الأحد، مارس 23، 2008

هل يجب أن يشارك لبنان بالقمة؟

سعيد علم الدين
ليكن واضحاً أن قرار مقاطعة أو مشاركة حكومة السنيورة الاستقلالية الدستورية الحرة بقمة دمشق يجب أن يكون قرارا لبنانيا سياديا صرفا، نابعا من الإرادة الوطنية العليا، ولمصلحة لبنان أولا، ولتحقيق هذه المصلحة بالدرجة الأولى ثانياً، بعيدا عن لغة التهويل والتهديد، والتحذير والوعيد، والإلماح والإلحاح، التي صرح بها عمرو موسى، وطلب من لبنان ضرورة المشاركة في القمة العربية, وتحذيره من مغبة الغياب عنها.
هذا الكلام التحذيري من موسى، لم يكذبه بشار الأسد على الأرض بحشده 3 فرق عسكرية على الحدود مع لبنان اضافة الى حشود المنظمات الإرهابية الفلسطينية التابعة لنظامه في منطقة قوسايا البقاعية.
وكأنه على لبنان أن يأتي صاغرا إلى قمة دمشق ليتباهى بشار أمام شعبه ويعلن الانتصار على قوى 14 آذار أو كما سماهم " بالمنتج الإسرائيلي" وأدوات المشروع الأمريكي. أي يعلن الانتصار على إسرائيل والصهيونية وعلى أمريكا والإمبريالية ويضرب عصفورين بحجر القمة العربية.
وهنا نفهم تحذير موسى، بأنه اذا قاطع اللبنانيون قمة بشار الميمونة وكسفوه أمام المجتمعات البشرية، فإنه قد يقدم على مغبة ما لا تحمد عقباه كعادته الصبيانية المعهودة. وسيحرد وسيصعِّدُ بالتالي من وتيرة الاغتيالات والانفجارات ومنسوب المواجهة والعرقلة على الساحة الداخلية بين فريقي الأكثرية والأقلية بعد القمة.
بعيدا عن هذا السيناريو المحتمل ومحاذيره: هل يجب أن يشارك لبنان في القمة؟
سؤال يطرح نفسه بإلحاح على الساحة اللبنانية. الأكثرية النيابية وقوى 14 آذار ليست متشجعة للمشاركة. منها من دعا للمقاطعة ولأسباب مقنعة جدا، ما دام النظام السوري يعرقل انتخاب رئيس الجمهورية، يغلق البرلمان، ويعمل بإصرار وحماقة تاريخية رعناء على هدم النظام الديمقراطي اللبناني. ومنها من اعتبر المشاركة خيانة ولأسباب معروفة، مادام النظام السوري هو المتهم الأول بكل الاغتيالات والانفجارات والحروب التي أصابت لبنان ومنذ التمديد الأحمق للحود خريف 04.
الأقلية بالمقابل ومعظم جماعات 8 آذار يطبلون ويزمرون ويلهثون ويثرثرون للمشاركة لهدف واحد وهو تتويج الوريث بشار الأسد ومبايعته إمبراطورا لملوك ورؤساء وسلاطين وأمراء العرب، بحضور مندوب كسرى متكي، والوزير الأول التركي، والقنصل الكوري الشمالي، وسفير تشافيز الفينزولي، ومبعوث كاسترو الكوبي. وحول الجمع الغفير آلاف كاميرات التصوير تنقل الحدث العظيم لحظة بلحظة وتكة بتكة مباشرةً عبر الأثير.
وهل ممكن أن يستقيم الحفل هذا بمقاطعة إقليم لبنان؟
مقاطعة لبنان هنا يعتبر تمردا على الشرعية البشارية. ولهذا يجب أن يعاقب على تمرده ويدفع الثمن، لكي يخضع ويأتي صاغرا أمام أيدي الإمبراطور.
الجواب على قرار مشاركة لبنان في القمة بسيط ومقرون بمثل عربي يقول:
إذا كان الكلام اللبناني في قمة دمشق من فضة فالسكوت من ذهب والمقاطعة نهائيا من ألماس.
كيف لا والعالم كله صار على علم بقصص التدخلات السورية الإيرانية في لبنان. وهناك قرارات دولية تطلب من جميع الدول وبالأخص من سوريا احترام سيادة واستقلال لبنان وعدم التدخل في شؤونه. الدول العربية لا تحتاج الى تذكير بهذا الخصوص وتعرف قبل غيرها من يعرقل قيامة الدولة اللبنانية وانتخاب رئيس للجمهورية.
خاصة بعد ما حل في لبنان من مآس وويلات، وجرائم اغتيالات، وزعزعة استقرار وإراقة دماء، ومنذ التمديد للحود على يد بشار. ولهذا فليبق كرسي لبنان شاغراً ليكون صارخاً في وجه القتلة!
وليبق كرسي لبنان شاغراً، ليذكر القادة العرب وممثليهم بعذابات لبنان على يد التدخلات والمؤامرات والدسائس والمشاريع السورية الإيرانية.
الرئيس الشيخ أمين الجميل يري أنه: "ليس من مصلحة لبنان ان يكون غائبا وغيره يبحث في قضيته مباشرة". وجهة نظر!
السؤال: ماذا حققت القمم العربية لمشاكل العرب وبالأخص لبنان؟ الجواب: لا شيء!
نَذْكُرُ جميعا قمة الخرطوم والمشادة الكلامية الحادة التي تناقلتها وسائل الإعلام بين الرئيس فؤاد السنيورة ولحود بسبب "المقاومة". هل استطاعت هذه المشادة ومؤتمر القمة وقف الحزب اللاهي عن تحقيق مخططات إيران وسوريا بخطفه الجنديين بإيعاز منهما، وبالتالي تفجير حرب تموز، التي أدت إلى قتل الآلاف من اللبنانيين وتهجير المليون وتدمير البلد؟ لا ! كله كلام بكلام .
فكيف إذا كان هذا الكلام في قمة دمشق العربية تحت الخيمة الصفوية؟
فعندما تنادى الأجداد عام 46 بشوق وحماس واجتمعوا في مصر في أنشاص كانوا طامحين إلى الوحدة والتلاقي بين شعوب تجمعها الكثير من الجذور التاريخية والقومية والدينية والعرقية وتواجهها الكثير من المشاكل والتحديات ومنها مشكلة فلسطين التي كانت تغلي ثورتها في تلك الايام، بالإضافة إلى تحقيق الاستقلال للكثير من دولها التي كانت ترزح تحت الاستعمار. كان الأجداد يحلمون ببناء جامعة قوية فاعلة متماسكة تكون بيتا جامعا لكل العرب: تحميهم من الأعداء، تساعدهم في بناء دولهم، تحل مشاكلهم، توحد قرارهم حيث: الكبير يقف بجانب الصغير، القوي يحمي الضعيف، والغني يساعد الفقير.
لم يكن الاجداد ليحلموا أبدا بأن يتحول الأحفاد أو بعضهم إلى ذئاب مفترسة ينهشون لحم أخيهم الصغير وأذناب لغيرهم. ولم يكن في مخيلتهم أن تتحول سوريا بتاريخها العريق المتألق إلى ذنب للفرس. ودمشق العروبة إلى مربض خيل كسرى، وتنعقد القمة تحت خيمتهم الصفوية.
تأكيدا لما نقول فقد ورد خبر ل "إيلاف" في 14 آذار من بهية مارديني من دمشق: كشفت فيه مصادر سورية عن ان الدعوة التي وجهت الى لبنان لحضور القمة العربية وبالاخراج الذي حدثت فيه بحيث تم تسليم الدعوة الى وزير مستقيل (من المعارضة)الى رئيس الحكومة اللبنانية جرى بالتنسيق مع ايران ومع السعودية وقطر وان هذا الامر كان اشتراطا سعوديا لقبول حضور قمة سورية من" حيث المبدأ ".
هذا الكلام يعني بوضوح أن إيران العجم صار لها الكلمة الفصل على العرب وفي قممهم.
أليس هذا أكبر دليل على أن قمة دمشق صفوية وتخدم المشروع الفارسي وليست فلسطينية بامتياز!
والمعيب في هذا الخبر أن سوريا لم تكن لتدعو لبنان لولا ان السعودية اشترطت عليهم ذلك.
فشل الجامعة العربية رغم محاولات عمرو موسى العديدة في إقناع المحور الإيراني السوري وأتباعه في لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية، دليل على الاختراق الإيراني الوقح للعمق العربي. هذا سيدول قضية انتخاب رئيس الجمهورية بسبب العجز العربي.
ومن هنا على الحكومة اللبنانية أن تقاطع القمة. لتكون المقاطعة صرخة في وجه النظام السوري المسؤول الأول مع الايراني عن وضع العراقيل والتعجيزات لمنع انتخاب رئيس للجمهورية. والذي أرسل عصابة "فتح الإسلام" لزعزعة البلد، ويدعم الدويلات ليبقى لبنان دولة مستباحة وفي مهب ريح أطماع الآخرين.
القمة العربية لن تحل مشكلة. وما حلت مشكلة! حتى ولو قال المعلم بأنها قمة فلسطين بامتياز. وكيف ستحل قمة دمشق المشاكل العربية وهي تُعْقدُ تحت خيمة المحور الإيراني السوري الذي يعمل جاهدا بظلمه وظلامه، وحقده وأزلامه، وفجوره وعناده، على تأجيج المشاكل والأزمات في فلسطين والعراق ولبنان وضرب أمن واستقرار وسلام هذه البلدان المنكوبة بجرائره وأوهامه، وتقويض مشروعها الوطني لقيامها من كبوتها الدموية المأساوية!
نحن لا ننسى دور إسرائيل السلبي في تحقيق السلام المنشود، والدور الأمريكي المنحاز لها في فلسطين. ولكن من يصب الزيت على نارهما المشتعلة وقوض ويقوض المشروع الوطني الفلسطيني ومنذ انطلاقته ببناء السلطة الوطنية الفلسطينية سوى المحور الإيراني السوري؟
وهو الذي شجع حماس على خطف الجندي شاليط وأخذ يتفرج على الفتك الإسرائيلي المجرم لقطاع غزة.
فمن عرقل الحلول ومن خرب العقول ومن وضع لبنان على طريق المجهول وسلم لميشال البهلول سلة الألغام لا يمكن أن يكون هدفه إلا تهميش لبنان وإلغائه. ولبنان يجاهد منذ 3 سنوات بشهدائه وزعمائه الأحرار وحكومته الصامدة وشعبه المنتفض وجيشه البطل وقف هذا التهميش. وقوى الثورة المضادة وأسيادها في قم ودمشق يحاولون المستحيل لإبقاء لبنان مهمشا محطما منكوبا مستباحا.
حتى أن الخلاف المفتعل بين اللبنانيين هو اصطناعي الهدف منه تهميش القرار اللبناني.
والمشاركة دون رئيس أصيل ماروني هي عملية تلميع لنظام الاسد كما لمعته فيروز بطلتها البهية، وكما طلاه وديع الصافي بألوانه الثورجية.
فيا عرب! النظام السوري الحالي الذي تعقدون قمتكم فيه هو ورقة بيد الفرس. ولهذا فإنه سيعقد المشاكل في وجوهكم أكثر ولن يعمل على حل مشكلة واحدة لأن ذلك ليس من مصلحته وليس من مصلحة إيران التي تريد الهيمنة والسيطرة على مقدرات العالم العربي من خلال المتاجرة بقضية فلسطين. وليس لها مصلحة بحل هذه المشكلة.
وهل إضعاف العراق وسوريا ولبنان وجعلهم في قبضه النظام الفارسي يخدم القومية العربية ويحرر فلسطين؟
فشل الجامعة العربية الذريع أو غلطتها الكبرى أنها بنيت على العواطف القلبية والتمنيات، أكثر من الآليات العملية لتحقيق هذه الوحدة العربية المنشودة على غرار الاتحاد الأوروبي. ولهذا تبقى الجامعة حتى اليوم ومعها كل قممها وبياناتها عواطف جياشة وكلمات رنانة وخطب طنانة. وبعد ان ينتهي الاجتماع يعود كل ملك أو رئيس الى قصره الفسيح ليستريح.
نحن نحتاج إلى جامعة تنتهي قراراتها الى آليات عمل. أي عندما تتخذ القمة قرارا يجب أن يطبق بحذافيره في كل الدول المنضوية تحت ظلال الجامعة. أي أن يتحول القرار إلى قانون. وهذا ما نفتقده. عدا ان الجامعة قراراتها تتخذ بالتراضي وهذه ايضا مشكلة. لان الحق اهم من مراضاة اهل الباطل. كما يحدث في لبنان اليوم مثلا في مراضاة من ياخذ البلد علنا الى الحرب الاهلية ويقيم دولة داخل الدولة. صدام حسين لو وقفت في وجهه الجامعة وقفة حق، لما وصل العراق الى هذه الكارثة التي يتحمل مسؤوليتها كل القادة العرب لتخاذلهم عن وقفة حق ضد الباطل. الجامعة هي منظر شكلي أكثر منها عمل فاعل.
ولهذا فمؤتمرات القمة العربية ما هي سوى وفود استعراضية لتبادل القبلات ورسم الابتسامات، وضجة إعلامية نتيجتها القصوى: قرارات لا تنفذ وبيانات لا أحد يأخذ بها. ولو أن القمم العربية ومنذ تأسيس جامعة الدول العربية لها هيبتها على أعضائها، تردع من لا يحترم مواثيقها وتعاقب من لا ينفذ قرراتها:
- لما اجتاح صدام حسين الكويت الصغير دون رادع عربي يذكر وأوصل بحماقاته ورعونته دولة العراق المهابة القوية إلى الذل والاحتلال.
- ولما تحولت لاءات قمة الخرطوم الثلاث المشهورة إلى نعم تتبعها أنعام وعلاقات دبلوماسية وشبه دبلوماسية تجارية بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
- ولما تحولت سياسة مقاطعة إسرائيل إلى مقاطعات ونزاعات بين الدول العربية نفسها.
- ولما استطاعت إسرائيل أن تتحول إلى أقوى قوة عسكرية وسياسية واقتصادية وصناعية ضاربة في منطقة الشرق الأوسط، تفرض سياستها على العالم وتحاصر الفلسطينيين وتفعل ما تريد أمام تخاذل عربي معيب. والكل يخطب ودها حتى أن أكبر دولة إسلامية باكستان هي في الطريق إلى علاقات دبلوماسية معها.
ولو أن الجامعة العربية تفعل ما تقول لحسمت الأمر وطبقت مبادرتها تجاه لبنان حيث البند الأول يقول بانتخاب الرئيس التوافقي ميشال سليمان، ولما ضاعت بتفاصيل أصحاب الطبخات المسمومة والسلال الملغومة والنوايا الخبيثة.

ليست هناك تعليقات: