف الإدعاءات الحكومية الإسرائيلية ، حول الرغبة في السلام ،فلم نجد أي مسؤول إسرائيلي، يصرح بأن الحل يكمن في إنهاء الاحتلال، والذي هو جذر المشاكل وأساس البلاء، لكل المعانيات لأهل القدس والشعب الفلسطيني، بل جاءت هذه التصريحات لتحمل روح حقد مغرقة في العنصرية والتطرف، "فحاييم رمون" والذي يعتبر نفسه من الحمائم، يقول" يجب إخراج المكبر وغيرها من القرى الواقعة على أطراف مدينة القدس،من حدود القدس، وأحاطتها بجدار الفصل العنصري، ووزير الأمن الداخلي"ديختر" يطالب بترحيل كل من له علاقة بالمقاومة من سكان القدس مع عائلته الى مدينة رام الله، "وايلي يشاي" زعيم حركة شاس الدينية، يطالب ببناء مئة وحدة سكنية، مقابل كل مستوطن قتل في العملية الفدائية، ناهيك عن أن زعيم المعهد الديني المتطرف الذي نفذت فيه العملية"يعقوب شابيرا وطلبته،يطلبون بهدم بيت عائلة أبو دهيم وإقامة كنيس في جبل المكبر، وإجازة قتل شخصيات مقدسية إسلامية ووطنية بارزة"وليبرمان وآفي ايتام" من اليمين المتطرف الإسرائيلي، يدعيان الى طرد وترحيل سكان المكبر الى مدينة غزة، ناهيك عن الدعوات لفرض قيود على حركة سكان القدس، وتسريع وتائر الاستيطان فيها، والعمل على تهويدها وأسرلتها بكل الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة، حتى وصل الأمر حد الغطرسة والعنجهية، وتوجيه صفعات قوية للطرف الفلسطيني،الذي يصر على التفاوض من أجل التفاوض، من خلال دعوة حركة "شاس" الدينية الى إقامة مستوطنة يهودية في بلدة أبو ديس القريبة من القدس ، مسقط رأس "أبو العلاء" رئيس طاقم المفاوضات الفلسطينية، وكذلك الشروع في تسجيل ما يسمى بأملاك اليهود في القدس الشرقية في دائرة الطابو، في تحد وخرق واضح لكل المواثيق والأعراف الدولية، وإذا ما ربطنا هذه التصريحات ، بالتصريحات التي أطلقتها المؤسستين العسكرية والسياسة الإسرائيليتين، من تصريحات حاقدة وعنصرية ، ضد أهلنا في القطاع أثناء العدوان الأخير عليه، والذي استهدف كل ما له علاقة بالإنسان الفلسطيني، من بشر وشجر وحجر، حيث القتل بدم بارد للأطفال والشيوخ والنساء، وباختصار حرب إبادة منظمة ومبرمجة ،تغذيها تصريحات موغلة في التطرف والعنصرية، كالتي أطلقها وبشر بها ،نائب وزير الدفاع الإسرائيلي"متان فلنائي" سكان القطاع بالمحرقة، في حين دعي زعيم المفدال -الحزب الوطني الديني- "عوزي لاندو" الى إبادة كل سكان أي بلدة فلسطينية، ينطلق منها صاروخ واحد تجاه المدن والبلدات الإسرائيلية،"واسرائيل كاتس" من حزب الليكود دعا الى حرق القطاع من الجو على غرار العمليات الروسية في غروزني عاصمة الشيشان، وغيرها من الأفكار والتصريحات والسيناريوهات التي تنضح بالحقد والعنصرية، وبما يؤشر لطبيعة وحقيقة النوايا الإسرائيلية تجاه شعبنا الفلسطيني.
ومن هنا وفي ظل ما يجري ويبيّت ضد أهل المدينة المقدسة، من ممارسات تهد ف بالمجمل الى شطب الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة،فإنه على الطرف الفلسطيني، والذي يجري تسريبات صحفية من هنا وهناك عن موافقته على تأجيل بحث موضوعة القدس،الى مراحل تفاوضية لاحقة، خوفاً من سقوط الحكومة الإسرائيلية،لأن الأحزاب المؤتلفة مع "اولمرت" في الحكومة تهدد بالانسحاب منها ، إذا ما جرى نقاش أو التطرق الى موضوعة القدس، فهل هذه المواقف تعكس أي رغبة إسرائيلية جدية أو حقيقية في السلام؟ أم أن الحكومة والأحزاب الإسرائيلية ،ترى في هذه المفاوضات العبثية فرصة سانحة لفرض الوقائع والحقائق على الأرض بموافقة فلسطينية، ولذلك على الطرف الفلسطيني المفاوض، أن بتمسك بشكل جدي وحاسم ،بضرورة الوقف الكامل لأية ممارسات إسرائيلية من شأنها تغير الوضع القائم في القدس، وليس تعليق المفاوضات ليوم أو يومين، ومن ثم العودة إليها ،تحت يافطة وذرائع عدم إعطاء الإسرائيليين فرصة للتهرب من المفاوضات، فهذه المفاوضات والتي من مؤتمر"أنابوليس" وحتى اللحظة عقد خلالها عشرين لقاء قمة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي"يهود اولمرت" لم تفضي الى أية نتائج ملموسة، بل تراوح مكانها، وخلالها تقوم إسرائيل بتشديد وتصعيد وتائر قمعها بحق الشعب الفلسطيني، ناهيك عن تشريع وتكثيف الاستيطان في القدس والضفة الغربية،واليوم بعد عملية الشهيد علاء أبو دهيم في إحدى المراكز الدينية المتطرفة، بدلاً من أن تكون دافع وحافز للقيادة الإسرائيلية،للحديث عن ضرورة إنهاء الاحتلال، وعدم الاستمرار في امتهان كرامة الفلسطينيين وإذلالهم، نرى تكالب وتسابق سياسي وديني ومجتمعي إسرائيلي،نحو أكثر وأشرس الطرق حقداً وعنصرية ،لمعاقبة سكان القدس الفلسطينيين، هذا التسابق المسعور والمحموم، يجعلنا واثقين ومتيقنين ،من عدم نضج المجتمع الإسرائيلي للسلام، فهذا مجتمع قائم على العنصرية والعنجهية والتنكر لحقوق الآخرين، ورؤيته للسلام بكافة ألوان وأشكال طيفه السياسي قائمة، على مجموعة من اللاءات، وهي لا للدولة الفلسطينية المستقلة ،ولا لعودة اللاجئين،ولا للانسحاب من القدس،ولا لوقف وإزالة الكتل الاستيطانية الكبرى،بل وحتى أصغر "كرفان" ،باختصار تنكر كلي للحقوق المشروعة الفلسطينية،حتى في حدودها الدنيا، وما يريده الاحتلال، تسليم شامل بشروطه واملاءاته للسلام .
باختصار أن وضع القدس ،بعد عملية القدس،سيكون جداً خطير، وبحاجة لوقفة جادة ومسؤولة، ومن خلال فعل وممارسات ودعم وإسناد حقيقيين على الأرض، وليس من خلال الخطب والشعارات، ودغدغة المشاعر والعواطف"والهوبرات" الإعلامية، ويجب العمل أيضاً على تفعيل البعدين العربي والإسلامي في هذا المجال، فطبيعة الهجمة القادمة على المدينة المقدسة، قد تنطوي على عمليات تطهير عرقي، وترحيل جماعي قسري لسكان القدس الفلسطينيين، وخصوصاً في ظل حملة التحريض والانفلات العنصري، وعلى أعلى المستويات السياسية والمراجع الدينية التوراتية ، ضد السكان العرب المقدسيين، والمسألة لم تعد تحتمل، طرح الخطط والبرامج والمشاريع،لدعم صمود وعروبة القدس، بل هي بحاجة لخطوات عملية وقبل فوات الأوان،فالدعم الشكلي والورقي لن يجدي نفعاً، في ظل المليارات التي يضخها الاحتلال، من أجل أسرلة المدينة وتهويد سكانها، وضياع القدس مسؤولية يتحملها كل العرب والمسلمين، وليس الشعب الفلسطيني وحده.

القدس – فلسطين

Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: