الخميس، مارس 20، 2008

على من يدجل حسن نصر الله ؟(4)

سعيد علم الدين

وكما ذكرنا سابقا، ولكي يكون الرد على نصر الله رداً مفحما شاملا مكتملا فلا بد من وضع النقاط على حروف ما قاله في إطاره المكاني والزمني الصحيحين.
عالجنا الإطار المكاني بما فيه الكفاية في المقال الثالث، ونحن الآن في صدد معالجة الإطار الزمني بإسهاب من خلال الشواهد التاريخية، والحقائق الواضحة، والحجج الدامغة، والأحداث الجارية، لكي تكتمل الصورة بأبعادها.
فعلى من يدجل نصر الله مزورا التاريخ، قافزا فوق الوقائع، مستهتراً بالحقائق، مستخفا بالشعب اللبناني المجرب من كثرة تعرضه للويلات والذي لم يعد عقله مخربا كما حصل له في السابق، بقوله الغوغائي الشعبوي: "ان الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان لم تتوقف من العام 48 ولبداية السبعينات أي قبل مجيء الفصائل الفلسطينية الى جنوب لبنان ".
متناسيا ان اتفاق القاهرة عام 69 الذي فُرض على لبنان وأعطى الحق للثورة الفلسطينية بالانطلاق من الجنوب ضد إسرائيل، خرق اتفاق الهدنة الموقع بين البلدين برعاية الأمم المتحدة، وكان السبب المباشر الذي حول لبنان من وطن سيد حر مستقل إلى ساحة مستباحة لمصلحة الآخرين وورقة بأيديهم يستغلونها أبشع استغلال لتحقيق مشاريعهم على حسابه. وهذه هي حقيقة تخبط لبنان في حالة غريبة شاذة ظالمة غير مفهومة للبعض:
- قلبت المفاهيم الوطنية والعربية والقومية والثورية رأساً على عقب، (فصار المقاوم الأول ضد إسرائيل جورج حاوي عدوهم الأول فاغتالوه كما اغتالوا غير من المناضلين اللبنانيين الشرفاء)،
- ومنعت قيام دولته السيدة المستقلة، منتهكة سيادته وباستمرار منذ 40 سنة تقريبا وما زالت.
هي حالةٌ يمر بها لبنان دون غيره من الدول العربية المجاورة لإسرائيل، سمحت وبسهولة لدول أن تنشأ في قلب الدولة وتهيمن عليها وعلى قرارها كدويلة ولاية الفقيه الإيرانية الإلهية الحالية.
بالإضافة إلى أن خرق اتفاق الهدنة والذي ما زال مخترقا بسبب صواريخ وممارسات وتهديدات حزب الله آخرها تهديد نصر الله لإسرائيل "بالمفتوحة"، كان أيضا المسبب الأول لكل الحروب والاختراقات والاجتياحات الإسرائيلية والمآسي التي يتخبط بها لبنان جراء هذا الخرق حتى هذه اللحظة، والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة آخرها الانتهاك البحري للمياه الإقليمية اللبنانية تأتي في هذا السياق.
ولماذا حتى هذه اللحظة؟
لأن حزب حسن نصر الله اعتبر نفسه وبدعم إيراني سوري منقطع النظير الوريث الشرعي للثورة الفلسطينية أو بالأحرى لاتفاق القاهرة الذي أُلْغِيَ نظريا في مجلس النواب، ولكن على الأرض لم يتغير شيء، فقط تبدلت الأسماء بتغطية من النظام السوري وعملاءه اللبنانيين من "فتح لاند" إلى "حزب الله لاند".
حقيقة ما في مشكلة في تحرير الأرض العربية المغتصبة!
ولكن المشكلة الكبرى هنا أن تسعى كل الدول العربية وفي مقدمتها دولة الممانعة البشارية لخيار السلام الاستراتيجي مع إسرائيل، والتفاوض الإلحاحي مع العدو عبر كافة القنوات السويسرية والتركية والروسية وغيرها، ويبقى لبنان وحيدا في هذا الصراع الدامي، وتبقى جميع الجبهات العربية ساكنة في مواجهة العدو سكون القبور، متفرجة فقط على الجبهة اللبنانية التي حسب الطلب السوري الإيراني بين فترة وأخرى تشتعل وتدمر ما بناه اللبنانيون، وبالتالي يبقى مصير لبنان معلقا على كف عفريت لمصلحة الآخرين ومنهم القتلة الأنذال.
والمشكلة الأكبر من الكبرى هنا هو نفاق نظام الممانعة المنكشف على حقيقته المزيفة واستكانته القصوى أمام العدو إلى حد خلع ألبسته الداخلية. وهو هنا لماذا يَرُدُّ ويتعرض لضربات إسرائيل الموجعة والمدمرة، إذا كان هناك في لبنان بعض العملاء قد باعوا أنفسهم له معرضين شعبهم لشتى الكوارث، ليفاوض هو العدو على حساب أمن واستقرار وكرامة وقيامة الدولة اللبنانية؟
أي بما معناه وحدة المسار والمصير فقط على حساب لبنان الصغير!
وأم المشاكل في لبنان اليوم فوق المشكلة الكبرى التي أشرنا إليها، هي فوقية الحزب اللاهي في التعامل مع أبناء الوطن وعبثه بمستقبلهم وحياتهم ومعيشتهم ولقمة عيشهم من خلال احتلاله للوسط التجاري لإفقارهم، واستكباره على زعماء البلاد وتخوينهم كذبا ونفاقا فقط لأن لهم رأي يخالف رأيه، واستهتاره بالدستور إلى درجة الانقلاب عليه، واستكباره على الشرعية في معاداته المبطنة للجيش والقوى الأمنية، وهدمه للنظام الديمقراطي اللبناني من خلال إفراغ رئاسة الجمهورية، وإغلاق مجلس النواب ومحاولة إسقاط الحكومة بطريقة شرسة ومؤامرة مدروسة إنفضحت وأثبتت عقمها. ليس هذا فحسب، بل ويريد الحزب اللاهي فرض مشروعه الإلهي الصفوي على لبنان وإلحاقه بالمشروع الإيراني من خلال كسر إرادة الشعب اللبناني وضرب وحدة بنيه.
ولهذا هو يستعمل من أجل الوصول إلى أهدافه هذه، كل الوسائل الخبيثة ومنها الدجل السياسي، والأساليب المخابراتية الارهابية القمعية المريبة والغير مشروعة في اختراق الطوائف الأخرى باسم ما يسمى "مقاومة" وزرع الفتن بين أبنائها من خلال إبراز زعامات تافه فارغة وفاشلة في الانتخابات الأخيرة لا حجم سياسي وشعبي تمثيلي لها والمبالغة بتكبيرها ونفخها من خلال تمجيدات ووطنجيات وثورجيات وأكاذيب وتلفيقات إعلامه الثرثاري المناري وشراء نفوسها المريضة الوصولية بأمواله الطاهرة الإيرانية وإغداق السلاح الذي يتلقاه من إيران وسوريا على أتباعه منها، هدفه الهيمنة عليها وتخريب وحدتها وزرع سوسته الصفوية فيها.
أكبر دليل على ما نقول ما حدث في طرابلس من قبل الشيخ سيف الدين حسامي الذي أعلن انفصاله عن جبهة العمل الإسلامي بقيادة فتحي يكن بعد أن فضَحَ أساليب الأخير الملتوية في اختراق شباب طرابلس بالشعارات الفارغة والمال والسلاح الإيراني. وفتحي يكن لم يكذب خبرا. فقد اعترف لـ"NTV" أنه "لدينا مواقع تدريب، وهذا التدريب والسلاح غير موجه الى الداخل".
وأيضا شاكر العبسي كان قد أعلن بأن سلاحه ليس موجها للداخل فقط يريد تحرير فلسطين والقدس من البارد ومواجهة المشروع الأمريكي، وتماما كما يقول ويفعل حزب الله ووئام وهاب وناصر قنديل وعلى قانصوه وفتحي يكن وغيرهم الآن.
ودليل آخر على زعزعة أمن واستقرار الطوائف الأخرى، ما حدث في منطقة المنية الشمالية مؤخرا من تبجح إلهي بذكرى الأسير يحي سكاف وإطلاق صاروخين احتفاءً بكلام النائب اللاهي حسين الحاج حسن. وما يدل على أن أزلام حزب الله هم من أطلقوا الصاروخيين، توقيت اطلاقهما.
أي في بداية خطاب الحاج حسن ترحيبا وفي نهايته إرهابا للمواطنين الآمنين على طريقة الحزب اللاهي التي لم تعد تخفى على أحد في إرهاب الشعب اللبناني وقمع حريته. وما يقوم به الحزب اللاهي من سياسة فرق تسد ضمن الطائفة السنية يمارسه أيضا ضد الطائفة المارونية من خلال عون وفرنجية، والدرزية من خلال طلال أرسلان ووهاب. ولكنه سيفشل! لأنه على باطل ومكشوف للشعب المجرب ولم يعد عقله مخرباً.
وكما كنا نسمع في السابق من الأبوات أن طريق فلسطين تمر من جونية وعيون السيمان نسمع اليوم من الأشياخ الصفوية ونرى كيف أن طريق فلسطين تمر من وقصقص والمزرعة و"الطريق الجديدة" وإسقاط حكومة السنيورة بالعنف، واحتلال الوسط التجاري إلى فترات ما شاء الله وحسب الأوامر الإلهية، وربما إلى أن تنتهي ولاية الرئيس بوش ويأتي رئيس أو رئيسة أمريكية تلبي عن طيب خاطر كافة الرغبات البشارية والطلبات الإيرانية.
وكما كانت اعتداءات إسرائيل على لبنان واجتياحاتها له بعد اتفاق القاهرة تأتي دائما ردا على ضربات الفصائل الفلسطينية لها، حدث نفس الشيء في عملية الخطف التي ردت عليها إسرائيل بحرب تموز الكارثية.
أكبر شاهد على ما نقول هي الحدود الأردنية الاسرائيلية التي كانت مشتعلة يوميا (بعد حرب 67 حتى تم للملك حسين طرد الفصائل الفلسطينية في بداية السبعينيات من الأردن) بالضربات والضربات المضادة أبان وجود الثورة الفلسطينية في الأردن. وكيف هدأت بعد ذلك الحدود الأردنية الإسرائيلية كما هي حدود الجولان السوري المحتل.
وهل ننسى معركة الكرامة البطولية التي خاضها مقاتلو فتح ببسالة وصمدوا في وجه الجيش الإسرائيلي وكبَّدوه بدعم من الجيش الأردني خسائر فادحة قبل أن ينسحب.
والان اذا انطلقت عمليات ضد اسرائيل من الجولان فسترد اسرائيل بضرب سوريا. ولو ان نصر الله لم يخطف الجنود لما دمرت اسرائيل لبنان عام 06. فعلى من يدجل الشيخ حسن؟ على شعب الجنوب المنكوب بمغامراته؟
هذا وكشف القرار الاتهامي الذي أصدره قاضي التحقيق العدلي في جريمة تفجير حافلتي عين علق القاضي رشيد مزهر، نشأة تنظيم «فتح الإسلام» وكيفية تولي شاكر العبسي منصب أميره.
وأضاف القرار: «أوقفت السلطات السورية شاكر العبسي خلال شهر أيار (مايو) من العام 2004 مع عدد من الأشخاص، لأنه كان يحضر لعمل مقاوم ضد إسرائيل عبر الجولان المحتل، وأطلق سراحه بعد حوالي السنة بموجب عفو رئاسي خاص من دون أن يتم تسليمه إلى السلطات القضائية الأردنية مع انه كان محكوماً من قبل هذه السلطات بالإعدام.
فلننظر أيها الأخوة العرب النجباء ونرى ماذا فعل الجبناء:
- أخرجوه من السجن بعفو رئاسي خاص،
- منعوه من قتال العدو الغاصب لتحرير جولانهم من رجس الاحتلال،
- لم يسلموه للاردن الشقيق كما هو مفترض،
- وارسلوه مفخخا عقليا إلى لبنان المنكوب والمستباح لزعزعة استقراره وضرب أمنه وخلق فتنة لبنانية فلسطينية.
وهكذا بمؤامرتهم الخبيثة هذه تم تدمير مخيم نهر البارد والجوار اللبناني ونكبة أهلنا من فلسطينيين ولبنانيين وذبح وقتل أكثر من 170 جندي وضابط لبناني.
ولماذا منعوه من القيام بعمل مقاوم ضد إسرائيل في الجولان؟
لأنهم لا يريدون خرق الاتفاق الموقع مع إسرائيل برعاية الأمم المتحدة بعد حرب 73. ولأنهم إذا خرقوا الاتفاق كما يفعل نصر الله في لبنان فستكون تبعات ذلك خطيرة على النظام الدكتاتوري الهش، والذي سيتهاوى على رأس بشار بعد عدة ضربات كالقش!
يتبع الإطار الزمني!

ليست هناك تعليقات: