الخميس، مارس 13، 2008

الجزيرة في مرمى الاستهداف الصهيوني


سعيد الشيخ

مشاعر "اسرائيل" الديمقراطية بامتياز بشهادات عالية مخدوشة هذه الايام!

لا بل هي مجروحة وبحاجة الى عناية خاصة لان قناة الجزيرة الفضائية صوبت عين كاميرات مراسليها في قطاع غزة الى جنودها وهم ينفذون "المحرقة" التي وعد بها احد جنرالات الاحتلال شعبنا الفلسطيني.

لذلك قررت سلطاتها مقاطعة القناة بشكل رسمي بسبب ما ادعته وقوف القناة المتحيز الى جانب الشعب الفلسطيني خلال العدوان الاخير على قطاع غزة. وبذلك ينضم الكيان الصهيوني الى العديد من الانظمة العربية التي قاطعت القناة في وقت سابق على خلفية اسباب مختلفة، الا ان المستهدف الرئيسي من هذه الخطوة تظل الحقيقة التي لا يستسيغها النظام القمعي ولا الاحتلالي على حد سواء.

فالحقيقة ضحية ... مثل كل الضحايا الذين يتساقطون على مذبح الحرية.

فلا النظام العربي الرسمي يجيز الحرية ، ولا مؤسسة الاحتلال تسمح للحرية ان تأخذ مداها لأن عندئذ تكون النتائج فضيحة للمستور الذي تحاول هذه الانظمة اخفاءه عن الرأي العام وقد يتطور هذا المستور الى جريمة بحق حقوق الانسان تؤدي الى محاكمة حسب القوانين الدولية الموقعة في جنيف بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية .

وما قامت به قوات الاحتلال الصهيونية مؤخرا في قطاع غزة من قتل جماعي جلهم من الاطفال يعتبر حلقة من حلقات حرب الابادة المستمرة ضد شعبنا الاعزل ترتقي الى عداد جرائم حرب تحتاج الى محكمة دولية تجلب كل جنرالات الحرب الصهاينة لوضعهم امام المساءلة القانونية لما اقترفته اياديهم الملطخة بدماء الابرياء من ابناء شعبنا على مدى ستين عاما هي عمر النكبة الفلسطينية.

ولكن كيف يمكن وضع هذا الحق حيز التنفيذ والعالم المتحضر الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية قد وضع ضميره في غيبوبة وراح في سبات عميق... ولا بأس لو ارسلنا له السؤال المدوي:
عالمكم المتحضر كم بحاجة لاطفال يتساقطون في الشوارع عند ذهابهم وإيابهم من مدارسهم ،او اطفال رضّع يضرجون بدمائهم وهم في احضان ذويهم كي تدركون حجم الجريمة الصهيونية؟

ان كاميرا الجزيرة في ميدان عملها ليست بعيدة عن هذا السؤال وهي تطالع العالم بمشاهد القتل اليومي للاطفال الفلسطينيين وصور آلة الدمار الصهيونية وهي تدك المنازل الآمنة بعيارات المدفعية وبصوايخ الطائرات الثقيلة، مما سببت الكثير من الحساسية والاحراج للمؤسسة العسكرية الصهيونية التي تعودت من قبل على فعل جرائمها في ظلام دامس وبعيدا عن وسائل الاعلام أو أمام اعلام من طينتها يعتبر قتل العزّل من المدنيين بطولة يعلّموها بكثير من التباهي لاطفالهم في المدارس ضمن مناهج الحقد والعدوانية.

وكان على اعلام اسكندنافي كنت اتابعه اثناء العدوان ويعتبر الى حد ما في عداد سياسة الحياد ان يحسب مرور اربعة ايام وليرتفع عدد الضحايا الى اكثر من مائة ليبدأ ببث اخبار العدوان بصور جامدة لا تحمل في ثناياها رائحة الشواء الآدمي المنبعثة من ارجاء قطاع غزة، في حين لم تمر دقائق معدودة حتى بدأ ذات الاعلام ببث اخبار العملية الفدائية في القدس بكثير من الآسى على المستوطنين اليهود الذين سقطوا صرعى امام رصاص الفدائي البطل.

اما باقي وسائل الاعلام الرسمية العربية ظلت على كسلها وتخلفها تتابع ما يجري بكثير من البرود وتؤخر اخبار المذبحة الى خبر هامشي يأتي بعد اخبار سيادته وفخامته وجلالته واخبار العشيرة كلها حتى يصاب المرء بالملل والغثيان ... ولكن الغثيان الكبير سيأتي في كل مناسبة من اعلام فضائي آخر منافس للجزيرة اقل ما يقال فيه بأن خطابه يدعو الى التفسخ والانحطاط وعلى عكس ما يخدم القضية الفلسطينية "قضية العرب الاولى"! وهو الاعلام السبّاق الذي اسقط حق ضحايانا في الشهادة ونعتهم بالقتلى.

ان الخطوة الصهيونية تجاه مقاطعة فضائية الجزيرة يمنح هذه القناة المزيد من الفخر.وهي شهادة بأن سياسة الجزيرة هي في الخط الصحيح وبما يرضي ابناء امتنا، هؤلاء الذين يستشعرون الخطر الصهيوني المتدحرج باتجاه البلاد العربية كلها.

ولن اغامر لو قلت ان من اوقف محرقة الانسان الفلسطيني الاخيرة هي كاميرا الجزيرة التي صورت الضحايا من اطفال غزة، وبالتالي وضعت العالم على حقيقة صورة القاتل الصهيوني. تلك الصورة التي تتسم بالبربرية والفاشية ، وهي الصورة التي يخشاها جنرالات ادمنوا القتل في الظلام.

ومهمة المحرقة ستظل من الآن وصاعدا صعبة امامهم طالما هناك كاميرا الجزيرة وكل اعلام شريف يؤدي عمله بكل أمانة ويتربص باعمال جنود قوات الاحتلال المشينة.

سعيد الشيخ/ كاتب وشاعر فلسطيني

ليست هناك تعليقات: