سعيد علم الدين
المقال الثالث في هذه السلسلة يأتي لفضح لب ما دجله حسن نصر الله في خطابه الجمعة 22 شباط. وتذكيرا! فقد قال قاصداً تجهيل اللبنانيين التالي: " العدوان الصهيوني بدأ على لبنان منذ سقوط فلسطين، وكثير من اللبنانيين لا يعرفون تلك المرحلة، وبعضهم قادة سياسيون كبار يجهلون او يتجاهلون تلك المرحلة. في جلسات الحوار كنا نتحدث عن الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان منذ 48 الى السبعينات". ويتابع نصر الله ما يعنيه عن هذه الاعتداءات دون تحديدها بالضبط لهدف التجهيل، بقوله: "هناك مجازر كبرى ارتكبت بعد العام 48 في جنوب لبنان وقراه وفي بعض هذه المجازر استشهد 150 و180 مواطنا لبنانيا".
للرد على نصر الله رداً مفحماً منطقيا شافيا كافيا مدعوما بالحجج المنطقية والشواهد التاريخية والحقائق الثابتة، لا بد من وضع النقاط على الحروف ووضع ما قاله في إطاره المكاني والزمني الصحيحين.
سأتحدث أولا عن الإطار المكاني:
بعد الحرب العالمية الأولى تَكَسَّرَ سيف السلطنة العثمانية الطويل العريض الصدئ المريض متناثرا إلى أجزاء امتدت من أوروبا إلى آسيا فإفريقيا. وتم تقسيم تركتها حسب اتفاق سايكس بيكو بين الحلفاء المنتصرين روسيا وفرنسا وإنكلترا. حيث نشأت دول جديدة تحت الانتداب الفرنسي والإنكليزي، وبتشريع انتدابي دولي من عصبة الأمم. وهكذا وقعت فلسطين تحت الانتداب الإنكليزي ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. لا بد هنا من التأكيد على أن هذه الدول الجديدة التي نشأت إثر انهيار السلطنة العثمانية، كانت امتداداً طبيعيا متواصلا لشعوب وممالك ودول عريقةٍ لها حضارات وتاريخ أهم بكثير وأقدم من التاريخ العثماني نفسه. فهذه اليونان والتي هي امتداد لممالك كإسبرطا ومقدونيا ولدولة أثينا الديمقراطية التي أشعت منها الحضارة الإغريقية الغنية البارزة والمؤسسة للحضارة الغربية الحالية. وهذا العراق والذي هو امتداد لممالك وحضارات ضاربة في التاريخ البشري عميقاً أهمها السومرية والبابلية والعباسية. وهذه سوريا والتي هي امتداد لممالك وحضارات كآرام وتدمر والأموية. وهذه فلسطين والتي هي امتداد لما أسسه فيها الكنعانيون والأموريون وشعوب البحر (الفلسطينيون) من مدن كالقدس وأريحا وعكا وحيفا والخليل وممالك كغزة وأسدود وعسقلان. وهذا لبنان والذي هو امتداد طبيعي لممالك فينيقية عريقة شكلت دولا مستقلة لها مستعمرات وامتدت على طول الساحل اللبناني من صور إلى صيدا فبيروت فجبيل فطرابلس وانتشرت حضارتها وأرجوانها وحَرْفَها وتجارتها بحرا مسيطرة في فترة من الفترات على كامل البحر الأبيض المتوسط. وماذا عن مصر ودولتها الفرعونية العظيمة الأولى والأطول في التاريخ البشري وحضارتها القديمة المذهلة. وماذا عن تونس ودولة قرطاجة الفينيقية القوية الخالدة التي امتدت على كامل الشمال الأفريقي وتمددت إلى أوروبا ووصلت إلى قلبها على يد القائد هنيبعل. وماذا عن السودان وحضارة وممالك بلاد النوبة التي امتدت من أسوان إلى الخرطوم. وماذا عن الأردن وحضارة ومملكة الأنباط التي اتخذت من البترا عاصمة ومركزاً لها وبسطت سيادتها لقرون على منطقة أكبر من الأردن الحالية وهناك الكثير من الشواهد التاريخية عن الدول العديدة الأخرى التي نشأت اثر انهيار الخلافة في اسطنبول وتنازل تركيا عن تركتها العثمانية بموجب اتفاقية لوزان عام 1924.
أردت أن أوضح من خلال هذه العجالة التاريخية القصيرة أن هذه الدول التي ظهرت بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية رغم طابعها العربي الأصيل والمتشابك دينا ولغة وعادات وتقاليد، هي أيضا تصحيحا للتاريخ من جانب ما وليست مصطنعةً عشوائياً ومفبركةً استعماريا كما يحلو للبعض تصوير ذلك للقول بخبث أن لبنان أو الأردن أو فلسطين أجزء من سوريا الكبرى. مع أن سوريا نفسها كانت ولايات وجزءاً عثمانيا مثل بقية الأجزاء. حتى أن منهم من أخذه الشطط في هذه الفكرة الهلام، فقَطَعَ البحر في المنام جريا على الأقدام، ليثبت لنا في أضغاث الأحلام، أن قبرص جزء لا يتجزأ من سوريا الشام، بلعها الحوت في الظلام، دون أن يأخذ رأي أنطون سعادة في هذا الأمر الهام. وما يدعو للعجب أن البعض ما زال غارقا في بحر الغرام، يصدق هذا الكلام ويبني من رماله على شط بيروت قصورا من الأوهام.
ولكن الذي حدث هنا هو أن الانتداب الفرنسي والإنكليزي رسم بين هذه الدول حدودا مصطنعة واقتطع من هذه الدولة ليعطي تلك حسب مصالحه ومشاريعه الاستعمارية. والسبب أن هذه الدول كلها كانت ولايات في السلطنة ولم يكن لها حدود سياسية واضحة المعالم كالحدود بين فرنسا وألمانيا مثلا في تلك الحقبة. وهكذا حسب المصالح الاستعمارية تم تقسيم الأمة الكردية دون أدنى مراعاة لحقوقها بين أكثر من أربع دول، تتشبث اليوم كل دولة من هذه الدول بالقسم الكردي منها كجزء لا يتجزأ من أراضيها. ومن هنا نشأت النزاعات العسكرية المختلفة بين الأكراد المطالبين بحقوقهم المشروعة وبين هذه الدول. وهكذا حسب المصلحة الفرنسية تم إهداء لواء الاسكندرونة السوري الغني بمدنه وجباله ومياهه وخصوبة أرضه والذي تبلغ مساحته نصف مساحة لبنان إلى تركيا. وتركيا تعتبره اليوم جزء لا يتجزأ من أراضيها. ولا يمكن أن تتنازل عنه كرمى لعيني طبيب العيون. ولا يوجد أي حل لعودة اللواء إلى سوريا إلا بالحرب العسكرية. وإذا كانت سوريا الأسدية برجال بعثِها ونسوانها، مشغولةً بقمع مثقفيها وقهر سكانها وإرهاب أشقائها وتفخيخ جيرانها، وعاجزة بالتالي عن تحرير جولانها، فكيف ستحرر اسكندرونها؟
نزاعات الحدود بسبب عدم دقتها وعشوائيتها موجودة بين كل الدول العربية، إلا أنها شرعية وقانونية ودولية بنظر الأمم المتحدة. والتي عندما انضمت أو تنضم أي دولة إليها تنضم بحدودها الحالية الرسمية التي رسمها الاستعمار. هذه النزاعات ساكنة وخامدة وممكن أن تشتعل في أي لحظة كما اشتعلت عندما ارتكب صدام حسين أم الحماقات بمحو حدوده مع جارته الكويت وقضمها باعتبارها فبركة استعمارية. فجاءه الرد من الشرعية الدولية مدوياً. فلم يرعو وآثر المواجهة، ودفع غالي الأثمان جراء ذلك وخسر كل شيء. وهو المتسبب الأول بالكارثة المأساوية التي يعانيها حاليا الشعب العراقي الحبيب.
وللاستزادة في هذا الموضوع هناك كتاب بعنوان "نزاعات الحدود العربية" لمؤلفه عبدالقادر رزيق المخادمي. القاهرة: دار الفجر، 2004 .
ما ذكره نصر الله في كلامه عن اعتداءات هي اعتداءات ومجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد أهالي القرى السبع التابعين لفلسطين. ولقد مارس الإرهابيون الصهاينة خلال هجومهم واحتلالهم للقرى السبع أبشع صور الإجرام بحق أهالي هذه القرى, وقاموا بعمليات إبادة جماعية, كان أبرزها مجزرة صلحا في 21 تشرين الأول عام 1948, حيث أخرجت العصابات الصهيونية من بقي من أهل القرية وعددهم 120 شخصا إلى ساحة مسجدها وقاموا بنسف المنازل ثم انهمر الرصاص على العزل المحتجزين في إحدى زوايا الساحة وألقيت القنابل عليهم.
وقصة القرى السبع اللبنانية والتي أصبحت فلسطينية هي التالي:
ففي الثالث من شباط عام 1922 وقّع الكولونيل بوليه والكولونيل نيوكومب وثيقة عرفت بالتقرير الختامي لتثبيت الحدود بين لبنان الكبير وسوريا من جهة وفلسطين من جهة أخرى. عدلت بموجبها "لجنة نيوكومب - بوليه" الحدود بازاحة الخط المتفق عليه في اتفاقية 1920 حوالى كيلومترين الى الشمال، لتبدأ من رأس الناقورة وتسير الى الجنوب قليلاً من قرية علما الشعب ثم تنحرف شمالاً على حساب لبنان عند حدود رميش ويارون، ويستمر الانحراف حتى شمال غرب المطلة. ثم تنحرف مجدداً على حساب لبنان فتمر بجسر البراغيث وجسر الحاصباني بدلاً من مرورها بتل القاضي وتل دان بهدف تأمين المياه لمنطقة الانتداب البريطاني. وبموجب هذا الترسيم خسر لبنان عدداً من القرى ومنها طربيخا، تشحل، النبي روبين، سروج، المالكية، قدس، النبي يوشع، صلحا هونين، ابل القمح".
أي أن القرى المذكورة والتي يشار إليها بالقرى السبع أصبحت تتبع فلسطين وباعتراف الأمم المتحدة. ولو أن فلسطين العربية اليوم موجودة وهي جارة لبنان وليست إسرائيل فهل ستتخلى عن هذه القرى الاستراتيجية بموقعها كالمالكية والغنية بقمحها ومحاصيلها الزراعية ومياهها وأيضا تاريخها، وتُقَدِّمُها هدية للبنان؟ بالتأكيد لا! وستتشبث بها على أنها جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية حسب الشرعية الدولية وترسيم الحدود.
ومن هنا فالاعتداءات والمجازر الصهيونية التي تحدث عنها نصر الله حصلت ضد هذه القرى بالتحديد وتم تهجير سكانها إلى لبنان مع بقية اللاجئين الفلسطينيين. هدف نصر الله من هذا الكلام التدجيلي هو فقط ربط لبنان إلى الأبد بالنزاع مع إسرائيل (كما حصل مع مزارع شبعا التي خسرتها سوريا في حرب 67) وبأي طريقة في الوقت الذي تبحث كل الدول العربية ومنها قطر المناضلة، وفي مقدمتها سوريا الممانعة عن السلام مع إسرائيل. ويردد بشار الأسد أن السلام مع إسرائيل هو خيار سوريا الاستراتيجي. وكأن حسن نصر الله يريد القول بتدجيله للبنانيين وبالأخص أهل الجنوب المنكوب، أن الحرب مع إسرائيل هي خيار لبنان الاستراتيجي.والدليل على ما نقول هي معركة المالكية الشهيرة التي خاضها الجيش اللبناني وتمكن فيها من استعادة القرية من الصهاينة والصمود فيها حتى أوائل تشرين الأول سنة 1948 حيث دخلت القرية كتيبة تابعة لجامعة الدول العربية، وفي النصف الثاني من الشهر نفسه شن الصهاينة هجوما مكثفا على المنطقة فتراجعت أمامه القوات وتصدى الجيش اللبناني ببسالة للهجوم الصهيوني المدعوم بالطيران، غير أنه اضطر بالنتيجة للتراجع أمام هذا الهجوم الذي أسفر عن احتلال إحدى عشرة قرية لبنانية، عدا القرى السبع، أعيدت إلى لبنان بعد توقيع اتفاق الهدنة سنة 1949. أي أن هذا الشاهد التاريخي يثبت دجل نصر الله، حيث القرى اللبنانية الجنوبية أعيدت إلى لبنان بعد توقيع الهدنة بينما القرى السبع الفلسطينية وحسب ترسيم الحدود لم تتخل عنها إسرائيل. يتبع الإطار الزمني!
للرد على نصر الله رداً مفحماً منطقيا شافيا كافيا مدعوما بالحجج المنطقية والشواهد التاريخية والحقائق الثابتة، لا بد من وضع النقاط على الحروف ووضع ما قاله في إطاره المكاني والزمني الصحيحين.
سأتحدث أولا عن الإطار المكاني:
بعد الحرب العالمية الأولى تَكَسَّرَ سيف السلطنة العثمانية الطويل العريض الصدئ المريض متناثرا إلى أجزاء امتدت من أوروبا إلى آسيا فإفريقيا. وتم تقسيم تركتها حسب اتفاق سايكس بيكو بين الحلفاء المنتصرين روسيا وفرنسا وإنكلترا. حيث نشأت دول جديدة تحت الانتداب الفرنسي والإنكليزي، وبتشريع انتدابي دولي من عصبة الأمم. وهكذا وقعت فلسطين تحت الانتداب الإنكليزي ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. لا بد هنا من التأكيد على أن هذه الدول الجديدة التي نشأت إثر انهيار السلطنة العثمانية، كانت امتداداً طبيعيا متواصلا لشعوب وممالك ودول عريقةٍ لها حضارات وتاريخ أهم بكثير وأقدم من التاريخ العثماني نفسه. فهذه اليونان والتي هي امتداد لممالك كإسبرطا ومقدونيا ولدولة أثينا الديمقراطية التي أشعت منها الحضارة الإغريقية الغنية البارزة والمؤسسة للحضارة الغربية الحالية. وهذا العراق والذي هو امتداد لممالك وحضارات ضاربة في التاريخ البشري عميقاً أهمها السومرية والبابلية والعباسية. وهذه سوريا والتي هي امتداد لممالك وحضارات كآرام وتدمر والأموية. وهذه فلسطين والتي هي امتداد لما أسسه فيها الكنعانيون والأموريون وشعوب البحر (الفلسطينيون) من مدن كالقدس وأريحا وعكا وحيفا والخليل وممالك كغزة وأسدود وعسقلان. وهذا لبنان والذي هو امتداد طبيعي لممالك فينيقية عريقة شكلت دولا مستقلة لها مستعمرات وامتدت على طول الساحل اللبناني من صور إلى صيدا فبيروت فجبيل فطرابلس وانتشرت حضارتها وأرجوانها وحَرْفَها وتجارتها بحرا مسيطرة في فترة من الفترات على كامل البحر الأبيض المتوسط. وماذا عن مصر ودولتها الفرعونية العظيمة الأولى والأطول في التاريخ البشري وحضارتها القديمة المذهلة. وماذا عن تونس ودولة قرطاجة الفينيقية القوية الخالدة التي امتدت على كامل الشمال الأفريقي وتمددت إلى أوروبا ووصلت إلى قلبها على يد القائد هنيبعل. وماذا عن السودان وحضارة وممالك بلاد النوبة التي امتدت من أسوان إلى الخرطوم. وماذا عن الأردن وحضارة ومملكة الأنباط التي اتخذت من البترا عاصمة ومركزاً لها وبسطت سيادتها لقرون على منطقة أكبر من الأردن الحالية وهناك الكثير من الشواهد التاريخية عن الدول العديدة الأخرى التي نشأت اثر انهيار الخلافة في اسطنبول وتنازل تركيا عن تركتها العثمانية بموجب اتفاقية لوزان عام 1924.
أردت أن أوضح من خلال هذه العجالة التاريخية القصيرة أن هذه الدول التي ظهرت بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية رغم طابعها العربي الأصيل والمتشابك دينا ولغة وعادات وتقاليد، هي أيضا تصحيحا للتاريخ من جانب ما وليست مصطنعةً عشوائياً ومفبركةً استعماريا كما يحلو للبعض تصوير ذلك للقول بخبث أن لبنان أو الأردن أو فلسطين أجزء من سوريا الكبرى. مع أن سوريا نفسها كانت ولايات وجزءاً عثمانيا مثل بقية الأجزاء. حتى أن منهم من أخذه الشطط في هذه الفكرة الهلام، فقَطَعَ البحر في المنام جريا على الأقدام، ليثبت لنا في أضغاث الأحلام، أن قبرص جزء لا يتجزأ من سوريا الشام، بلعها الحوت في الظلام، دون أن يأخذ رأي أنطون سعادة في هذا الأمر الهام. وما يدعو للعجب أن البعض ما زال غارقا في بحر الغرام، يصدق هذا الكلام ويبني من رماله على شط بيروت قصورا من الأوهام.
ولكن الذي حدث هنا هو أن الانتداب الفرنسي والإنكليزي رسم بين هذه الدول حدودا مصطنعة واقتطع من هذه الدولة ليعطي تلك حسب مصالحه ومشاريعه الاستعمارية. والسبب أن هذه الدول كلها كانت ولايات في السلطنة ولم يكن لها حدود سياسية واضحة المعالم كالحدود بين فرنسا وألمانيا مثلا في تلك الحقبة. وهكذا حسب المصالح الاستعمارية تم تقسيم الأمة الكردية دون أدنى مراعاة لحقوقها بين أكثر من أربع دول، تتشبث اليوم كل دولة من هذه الدول بالقسم الكردي منها كجزء لا يتجزأ من أراضيها. ومن هنا نشأت النزاعات العسكرية المختلفة بين الأكراد المطالبين بحقوقهم المشروعة وبين هذه الدول. وهكذا حسب المصلحة الفرنسية تم إهداء لواء الاسكندرونة السوري الغني بمدنه وجباله ومياهه وخصوبة أرضه والذي تبلغ مساحته نصف مساحة لبنان إلى تركيا. وتركيا تعتبره اليوم جزء لا يتجزأ من أراضيها. ولا يمكن أن تتنازل عنه كرمى لعيني طبيب العيون. ولا يوجد أي حل لعودة اللواء إلى سوريا إلا بالحرب العسكرية. وإذا كانت سوريا الأسدية برجال بعثِها ونسوانها، مشغولةً بقمع مثقفيها وقهر سكانها وإرهاب أشقائها وتفخيخ جيرانها، وعاجزة بالتالي عن تحرير جولانها، فكيف ستحرر اسكندرونها؟
نزاعات الحدود بسبب عدم دقتها وعشوائيتها موجودة بين كل الدول العربية، إلا أنها شرعية وقانونية ودولية بنظر الأمم المتحدة. والتي عندما انضمت أو تنضم أي دولة إليها تنضم بحدودها الحالية الرسمية التي رسمها الاستعمار. هذه النزاعات ساكنة وخامدة وممكن أن تشتعل في أي لحظة كما اشتعلت عندما ارتكب صدام حسين أم الحماقات بمحو حدوده مع جارته الكويت وقضمها باعتبارها فبركة استعمارية. فجاءه الرد من الشرعية الدولية مدوياً. فلم يرعو وآثر المواجهة، ودفع غالي الأثمان جراء ذلك وخسر كل شيء. وهو المتسبب الأول بالكارثة المأساوية التي يعانيها حاليا الشعب العراقي الحبيب.
وللاستزادة في هذا الموضوع هناك كتاب بعنوان "نزاعات الحدود العربية" لمؤلفه عبدالقادر رزيق المخادمي. القاهرة: دار الفجر، 2004 .
ما ذكره نصر الله في كلامه عن اعتداءات هي اعتداءات ومجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد أهالي القرى السبع التابعين لفلسطين. ولقد مارس الإرهابيون الصهاينة خلال هجومهم واحتلالهم للقرى السبع أبشع صور الإجرام بحق أهالي هذه القرى, وقاموا بعمليات إبادة جماعية, كان أبرزها مجزرة صلحا في 21 تشرين الأول عام 1948, حيث أخرجت العصابات الصهيونية من بقي من أهل القرية وعددهم 120 شخصا إلى ساحة مسجدها وقاموا بنسف المنازل ثم انهمر الرصاص على العزل المحتجزين في إحدى زوايا الساحة وألقيت القنابل عليهم.
وقصة القرى السبع اللبنانية والتي أصبحت فلسطينية هي التالي:
ففي الثالث من شباط عام 1922 وقّع الكولونيل بوليه والكولونيل نيوكومب وثيقة عرفت بالتقرير الختامي لتثبيت الحدود بين لبنان الكبير وسوريا من جهة وفلسطين من جهة أخرى. عدلت بموجبها "لجنة نيوكومب - بوليه" الحدود بازاحة الخط المتفق عليه في اتفاقية 1920 حوالى كيلومترين الى الشمال، لتبدأ من رأس الناقورة وتسير الى الجنوب قليلاً من قرية علما الشعب ثم تنحرف شمالاً على حساب لبنان عند حدود رميش ويارون، ويستمر الانحراف حتى شمال غرب المطلة. ثم تنحرف مجدداً على حساب لبنان فتمر بجسر البراغيث وجسر الحاصباني بدلاً من مرورها بتل القاضي وتل دان بهدف تأمين المياه لمنطقة الانتداب البريطاني. وبموجب هذا الترسيم خسر لبنان عدداً من القرى ومنها طربيخا، تشحل، النبي روبين، سروج، المالكية، قدس، النبي يوشع، صلحا هونين، ابل القمح".
أي أن القرى المذكورة والتي يشار إليها بالقرى السبع أصبحت تتبع فلسطين وباعتراف الأمم المتحدة. ولو أن فلسطين العربية اليوم موجودة وهي جارة لبنان وليست إسرائيل فهل ستتخلى عن هذه القرى الاستراتيجية بموقعها كالمالكية والغنية بقمحها ومحاصيلها الزراعية ومياهها وأيضا تاريخها، وتُقَدِّمُها هدية للبنان؟ بالتأكيد لا! وستتشبث بها على أنها جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية حسب الشرعية الدولية وترسيم الحدود.
ومن هنا فالاعتداءات والمجازر الصهيونية التي تحدث عنها نصر الله حصلت ضد هذه القرى بالتحديد وتم تهجير سكانها إلى لبنان مع بقية اللاجئين الفلسطينيين. هدف نصر الله من هذا الكلام التدجيلي هو فقط ربط لبنان إلى الأبد بالنزاع مع إسرائيل (كما حصل مع مزارع شبعا التي خسرتها سوريا في حرب 67) وبأي طريقة في الوقت الذي تبحث كل الدول العربية ومنها قطر المناضلة، وفي مقدمتها سوريا الممانعة عن السلام مع إسرائيل. ويردد بشار الأسد أن السلام مع إسرائيل هو خيار سوريا الاستراتيجي. وكأن حسن نصر الله يريد القول بتدجيله للبنانيين وبالأخص أهل الجنوب المنكوب، أن الحرب مع إسرائيل هي خيار لبنان الاستراتيجي.والدليل على ما نقول هي معركة المالكية الشهيرة التي خاضها الجيش اللبناني وتمكن فيها من استعادة القرية من الصهاينة والصمود فيها حتى أوائل تشرين الأول سنة 1948 حيث دخلت القرية كتيبة تابعة لجامعة الدول العربية، وفي النصف الثاني من الشهر نفسه شن الصهاينة هجوما مكثفا على المنطقة فتراجعت أمامه القوات وتصدى الجيش اللبناني ببسالة للهجوم الصهيوني المدعوم بالطيران، غير أنه اضطر بالنتيجة للتراجع أمام هذا الهجوم الذي أسفر عن احتلال إحدى عشرة قرية لبنانية، عدا القرى السبع، أعيدت إلى لبنان بعد توقيع اتفاق الهدنة سنة 1949. أي أن هذا الشاهد التاريخي يثبت دجل نصر الله، حيث القرى اللبنانية الجنوبية أعيدت إلى لبنان بعد توقيع الهدنة بينما القرى السبع الفلسطينية وحسب ترسيم الحدود لم تتخل عنها إسرائيل. يتبع الإطار الزمني!
هناك تعليق واحد:
اذا كنتم ستمحون كل تعليق يسيء للآخرين ... أفلا تجدون في هذا العنوان اساءة؟؟ على كل أحب أن أقول لكاتب هذا المقال خفف من احتقانك يا حبيي ...
ما بناه سيد الشرفاء حسن نصر الله بالافعال أكبر بكثير من أن تهدمه فلسفات الحاقدين بالاقوال
إرسال تعليق