الجمعة، مارس 21، 2008

الرئيس عباس ينعم على روحي فتوح بنوط "نوكيا" ووسام "أورنج" من الدرجة الأولى

راسم عبيدات
....... الكثيرون من القادة والزعماء ونشطاء العمل الأهلي والمجتمعي، ينالون الأوسمة ونوط الشرف لدورهم وانجازاتهم في الميادين المختلفة عسكرياً،سياسياً،اقتصادياً،اجتماعياُ،مؤسساتياً ،علمياً ...الخ، وهذه الأوسمة تمنح عن جدارة واستحقاق، إلا في البلدان المتخلفة والنامية، وفي البلاد العربية والإسلامية بالتحديد، حيث الكثير من الرتب والأوسمة والنوط، لا تمنح لمستحقيها، بل تمنح وفق مقاييس الولاء والفئوية والعشائرية والجهوية ...الخ
وفي حالتنا الفلسطينية حدث ولا حرج،فعمدائنا وعقدائنا أكثر من جنودنا،ونحن في مرحلة تحرر وطني، وإذا ما تحررنا وكانت لنا دولة، فالتفريخ في هذا الجانب سيصبح أضعاف مضاعفة، وطبعاً كل ذلك خدمة"للوطن والمشروع الوطني" وما دفعني لكتابة هذه المقالة هو، أنه منذ مجيء سلطة أوسلو وحتى اللحظة، والحديث يجري عن الفساد والمفسدين، وضرورة محاسبتهم وفق الأصول والقواعد القانونية
وقبل ان تتسلم حماس السلطة ،أعلن أنه تم إحالة عشرات الملفات للنائب العام، وذلك لتورط أصحابها في الفساد بمختلف أشكاله ومسمياته، ولنكتشف أن ذلك لم يكن أكثر من فرقعة"وهوبرة" إعلامية، وذلك لكون الفساد أصبح ممأسس وله بناه وهياكله التنظيمية والمؤسساتية، ويعشش في كل بني وهياكل ومؤسسات السلطة،وتخطاها إلى العديد إن لم يكن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني الممولة غربياُ بالمال ذو الأهداف السياسية والاقتصادية، كما أن الفساد عدا عن كونه له حوامل وحواضن ،فإنه أصبح يحظى بالدعم والتغطية السياسية والأمنية والتنظيمية
وفي ظل حالة واسعة من الفلتان الأمني وغياب القانون والمساءلة والمحاسبة، فإن مليشيات الفساد أصبحت أكثر جرأة وقدرة وتنظيماً وسطوة، حتى أصبحت تهاجم القضاة والمحاكم، وتتعدى على أراضي وممتلكات المواطنين علنا وجهراً، وتفرض الفتوات والخاوات، متسلحة بسطوة الموقع والمركز وامتلاك القرار وسطوة العشيرة والقبيلة بالمعنيين القبلي والحزبي،ومع ما وصل إليه الوضع الداخلي الفلسطيني، من احتراب واقتتال داخلي على وهم السلطة والمراكز والامتيازات، وما استتبع ذلك من تخطي للمحرمات وتجاوز للخطوط الحمر،فيما يتعلق بحرمة الدم الفلسطيني، وحسم الأمور والخلافات عسكرياً
وما نتج عن ذلك من فصل جغرافي وسياسي بين شقي الوطن ،فإن ميليشيات وعصابات الفساد، وفي ظل حالة التجييش والتحشيد بين قطبي السياسة الفلسطينية(فتح وحماس)، وجدوا في ذلك ضالتهم وهدفهم، حيث يغيب القانون والمساءلة والمحاسبة، ناهيك عن الدعم اللا محدود من الاحتلال ، لمثل هذه العصابات والمليشيات المأجورة لتنفيذ مخططاتها ومآربها في قتل وتدمير المجتمع الفلسطيني،ونخرة من الداخل وحرفه عن أهدافه في الحرية والاستقلال، وهذه المليشيات والعصابات، طبعاً مجرده من كل القيم والمعايير الإنسانية والوطنية والأخلاقية، وهي تمارس هذا الدور عن وعي وبقصد وتنفيذ وخدمة لمخططات مشبوهة
وهذه العصابات والمليشيات، لم تمارس هذا الدور من أجل الطمع والجشع، وتحقيق الكسب غير المشروع، بل العديد منها له دور تخريبي مرسوم من قبل أعداء شعبنا، ولعل الجميع سمع عن عصابات الاتجار بالأدوية الفاسدة، وكذلك الطحين الفاسد، والمسألة هنا،تتعدى النهب والكسب غير المشروع،إلى مسألة قتل وتدمير المجتمع الفلسطيني بأكمله
وهذه العصابات ليس في الوارد أو في الحسبان، أن المتورطين فيها،قد يكونون من الناس البسطاء والغلابة، بل هؤلاء إخطبوط عشش وفرخ وبني هياكله ومؤسساته، وبالتالي لا يجوز بالمطلق التستر على مثل هذه العصابات، بل من الضروري المصارحة والمكاشفة هنا، وعدم "لململة الطابق" لتدخل بعض الجهات النافذة أو لكون البعض منهم محسوب على هذه الجهة أو تلك، ويجب محاكمة أفراد هذه العصابات وإخضاعهم للمسائلة والمحاسبة وإيقاع أقصى العقوبات بحقهم، ومهما تكن الجهات التي تقف خلفهم، وهؤلاء محاكمتهم يجب أن تصل حد الخيانة العظمى، فالمسألة أبعد من الإثراء والكسب غير المشروع، بل هنا قتل وتدمير وتخريب عن سابق إصرار، ومن حق الشعب الفلسطيني على السلطة، معرفة كل الأفراد والجهات المتورطة في هذه القضايا.
وبالعودة لموضوعة رئيس المجلس التشريعي السابق السيد روحي فتوح، والذي ضبط الإسرائيليين في سيارته القادمة من الأردن، ثلاثة الآف جهاز هاتف خلوي، والذي سارع لنفي علاقته بها، واتهام سائقه بأنه من قام بهذه العملية، وأعلن قبوله لقرار الرئيس عباس إقالته ووضع نفسه تحت تصرف النائب العام لحين انتهاء التحقيق، فهذا السيناريو متوقع، وفي ظل الوضع الفلسطيني الحالي، والذي يشهد حالة من الانقسام السياسي غير المسبوق، وحالة من القدح والقذف والشتم والردح بين طرفي الصراع الرئيسين (فتح وحماس)
وحتى لو ثبت بالشكل القاطع وبالملموس، أن روحي فتوح مدان في هذه القضية، فإن الاعتراف بذلك يشكل إحراج وإدانة مباشرة لحكومة تسير الأعمال وحركة فتح بممارسة والتستر على الفساد والقائمين عليه، كما أن ذلك يقوي ويرفع من أسهم حركة حماس، في صفوف الشعب الفلسطيني، وبالتالي من غير الوارد إدانة فتوح بهذه القضية، وخصوصاً أنه قبل أن يقول القضاء كلمته،وقبل أن تضح خيوطها وملابساتها،وضعت القضية برمتها عند سائق فتوح، ولكن ما يثير التساؤل والاستغراب، حجم المال المستثمر في عملية التهريب، ولا نعرف كم عملية سبقتها، وقدرة السائق على التصرف بسيارة النائب فتوح دون علمه ومعرفته، وهناك نقطة جوهرية أخرى أن إدانة فتوح في هذه القضية، قد تكون مقدمة لإدانة أوسع وأشمل وقد تطال شخوص نافذة وعلى أعلى المستويات
ويبقى هناك احتمال بأن يكون فتوح ليس له علاقة بالعملية ،وحتى لو كان ذلك صحيحاً ،فإن ذلك لا يسقط عنه تحت أي ظرف المسؤولية الأخلاقية، ولكن ما يثير الاستغراب أنه فور الإعلان عن كشف عملية التهريب، قرأت على موقع شبكة فراس الإخبارية، أن أحد قادة فتح "أبو جهاد" قد دعي إلى إقالة فتوح ومصادرة ممتلكاته ومحاسبته ومساءلته،عن أكبر مصنع يمتلكه في مدينة العريش المصرية
وفي خضم كل هذه الاحتمالات فإن السيناريو المتوقع، وعلى ضوء الأوضاع التي تعيشها الساحة الفلسطينية، من انقسام وتحريض وتحريض مضاد، بين فتح وحماس،فإن سائق فتوح سيكون المدان الأول في هذه القضية ،أما السيد روحي فتوح فسيتم تبرئته، والإشادة بشجاعته وتصرفه والروحية التي تحلى بها ،من استجابته لقرار الرئيس بإقالته وتجميد مسؤولياته لحين انتهاء التحقيق، والتأكيد على النزاهة والمصداقية العالية التي يتمتع بها، وباختصار سينعم عليه الرئيس عباس بنوط من نوع"نوكيا" ووسام شرف من نوع"أورنج" من الدرجة الأولى،أي بمعنى أن هذه القضية كالكثير من قضايا الفساد الحاصلة والتي تحصل،لن نشهد فتحاً لهذا الملف على مصراعيه،ومحاسبة القائمين والمتورطين فيه سواءً كان السيد فتوح بريء أو مدان.
وختاماً ما أود قوله ،ألم يحن الوقت لفتح ملفات الفساد على مصراعيها ،وتحميل المسؤوليات لمن تثبت مسؤوليتهم وتورطهم في هذا الجانب، بدلاً من الاستمرار في خلط الحابل بالنابل، والحديث عن الفساد والقائمين عليه والحاضنين له، بأنهم كائنات غير بشرية أو قادمة من كوكب آخر، فالجميع يعرف من هو الذئب، ولكن لماذا نتجاهل ذلك ونقص على أثره .؟


القدس- فلسطين

ليست هناك تعليقات: