الاثنين، مارس 31، 2008

إسرائيل قريباً عضواً في الجامعة العربية..!

محمد داود
أبدأ حديثي بالقضية الأبرز التي تشغل الساحة الدولية، وإن كانت ليست بأكثر أهمية عن قضايانا المحلية الفلسطينية وهموم الوطن المقسم الجريح في يوم " تخليد ذكرى الأرض" بعد أن أصبحت القمة العربية عديمة الجدوى، لكنها تبقى مثيرة للجدل، وقد برز هذا في الانقسام الذي حصل جلياً بعد تغيب نصف الزعماء العرب، ربما السبب يكمن في الحساسية من سوريا لأنها تملك أوراق الضغط في عدة ملفات تعتبر عوامل صراع في بعض البلدان العربية وهي الملف "اللبناني - الفلسطيني - العراقي"، وهذا لا يعني أن الذين تخلفوا عن حضور القمة العربية، أي النصف الثاني هم يسيرون في الفلك الأميركي كما وصفه البعض، فهناك دول تقيم علاقات متينة مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد حضرت القمة، وليست مناهضة لها، ولأن قمة العشرين هي دورية وتأتي في سياق الترتيب الأبجدي بعد السعودية.
فلا شك أنها كانت مصيرية، لأنها جاءت في ظل شرخ عربي واضح، ومتزامن مع حالة انقسام عميق يعانيه أيضاً المشهد الفلسطيني، عندما أقدمت حركة "حماس" بالانقلاب على شريكها السياسي الفلسطيني "فتح"، قبل تسعة أشهر على ألأقل، مما أدي إلى الانقسام الجغرافي والسياسي ..، ولا أريد سرد الرواية التي لاتخفى على أحد، فكما قالها العقيد القذافي بسخرية : "بأنهما يسيران في خطين متوازيين"، وقد أفرح الزعماء الحضور الذين باتت سيماهم على وجههم من شدة الاستحياء بعد أن تغيب أهم القادة العرب لا سيما دول الطوق ومن يعنيهم الأمر، وقد وصف القذافي الجمع العربي بأنهم مقتصرون داخل القاعة التي يجلسون فيها، وكشف ذلك رئيس الجامعة العربية عندما أعلنها بصراحة، بأن هناك أزمة ثقة، كما هو الحال الفلسطيني .
لا يخفى عليكم هناك استخفاف بالنظام العربي الراهن وحتى بمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تعاني هي الأخرى من تشرذم وتباين في العلاقات، كما النظام العربي، واستخفاف شديد بالنظم العربية المسلوبة الإرادة والقرار، من قبل النظام العالمي الجديد أحادي القطبية وانفراده بقيادة العالم والتصرف بصورة فردية، وهناك دعوة لتجريد وإقالة النظام العربي من أعماله لأنه لم يعد صالحاً كمشروع قومي عربي، وهو ما يذكرنا بالوحدة العربية التي جرت بين سوريا ومصر التي سرعان ما تم تفككها بعد ثلاثة أعوام من المعاناة، لأنهم أرادوا إفشال هذا النموذج الجريء الذي لو كتب له النجاح لكان واقعنا العربي أفضل بكثير مما هو عليه الحال الآن، ولاختلفت المعادلة، لكن المشروع باء بالفشل حتى لا يفكر به العرب من جديد، لخطورة مشروع الوحدة العربية على وجودها واستمرارها، وقد جرت محاولات أخرى للوحدة بين تلك الأقطار جميعها باتت بالفشل، ولا يخفي عليكم بأن بريطانيا هي من أنشأت النظام الإقليمي العربي كمشروع بديل ومساومة عن قيام أي وحدة عربية، وهو ما ظهر جلياً إبان فترة الخمسينات "حلف بغداد والهلال الخصيب .."
إن القمة العربية لها طابع رمزي في زمانها ومكانها وحضورها وفي قراراتها، وهو ما يجعلنا نتألم ونستذكر سنوات ما قبل منتصف الستينيات والسبعينيات التي ولت أحلامنا بها، والسعي لإفراغها من جماهيرها هو عنوان التحدي، لتبقى حبراً على ورق وإن كانت فهي غير إلزامية للأطراف، والخشية قائمة مالم يعمل الزعماء العرب على جسر الهوة القائمة بينهم بأسرع وقت ممكن قبل أن تفكك إستراتيجية الأمن العربي ويهدم التضامن العربي ويصبح نظامنا العربي هزيل ومهلهل وفي طيات الماضي الحزين، والكارثة الأشد خطورة، إذا وصلت لحد الصدام فيما بينها، أمام سياسات الفرز الحاصلة عقب حرب تموز 2006م ولازالت تسير على قدمٍ وثاق كما أعلنها العقيد القذافي للزعماء العرب في القمة عندما قال "الدور جاي علينا كلنا" بالإشارة للزعيمان الشهيد "ياسر عرفات" والشهيد "صدام حسين".
هكذا يبدو : تقسيم العالم على أساس الخير والشر والحديث عن مجرمين وإرهابيين بدل أعداء، ونجحت أميركا بتخطي دور الأمم المتحدة لقيادة العالم بعد أن وصفتها بالدول المارقة التي تشكل ملاذاً لإرهاب القوى الصالحة والأخرى الطالحة، نحو مزيداً من الاصطفاف الحاد، وتجزئة المجزئ، تحت شعار تقوده أمريكا "الفوضى البناءة"، من أجل خلق شرق أوسط جديد تعكف رايس على بلورته، أو مشروع الاتحاد المتوسطي "الفرانكفونية" تستبدل فيه الهوية القومية والوطنية والتاريخية والثقافية بهوية مصطنعة، أي برنامج سياسي واقتصادي ثقافي متكامل، تسوده الطائفية القبلية والخلافات المذهبية وغيرها من الخلافات التي أوجدها الاستعمار، على حساب الانتماء القومي العربي، وتمزيق الروابط العربية والإسلامية بحجة المناداة بالديمقراطية والحرية أو إرساء السلام والمحافظة على حقوق الإنسان، وهو ما تحدث عنه بيريس من انضمام إسرائيل للجامعة العربية، قائلاً : "أعتقد أن جامعتهم العربية يجب أن تسمى جامعة الشرق الأوسط، وعندئذ يمكن لإسرائيل أن تنضم إليها، نحن لن نصبح عرباً، ولكن الجامعة يجب أن تصبح شرق أوسطية"، وهو ما استكمله المؤرخ الصهيوني الأمريكي "برنارد"، بتقسيم المنطقة العربية إلى ثلاثين دويلة أثنية ومذهبية، فيما المثال الأخر "الاتحاد الأوروبي" الذي لا تربط أعضاؤه علاقات قومية ووجد مصلحته في الاقتصاد، ويمكنه أن يدافع وبقوة عن دول الحلف المشاركة في الاتحاد، فما بالنا نحن العرب والمسلمين تجمعنا وحدة الدين والعقيدة والعرق واللغة والاتجاه والحضارة .... في زمن التعلق بالنزوع العالمي المتزايد نحو التكتل والتعاون بين أفراد وشعوب لا يجمعهم نصف ما يجمعنا العرب من عوامل تقارب وانتماء كما أسلفنا.
فمن جديد يتحدث البعض عن التحدي والنجاح و الانتصار، فالقمة انتصرت لأنها عقدت في وقتها، المقاومة انتصرت في غزة رغم سقوط أكثر من 135 شهيداً ومئات الجرحى والمعاقين في التوغل الإسرائيلي الأخير قبل أقل من شهر وهكذا دواليك، فيما يعيش الشارع الفلسطيني والعربي حالة من التيه والعجز والتشتت، والتمترس القطري والفئوي الضيق نحو الهاوية، والمفارقة تكمن في ازدياد الهوة بين الموقف العربي الرسمي والموقف الشعبي من مسألة الصراع على المنطقة والنظرة إلى وسائل هذا الصراع وأدواته والعلاقة مع أطرافه، في ظل غياب إستراتيجية عمل معينة بدعم المقاومة الفلسطينية أو دعم المفاوض في الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية ومواجهة جرائم الاحتلال والاستيطان، وتهويد القدس، ومن طريقة التعامل مع هذا النظام المعقد، بانتظار أي تغير إقليمي، أو حل سياسي قادم تقوده أمريكا أو نظام إقليمي قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش" يصل إلى مجرد اتفاق إطار "استعراضياً "، وهو ما تعكف على التحضير له الوزيرة رايس في المنطقة في هذه الأثناء على أن يكون مراسيمه في الذكرى الستين لإقامة دولة إسرائيل على التراب الفلسطيني، وبين هذه الأمنيات يبقى السلام المنشود التي أبدت رايس دهشتها من حجم التسهيلات الإسرائيلية الممنوحة للفلسطينيين كرفع بعض الحواجز التي تقطع أوصال الضفة الغربية.
*كاتب وباحث*

الأحد، مارس 30، 2008

ألأرض بتتكلم عربي"..!

د. صلاح عودة الله
الأرض هي الوطن والكيان والوجود، فلا وجود لأي شعب كان، بدون أرض يعيش عليها. كان هذا دائماً مفهوم الأرض بالنسبة للشعب الفلسطيني. ولذا دافع عنها وناضل من أجل المحافظة عليها من بداية القرن، وما زال حتى يومنا هذا.
في مثل هذا اليوم، يوم الثلاثين من آذارلعام 1976م نستحضر مع شعبنا وأمتنا ومحبي الحرية والعدل في العالم هذه الذكرى، ذكرى انتفاضة أهلنا على أرض أبائهم وأجدادهم، أرض فلسطين التاريخية، الذين هبوا دفاعاً عن الحق والكرامة، عن حقهم في الحياة الكريمة على ثرى أرضهم الطاهرة.
لقد قام أهلنا في الجليل والمثلث وسائر مختلف مناطق تواجدهم على أرض فلسطين المحتلة عام 1948 بانتفاضة على جور المحتل وغطرسته وإنكاره لوجودهم، مذكرين هذا الغاصب أن سنوات الاحتلال مهما تطاولت على الأرض والإنسان الفلسطيني لن تلغي بحال من الأحوال الحقيقة الراسخة والثابتة، وهي أن هذه الأرض أرض فلسطينية، وأن جموع الفلسطينيين الذين يعيشون على ثراها ـ على الرغم من ـ التمييز العنصري ضدهم ما زالوا فلسطينيين، كما أنهم يصرون على إسماع العالم صوتهم وحقيقة أمرهم وبدون تردد: أنهم لن يفرطوا بعروبتهم يوماً وأنهم فلسطينيون حتى النخاع مهما توالت الأيام والسنون، وتعاظمت الأهوال.
من المعروف ان الكيان الصهيوني له هدف وحيد وهو تفريغ الفلسطينيين من اراضيهم وسلب هذه الأراضي لتوطين اليهود فيها.فقد قام هذا الكيان ومنذ انتصابه بمصادرة جزءا كبيرا من اراضي ابناء فلسطين عام 48 وفي عام 1976 حاول مصادرة اراضي اضافية واسعة وخاصة في الجليل وذلك لتهويده, لكن ابناء هذا الشعب تصدوا له بصدورهم العارية قائلين له لا والف لا..وسقط ستة شهداء ناهيك عن الجرحى.وكان أكثر من تضرر من مصادرة هذه الأراضي هي قرى سخنين وعرابة البطوف ودير حنا وهو ما يعرف اليوم بمثلث يوم الأرض.
لقد كان هذا الكيان يمتلك شعورا بأن فلسطينيي الاحتلال الأول قد نسوا قضيتهم وانتمائهم الفلسطيني والعربي, وما تصريح شموئيل طوليدانو والذي شغل منصب مستشار للعديد من رؤساء وزارات هذا الكيان لهو أكبر دليل على ذلك:"ان هؤلاء الذين يعيشون بين ظهرانينا لم يعودوا سقاة وفلاحين بل اصبحوا عربا وايضا فلسطينيين"..انه تصريح في قمة العنصرية بل ان العنصرية نفسها لم تجد له مكانا فيها.
ان التصريحات العنصرية لا حصر لها.."العرب عبارة عن قنبلة موقوتة".."العرب سرطان في جسم دولتنا ويجب استئصاله".."العرب امة لا تقرأ وان قرأت لا تفهم وان فهمت لا تطبق"..!
ان تصريحات وزيرة خارجية الكيان الصهيوني" تسيبي ليفني" في الفترة الأخيرة تكشف النقاب عن مخطط صهيوني لتهجير فلسطيني 48 الى خارج حدود دولة ما يسمى "اسرائيل" للحفاظ على عرقيتها اليهودية التي اكد عليها الزعماء الصهاينة مرارا في الاونة الاخيرة.هذا وكانت ليفني قد صرحت في الأيام الأخيرة وهي الفترة التي سبقت موعد انعقاد لقاء" أنابوليس المشؤوم" إن إقامة الدولة الفلسطينية لن تكون الحل القومي فقط للعرب في غزة والضفة الغربية، وليس فقط للاجئين الفلسطينيين، بل أيضاً لعرب إسرائيل (فلسطينيي الاحتلال الأول ).
"يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها/احرثوا جسدي/أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس/مرّوا على جسدي/أيّها العابرون على جسدي/لن تمرّوا/أنا الأرضُ في جسدٍلن تمرّوا/أنا الأرض في صحوها..لن تمرّوا/أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها/لن تمرّوا..لن تمرّوا..لن تمرّوا"..!**من قصيدة "الأرض" للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش.
انه في الوقت الذي بدأ فيه شعبنا يعيش أجواء الذكرى الستين للنكبة وهو يتطلع للعودة، تأتي هذه التصريحات لتعطي إشارة لا لبس فيها على نوايا التطرف والعنصرية الصهيونية للبدء بعمليات تهجير جديدة لأهلنا في الأرض المحتلة عام1948.. إن التصريحات المكثفة التي خرجت من المسؤولين الصهاينة قبيل مؤتمر أنابوليس تريد التأكيد على (الخطوط الحمراء الصهيونية) والتي تلغي حق العودة في الوقت الذي يبدو فيه الطرف الفلسطيني في أضعف حالاته ويلتزم الصمت إزاء كل هذا..!. واخيرا اقول: هل بدأ العد التنازلي لتهجير فلسطيني جديد..؟ وان بدأ, فحسب اعتقادي سيبدأ معه العد التنازلي للكيان الصهيوني لأن فلسطينيي الاحتلال الأول ورغم ضلعهم الأقصر هم مفتاح الحل للقضية الفلسطينية وبغض النظر عن نوعية هذا الحل..فهم الذين ما زالوا متشبثين في ارضهم ولا توجد اية قوة بامكانها اخراجهم وقلعهم منها..واذكر" ليفني" ورئيسها" اولمرت" ومن تواطأ معهم بما قاله المناضل الراحل توفيق زياد:
"هنا . .على صدوركم باقون كالجدار/ نجوع نعْرى، نتحدى، نُنْشد الأشعار/ونملأ السجون كبرياء/ ونصنع الأطفال جيلاً ثائراً وراء جيل/ كأننا عشرون مستحيل/في اللد، والرملة، والجليل/ إنا هنا باقون../ فلتشربوا البحرا/ نحرس ظل التين والزيتون/ ونزرع الأفكار كالخمير في العجين/برودة الجليد في أعصابنا/ وفي قلوبنا جهنم حمرا/ إذا عطشنا نعصر الصخرا/ ونأكل التراب إن جعنا ولا نرحل/ وبالدم الزكي لا نبخل، لا نبخل/ هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل/ كأننا عشرون مستحيل/ في اللد والرملة والجليل/ يا جذرنا الحي تشبّث/ واضربي في القاع يا أصول"...!
ونحن نستذكر ونستحضر ذكرى انتفاضة أهلنا "يوم الأرض" الخالد، نستذكر صور البطولة والتضحية والفداء بكل ما تجسد من اتصال وثيق بكرامة وعزة الإنسان الفلسطيني المتشبث بأرضه.. أرض آبائه وأجداده. ولا يساورنا شك بأن العدو الغاصب لأرضنا بقدر ما يعنيه اغتصاب الأرض ويعمل جاهداً لاغتصابها فإنه يعمل بكل ما أوتي من وسائل القهر لانتزاع حب الأرض والتمسك بالحقوق من قلب وعقل إنساننا الفلسطيني.
من هنا تأتي عظمة الذكرى وقدسيتها في آن كونها تعبر وبجلاء عن ثبات الفلسطيني وتمسكه بأرضه.. أرض آبائه وأجداده وهيهات لهذا الغاصب أن يحقق مراده ومراميه، فهو بحق يجدف عكس التيار ومنطق التاريخ.
وانهي بقصيدة الشاعر الفلسطيني البطل سميح القاسم:
ما دامت لي من أرضي أشبار/مادامت لي زيتونة..ليمونه..بئر.. وشجيرة صُبّار/ما دامت لي ذكرى..مكتبة صغرى/صورة جدّ مرحوم.. وجدار/مادامت في بلدي كلمات عربيه..وأغان شعبية..!/مادامت مخطوطة أشعار/وحكايا عنترة العبسي/وحروب الدعوة في أرض الرومان وفي أرض الفرس/مادامت لي عيناي/مادامت لي شفتاي..ويدايمادامت لي.. نفسي/أعلنها.. حرباً شعواء/باسم الأحرار الشرفاء/عمّالا.. طلاباً.. شعراء/أعلنها.. وليشبع من خبز العار/الجوفُ الجبناء.. واعداء الشمسِ/ويكمل مخاطباً:يا منشئين على خرائب منزلي/تحت الخرائب نقمةٌ تتقلبُ/إن كان جذعي للفؤس ضحيةً/جذري إله في الثرى يتأهبُ/هذا أنا..! عريان إلا من غد/أرتاح في أفيائه أو أصلبُ/ولأجل عينيه وأعين اخوتي/أمشي.. واعطي الدرب ما يتطلبُ/وفي النهاية:كل سماء فوقكم جهنمُ/وكل أرض تحتكم جهنمُ/يموتُ منا الطفلُ والشيخُ..ولا يستسلمُ..!/وتسقطُ الأمُ على ابنائها القتلى/ولا تستسلمُ/تقدموا بناقلات جندكم وراجمات حقدكم..وهددوا..وشردوا..ويتموا..لن تكسروا اعماقنا/لن تهزموا اشواقنا..نحن قضاء مبرمُ..!
عاشت الذكرى الثانية والثلاثون ليوم الأرض الخالد..المجد والخلود لشهداء هذا اليوم ولكل شهداء قضيتنا الباسلة..!
-القدس المحتلة

متى ستنضم إسرائيل للجامعة العربية؟

عطا مناع

قد يكون سؤال استنكاري، ولكن ما يدور على الساحة الفلسطينية والعربية يؤكد أن علاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية تشهد دفئا يعطي إشارات مستقبلية خطيرة عن حالة الانبطاح العربي أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة أن الفعل الإسرائيلي في قمة دمشق تجاوز التأثير العربي مجتمع، وتجسد ذلك في التمثيل الهابط للدول العربية المسماة بالدول المعتدلة وهي الدول التي تدور في الفلك الأمريكي صراحة وتقيم علاقات علنية وسرية مع دولة الاحتلال.
دعونا نضع الشعارات الفارغة جانبا، فنحن الفلسطينيين نقف وحدنا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بكل تجلياته، لقد أكل الدهر وشرب على الشعارات التي طرحتها الدول العربية حول فلسطين وأصبحت هذه الشعارات من الماضي، يجب أن نعترف كفلسطينيين أن العرب تخلوا عنا حتى بدعمهم الشكلي لقضيتنا، واعتقد أنهم ذهبوا لأبعد من ذلك بممارسة سياسة الصمت الذي كان مخجلا وتحول إلى صمت متآمر ومن ثم التصريح علنا بأننا كفلسطينيين أصبحنا عبثا عليهم، وبالطبع نحن لعبنا دورا فاعلا في كشف الوجهة الحقيقي للنظام العربي الرسمي.
مصادر موثوق تتحدث عن اتصالات إسرائيلية مع دولة عربية خليجية وأرجح أنها السعودية لإجراء تعديلات على المبادرة العربية للسلام التي رفضت إسرائيليا حيث تحفظ رئيس وزراء السابق ارئيل شارون على ثلاثة عشر بندا حينما طرحوا مبادرتهم في قمة بيروت، الدولة الخليجية وحسب تسيفي لفني طلبت إبقاء الاتصالات سرية لحين استكمال المبادرة الجديدة التي ستطرح كمبادرة عربية إسرائيلية، وبلا شك فان التحركات الأمريكية بالزيارات المكوكية لوزيرة الخارجية كوندليزا ريس ونائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لعبت دورا في إحداث واقع جديد للنظام العربي الرسمي لينقسم على نفسه لدول معتدلة لها فعلها الاقتصادي والسياسي وأخرى محافظة على ماء وجهها.
ان التهافت والهرولة والتسارع في وتيرة التطبيع الذي يمارسه النظام العربي الرسمي مع دولة الاحتلال سواء بتبادل الوفود الرسمية والشعبية والزيارات الودية التي تأخذ الطابع الاقتصادي والثقافي توضح مدى الترهل الذي وصل إلية النظام العربي الرسمي، يجب أن نعترف أن إسرائيل نجحت في اختراق جدار المقاطعة العربية الرسمية والشعبية وأصبحت مألوفة لبعض الأنظمة التي تقيم علاقات معها مثل مصر والأردن وقطر وموريتانيا والمغرب، ناهيك عن تجنيد أوساط من النخب العربية صحفيون وكتاب وفنانون وسياسيون للدفاع عن دولة الاحتلال التي تعمل على تقويتهم ودعمهم بتزكيتهم للدول الغربية تحت شعار حرية الرأي وحقوق الإنسان.
لا أميل إلى التعويل على القمم العربية التي تحولت لاسطوانة مشروخة من الشعارات الغير منسجمة مع الواقع العربي المتردي والغير قابل للتغير الديمقراطي بسبب سياسات النظام الرسمي العربي الذي أصبح شغله الشاغل الحفاظ على جلدة رأسه من جهة وضمان سياسة التوريث، هذا النهج بات مفضوحا لدولة الاحتلال الإسرائيلي وحلفائها الذين عرفوا من أين تؤكل الكتف بإحداث خروقات فردية للنظام العربي الرسمي وكان هذا هدفا استراتيجيا لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي أحدثت تراكما ملفتا للنظر عبر عن نفسه بشكل صارخ في قمة دمشق.
صحيح أن دمشق تعاملت بحكمة وحنكة بإدارتها للقمة التي عملت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية على إفشالها إلا أن المقاطعة الملفتة لحكام ورؤساء عرب تفرض علينا دق ناقوس الخطر للتنبه للسنوات القادمة وانعكاس هذه السنوات على القضايا العربية المركزية، وارى أن العقد القادم سيكون عقد الفتوحات الإسرائيلية السياسية والاقتصادية والتطبيعية للنظام الرسمي العربي الجاهزة في معظمة للتعاطي مع دولة الاحتلال، وارى أن قمة دمشق أسقطت ورقة التوت وكشفت عري أنظمة ادعت حرصها ودعمها للقضايا العربية المشتركة.
إن مجابة الآلة العسكرية الإسرائيلية التي تطحن الفلسطينيين يوميا بالخطابات والمبادرات تأكيد واضح على هشاشة النظام العربي الرسمي، فالقضايا العربية المركزية بحاجة لفعل له ترجماته على ارض الواقع، وبما أننا كعرب نشهد حقبة عربية تتسم بالانحدار واللافعل سوى محاولة استرضاء دولة الاحتلال الإسرائيلي واستجداءها للمضي في التسوية السياسية بكل ما تحمله من اهانة للنظام العربي ليأتي رد إسرائيل بالمزيد من الجرائم والاستيطان والاعتقالات ومصادرة ما تبقى من الأرض الفلسطينية والتنكر للحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وما السكوت العربي بدبلوماسيته المتواطئة مع السياسة الإسرائيلية إلا دليل لا يدع مجال للشك على الموافقة على تلك السياسة.
أملنا الوحيد في دول الممانعة إذا ما بقيت دول ممانعة، ويفترض أن نعول على حركات المقاومة والحراك المجتمعي الذي تشهده بعض الدول العربية، فهذا الحراك سيؤتي بأكلة وسيكون له فعلا ملموسا مختلفا عن الخطابات الكاريكاتيرية كخطاب العقيد الذي يرهق نفسه ما بين القمة والقمة بالبحث عن تخليقه تلفت إلية الأنظار، فنحن لسنا بحاجة للمواعظ حتى الحسنة منها خاصة أن الأمة العربية قادرة على قراءة واقعها ومدركة لاستراتيجيه الكيان الصهيوني الذي تتعزز فيه قوة اليمين المتطرف صاحب سياسة التطهير العرقي والمحرقة والدولة اليهودية النقية، هذه الفكر لا يلتقي مع العقيد الذي طرح مفهوم الدولة الديمقراطية والتعايش بعد أن نادى في وقت سابق بدولة"اسراطين"، وقد يكون المطلوب من سيادة العقيد وغير متابعة ما يصدر عن الساسة الإسرائيليين وفتاوى حاخاماتهم التي تطالب بقتل الفلسطينيين.
النتيجة المنطقية لسياسة النظام العربي الرسمي المهرول نحو التطبيع مع إسرائيل تقودنا للتفكير بان بعض الدول العربية التي تقيم علاقات خجولة مع دولة الاحتلال ستخرج للعلن وتطالب باحتضانها وتطبيع العلاقات مع على كافة الأصعدة، وقد يندفع البعض للمطالبة بضم إسرائيل لجامعة الدول العربية، الم يسلم العقيد ألقذافي مفاتيح بلادة للأمريكان بعد احتلالهم بغداد؟.

ديك تشيني.....رايس ......ايران والقمة العربية في دمشق

راسم عبيدات
الراصد والمتتبع لرحلات الحجيج الأمريكي المكثفة والمتواصلة للمنطقة، يرى ان المنطقة مقبلة على تطورات في غاية الخطورة، وبما ينذر بانفجار عسكري واسع،قد يطال كامل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، فديك تشيني يزور المنطقة في أقل من شهرين من زيارة الرئيس الأمريكي بوش لها، ورايس تقوم برحلات متواصلة ومكوكية للمنطقة، وكلا الزيارتين إذا ما تم ربطهما، مع استقالة وليم فالون قائد القوات العسكرية المركزية الأمريكية في المنطقة، والقمة العربية التي عقدت في دمشق، تؤشر الى أن الحرب باتت أقرب من أي وقت مضى، ونحن نستطيع أن نتلمس ذلك بسهولة وبساطة من خلال المعطيات الملموسة والحسية، فالولايات المتحدة الأمريكية،ألقت بثقلها من أجل إفشال القمة العربية في دمشق، وضغطت على حلفائها من دول معسكر الاعتدال العربي بعدم حضور هذه القمة، من خلال شعار الدور والتدخل السوري في لبنان، ومنعها انتخاب رئيس للبنان خارج إطار التوافق والدستور اللبناني، مقابل وعودات من تشيني ورايس لهذه الدول بدفع المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المتعثرة بفعل التعنت الإسرائيلي الى الأمام ، من خلال ممارسات الضغوط على إسرائيل لتقديم تنازلات ولو في الإطار الشكلي ، وبما يحفظ لهذه الدول ماء وجهها،حيث التعنت الإسرائيلي، يفقدها المزيد من الشعبية والمصداقية المفقودتين أصلاً، وبالفعل استجابت دول الاعتدال العربي للمطلب الأمريكي، وحضرت القمة بوفود على مستوى ممثليها في الجامعة العربية، كما أنها على المستوى الرسمي شنت هجوماً إعلاميا على سوريا ووفق السيناريو الأمريكي،يبرر سبب حضورها لهذه القمة بالمستويات المتدنية، بالحديث عن تعطيل سوريا لانتخاب رئيس لبناني، وهذا ما أدى الى مقاطعة لبنان للقمة على حد زعمهم،ناهيك عن الاتهام لسوريا بالخضوع لايران، وخطوة دول الاعتدال العربي هذه مربوطة تماماً بالعلاقة مع الحجيج الأمريكي المكثف للمنطقة، والذي يبدو أن عنوانه الأبرز والأهم، تهيئه وتبريد على الجبهات الفلسطينية واللبنانية السورية، مع تصعيد على الجبهة الإيرانية، وهذا نلمسه من خلال انه في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان يجري حديث عن اجتياح إسرائيلي واحتلال القطاع عسكرياً مرة ثانية، ولكن رايس منعت ذلك، وفوضت مصر بعقد هدنة غير مباشرة بين إسرائيل وحماس،وأيضاً عودة رايس للمنطقة مجدداً ووعدها لدول الاعتدال العربي، بالضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات في الملف الفلسطيني، وكذلك هناك محاولات أمريكية حثيثة لفك عرى التحالف بين سوريا وإيران، من خلال إشارات أمريكية وإسرائيلية لسوريا بإعادة الجولان مقابل فك تحالفها مع إيران وتخليها عن حزب الله، وبالعودة لزيارة ديك تشيني للمنطقة ،نرى أنها جاءت في إطار التحضير والإعداد لتوجيه ضربة للقواعد والمنشآت النووية الإيرانية، فتشيني زار خمس محطات ولكل محطة دلالتها في هذه الزيارة، فإسرائيل جزء من التحالف الاستراتيجي الأمريكي- الإسرائيلي، وبالتالي قد تكون طرف مباشر في شن العدوان على إيران، فشمعون بيرس يقول، انه إذا ما شنت إسرائيل حرباً على إيران، فلن تشن هذه الحرب لوحدها، والمحطة السعودية حيث السعودية الشريان الرئيسي للنفط، ومطلوب منها تأمين الاستمرار في تدفق النفط وتغطية العجز الناتج عن وقف تدفق النفط الايراني، وهيتلعب دور القائد لدول الاعتدال العربي، وبالتالي مطلوب منها ومن تلك الدول عدم حضور القمة العربية في سوريا وإفشالها،أما المحطة العمانية، ففيها تنتشر القواعد وحاملات الطائرات والبوارج الأمريكية،،وهي تشرف وتطل على مضيق هرمز، وحوالي عشرين في المائة من البترول يتدفق من خلاله لأمريكا، والمحطة التركية، حيث ترى تركيا أن امتلاك إيران للسلاح النووي يشكل خطر مباشر عليها، وتحتاجها أمريكيا لنشر درع صاروخي لصد ومواجهة الهجمات الإيرانية، ومحطة الضفة الغربية، وذلك للحاجة لتبريد هذه الجبهة ولو الى حين، وإذا ما ربطنا ذلك بالآتية:- تحركات عسكرية أمريكية مكثفة قبالة الشواطئ اللبنانية ،تحمل طابع تحذيري لسوريا وحزب الله إذا ما أرادوا المشاركة في هذه الحرب،أو محاولة حزب الله للسيطرة على لبنان، وكذلك التغطية على الطائرات الإسرائيلية التي قد تشارك في الهجوم، واعتراض وإسقاط أية صواريخ إيرانية، قد تطلق على إسرائيل،وإذا ما ربطنا ذلك بالتحذيرات الإسرائيلية لسوريا،بأنها ستكون مسؤولة عن أي رد عسكري،قد يقوم به حزب الله على اغتيال أبرز قادته العسكريين الشهيد مغنية،وكذلك فإن استقالة وليم فالون قائد القوات الأمريكية المركزية في المنطقة في أقل من عام، تكشف أن المحافظين الجدد في أمريكيا، وعلى رأسهم ديك تشيني، مصممون على توجيه ضربة عسكرية لإيران قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي بوش وأيضاً من الخبرة والتجارب السابقة،فإن الأمريكان بحاجة لأوسع حشد عربي لشن هذه الضربة، وطبعاً الوعود جاهزة حل للقضية الفلسطينية، مقابل هذا الاصطفاف العربي، وتجربة العراق الذي هدمت فيه أمريكيا أساسات الدولة العراقية، وتنهب نفطه وخيراته وتقتل وتشرد أبنائه، وتدمر نسيجه المجتمعي،مقابل هذا الوعد الذي لم يتحقق منه شيء، ولكن بما أن أنظمة النظام الرسمي العربي فاقدة لإرادتها وقرارها السياسي ،فليس أمامها سوى القبول بالطرح الأمريكي والتنظير له،ونحن بانتظار ما يحمله المستقبل القريب من تطورات،فإنه أيضاً من الهام جداً قوله،أن الحجيج الأوروبي الغربي المكثف والمتزايد والمتواصل الى المنطقة،له أيضاً علاقة بهذا الجانب،حيث أن دولاً مهمة مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وروسيا، تريد أن تضمن مصالحها في المنطقة ،إذا ما أقدمت أمريكيا وإسرائيل،طبعاً بدعم وإسناد من العديد من أنظمة النظام الرسمي العربي، ولربما بمشاركة وإن كانت رمزية من العديد من دول أوروبا الغربية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا في الحرب على إيران.
وهذه الحرب التي قد تشن على إيران،عدا عن تبعاتها الإقليمية والدولية، والتي قد تطال أكثر من جبهة في سياق تداعياتها،فإنه من غير المستبعد، أن تحقق ما تصبو إليه أمريكيا وحلفائها في المنطقة من استقرار، وفي التجارب المثالة أمامنا ،نرى أن الحرب على أفغانستان والعراق، ولدت المزيد من الحروب وعدم الاستقرار في المنطقة، والحسم والسيطرة التي تطمح لهما إدارة المحافظين الجدد،لن تتحقق بسهولة،بل أن ذلك سيخلق المزيد من حالة عدم الاستقرار، وستمتد جبهة المقاومة والعداء للمشاريع الأمريكية في المنطقة على رقعة واسعة من الأرض ،من أفغانستان وحتى فلسطين.


القدس- فلسطين
Quds.45@gmail.com

كي لا ننسى: انتفاضة "يوم الأرض" المباركة "30 آذار 1976"

محمود كعوش
كما في الأعوام الحادية والثلاثين الفائتة،استقبل فلسطينيو الداخل والخارج الذكرى الثانية والثلاثين لانتفاضة "يوم الأرض" المباركة بكثير من الحزن والمرارة على شهدائهم الأبرار الذين سقطوا في ذلك اليوم المشهود. وزاد من حزنهم ومرارتهم أن المناسبة حلت عليهم هذه العام في ظل أوضاع غريبة وشاذة طغت بشكل شامل وكامل على المشهد العربي من المحيط إلى الخليج، بحيث بات من المتعذر معها لم شمل القادة العرب بطيب خاطر وحسن نية تحت سقف واحد لمناقشة قضايا أمتهم المصيرية ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة لها بعيداً عن مخاطر التدخلات الخارجية، وبالأخص الأميركية ـ الصهيونية.
وتشهد على ذلك القمة العربية العشرون التي انعقدت في العاصمة السورية دمشق بين التاسع والعشرين والثلاثين من آذار 2008 والتي تصادف اختتام جلساتها مع إحياء الذكرى السنوية لانتفاضة "يوم الأرض". فما سبق انعقاد هذه القمة من شد وجذب وقيل وقال واتهامات متبادلة بين عرب "السلام والاعتدال" وعرب المقاومة والممانعة جعل من انعقادها "قضية القضايا" التي تقدمت على كل قضايا الأمة الكثيرة والشائكة، والمعلقة وللأسف بانتظار "الفرج الآتي من واشنطن وتل أبيب"!!
ويشهد على ذلك أيضاً قيام بعض الأنظمة العربية بإلغاء المهرجانات الثقافية التي كانت مقررة في عواصم ومدن بلدانها بمناسبة ذكرى انتفاضة "يوم الأرض" الفلسطينية قبل ساعات قليلة من المواعيد المقررة لها، لاعتبارات نعرفها وتعرفها الجماهير العربية ولا نرى حاجة لذكرها في هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي تمر بها الأمة العربية والتي تتطلب العمل من أجل التضامن العربي، ولو في حدوده الدنيا!!
إن "يوم الأرض"، بكل ما رافقه من وحشية ودموية وما نجم عنه من نتائج واستحقاقات، كان ولم يزل يُمثل حدثاً تاريخياً مهماً وملمحاً سياسياً مضيئاً في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني وتاريخ الأمة العربية ونضالها القومي، باعتباره اليوم الذي عبر فيه فلسطينيو 48 عن رفضهم القاطع لسياسة الأمر الواقع التي فرضتها عليهم سلطة الاحتلال الصهيوني، من خلال انتفاضة عارمة أعلنوا فيها عن تشبثهم بأرض الآباء والأجداد وتمسكهم بهويتهم الوطنية وبحقهم المشروع في الدفاع عن وجودهم وانتمائهم القومي العربي، رغم مؤامرة التهويد المتواصلة والمترافقة مع عمليات الإرهاب والقتل والتنكيل التي ما برحت تلك السلطة العاتية تمارسها بحق الشعب الفلسطيني منذ عام النكبة الكبرى، بهدف اقتلاعه من أرضه وتهجيره وإبعاده عن وطنه وتشتيته في أصقاع المعمورة ومحاولة تذويبه في مجتمعات أخرى لا يربطه بها شيء من التقاليد والعادات والأعراف والتاريخ والجغرافيا.
فكما شكلت الأرض محور الصراع الفلسطيني ـ الصهيوني بشكل خاص والصراع العربي ـ الصهيوني بشكل عام بالنسبة لكيان العدو منذ ولادته القيصرية في قلب الوطن العربي عام 1948 وفق ما أشرت إليه جميع الأدبيات الصهيونية والخرافات التوراتية التي اعتبرت "زوراً وبهتاناً" أرض فلسطين ركيزة إنجاح المشروع الصهيوني الذي بشر به تيودور هرتزل اليهود أثناء انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897 وتبنته في ما بعد جميع المؤتمرات الصهيونية الأخرى، كانت ولم تزل وستبقى تشكل لب قضية وجود ومستقبل وبقاء الفلسطينيين وربما العرب جميعاً، الأمر الذي يجعل من التشبث بها والنضال الدؤوب من أجل الحفاظ عليها حرة ومستقلة مسألة حتمية ومصيرية لا حياد عنها ولا نقاش أو مساومة بشأنها.
وعلى خلفية هذه الحقيقة وإيمان الفلسطينيين بقدسية أرضهم حدثت انتفاضة 30 آذار 1976 المجيدة في الأراضي الفلسطينية التي احتلها الصهاينة عام 1948، تماماً كما حدثت بعدها انتفاضتا 1987 و2000 المباركتان في الأراضي الفلسطينية التي احتلوها عام 1967.
ففي 30 آذار 1976 وبعد حوالي ثمانية وعشرين عاماً من المعاناة الشاقة والمريرة التي لا يحتملها البشر ولا حتى الجبال، قام فلسطينيو 48 بانتفاضتهم العفوية والسلمية ضد سلطة الاحتلال الصهيوني. وقد اتخذت تلك الانتفاضة المباركة في حينه شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة عمت مدن وقرى منطقة الجليل شمال فلسطين، فتحت القوات الصهيونية خلالها النار على المتظاهرين الفلسطينيين، مما أدى إلى استشهاد ستة منهم، يقتضي الوفاء لأرواحهم الطاهرة التذكير بأسمائهم، وهم استناداً لمعلومات "الموسوعة الفلسطينية": الشهيد خير ياسين من قرية "عرابة" والشهيدة خديجة قاسم شواهنة والشهيد رجا أبو ريا والشهيد خضر خلايلة من قرية "سخنين" والشهيد محسن طه من قرية "كفركنا" والشهيد رأفت علي زهيري من مخيم نور شمس بالضفة الغربية والذي استشهد في قرية "الطيبة". وسقط إضافة لهؤلاء عشرات الجرحى والمصابين، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيوني في ذلك اليوم أكثر من 30 فلسطيني.
وكان بديهياً أن ينتصر فلسطينيو 1967 في قطاع غزة والضفة العربية بما فيها مدينة القدس لإخوانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ليمنحوا انتفاضة "يوم الأرض" بعداً وطنياً، وينتصر إليهم إخوانهم في المشرق والمغرب العربيين ليضفوا على المناسبة بعداً قومياً، وهما بُعدان لطالما افتقدناهما بعد ذلك ونفتقدهما كثيراً هذه الأيام. فما فرق الفلسطينيين كثير جداً هذه الأيام، وما يفرق العرب أكثر منه بكثير.
وبإجماع المراقبين المحايدين فأن قيام سلطة الاحتلال الصهيوني بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي قرى عرّابة وسخنين ودير حنّا وعرب السواعد وغيرها من قرى منطقة الجليل لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطّط تهويد لتلك المنطقة المحتلة كان السبب المباشر لتفجر انتفاضة "يوم الأرض". وحسبما جاء في "الشبكة الإسلامية" فأن تلك السلطة البغيضة كانت قد صادرت ما بين عامي 1948 و 1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي سبق الاستيلاء عليها بفعل المجازر والمذابح المروّعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية الإرهابية مثل "الأرغون" و"الهاجاناة"بحق الفلسطينيين إبان حرب 1948، وبفعل التهجير والإبعاد القسريين اللذين فًرضا عليهم. فانتفاضة "يوم الأرض" لم تكن بنت لحظتها ولا وليدة الصدفة المحضة، بل كانت نتيجة بديهية ومرتقبة لمعاناة الفلسطينيين المريرة والمستمرة.
انتفاضة "يوم الأرض" التي انفجرت في منطقة الجليل في 30 آذار 1976 وتمددت لتشمل جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلها الصهاينة في عامي 1948 و1967 وطال شررها الوطن العربي والعالم الإسلامي على امتدادهما أُخمدت وانطفأت جذوتها في ذلك اليوم. لكن معركة الأرض الفلسطينية المقدسة لم تُخمد ولم تنطفئ جذوتها بعد، وهي متواصلة ولربما بحدة وشراسة أكبر وأخطر بكثير حتى يومنا هذا.
فسياسات التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي ما تزال تطارد الفلسطينيين من مدينة إلى مدينة ومن بلدة إلى بلدة ومن قرية إلى قرية ومن حي إلى حي ومن زقاق إلى زقاق، والمخططات العدوانية الجهنمية ما تزال هي الأخرى تُحاصرهم وتعمل على خنقهم والحيلولة دون تحسن أوضاعهم وتطورها. والأسوأ من ذلك كله أن التوجهات والممارسات الصهيونية العنصرية بحقهم، والتي بلغت ذروتها مع التلويح باعتبار كيان العدو "كياناً يهودياً" وتأييد الرئيس الأميركي الأرعن جورج بوش لهذا التوجه أثناء جولته الشرق أوسطية التي جرت في شهر كانون الثاني الماضي، آخذة بالتزايد والتفاقم يوماً بعد يوم، بحيث تجاوزت الأرض التي احتُلت عام 1948 وأصبحت تنذر بقرب حدوث مخاطر حقيقية تمس الوجود الفلسطيني في هذه الأراضي وشرعية هذا الوجود نفسه.
ولربما أن وثيقة المجلس الصهيوني الخاصة بفلسطينيي 1948 التي نشرتها صحيفة "هآرتس" في التاسع عشر من شهر شباط الماضي والتي سُميت باسم صاحبها "داني بن عطار" رئيس المجلس المذكور تدلل على ذلك. فهذه الوثيقة التي اعتبرها سياسيون ومحللون من بينهم السياسي الفلسطيني أمير مخول "خارطة طريق الحل الدائم للفلسطينيين" داخل كيان العدو، تهدف بالنتيجة إلى ضمان الولاء لهذا الكيان العنصري من خلال مشروع الخدمة المدنية الإستراتيجي وتصفية الوجود الفلسطيني العربي في أنحاء النقب وتجميع سكان القرى في كانتونات ثابتة بعد مصادرة قراهم وأراضيهم وتدمير بيوتهم وتغيير طابع حياتهم.
وهي، حسبما رأى هؤلاء السياسيون والمحللون، تعمل على فك ارتباط فلسطينيي 1948 بأبناء جلدتهم في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس وبقضيتهم المركزية، من خلال إلزامهم بالاعتراف بيهودية الكيان ووضعهم في حالة مواجهة مع المقاومة الفلسطينية للاحتلال، وحالة تصادم مع إخوانهم اللاجئين وحقهم بالعودة الذي تكفله الشرعية الدولية. والأخطر من ذلك أنها تُبشر بواقع قمعي عنصري سيسود أجواء الدولة اليهودية المزمع الإعلان عنها في وقت ما في المستقبل ربما لا يكون بعيداً!!
لا شك أن شعبنا الفلسطيني وأرضنا العامرة بالخير والإيمان واجها من المؤامرات ما لا يُحصى ولا يُعد وعاشا محناً كثيرة وكبيرة وعانا من آلام أكثر وأكبر عجزت عن تجاوزها أو تحملها كل شعوب الأرض، إلا أن أياً من أبناء هذا الشعب المرابط داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وعام 1967 والمنتشرين قسراً بقوة الترحيل والتهجير والترانسفير في ديار الشتات الواسعة يقبل المساومة على أي من الحقوق والثوابت الوطنية والقومية، أو التفريط بشبر واحد من أرض الآباء والأجداد. فمهما بلغت المؤامرات والمحن والآلام التي تنظر هذا الشعب وأرضه في قابل الأيام، ومهما شطحت وانحرفت القلة الضالة من الأدوات الرخيصة والمرهونة بإرادة المحتل الغاشم والإمبريالية الجديدة المتمثلة بالولايات المتحدة، يبقى الأمل موجوداً لأن هذا الشعب بغالبيته، وهو صمام الأمان، قد حسم أمره وقرر بشكل نهائي أن يكون في جبهة المقاومة والممانعة حتى تحرير آخر ذرة من تراب أرضه المقدسة.
رحم الله شهداء انتفاضة "يوم الأرض"، ورحم كل شهداء فلسطين والأمتين العربية والإسلامية، وكل انتفاضة وأنت بخير ونصر مظفر بعون الله تعالى.
كاتب وباحث مقيم في الدانمرك
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
kawashmahmoud@hotmail.com

العهد الجديد في باكستان يواجه أوضاعا اقتصادية كارثية

اقرأ ايضاً
الدكتور عبدالله المدني في لقاء مع المذيعة إيمان علي


د. عبدالله المدني
يمكن القول أن أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة الباكستانية المنبثقة عن انتخابات الثامن عشر من فبراير الماضي التشريعية بقيادة رئيس الوزراء المعين مخدوم سيد يوسف رضا جيلاني هو إصلاح الأوضاع الاقتصادية، ولا سيما الارتقاء بالأحوال المعيشية للسواد الأعظم من السكان والتي تدهورت إلى حد لا مثيل له في آسيا، و إيجاد حلول سريعة لأزمة الطاقة و للعجز المزمن في الموازنة العامة.

وإذا ما تم تجاهل هذه المسائل الخطيرة من قبل الحكومة المرتقب تشكيلها قريبا و التي ستكون حتما مكونة من ائتلاف عدد من الأحزاب السياسية بسبب عدم حصول أية قوة سياسية على الأغلبية المطلقة في انتخابات فبراير 2008 ، و انصرفت الأحزاب المشاركة في الحكومة عوضا عن ذلك إلى المماحكات السياسية التي اشتهرت بها الساحة الباكستانية، فإنها حتما ستفقد مصداقيتها وجماهيريتها، ولن تكون أفضل حالا من سلفها التي حجب الشعب عن رموزها التصويت و أذاقها الهزيمة.

وكما ذكرنا في المقدمة، فانه يأتي على رأس الأمور التي تتطلب علاجا سريعا، مسألة العجز في الموازنة العامة، و هو عجز رهيب يحد كثيرا من قدرة الأجهزة الحكومية على ملامسة بقية المشاكل الاقتصادية والمعيشية مثل مشكلة توفير الطاقة، أو حتى الحد من تفاقمها.

وطبقا لتقرير صادر عن المصرف المركزي الباكستاني، فان عجز الموازنة ارتفع في الأشهر الست الأولى من السنة المالية الجارية بنسبة 31.1 بالمئة ( أو من 1.46 بليون دولار إلى 6.14 بلايين دولار)، علما بأن هذا العجز لم يتعد في الفترة نفسها من السنة المالية السابقة الرقم 4.7 بليون دولار. وإذا ما استمرت الحالة في التدهور بالنسبة المشار إليها، فان المتوقع – بحسب المراقبين و المحللين الاقتصاديين – أن يتخطى العجز الرقم 12 بليون دولار، وبالتالي تنهار قدرة البلاد على سداد فواتير وارداتها من البضائع و الخدمات، لا سيما و أن الميزان التجاري الباكستاني يشكو عجزا واضحا، بدليل تراجع صادرات البلاد من الخدمات التي يساهم قطاع النقل فيها بنسبة 50 بالمئة خلال الفترة من يوليو إلى نوفمبر 2007 إلى 1.09 بليون دولار، مقابل 3.93 بلايين دولار من واردات البلاد من الخدمات.

أحد أسباب العجوزات في الموازنة الباكستانية العامة، هو انخفاض تدفق الاستثمارات الاجنبية إلى أرقام أدنى بكثير مما كان متوقعا للسنة المالية 2007-2008 ، وهو خمس بلايين دولار، ومعه انخفاض تدفق تحويلات الباكستانيين العاملين في الخارج- أي عكس الحالة الهندية تماما – فمثلا انخفضت هذه الاستثمارات بنسبة 32 بالمئة في الأشهر الست الأولى من السنة المالية الجارية التي ستنتهي في يونيو 2008، فوصلت إلى 2.17 بليون دولار، بعد أن كان الرقم في الفترة نفسها من السنة المالية السابقة هو 3.18 بلايين دولار.

وفي نظر الكثيرين تعتبر حكومة رئيس الوزراء شوكت عزيز الذي قيل الكثير عن مؤهلاته وخبراته العملية ووظائفه السابقة في المحافل المالية العالمية، يوم أن اختاره الرئيس الجنرال برويز مشرف رئيسا للحكومة، بل تطلعت الجماهير إلى حدوث حلول سحرية على يديه لمشاكلها المعيشية المزمنة، هي المسئولة عن كل ما سبق ذكره لسببين: اولهما أنها بالغت في الاعتماد على مصادر معينة غير مأمونة للعملة الصعبة في تغطية عجوزات الموازنة (مثل تحويلات العاملين الباكستانيين في الخارج، والفوائد المتأتية من الاستثمار في السندات و الأسهم الاجنبية). وثانيهما أنها لجأت إلى تمويل العجز التجاري بدلا من وضع استراتيجية لتجسير الهوة ما بين الواردات والصادرات و التي اتسعت بنسبة 5.6 بالمئة في عام 2005 من بعد أن كانت هذه النسبة المئوية عند حدود 2.4 في عام 2000 ، هذا علما بأن الهوة استمرت في الاتساع بسبب عدم تناسب حجم الزيادة في الصادرات مع حجم نمو الواردات. وفي هذا السياق ، يستبعد مراقبون كثر أن تنجح باكستان على المدى القصير في علاج الخلل في ميزانها التجاري، لعدة أسباب أهمها التحديات التي تمثلها أزمة الطاقة، و التي بدورها تحد من إمكانيات المصانع الباكستانية على الإنتاج والتصدير، و في الوقت نفسه تساهم في رفع قيمة فواتير الاستيراد. لكن هذا ليس سوى مظهر واحد من مظاهر صعوبة معالجة اختلال الميزان التجاري. فهناك فواتير القمح و الشعير المستورد و الذي تشهد اسعارهما ارتفاعا واضحا في الوقت الذي تزداد فيه حاجة البلاد إلى استيراد كميات اكبر منهما لسد النقص في الناتج المحلي باعتبارهما عماد الغذاء اليومي للمواطنين. و المعروف أن أسعار القمح العالمية تضاعفت منذ مايو/ أيار الماضي، فيما ارتفعت أسعار الشعير بنسبة 20 بالمئة منذ نوفمبر المنصرم.

والجدير بالذكر أن باكستان كانت قد وضعت لنفسها هدفا للعام المالي 2007-2008 هو إيصال صادراتها إلى الرقم 19.2 بليون دولار، غير أن أزمة الطاقة معطوفة على حالة اللااستقرار والفوضى، القيا بظلال من الشك على إمكانية الاقتراب من هذا الهدف. أما الواردات من الخارج التي كان مأمولا تخفيض حجمها وفق سياسات تحقيق الاكتفاء الذاتي، فقد حدث لها العكس تماما، ولاسيما الواردات من الطعام على نحو ما سبق ذكره، بل ينتظر أن تستمر هذه الواردات في الارتفاع. وبحسب الأرقام الرسمية المعلنة فان إجمالي قيمة ما صدرته باكستان في النصف الأول من السنة المالية الجارية (أي من يوليو إلى ديسمبر 2007 ) بلغ 8.72 بلايين دولار، فيما كان إجمالي قيمة وارداتها في الفترة نفسها هو 16.95 بليون دولار، الأمر الذي يشير إلى عجز تجاري واضح بقيمة 8.24 بلايين دولار، مقارنة بنحو 6.49 بلايين دولار في الفترة نفسها من السنة المالية السابقة.

أما ما ساهم في مضاعفة هذا الاختلال، فقد كان ضعف انجذاب الشركاء التجاريين التقليديين للصادرات الباكستانية، وهبوط قيمة الروبية الباكستانية أمام الدولار الأمريكي ، إضافة إلى ضعف أداء مصانع النسيج الباكستانية و التي تساهم تقليديا في صادرات البلاد إلى الخارج بنسبة تزيد عن 65 بالمئة، ناهيك عن معدلات التضخم، ولاسيما في أسعار السلع الاستهلاكية التي واصلت ارتفاعها حتى بلغت نحو 12 بالمائة مقارنة بأسعار العام الماضي، و ذلك طبقا لأرقام الجهاز الفيدرالي للإحصاء.


هذا الوضع الاقتصادي الكارثي في باكستان كان محل اهتمام مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي الذي أشار في آخر تقرير له إلى أن أوضاع الموازنة العامة ساءت في عدد من الدول خلال عام 2007 ، وان المشهد الأسوأ كان في باكستان التي وصل العجز فيها إلى 5 بالمئة من إجمالي ناتجها المحلي. أما صندوق النقد الدولي، فقد توقع استمرار مثل هذه العجوزات في عدد من دول العالم النامي، لاسيما في ظل الارتفاعات المتواصلة في سعر النفط.

من جانب آخر، قدرت مؤسسة " ميريل لينتش" المالية أن أية زيادة في أسعار النفط بنسبة 10 بالمئة، يعني إضافة 700 مليون دولار إلى فواتير استيراد هذه السلعة، و بالتالي ارتفاع عجوزات الموازنة بنفس المقدار.

وهكذا، بناء على ما سبق، لن يكون مستغربا إطلاقا أن تكون الخطوة الأولى لرئيس الوزراء الجديد فور أدائه اليمين الدستورية، هي القيام بجولة في منطقة الخليج بدءا بالدولة الكبرى (المملكة العربية السعودية)، هدفها الظاهري هو زيارة الكعبة المشرفة للشكر والحمد – على نحو ما دأب عليه كافة قادة باكستان فور وصولهم إلى السلطة-، بينما هدفها الحقيقي هو استجداء المساعدات والمعونات المالية والنفطية.

د. عبدالله المدني
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة: 16 مارس 2008
البريد الالكتروني:




السبت، مارس 29، 2008

ثلاثون عاما على رحيل وديع حداد..!

د. صلاح عودة الله
"في ذكرى وديع حداد تذكرت صديقي"ارهاب".كان فتى جميلا لم يكتمل,مات قبل البلوغ.كنا نسميه خجلا"العنف الثوري".وكانت له اسماء مستعارة كثيرة منها:وديع حداد, وابو حسن سلامة,وفؤاد الشمالي, ومحمد بوضيا وغيرهم ممن ماتوا قبل ان يموتوا".
ولد الشهيد وديع حداد في مدينة صفد في العام 1927 ،ونتيجة للمأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة النكبة عام 48 ، اضطر الشهيد وديع للهجرة من وطنه ولجوئه مع عائلته ووالده إلي مدينة بيروت حيث استقر بهم المآل هناك ، وفي هذه الأثناء التحق وديع بمقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية ليدرس الطب.لقد ولّدت النكبة داخل الشهيد وديع شعوراً عالياً بالمسؤولية تجاه شعبه وقضيته التي إزدادت مأساوية علي ضوء النكبة ، الأمر الذي عكس نفسه علي اهتماماته وتوجهاته المستقبلية ، ودفعت به باتجاه الإنخراط الفعلي في الفعل الوطني الكفاحي للشعب الفلسطيني ، وقد تجلّت بواكير هذه التوجهات خلال انخراطه وهو ما يزال علي مقاعد الدراسة في اغاثة أبناء شعبه المشردين جراء النكبة ، ولاحقاً عبر انخراطه في جمعية "العروة الوثقي" التي بدأت بلعب دور سياسي بعد انخراط الشباب القومي المتحمس للعمل السياسي بها ، وتولي الشهيد وديع موقعاً قيادياً في هذه الجمعية.وفي ظل الأجواء الملبدة بغيوم الهزيمة العربية الرسمية في حزيران 67 ، وفي ظل الشعور المتزايد لدي قيادة حركة القوميين العرب أن النضال القومي قد غيّب الخاص الفلسطيني ، فقد اتجهت الجهود نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين ، عبر تبنيها لأشكال نضال ووسائل كفاحية تتخطي وتتجاوز الأشكال والأساليب التى اتبعتها الأنظمة العربية الرسمية ، والتي ثبت عجزها علي مواجهة التوسع الصهيوني واسترداد فلسطين ، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية القومية الناصرية.
وفي الخلفية التاريخية، كانت قيادة حركة القوميين العرب قد اتخذت قرارها عام 1960 بـتكوين جهاز فلسطيني خاص عرف باسم "إقليم فلسطين"، حيث تم الأمر عام 1964 من خلال فرز كادرات هذا الإقليم من الفلسطينيين المنتمين للحركة من مختلف مناطق تواجدهم، وتم بعد ذلك عقد مؤتمر لإقليم فلسطين في منطقة غور الجفتلك، وكان من أبرز حضوره كل من الشهيدين الدكتور وديع حداد، وأبوعلي مصطفى، وتم البدء العملي باتخاذ خطوات الإعداد للعمل الفدائي المسلح.ومنذ التأسيس تولي الدكتور وديع مهمات قيادية أساسية جداً في الجبهة حيث أسندت له مهمتان رئيسيتان هما المالية والعمل العسكري الخارجي ، وأثبت الرفيق الشهيد من خلالهما قدرات قيادية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير ، حيث جسد شعار "وراء العدو في كل مكان" بطريقة فاعلة.وقد كان الشهيد وديع حداد العقل المدبر لعمليات اختطاف الطائرا اكي يعرف العالم بوجود قضية اسمها قضية شعب فلسطين.وهنا تسحضرني مقولة حكيم الثورة الفلسطينية الشهيد ادكتور جورج حبش"إما وديع، وإما الانضباط" والتي قالها في اعقاب قرار الجبهة ايقاف اختطاف الطائرات والعمل العسكري الخارجي لانه استنفذ والتوجه للعمل في داخل فلسطين المحتلة, ولكن وديع حداد رفض ذلك واتخذ قرار بفصله بالرغم من انه كان الرجل الثاني في الجبهة.. وانتصر الانضباط واستشهد وديع وحيداً لأنه لم يمتثل للإنضباط رغم عدالة موقفه الكفاحي، فلم يخرج تيار" وديعي"، ولم تستل السيوف لتمزيق الجثة كما يحصل في تنظيمات وحركات اخرى.
ولئن تعارضت رغبات وديع حداد مع نهج الجبهة الشعبية في مرحلة من المراحل دفع ثمنها تنظيمياً بإقصائه، فإن تصحيح التاريخ في المؤتمر الخامس للجبهة "قرار إعادة الاعتبار لحداد الذي اتخذه المؤتمر الخامس للجبهة الشعبية عام 1993 "، يعني، او ربما يجب ان يعني، أن أساليب النضال العنفية الكفاحية ضد العدو هي أساليب جدّ مشروعة في تاريخ حركات تحرير الشعوب.
الاغتيال:
توفي وديع حداد في28 آذار عام 1978 في ألمانيا الشرقية سابقا, واشيع انه توفي بمرض سرطان الدم .ولكنها وبعد 28 عاما اعترفت إسرائيل وعن طريق أحد ضباط مخابراتها الذي كتب جزءا من حياته الإستخبارية بإنها اغتالته بدس السم له في الشوكولاتة عن طريق عميل عراقي كان يشغل منصب رفيع المستوى .
واشار المؤلف إلى ان عملية التصفية الجسدية هذه "كانت أول عملية تصفية بيولوجية" نفذتها إسرائيل. وتابع ان إسرائيل اتهمت حداد "الارهابي المتمرس ومتعدد المواهب" بأنه كان أول من خطف طائرة تابعة شركة الطيران الإسرائيلية "العال" عام 1968 وتم الافراج عن الرهائن فقط بعد خضوع الحكومة الإسرائيلية لشرطه الافراج عن اسرى فلسطينيين.
كما اتهمه الموساد بالمسؤولية عن انشاء علاقات بين التنظيمات الفلسطينية و”منظمات ارهابية عالمية” ودعا افرادها للتدرب في لبنان، وكانت احدى نتائجها قيام "الجيش الاحمر الياباني" بـ"مذبحة في مطار اللد "تل-ابيب" عام 1972.ويتابع المؤلف ان اختطاف طائرة "اير فرانس" إلى عنتيبة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، اذ قرر قادة موساد وجهاز المخابرات العسكرية على الفور تصفية حداد وصادق رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغن على العملية.واضاف انه بعد تصفية حداد سجل انخفاض حاد في عدد العمليات التي استهدفت إسرائيل في انحاء العالم. وزاد ان الموساد رأى في عملية التصفية هذه تجسيدا لنظرية "التصفية الوقائية" او تصفية قنبلة موقوتة تمثلت بـ "دماغ خلاّق لم يتوقف عن التخطيط للعملية المقبلة"..!
أن تكون إسرائيل تعمدت بعد كل هذه الفترة إعلان مسؤوليتها عن اغتيال وديع حداد، فهذا ليس غريبا وإن يكن يحمل في الوقت ذاته دلالات بالغة التعبير عن مدى الاستهانة التي تبديها هذه الدولة بكل ما هو عربي.
لماذا قتل وديع حداد؟في صلب هذا النقاش، وجب طرح تجربة وديع حداد على محدوديتها كأسلوب من المقاومة. يمكن عندها التوقف والتحليل. يمكن ان نسأل، دون ان نكون لاعقلانيين إلى درجة نسيان الظرف التاريخي او تناسيه، لماذا قتل وديع حداد عندما كان يطاردهم، ولماذا يقتلون قياداتنا وهم مُطاردين؟ ما هو الظرف التاريخي والسياسي الذي يبرر اللجوء إلى أساليب وديع حداد؟كيف لنا دون حاضنة سياسية أكبر أن نعيد الاعتبار لقوة الردّ تلك التي فعلها ذلك الطبيب الفلسطيني؟هل يمكن لقوة الردّ أو حتى لجرأة الردّ ان تغني عن المشروع السياسي او أن تشكل رافداً لإعادة إحياء الخيار الكفاحي الوطني الاجتماعي؟اليوم، بعدما سقطت كل جدران الممانعة، وبقي جدار الفصل وبقي جدار بين شعوبنا والنظام الرسمي، بعد كل هذا هل يمكن لنا مجرد التجرؤ على التفكير بخيارات كتلك التي لجأ إليها وديع حداد؟
يغتالنا اغتيالك يا أبا هاني فتنادينا يداك... يغتالنا صمتنا .... فتكسر صمتنا ذكراك..في الذكرى الثلاثين لاستشهاد القائد وديع حداد لن ننثني يا سنوات الجمر...وإننا حتماً لمنتصرون..!
**
تم الرجوع لبعض المصادر.
-القدس المحتلة

ترقب حذر ولهفة قوية تنتظر على مشارف المصالحة الوطنية

نيللي المصري
شكل الرابع عشر من حزيران 2007 انعطافا خطيرا على البيت الداخلي الفلسطيني و أحدث شرخا كبيرا بين الفلسطينين شتت الصفوف وأصبح المواطن أمام تحديين الاحتلال من جهة والاقتتال الفلسطيني من جهة أخرى.. تسعة اشهر مضت على حالة الانقسام الحاد الذي لم تشهده الأراضي الفلسطينية على مر التاريخ والذي أودى بحياة الكثيرين من الأبرياء وسادت خلاله حالة احتقان شديد في الأوساط الفلسطينية وبعد توقيع اتفاق صنعاء من أجل المصالحة الوطنية من قبل حركتي فتح وحماس يترقب المواطن الفلسطيني بحذر انفراج هذه الأزمة علها ساعدة على رص الصفوف مرة آخرى ومن خلال هذا التقرير استطلنعا أراء بعض المثقفين حول امكانية اتفاق صنعاء ان يحقق المصالحة الوطنية الحقيقة على ارض الواقع...وقد قمنا باستطلاع اراء عدد من المثقفين الفلسطينيين لمعرفة رايهم .
الكاتب رامي سليمية من الخليل اعتبر انه من المفترض أن تكون هناك مصالحة وطنية حقيقة وقال: رغم أنني أراها مازالت بعيدة في هذه المرحلة رغم اتفاق صنعاء الذي وقع مؤخرا ولكن هناك اختلاف موجود حول الألية حيث ان الأتفاق واضح وبالأساس جرى على أن يتم العودة عن نتاجات الانقلاب العسكري وما تبعها من أوضاع أضرت بالقضية الفلسطينية وبالمشروع الوطني ولكن الاختلاف الموجود في وجهات النظر هو عميق جدا ومن الصعوبة تجاوزة على اعتبار أن حركة حماس لها رؤية في اتفاق صنعاء ومنظمة التحرير لها رؤية أخرى وهي البدء الفوري بتنفيذ بنودة كما نصت وفي المقابل حركة حماس تعتبرة البداية للبدء بحوار وطني شامل لكل القضايا و هنا يكمن الخلاف، ويضيف: أرى أنة من الضروري أن يتم البدء الفوري بتنفيذ بنود الاتفاق حفاظا على وحدة ولحمة الشعب والوطن ومن أجل أان تكون هناك مصالحة حقيقية يتم على أساسها الانطلاق بمرحلة جديدة تسودها الثقة والاحترام المتبادل لأن هذا الاتفاق يحقق طموح أبناء شعبنا وتلهفهم خاصة للوحدة في ظل تواصل محرقة الاحتلال بحق أبناء شعبنا المرابط الى جانب ازدياد سوء الاحوال المعيشية للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة خاصة.
أما هدى الحولي منسقة لجنة اعلام المكتب الحركي للمرأة الفتحاوية في رفح شددت على ضرورة
انهاء حالة التشرذم فلابد من المصالحة الوطنية وأعربت عن أملها أن يوقع الاتفاق ببنود تحمي حق اللذين تضرروا وتضمن الأمن والاستقرار للمواطن الفلسطيني وعودة الوحدة والوطنية ورص الصفوف من جديد.
الاعلامي راغب شراب من خانيونس أكد على أن توقيع اتفاق صنعاء الأخير بادرة خير ولكن مالم تدخل حيز التنفيذ وهذا مالا يبشر في الخير، موضحا أن المصلحة الوطنية باتت هم جميع أفراد الشعب ولكن بنسب متفاوتة نظرا للتسيس الكبير في فئات الشعب والأحزاب المتناحرة فيه ولكن أن تطرقنا للواقع الفلسطيني الحالي فان اي اتفاق بين حكرتي فتح وحماس هو ملبي لطموح الشعب الفلسطيني في الفترة الحالية خاصة الشعب في قطاع غزة على وجه الخصوص وفي اعتقادي ان عودة الاستقرار والأمان لن يكون سوى في وحدة الشعب الفلسطيني بكافة أحزابه وطوائفه والعمل على التصدي لجميع المدخلات التي تضر بالقضية الفلسطينة التي راح فداءا لها الكثيرمن الدماء .
الاعلامية سمر الدريملي كان لها رأياَ مغايرا فقالت: لا أريد ان أبالغ بتشاؤمي بقدر ما أتمنى أن تتحقق المصالحة الوطنية بأسرع وقت فعندما يتعلق الأمر بحركتي فتح وحماس و لأن المصلحة الشخصية للحزب هي الأغلب دائما على الأجندة لكن يبقى هناك بعض من الأمل بعودة الطرفين لحوار جاد كامل يضمن مصالح الشعب بشكل عام، والمصالحة الوطنية في أي وقت لكونها ضرورية جدا للاستقرار والأمن و لان هناك انهيار كامل في مناحي الحياة الفلسطينية.
يوسف زهدي موظف قال: اعتقد بأن اتفاق صنعاء بين حركتي فتح وحماس ما هو إلا سيناريو اعتدنا عليه وعُرفت نهايته مسبقا لذلك لا اعتقد أن ما حصل بين تلك الحركتين هو تمهيد للمصالحة الوطنية فالكل يسعى لتحقيق مصلحته الخاصة على حساب مصلحة ومصير شعب بأكمله، أما بخصوص كلمتين اعتدنا على سماعها كثيرا ولكننا لم نفهم معانيها ربما لان الكل منشغل في تحقيق أهوائه ( الأمن والاستقرار ) لا أجد إجابة لهذا السؤال ولكني أجد بين ثنايا أفكاري سؤال أخر ربما يجيب عنه أو ربما يضيء الطريق لكتير من الأسئلة _ هل شعر الشعب الفلسطيني بيوم من الأيام بأمن وباستقرار في ظل الاتفاقات المتعاقبة عليه.

في الانقسام الفلسطيني ... القمة العربية منحازة

نقولا ناصر

لم يسبق في أي وقت ان ساور الوهم أي عربي فلسطيني لكي يعقد أي امل على مؤتمرات القمة العربية ، فكم بالحري اذا كانت قمة كهذه تنعقد والانقسام يكاد يكون عنوانا لها ، ناهيك عن عقد امل على قمة منقسمة لكي توحد انقساما فلسطينيا كانت القمم العربية ذاتها احد الاسباب الرئيسية فيه ولا يبدو ان قمة دمشق ستشذ عن ذلك كما اتضح من تجديد التزامها بمبادرة السلام العربية التي يختلف الفلسطينيون حولها حد الانقسام .

والياس الفلسطيني من قمم العرب ليس مقتصرا على عرب فلسطين بل يشاركهم فيه اشقاؤهم من شعوب الامة المنكوبة بقياداتها ولا يجد الرسميون العرب أي سبب لدحض هذه الحقيقة التي يعرفها القادة قبل شعوبهم . وربما كان احمد القطان ، السفير الدائم للعربية السعودية لدى جامعة الدول العربية الذي سيمثل بلاده في قمة دمشق ، وهي القمة العربية الاولى التي تستضيفها العاصمة العربية السورية ، معبرا عن "الياس الرسمي" عندما قال وهو يعلن التزام الرياض باي قرارات تصدر عن القمة ان "قرارات قمة دمشق والقمم السابقة سوف تظل حبرا على ورق" في غياب "الوحدة" بين العرب (اراب نيوز في 25 الجاري) ، بينما عبر مواطن عن "الياس الشعبي" عندما خاطب القادة العرب (الموقع الالكتروني لفضائية العربية) قائلا: "آمل في ان تحلوا ولو مشكلة عربية واحدة" !

لكن بالرغم من هذا الياس المطبق ما زال عرب فلسطين ، شعبا وقادة ، لا يجدون أي خيار بديل لهم سوى ان يستمروا في الامل بخير ياتيهم من القمم العربية ، لعل وعسى تحدث معجزة في زمن لم تعد غير الشعوب تصنع فيها معجزات ، لذلك يحرصون على المشاركة المنتظمة وعلى المستوى الارفع ، ولم تكن مشاركتهم في قمة دمشق استثناء ، غير ان هذه المشاركة في هذه المرة لا تبعث املا بقدر ما تفاقم الياس الوطني للاسباب التي حدت بالرئاسة الفلسطينية الى المشاركة .

والتصريحات الرسمية للرئيس محمود عباس وكبار مساعديه لم تخف انه يذهب الى دمشق من اجل تجديد "الشرعية العربية" للطريق المسدود الذي يواجه سياساته داخليا وخارجيا ، وللاسف ان كل الدلائل تشير الى انه سوف يحصل على هذه الشرعية ، وبالتالي فان القمة العربية الدورية العادية الجديدة لا تعد الشعب الفلسطيني بغير استمرار الوضع الراهن دون أي تغيير قد يمنحه ولو بصيص امل في حل لازمته الداخلية او انفراج في المفاوضات خارجيا او في دعم لمقاومته الوطنية تعزز صموده على الارض .

وتوجد على جدول اعمال القمة خمسة مواضيع فلسطينية هي مبادرة السلام العربية ومستجدات عملية السلام الفلسطينية والمبادرة اليمنية ودعم ميزانية حكومة سلطة الحكم الذاتي ومصير اكثر من الفي لاجئ عالقين منذ عامين على الحدود السورية العراقية وفي هذا الموضوع الاخير ليس من المتوقع ان تجد القمة مجتمعة حلا "عربيا" فشلت في ايجاده منفردة وهي على الارجح ستدعم الجهود الاممية لايجاد حلول "دولية" مجتزاة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في العراق مما يصب عمليا في "تشتيت" تجمعهم غير الاختياري في سياقات سياسية "واقعية" تبحث عن تصفية لمشكلة اللاجئين بعامة باعتبارها "العقبة الرئيسية" في طريق السلام الاميركي الاسرائيلي .

ومن المرجح كذلك ان تواصل القمة كسابقاتها التعهد بالدعم العربي لميزانية حكومة السلطة وليس من المرجح ان تاخذ القمة في الاعتبار ان هذا الدعم في هذه المرة سوف يستخدم لتعزيز احد طرفي الانقسام الفلسطيني على حساب الطرف الاخر مما يعمق هذا الانقسام واقعيا على الارض ،وبالتالي فان هذا الدعم لن يجد طريقه الى "عموم" الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بل ان حصة كبيرة منه ستذهب الى دعم التنسيق الامني مع دولة الاحتلال تنفيذا لخريطة الطريق التي فعلت طبقا لقرارات مؤتمر انابوليس في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي . والملاحظة الطريفة هنا ان ميزانية جامعة الدول العربية التي يطلب الفلسطيني دعما من قمتها بحاجة هي نفسها الى دعم اذ تعاني من عجز قدره (22) مليون دولار او حوالي (60%) من موازنتها السنوية البالغة (36) مليونا حيث تبلغ قيمة المساهمات المالية متاخرة الدفع (88) مليون دولار .

وفي مستجدات عملية السلام الفلسطينية فان الطريق المسدود الذي وصلت اليه عملية انابوليس غنية عن البيان لكن ما هو بحاجة الى كل البيان هو اصرار الرئاسة الفلسطينية على اقناع قمة دمشق بمواصلة دعمها لمواصلة هذه العملية العقيمة وهو التوجه العام لهذه القمة لدعمها فالقمة التي شاركت بضيوفها ومضيفيها في تلك القمة لا يسعها ولو ادبيا الا ذلك .

وربما يكون "اعلان صنعاء" والمبادرة اليمنية هما الموضوع الوحيد الذي قد تاتي رياح القمة بما لا تشتهيه سفن الرئاسة الفلسطينية غير ان توقع ان تحصل الرئاسة الفلسطينية على مبتغاها في المواضيع الاربعة الاخرى سوف يعزز موقفها لتجاهل أي قرار غير ايجابي ، من وجهة نظرها ، قد يصدر عن قمة دمشق لصالح تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية القائمة على اساس الشراكة .

لكن تظل "مبادرة السلام العربية" هي الرصيد العربي الذي تسوغ الرئاسة الفلسطينية مواصلة نهجها داخليا وخارجيا بالاستناد اليه وحرصت على تكرار حث القمة على عدم سحبها او تعديلها وتستخدم الاجماع العربي عليها اداة في صراعها مع الطرف الآخر في الانقسام الوطني باستخدام تحفظات حماس عليها لتحريض العرب على حماس ، غير ان الاهم من كل ذلك هو ان الرئاسة الفلسطينية تستخدمها تكتيكيا كمسوغ لعملية انابوليس دون ان تكون المبادرة العربية "مرجعية" معتمدة لا في انابوليس ولا في المفاوضات الفلسطينية المنبثقة عنها وقد اعلنت الرئاسة تكرارا انها سوف تلجا الى العرب استنادا اليها للبحث عن بديل لانابوليس في حال فشل هذه الاخيرة .

فقمة دمشق حتى قبل ان يلتئم شمل قادتها جددت يوم الخميس الماضي بعد اجتماع وزراء خارجيتها التزامها بما يسمى "مبادرة السلام العربية" التي يجمع عليها المعتدلون والممانعون على حد سواء والتي نجحوا في اقناع المجتمع الدولي بها لكنهم فشلوا في اقناع "شريك السلام" الاميركي بممارسة نفوذه لدى دولة الاحتلال الاسرائيلي لكي تقبل بها دون شروطها لاجراء تعديلات عليها تفرغها من مضمونها ، في تجاهل كامل للتحفظات الوطنية الفلسطينية عليها ولحقيقة وصولها ، على علاتها ، الى طريق مسدود .

وفي معمعة السجال الدائر حول الازمة اللبنانية لا يفوت المراقب الفلسطيني ملاحظة مفارقتين تاريخيتين في قمة دمشق الاولى ان المقاطعين لها او المخفضين لمستوى مشاركتهم فيها بسبب ازمة لبنان او نتيجة لمضاعفاتها العربية ، بهدف حرمان اية قرارات تتخذها القمة حول هذه الازمة من الشرعية او في الاقل من المصداقية كما ياملون ، بسبب غياب لبنان نفسه عنها ، انما تغيب عنهم حقيقة ان "مبادرة السلام العربية" قد تبنتها قمة بيروت عام 2002 في غياب فعلي وان لم يكن شكليا لفلسطين اذ كان الراحل ياسر عرفات ، ممثل الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة وليس ممثل سلطة الحكم الذاتي وحكومتها فقط ، محاصرا في رام الله ولم يستطع ممثلو واحد وعشرين دولة عربية حتى تامين القاء خطابه لهم عن بعد بحيث وزع نص خطابه عليهم في اليوم التالي فقط !

أما المفارقة التاريخية الثانية فهي استبدال الازمة اللبنانية بالقضية الفلسطينية باعتبارها "القضية المركزية" للامة العربية التي تسوغ مقاطعة القمة حد التهديد بانقسام عربي طويل الامد بينما لم نر أي دولة عربية تقاطع أي قمة بسبب فلسطين بعامة او بسبب حرص على حل الازمة الداخلية الفلسطينية الراهنة يعادل الحرص على حل الازمة اللبنانية بخاصة .

وتكمن مفارقة ثالثة في تساؤل منطقي يفرض نفسه ، اذ كيف يستطيع عرب منقسمون على انفسهم المساهمة بمصداقية في انهاء الانقسام الفلسطيني ، خصوصا اذا كان موقفهم الاستراتيجي متطابقا مع موقف احد طرفي هذا الانقسام ومتعارضا مع موقف الطرف الاخر ؟

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

الحاخامات والتحريض العنصري ضد العرب الفلسطينيين

راسم عبيدات
....... منذ العملية الفدائية التي نفذها الشهيد علاء أبو دهيم من جبل المكبر/القدس ،في إحدى المراكز الدينية المتطرفة، والتي جاءت في سياق وإطار الرد على جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وتحديداً ما حدث وارتكب في قطاع غزة من جرائم طالت الأطفال والشيوخ والنساء، ومسلسل التحريض العنصري الإسرائيلي بأبعاده الدينية والسياسية، ضد العرب الفلسطينيين، يتواصل وبشكل سافر ووقح، وهو لم يلقى أية إدانة من أي جهة إسرائيلية سواء رسمية أو غير رسمية، بل حظي في أحيان كثيرة بالدعم والمساندة، من قبل وزراء وأعضاء كنيست، ولعل الجميع يذكر العربدة وأعمال الشغب والزعرنة، التي قام بها المستوطنين والذي احتشدوا تحت سمع وبصر الشرطة الإسرائيلية،على قمة جبل المكبر، من أجل القيام باقتحام بلدة جبل المكبر، ومحاولة هدم بيت الشهيد علاء، وعندما شرع المستوطنين في الهجوم على أهالي جبل المكبر، ورشق سياراتهم وبيوتهم بالحجارة، لم تبادر الشرطة للجمهم وصدهم، بل كان هناك غض للطرف عن هذه الأعمال، والمسألة لم تقف عند هذا الحد، بل وصلت المسألة الى حد، الدعوة العلنية من قبل رجال الدين اليهود"الحاخامات" للمس بالعرب الفلسطينيين وقتلهم، حتى أن الحاخام العنصري والمتطرف "شموئيل الياهو" ،"حاخام" مدينة صفد دعا الى شنق أفراد عائلة أبو دهيم، لكي يكونوا عبرة لكل العرب، وكذلك دعا الى الانتقام وضرب العرب وإيلامهم، ولو صرح أي فلسطيني بهذه التصريحات، فالأمر لم يقتصر على سجنه، واعتبار أقواله وتصريحاته عنصرية ومعادية للسامية، بل أن جوقة الرداحين من البيت الأبيض وحتى قصر "الأليزيه"، ستعتبر هذه الأقوال دعم للإرهاب، وتحريض على شعب "الله المختار"، ولربما الشخص الذي أدلى بهذه الأقوال يصبح مطلوباً"للإنتربول" الدولي، أما مجرد أن يكتب موظف فرنسي مقالة على شبكة الإنترنت ينتقد فيها، الجرائم والممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ،فإنه يجري فصله من عمله، وحملة التحريض ضد الشعب الفلسطيني ،لم تقتصر على "حاخام" دون الآخر، بل حملة يشارك فيها أغلب "حاخامات" إسرائيل، حيث دعا عشرة من" الحاخامات" الرئيسيين في إسرائيل الى تقيد حركة العرب الفلسطينيين من عرب الداخل والقدس، ومنع تشغيلهم في أي من المراكز والمدارس الدينية اليهودية، هذه الحملة القذرة والعنصرية ، والتي دعا النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي جمال زحالقة عن قائمة التجمع الديمقراطي،الى اعتبارها جرم جنائي ومحاكمة القائمين عليه، لم تجد لها أي صدى أو ردة فعل عند الحكومة الإسرائيلية، مما يؤكد على حقيقة أن هذا المجتمع بكل ألوان طيفه السياسي مغرق في العنصرية والتطرف والعداء لكل ما هو فلسطيني، وانه لا وجود لما يسمى باليسار الإسرائيلي، وفي هذا الصدد أشارت الدكتوره آمنه بدران في رسالة الدكتوره التي أعدتها حول أوجه التشابه والخلاف بين الاحتلال في جنوب أفريقيا وفلسطين الى أن 200 فقط من الإسرائيليين ،يعرفون أنفسهم على أنهم غير صهاينة، والحركة الصهيونية تجمع على لاءاتها وتواصل التمسك بها، وهي لا لحق العودة والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل،ولا لإزالة الكتل الاستيطانية الكبرى ولا للعودة لحدود الرابع من حزيران، وأي تنازل للفلسطينيين، هو تنازل عن جزء من أرض إسرائيل، وهؤلاء"الحاخامات" والذين يلعبون ويشكلون أحد المكونات الأساسية في المجتمع الإسرائيلي،قالوا بشكل واضح أنه إذا ما أجرى"أولمرت" مفاوضات مع الفلسطينيين تتطرق وتتناول قضايا الحل النهائي، تحديداً القدس واللاجئين فإنهم سينسحبون من الحكومة، ويدعون الى إسقاط حكومة "اولمرت" والشيء المضحك المبكي هنا، أن الأمريكان ومعهم الغرب،يعتبرون ذلك في إطار الديمقراطية وحرية التعبير،أما إذا صدرت مثل هذه الدعوات من قوى سياسية فلسطينية أو رجال دين فلسطينيين أو عرب فإن ذلك يعتبر معاداة للسلام ودعم للقوى المتطرفة و"الإرهاب"، هؤلاء "الحاخامات" المتسلحين والمؤمنين بنظريات وتصورات توراتية من طراز قول الرب للنبي موسى عليه السلام ، لك ولنسلك أعطي هذه الأرض من النيل للفرات،لن يكونوا في يوم من الأيام رسل محبة وسلام، ومن هنا فإن كل الدعوات الغربية والتي تحاول وسم الدين الإسلامي بعدم التسامح والحض على العنف، لا تكتسب أية مشروعة أو صدقية، ونحن نشهد حملة متواصلة ومكثفة من رجال الدين اليهود ضد شعبنا الفلسطيني،وحملة التحريض"الحاخامية" تلك يجب علينا كفلسطينيين وعرب مجابهتها وفضحها وتعريتها، وعلى كل المستويات ونحن ندرك أن تلك الحملة،ليست قصراً على رجال الدين فقط، بل هناك الكثيرين من المتطرفين، وفي قمة الهرم السياسي ألإسرائيليي المشبعين بهذه الرؤى والتصورات التوراتية والعنصرية، ويجاهرون بهذه الأفكار والرؤى والتصورات علناً وجهراً، بدعم وإسناد غير مسبوقين من قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، حيث الكثيرين من القادة السياسيين الإسرائيليين ارتكبوا جرائم حرب بحق شعبنا الفلسطيني، ودعوا الى"هولوكست" بحق شعبنا الفلسطيني،ورئيس هيئة الأركان الإسرائيلية"يهود بارك" الذي أعطى أوامره وامتدح الوحدة التي قامت باغتيال الشهيد محمد شحاده ورفاقه الثلاثة في بيت لحم، من خلال إطلاق الرصاص عليهم بدم بارد، وكذلك نائبه"ماتان فلنائي" والذي دعا وبشر الفلسطينيين في القطاع بالمحرقة، ومن قبلهم بيرس وموفاز، والذين ارتكبوا المذابح والمجازر في لبنان وفي قطاع غزة،هم من نفس طينة ومدرسة هؤلاء"الحاخامات" والقيادة الإسرائيلية التي طالما روجت وتروج بأن نضال شعبنا هو "ارهاب"، أعطوني أي من قادتها لم يوغل في الدم الفلسطيني، وحتى رئيس "الهستدروت" اتحاد النقابات الإسرائيلية"عمير بيرتس" عندما كان وزيراً للدفاع الاسرائيلي لم ،يتورع عن ارتكاب جرائم حرب،بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني، فهل مثل هذه القيادات الإسرائيلية والموغلة في الدم العربي والفلسطيني، من قمة رؤوسها وحتى أخماص أقدامها،لديها رغبة وجدية في صنع السلام،أم تستمر في "لوك" حديث ممجوج ومكرر عن السلام والتنازلات المؤلمة من أجل السلام، وفي أرض الواقع تمارس ، كل من شأنه إغلاق أي نافذة أو فسحة للسلام، حيث الاستيطان يتواصل ويتكثف، والجرائم والممارسات القمعية والإذلالية بحق شعبنا تزداد وتتصاعد وتائرها، وتصل حد الإبادة والتطهير العرقي والقتل الجماعي، وهذه القيادة المشبعة بهذه الأفكار، والتي لا تؤمن إلا بنهج الغطرسة والقوة، لا ترى في خيار المفاوضات العبثية،سوى خيار وستار لمواصلة تحقيق أهدافها على الأرض، والمفاوضات غير المسنودة بأي فعل مقاوم، لن تنتج لا دولة ولا حقوق، وتجارب كل الشعوب أثبتت ذلك، فالفيتناميين كانوا يناضلون ويحاورون، وكذلك الجزائريون وغيرهم من الشعوب.
إن استمرار الضعف والتفكك الفلسطيني وفقدان البوصلة والاتجاه والإستراتيجية الموحدة، سيزيد من تطرف وعنصرية "الحاخامات" والقادة الإسرائيليين ضد شعبنا، ومواجهة هذه العنصرية والتطرف، لن يكون إلا بوحدتنا وقدرتنا على فضح وتعرية تلك الممارسات والتصورات.


القدس- فلسطين

Quds.45@gmail.com

مجتمعنا ، بتراجعه مدنيا ، يتراجع ثقافيا أيضا

نبيل عودة

هل يمكن وصف المجتمعات العربية بأنها مجتمعات ثقافية؟
يبدو السؤال من البديهيات ، فمن يجرؤ على انكار الثقافة العربية ؟ و نشوء مثقفين عرب ، وانتاج ثقافي عربي بعضه يترجم للغات الأجنبية ، ويعتبر ضمن الابداعات الثقافية الهامة في عالمنا المعاصر ؟
حقا توجد تفاوتات واضحة وعميقة بين المستويات الثقافية في مجتمعات العالم العربي ، تفاوتات بين المراكز والضواحي ، اذا صح هذا التعبير ، اذا اعتبرنا ان القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد تشكل المراكز ، فسائر العواصم العربية ما تزال تدور في فلك مراكزها .
حتى هذه المراكز ليست ثابتة مثل كواكب المجموعة الشمسية ، حيث لكل كوكب بعده الثابت ومداره الذي لا يتغير حول الشمس. في الثقافة الموضوع بالغ التركيب والتداخل. قد ينشأ في الضواحي ما يعتبر بالمقاييس الثقافية تجاوزا لمكانة المراكز التي تبدو ثابتة ومستقرة.
اذن ما هو المعيار لمدى ثقافية المجتمع؟ لمدى مشاركته في النهضة الثقافية لأفراده ؟ وانا أستعمل الثقافة مجازا للتعبير عن كل ما يمت لابداع الانسان الاجتماعي، من فنون وعلوم وأداب وتقنية ورفاه اجتماعي .
الغرب يستعمل اصطلاحين للدلالة على الثقافة ، اصطلاح الثقافة واصطلاح الحضارة . الثقافة تدل على الابداع الروحي من فن وقصة وشعر ومسرح وسينما وموسيقى ورقص ، والحضارة تدل على الابداع المادي من تطوير صناعي وعلمي وتقنيات رفيعة تعطي لمجتمعها اسباب القوة والرفاهية والأمن في جميع المجالات ، الاجتماعية والغذائية والصحية والعسكرية.
نحن العرب نستعمل الثقافة للدلالة على شكلي الابداع ، الروحي والمادي. ولكن كثيرا ما نفهم الاصطلاح بمفهومه الروحي فقط .
ان استعمالنا لمفهوم الحضارة ، لوصف حالتنا الاجتماعية فيها الكثير من عدم المطابقة. ببساطة أنا لا أرى حضارة . لا أرى ان مجتمعاتنا العربية أنجزت ولو القليل الذي يضعها على خارطة الابداع العلمي والتقني ( الحضاري ). لا أر ان مجتمعاتنا ساهمت في حركة النهضة ، التي غيرت وجه اوروبا ، ومن ثم وجه العالم ، بينما وجه مجتمعاتنا العربية وما يعرف بدول العالم الثالث ، متحجرة في مكانها ، عدا بعضها الذي بدا يلحق بحركة النهضة الحضارية والثقافية ، مثل الهند والصين والبرازيل وبعض دول جنوب شرق آسيا .
لا أرى ان مجتمعاتنا العربية ، أضافت شيئا للنهضة الاوروبية التي انتشرت في العالم الواسع ، والتي بدأت منذ عصر الرنيسانس في القرن الرابع عشر وحتى القرن السادس عشر ، محدثة نقلة عظيمة لأوروبا من عصر القرون الوسطى وسيطرة عقلية محاكم التفتيش الكنسية ، الى العصر الحديث وبناء الأنظمة الدمقراطية الليبرالية التي حررت الانسان من عقلية العصور الوسطى الغيبية المغلقة . ولم تتوقف مسيرة النهضة الانسانية ، تبع عصر الرينسانس – عصر النهضة الاوروبية الأول ، نهضة أخرى متمثلة بالثورة الصناعية ومن ثم الثورة العلمية ، وصولا الى ثورة المعلومات والتكنلوجيات بالغة الدقة ، وما زلنا نواجه كل يوما مزيدا من الاكتشافات العلمية والتقنية والرقي للعقل البشري.
هل سألنا أنفسنا لماذا نحن في قاع الركب الحضاري ؟ لماذا نحن لا نساهم الا في الاستهلاك الحضاري ؟ لماذا نحن لا دور لنا في التصدير العلمي والتقنيات ؟ لماذا نحن لا نؤثر في برمجيات وسياسات عالمنا ؟ لماذا لا يحسب حسابنا من دول تعتمد في الطاقة على مصادر في بلادنا نملكها شكليا على الأقل ؟
هل سألتم أنفسكم لماذا تقبل الرواية الاسرائيلية وترفض الروايات العربية ؟ لماذا يقبل الخطاب السياسي الاسرائيلي ولا يستمع أحد لخطاب العرب السياسي ؟
هل سأل أحدكم نفسه كيف يصل الاسرائيليون للحصول على جوائز نوبل في العلوم والاقتصاد والطب والأدب ولا نجد اسما عربيا نرشحه ، الا اذا كان مغادرا لوطنه ويقوم بابحاثه ويعيش في بيئة غير عربية ؟
اذن هل يمكن وصف مجتمعتنا العربية بالمجتمعات الثقافية لآننا ننتج الأدب ، شعرا وقصة ومسرح ؟
حسنا ، الواقع العربي مخجل ، هناك 100 مليون عربي أمي ، وهذا لا يعني ان ال 150 مليون الآخرين يقرأون ويكتبون أو يفهمون المقروء. هناك أطفال لم يصلوا للمدارس بعد ، وهناك من يفكون الحرف ولا يدرجون ضمن الأميين . وهناك من لا يقدرون على تعبئة نموذج بسيط ، هم أيضا غير أميين ، وهل من يقرأ 100 كلمة في السنة ، يعتبر متعلما غير أمي؟
ما اريده هنا اثارة التفكير بماهية الثقافة العربية ، وقدرتها على التأثير الاجتماعي على المواطن العربية ، بغض النظرعن اسم الدولة او موقعها الجغرافي ؟
ان تأثير الثقافة العربية الروحية له مساحة ضيقة جدا ، وهذا نابع من غياب حركة نهوض حضاري في المجتمعات العربية.
حسنا ، نثرثر كثيرا حول تاريخنا الحضاري ، عدا الابداع الأدبي في العصر الجاهلي ، ثم في العصر العباسي ، وصولا الى الأندلس ، لا أجد ان العرب أنتجوا حضارة . ان تطور العلوم والموسيقة والفنون والترجمة ، في العصر العباسي الذهبي ، عصر هارون الرشيد وابنيه ، الأمين والمأمون ، كان عصر الانفتاح والحريات والتحرر من الكبت الديني ، واشراك القوميات والديانات الأخرى في النهضة الحضارية للدولة العباسية ، ومن ثم لدولة الأندلس ، اي ان الحضارة لم تكن نتاجا عربيا بقدر ما كانت استمرارا للحضارات التي ظهرت في ارض العراق عبر تاريخه الطويل ، من العصر الوثني ثم العصر المسيحي – الأشوري. والمتتبع للأسماء التي برزت في العلوم والطب والموسيقى ، وحتى في الشعر ، لا يحتاج الى مرشد مثلي ليعرف من أين جاءوا . ونفس الأمر ينسحب على الأندلس ، الحرية الدينية والانفتاح على حضارة الأسبان التي انتجت قبل الغزو الاسلامي ، هو وراء الانجازات الرائعة في كل مجالات العلوم والفنون والبناء والأدب والفلسفة والطب للدولة الأندلسية ، والتي انهارت مع تحولها الى دول طوائف منغلقة دينيا.
اذن المسألة تتعلق بالماهية الاجتماعية ، ومساحة الحرية التي يوفرها النظام لمجتمعه وانسانه.
هل يمكن ان تتطور حضارة مثلا في دولة مثل السعودية ، التي تضاعف دخلها عشرات المرات من ارتفاع أسعار النفط ؟
يمكن ان تظهر أعمال روائية جيدة ، هذا ممكن ويحدث فعلا .. اما ان تنشأ حضارة في جذورها تطوير الابحاث العلمية والتكنلوجيا وتحول الجامعات السعودية الى مراكز علمية وتعليمية مرموقة عالميا ، وتطوير اقتصاد معاصر لا يعتمد على بيع النفط ، الذي سيزول بعد عقود قد تطول وقد تقصر ، وتحول السعودية الى دولة تنتج بعض التكنلوجيات التي تستهلكها ، او نشوء جيل من الباحثين في مختلف مجالات العلوم والتكنلوجيا والتصنيع فهو الأمر المستحيل ، حتى لو وجدت العقول القادرة .
اذن لماذا نستهجن هجرة العقول العربية ؟ لماذا نستهجن وجود أكثر من 500 عقل مصري ، من أبرز الاختصاصات وأهمها في العالم ، في الدول الغربية وليس في مصر أو الدول العربية؟
هل اكتفينا بما نسمه بثرثرتنا :" حضارتنا العربية" ؟ أين هي جذور هذه الحضارة التي لم أجد عليها ولو شاهدا واحدا ، الا اذا اعتبرنا ان تراثنا الشعري والأدبي هو معيار حضارتنا الوحيد ؟
أين الحضارة العربية في مواجهة حضارات العراق القديمة ؟ في مواجهة حضارة مصر القديمة ؟ في مواجهة حضارة سوريا القديمة ؟ في مواجهة حضارة الكنعانيين القديمة ؟ في مواجهة حضارة اليونان القديمة ؟ في مواجهة حضارة الرومان القديمة ؟ في مواجهة حضارة الفرس القديمة ؟
أين الحضارة العربية في مواجهة عصر الرنيسانس في البندقية بين القرن 14 – 16 ؟ في مواجهة الثورة الصناعية الاوروبية ؟ في مواجهة الثورة العلمية والتكنلوجيا وثورة المعلومات التي تعصف بعالمنا وتتجاوز مجتمعاتنا ؟
أين الحضارة العربية من مجاراة الانطلاقة الحضارية العاصفة لدولة الصين الحديثة .. ودولة الهند الحديثة ؟ حتى سنغافورة الفقيرة تتطور وتنطلق نحو آفاق حضارية . وكوريا الجنوبية تتحول الى منتج تكنلوجيات راقية . وتايوان المحاصرة من الصين تتفوق على العالم العربي كله بانتاجها ؟
اسبانيا (المستعمرة العربية السابقة) يتجاوز انتاجها القومي الاجمالي انتاج كل الدول العربية. ايطاليا الصغيرة تصدر أكثر من 1.5 % من التصدير العالمي ، والعرب لا يتجاوز تصديرهم مع كل مليارات نفطهم ال 1.25% من التصدير العالمي.
لا اريد ان اقدم اسرائيل نموذجا حتى لا اتهم من قليلي العقل وفاقدي المنطق بمدح العدو، ولكن أكتفي بالقول ان مستوى حياة الانسان ، بما في ذلك العربي المواطن في اسرائيل ، يتجاوز بعشرات المرات مستوى حياة المواطن في سوريا مثلا ، أو في مصر ، او المواطن العادي حتى في دول النفط . هذا عدا الحقوق المدنية والاجتماعية والتأمينات الصحية وتأمينات العجز والشيخوخة ...
هل هذا نتيجة الحضارة أم التخلف الحضاري؟
وهل يساعد "التاريخ الحضاري المجيد" ، الذي يعيش الغيبيين على وقع أنغامه ، على اطعام الجياع العرب ومحو اميتهم ؟
نعود للسؤال الأول : هل يمكن وصف مجتمعاتنا العربية بانها مجتمعات ثقافية ؟
وما هي شروط نشوء مجتمع ثقافي أو مجتمع حضاري ؟
من الواضح ، من التجربة التاريخية للشعوب المختلفة ، و تجربتنا المريرة في السنوات الأخيرة ، داخل المجتمع العربي في اسرئيل ، ان غياب المجتمع المدني ، والعودة لسيادة العقلية العائلية - القبلية ، والطائفية ، او الدينية السلفية المغلقة ، هو في صميم غياب الحضارة وغياب الثقافة بمفهومها الاجتماعي وليس الفردي.
نحن أيضا لم نصل بعد لنكون شركاء كاملين في النهضة الحضارية داخل اسرائيل ، بعضها عوائق سلطوية وبعضها عوائق ذاتية أيضا ، ولكن الحقيقة المجردة ان بعض العقول العربية في اسرائيل تساهم في الكثير من مجالات تطوير الابحاث العلمية والاجتماعية والتقنية ، وبابحاث لها قيمة عالمية نادرة . وهناك أسماء تعتبر رائدة في الابحاث ، وتقدم لها من المؤسسات العلمية ، كل الامكانيات المادية ، وبمقاييس ضخمة جدا .
ولكن ما يقلقني ليس هذا الجانب الذي نتقدم فيه ببعض الصعوبات ، انما قضية واقعنا الاجتماعي كما يرتسم في السنوات الأخيرة.
مجتمعنا العربي الفلسطيني داخل اسرائيل لم يكن في تاريخه القصيرالممتد منذ ستة عقود ، مفسخا مجزءا متعاديا مثل ما هو عليه اليوم .
ان التجزئة في مجتمعنا ليست سياسية فقط ، التجزئة السياسية لا تخيفني ، بل من المفروض ان تطلق الحوار الفكري والاجتماعي وتحقق نهضة ثقافية سياسية فكرية اجتماعية نقدية واسعة ، غير ان ما حدث هو العكس تماما .
لم تتكاثر الأحزاب في مجتمعنا على قاعدة تطور مجتمعنا المدني الثقافي ، انما تكاثرت على قاعدة عائلية وطائفية بغيضة ، همشت مدنيتنا واعادتنا الى فكر داحس والغبراء .
ان يقول شخص يدعي الماركسية والوطنية ، في جسم سياسي اساسي ، ان ارتفاع شان العائلية في قرانا ، يفرض علينا التعاون معها ، فهذه جريمة أخلاقية قبل ان تكون جريمة سياسية . هذا يعني ان أحزابنا ، الماركسية والوطنية على الأقل ... التي تعتبر منظمات للمجتمع المدني ، تشطب قاعدة وجودها الشرعية ، حين ترى بالطائفية قوة سياسية يجب بناء تحالفات معها لتحقيق مكاسب سياسية "؟؟!!"
تصوروا حزب شيوعي يتحالف مع عائلة " أ " ضد عائلة " ب " في انتخابات لسلطة محلية ، وعندما يخوض معركة سياسية ، مثل انتخابات كنيست مثلا ، كيف سيقنع العائلة " ب " التي وقف ضد مرشحها لصالح مرشح العائلة المنافسة " أ "، ان تصوت له؟ هذا عدا الواقع الأسوأ ان اللعب بين العائلات وعدم نقده فكريا وسياسيا يضر بمجتمعنا ويرجعنا حضاريا الى الماضوية ويجرنا الى ظواهر العنف الداخلي التي نعاني منها وتمزقنا ، وينسف مبنى مجتمعنا المدني . كذلك لا يمكن ان افهم الصمت الحزبي ضد الميول الطائفية التي تزيد تفسخنا الاجتماعي بشكل بات وصفه بالآفة تلطيفا للواقع.
ان الثقافة لن تتطور الا في المجتمعات المدنية المتحررة من الطائفية والعائلية . والحضارة لن تقوم لها قائمة في مجتمعات دينية طائفية متصلبة او عائلية قبلية متعادية.
هل من المستهجن اذن ركودنا الثقافي وخواؤنا الفكري ، وفقرنا للابداع الأدبي بالمستوى الذي عايشناه في سنوات الستين والسبعين ، بل وما قبل الستين أيضا؟ وحتى في المدن الفلسطينية قبل عام النكبة نشأت قاعدة للمجتمع المدني المتماسك ، وتطورت الصحافة والنشر وانتشرت النوادي الثقافية والمسرحية والنقابات والأحزاب .
ان المجتمع القبلي لن ينتج ثقافة أو حضارة ولم ينتج سابقا حضارة تذكر.
المشكلة ليست في الدين ، الحضارات البشرية القديمة كلها انتجت أديانا عديدة ، لخدمة نهضتها الحضارية ، اليوم ننتج الدين لخدمة ركودنا الثقافي والحضاري . هذا هو الواقع العربي اليوم .
ما اراه ان المدينة العربية تطأطئ الرأس امام زحف الصحراء .. حسنا ، الكتابة الابداعية لا تحتاج الى مؤسسات للبحث العلمي ، ولا الى تكنلوجيات دقيقة . الكتابة الابداعية قد تتأثر سلبا أو ايجابا بالواقع المدني ، لذا ليس بالصدفة أن أبرز الأسماء الأدبية جاءت من اليسار ، واليسار الأكثر التزاما بايديولوجية ثورية ، والمنفتح على التراث الثوري العالمي بكل تياراته وامتداداته الكونية ، ورفضا لزحف الصحراء وما تمثله من فقر فكري ومدني.
ان مجتمعنا ، بتراجعه مدنيا ، يتراجع ثقافيا أيضا ، وهو تراجع بالغ الخطورة ليس على الابداع الأدبي ، على القصة والشعر ، انما على تطوير الفكر وتطور انسان المستقبل . ان من ينشأ في ظل الفكر العائلي المغلق أو الفكر الطائفي المتزمت ، سيواجه اشكاليات عويصة للغاية في شق طريقه نحو حياة مدنية راقية. وفي الوصول الى المساهمة في الانجازات الحضارية للمجتمع البشري.

نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

الخميس، مارس 27، 2008

حوار لا تنقصه اللكمات وفضائيات هربت من دورها

سعيد الحمد
– اعلامي من البحرين
العنصر الرئيسي في اي حوار ليس الجواب، وانما هو السؤال؛ فإن صاحب الحوار الحقيقي هو صاحب السؤال وليس صاحب الجواب.
هذا ما كتبه الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل وهو ما يتفق معه فيه معظم المحاورين المعروفين بنضج حواراتهم واهميتها..
فالسؤال هو الارضية التي ينطلق منها الحوار وتتحدد مساراته واتجاهاته وعمقه او سطحيته، ثراؤه افراغه السؤال بفتح الفضاء او بغلقه ويصوغ محاور الحوار بالجدية او بالسطحية البائسة.
لكن، وكما يبدو ان بعض فضائياتنا العتيدة خصوصا »الرسمية« لم تستطع حتى الآن استيعاب وفهم هذه الاهمية »للسؤال«، وإدراك الدور الذي يلعبه السؤال والسائل او المحاور التلفزيوني ولم تدرك اهمية كفاءة الاسئلة..
فالدور الذي يقوم به »المذيع« الآن هو مجرد إلقاء اسئلة لملء الفراغ، حيث يهدر الحوار هدرا بل ويذبح ذبحا على يدي المذيع الفضائي رجلا كان ام امرأة. بمفهومه الضيق والقاصر عن دور السؤال في الحوار يعتقد المذيع الفضائي ان »الضيف« سيتكفل بالمهمة ويتحمل عبء الحوار من الالف الى الياء، ويتصور ان الاسئلة تحصيل حاصل، لذلك فهي تأتي مكررة ومعادة ومستهلكة ومملة، بل وبليدة في معظم الاحيان،
ناهيك عن سطحيتها وخوائها امام »ضيف« مفكر او باحث او كاتب كان يمكن استثمار فرصة وجوده لاثراء الفكر واغناء التفكير العام الذي يتابع ما يسمى »حوارا«.. الفرصة تضيع وتتبدد على ايدي هذه النوعية من المحاورين غير القادين وغير الواعين اساسا بأهمية الثقافة والتحصيل المعرفي لتأسيس »مذيع« مثقف يدير حوارا على مستوى العصر مع ضيف كان بالامكان تداول ومناقشة اهم القضايا، التي يبدو ان مذيعي ومذيعات بعض فضائياتنا العربية لا يعيشونها ولا يتعلمون ولا يعلمون عنها شيئا. والطامة الكبرى ان هؤلاء المذيعين والمذيعات لا يكتفون »بتسميع« اسئلتهم المتهالكة ويتركون للضيف محاولة »تعديلها« وتصحيحها وتقويمها ثم ينطلق بالحوار الى مسارات يمكن ان يستفيد منها المشاهد، بل نراهم يتدخلون ويقحمون انفسهم بين كل عبارة واجابة للضيف؛ فتسمع ملاحظاتهم وتعليقاتهم التي تأتي بما لا يمت بصلة الى ما يقوله الضيف غير المحسود والذي ترتبك افكاره وتسلسل منطقه..
وهكذا تتبدد فرصة كان يمكن استثمارها جيدا لو ان المذيع استطاع ان يفهم اهمية السؤال..
لكن كيف له ان يفهم.. ففاقد الشيء لا يعطيه ورحم الله مثلنا الشعبي العميق »لو كل من جاء ونجر، ما ظل في الوادي شجر«!!
ومن جانب آخر سوف نلاحظ أن مثقفنا العربي من اكثر الناس مطالبة بالحوار بين الرأي والرأي الآخر.. فلا يخلو خطاب واحد له من هذه »الكليشيهه« الجميلة.. لكن حين تتاح له الفرصة لحوار مع رأي آخر، ومع صوت مغاير، يعود هنا المثقف الى بدايته الاولى؛ فيخلع الاقنعة »الحضارية« الزائفة لتبدو لنا الانياب ويرمون قفازاتهم لتبدو لنا المخالب.. فيدور حوار الغاب بين اهل الفكر والثقافة وحملة الاقلام.
شاهدت مؤخرا »حوارا« او ما يسمى »حوارا« اتهم فيه استاذ وباحث واكاديمي سابق ورئيس مركز بحوث، اتهم كاتبا صحفيا مخالفا له في الرأي بـ »الكذب« هكذا صراحة امام جمهور عريض من الحاضرين، ناهيك عن المتابعين للحوار المنقول مباشرة من احدى الفضائيات العربية. فما كان من الكاتب الصحفي الا ان انطلق هو الآخر وعلى ذات النسق ليرد له الصاع صاعين وبنفس الاسلوب، وربما بنفس الكلمات والعبارات والتوصيفات وتحول »الحوار« الى »صراع ديكة« الغلبة فيه للأعلى صوتا لا للأصوب رأيا.
وقبلها بأيام معدودة شاهدنا شابا اصوليا يكتب ويتحدث في الاتجاه الاسلاموي الاخواني يصف »حوارا« له مع صاحب رأي مختلف لتوجهاته وافكاره الاصولية، فيقول بالحرف الواحد واصفا الموقف والحوار »وبدأ القصف«!!
فكيف تنسجم مطالبات مثقفنا بالحوار مع الرأي المغاير وواقع ممارساته ومسلكياته في »الحوار« حين تجمعه »الصدفة« بصاحب رأي مختلف يعارض رأيه، ويختلف مع طروحاته ومع تفسيراته وتحليلاته وقراءاته وموقفه الفكري. لقد تابعنا مرارا وتكرارا »شجارا« لا حوارا واتهامات مجانية يتبادلها طرفا الحوار المزعوم..
ثم كيف لمثقفنا ان يصوغ عقلَ ووجدان جيل جديد نتطلع اليه كمثال للثقافة والوعي في عصر العولمة، وهو يرى ويتابع »مثقفه« ينزلق عند اول تجربة »حوار« الى هذا المستوى البائس والفاضح من الشتم واللكم واللعن.
ومن جانب آخر سوف نلاحظ بلا كثير عناء ان بعض فضائياتنا قد بلغ بها افلاس برامجها مستوى ينذر بكارثة حقيقية فآخر واحدث ما خرجت به بعض هذه الفضائيات من ابتكار البرامج المفلسة هو ذلك البرنامج الذي يتلقى المكالمات والفاكسات التي يذكر فيها المشاهد اسمه لتقوم المذيعة مباشرة وفي نفس اللحظة بتحليل شخصية صاحب الاسم وتفسير طبائع هذه الشخصية ومزاجها، لتصل الى قراءة وعرض حاضرها والتنبؤ بمستقبلها.
هكذا بمنتهى الاستعباط الفاضح ما إن ينطق المشاهد باسمه حتى يتم تقديم جردة حساب عن ماضيه وحاضره ومستقبله ايضا، والادهى والامر هو ذلك الاقبال المنقطع النظير من المشاهدين والمشاهدات على مثل تلك الترهات البرامجية العجيبة
ولا ندري من نلوم ومن نحمل المسؤولية في هكذا اوضاع وامام هكذا برامج »عبقرية« اين منها برامج فضائيات الدول المتقدمة. إننا امام ظواهر فضائية »فلته« لا ندري الى اين »ستفلتنا وستفلت« أجيالنا الجديدة، لا سيما وأنها أجيال لا تقرأ ولا تفتح كتابا بقدر ما هي مشدودة الى فضائيات آخر زمان وهي الفضائيات التي وصل بها الحال الى ما وصل، فهل نرجو وهل نتطلع الى انقاذ ما يمكن انقاذه؟

واكرامتاه!!


محمود كعوش
التطابق أو التشابه الذي نشهده بين الحين والآخر في أحداث التاريخ المتعاقبة على اختلاف وتباين أزمنة وأمكنة وقوعها، لا يعني في حال من الأحوال الإضرار بالمسلمة القائلة أن "التاريخ لا يعيد نفسه" أو التقليل من قيمتها، ولا يُجيز لأحد الطعن أو التشكيك في صحة هذه المسلمة. فالتاريخ فعلاً لا يعيد نفسه، حتى وإن وقع تطابق أو تشابه بين بعض أحداثه المختلفة والمتباينة من حيث الأزمنة والأمكنة. ومن يُصر على ادعاء ذلك عن عمد وسابق إصرار وترصد، فإنه إنما يفعل ذلك بقصد قلب الحقائق والوقائع أو تزييف وتحريف التاريخ، خدمة لأنانيات ذاتية أو مصالح فئوية أو حزبية، داخلية أو خارجية.
لكن عندما يكون المواطن العربي، وبالأخص حامل الهم القومي، في حضرة المشهد العربي الراهن بكل ما يظهره ويبطنه من مأساوية وسوداوية ووهنٍ وضعفٍ وتردٍ وانحطاطٍ وفقدان إرادة وهدر كرامة، فإن من واجبه ومن حق الوطن عليه أن يُعبر عن ألمه ورفضه للواقع العربي الطارئ وأن يبدي رغبته الجامحة في الانتفاض عليه والنهوض به من جديد، بغض النظر عن أي تطابق أو تشابه يقع بين أحداث التاريخ المعاصرة والغابرة!! وهنا لا يقع الاستغراب إذا ما صدح المواطن العربي بأعلى صوته معبراً عن عجبه ودهشته بالقول "ما أشبه اليوم بالأمس"!!
ولربما أن ما يدعو للإلحاح باستدعاء ذلك هو أن ما تشهده الأُمةُ العربية هذه الأيام وتُمتحنُ على أساسه بفعل جريمة احتلال العراق وما ترتب على هذه الجريمة النكراء من آثار جسيمة وخطيرة، ومحاولة تكريس الشقاق الفلسطيني وما قد يترتب على ذلك إن حصل "لا قدر الله" من تباعد بين الضفة الغربية وقطاع غزة وأبنائهما، واستمرار تدفق شلال الدم الفلسطيني وتضييق الخناق الاقتصادي على الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال الصهيوني والضغوط الأجنبية المكثفة والمتواصلة التي تُمارس عليه وعلى سلطته من قِبَل الحكومات الغربية وبالأخص حكومة الولايات المتحدة، يعيد إلى الأذهان من جديد ما سبق لهذه الأمة أن شهدته وامتُحنت على أساسه من نكسات وهزائم في عقودٍ زمنية سابقة، وأخص بالذكر هنا العقود التي تلت النكبة الكبرى التي حلت بالعرب عامة والفلسطينيين خاصة في عام 1948.
لكن من حُسن طالع هذه الأمة أن الأمل ظل على عهده ووفائه لها، لأن ما من مرةٍ فُقدت إرادتها أو هُدرت كرامتها إلا واستردتها من جديد . وفي كل المرات كان الفضل الأول والأخير في ذلك للشعب العربي لا لحكامه الذين لا حول لهم ولا قوة.
وكما أي مواطن عربي حمل الهم القومي ونذر نفسه لخدمة الأمة والحفاظ على مصالحها، أقول "ما أشبه اليوم بالأمس" أو "ما أشبه الأمسِ باليوم" وأنا أحاول "قدرَ ما تسع نفسي وتحتمل" أن أساهم في استنهاض الإرادة والكرامة العربيتين من خلال استذكار "ملحمة الكرامة" الخالدة والمشرفة، التي تصادفت ذكراها الأربعون مع الحادي والعشرين من الشهر الجاري "1968.3.21".
فعندما سطر المقاومون الفلسطينيون بدعم من الجيش الأردني تلك الملحمة الأسطورية التي اصطُلح على تسميتها "معركة الكرامة" لمليون سبب وسبب ومليون اعتبار واعتبار أولها المكان الذي حدثت فيه وآخرها استعادة الكرامة العربية، لم تكن الأمة العربية قد استيقظت بعدُ من حالة الذهول التي كانت قد انتابتها جراء نكسة الخامس من حزيران 1967، خاصة وان تلك النكسة بكلِ ما أفرزته من مضاعفاتٍ ونتائج سلبية تمثلت بخيبة الأمل والانكسار وفقدان الكرامة، حدثت في أوجِ المدِ القومي العربي وفي ظل قيادة مارد عربي استثنائي هو الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، تغمده الله بواسع رحمته.
وقتذاك لم يكن قد مر عام واحد على حدوث النكسة، الأمر الذي جعل من تلك المعركة ـ الملحمة وما ترتب عليهاَ من نتائج إيجابية لصالح الجانب العربي "حالة جديدة وفريدة من نوعها في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني". فلأولِ مرة منذ انطلاقتها في الأول من كانون الثاني 1965، اضطرت الثورة الفلسطينية مدعومةً بالجيش الأردني لمواجهة جيش الاحتلال في معركة عسكرية حقيقية استعمل فيها هذا الجيش البربري جميع أنواع أسلحته الفتاكة، أميركية الصنع وعالية التقنية.
نعم شكلت "معركة الكرامة" آنذاك حالةً فريدةً من نوعها، باعتبار أنها مكنت الثورة الفلسطينية مدعومةً بالجيش الأردني الشقيق من إسقاط مقولة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر" التي اعتاد الكيان الصهيوني والغرب على ترويجها منذ بدء الصراع العربي ـ الصهيوني الذي تفجر مع الولادة القيصرية لهذا الكيان في قلب الوطن العربي، وذلك بعدما تمكنت الثورة والجيش الشقيق من رد جيش الاحتلال على أعقابه وتحقيق الانتصار عليه في معركةٍ افتقرت إلى الحد الأدنى من التكافؤ العسكري بين الفريقين المتخاصمين.
لقد مثلَ العدوان الصهيوني الذي قاد إلى "معركة الكرامة" في ذلك الوقت أول توغلٍ حقيقي لجيش الاحتلال عِبَرَ نهر الأردن، بلغ في حينه مسافة عشرة كيلومترات على جبهةٍ امتدت من الشمال إلى الجنوب نحو خمسين كيلومتراً، وذلك من جسر الأمير محمد "دامية" شمال المملكة الأردنية حتى جنوب البحر الميت، بهدف القضاء على الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة على بُعد خمسة كيلومتراتٍ من جسر الملك حسين "اللنبي" وفي مناطق أخرى إلى الجنوب من البحر الميت. كما أنه مَثَلَ أول عمليةٍ لجيش الاحتلال على نطاقٍ واسعٍ في ظل رئاسة الإرهابي حاييم بارليف لأركان جيش الاحتلال الصهيوني.
وقتها حشد الكيان الصهيوني قواتٍ كبيرةً مدعمة بجميع أنواع العتاد الحربي بما في ذلك الطائرات العامودية والمروحيات أملاً في أن "يُلقن" الثورة الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتح "درساً رادعاً"، على حَدِ ما ورد آنذاك على ألسنة قادته السياسيين والعسكريين، من خلال "تحقيق نصر سريع ومفاجئ" يستغله في رفع معنويات الصهاينة التي كانت قد تدهورت بل انهارت تحت وطأة عمليات المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي كان قد مضى على بدئها ثلاثة أعوام وبضعة أشهر فقط.
لكن حكمة ووعي الثورة الفلسطينية والجيش الأردني فوتا على كيان العدو الفرصة التي كان يعول عليها، لأن تحركات وحشود جيشه المعتدي كانت في دائرة الرصد والمتابعة، وهو ما سهل مهمة التعامل مع العدوان وفقاً لمتطلبات الحرب الشعبية حسب ما جاء في التقييمات العسكرية الصهيونية والدولية التي صدرت حول "معركة الكرامة" في ما بعد.
فالعدوان الصهيوني الذي لم يكن في حالٍ من الأحوال مفاجئاً للثورة الفلسطينية والجيش الأردني مُني برغم ضخامته من حيث العدد والعتاد بخيبة أمل كبيرة، بعدما اصطدم بمقاومة عنيفة من قِبَل الثوار الفلسطينيين والجنود الأردنيين لم تكن في حسبان جيش الاحتلال وقادته. فنتائج ذلك العدوان لم تأتِ أُكُلَها بالنسبة للكيان الصهيوني لأن "رياحه" لم تسرِ كما اشتهت "سُفن" جيشه المعتدي، باعتراف بعض قادته، ومن بينهم رئيس الأركان الإرهابي حاييم بارليف.
وقد دلل طلب أولئك القادة وقف القتال بعد ساعات قليلة من شروع جيشهم في شن عدوانه الهمجي على الهزيمة المبكرة لهذا الجيش، بعدما مُني بخسائر فادحةٍ في جنوده وعتاده العسكري، وبالأخص في آلياته وطائراته. لكن الثورة الفلسطينية والجيش الأردني وفي ظل نشوة الصمود والتصدي الجبارين، وربما في ظل نشوة النصر المبكر أيضاً، رفضا ذلك الطلب وأصرا على انسحاب كامل لجيش الاحتلال الصهيوني من جميع الأراضي الأردنية التي دنسها بعدوانه السافر قبل الحديث عن أي وقف لإطلاق النار مما أجبره على الاستجابة الفورية لذلك الإصرار.
نعم أُجبر جيش الاحتلال الصهيوني المعتدي على الانسحاب في أجواءٍ من البلبلة والتشتت مخلفاً وراءه جثث قتلاه وجرحاه. وقد تكبد مزيداً من القَتلى أثناء انسحابه بفضل الكمائن التي كان الثوار الفلسطينيون قد نصبوها له قبل وخلال تلك المعركة التاريخية. وفي محاولة يائسة دللت على عجزه وهمجيته وتدني روحه المعنوية المتهالكة والمنهارة، دمر جنوده الجبناء عدداً كبيراً من المنازل وأتلفوا مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي اعترضت طريق انسحابهم المهين، كما وخطفوا 147 مزارعاً أردنياً ادعت حكومة تل أبيب في ما بعد "أنهم من الفدائيين". وقد ارتكب الجنود الصهاينة تلك الأفعال المشينة في سياق مسرحية هزلية مفتعلة لذر الرماد في العيون!!
يُستدل من الوثائق الفلسطينية أن الجيش الصهيوني المعتدي قد بدأ هجومه فجر يوم 21 آذار 1968، وطلبت قيادته وقف إطلاق النار ظهر ذات اليوم، وأجبر الجيش على الانسحاب من الأراضي الأردنية في ساعات مسائه الأولى. انسحب الجيش الباغي وهو يجر وراءه ذيول الخيبة والهزيمة.
وبالاستناد إلى التقارير العسكرية التي تم تداولها بعد "معركة الكرامة"، فإن خسائر جيش العدوان قد بلغت 70 قتيلاً وأكثر من 100 جريح و45 دبابة و25 عربةً مجنزرة و27 آلية مختلفة و5 طائرات. أما الثورة الفلسطينية فقد خسرت 17 شهيداً في حين خسر الجيش الأردني 20 شهيداً و65 جريحاً و10 دبابات و10 آليات مختلفة ومدفعين فقط. وقد أكدت "الموسوعة الفلسطينية" و"مؤسسة الدراسات الفلسطينية" في "الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968" صحة تلك الأرقام.
وهنا أرى أن الأمانة تتطلب الإشارة إلى أن أبرز الأهداف التي حددتها الثورة الفلسطينية كعناوين لصمودها وانتصارها في "معركة الكرامة" الأسطورية تمثلت، برفع المعنويات العربية بما فيها الفلسطينية التي كانت قد انحدرت إلى أدنى مستوى لها بعد نكسة الخامس من حزيران 1967، وتحطيم معنويات العدو الغاشم وإنزال الخسائر الفادحة في صفوفه، وتحقيق الالتحام الثوري مع الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج بحيث تحول الشعب العربي إلى قوة واحدةً منيعةً ومتماسكة، وزيادة التقارب والثقة بين قوات الثورة الفلسطينية بجميع فصائلها من جهة والجيش الأردني البطل من جهة ثانية، وتنمية القوى الثورية داخل صفوف الشعب العربي واختبار ثقة المقاومين بأنفسهم في معارك المواجهة المباشرة والالتحام مع العدو.
وقد كان للثورة الفلسطينية من خلال "معركة الكرامة" ما أرادت، فحققت جميع هذه الأهداف بفعل الصمود والتصدي الواعيين لها، وبنتيجة حالة التقهقر التي أصابت جيش الاحتلال والهزيمة الحقيقية التي أُحدقت به والتي كانت الأولى من نوعها في تاريخه حتى تلك اللحظة.
اعترف المراقبون العسكريون من أقصى العالم إلى أدناه بأن "معركة الكرامة" سجلت نقاطاً ناصعة البياض لصالح العرب عامة والفلسطينيين خاصة دخلت بشرفٍ واعتزازٍ السجل التاريخي للصراع العربي ـ الصهيوني. واعترفوا أيضاً بأنها شكلت تحولاً إيجابياً كبيراً في مسيرة الثورة الفلسطينية بكل فصائلها وبالأخص حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ، باعتبار أنها كانت وستبقى قائدة النضال الفلسطيني. وقد دلل على ذلك إقبال المتطوعين العرب ولا سيما المثقفين وأصحاب الكفاءات العالية على الثورة ، والهبة الجماهيرية العربية التي عبرت عن نفسها خلال دفن الشهداء في العواصم والمدن العربية المختلفة ، والالتفاف الشعبي العربي وحتى الأجنبي حول الثورة وتأييدها ومناصرتها والانخراط في صفوفها كإفرازٍ آلي لنصر الكرامة العربية. كما وإن "معركة الكرامة" من خلال "الصمود" والنصر أعادت للأمة العربية جزءاً كبيراً من كرامتها التي هُدرت في الخامس من حزيران 1967 وأعادت الثقة للقوات المسلحة العربية وثقة الشعب العربي بهذه القوات ، وذلك لأن "الكرامة " كمعركة عسكرية شكلت امتحاناً حقيقياً لتلك القوات بعد نكسة حزيران من خلال مشاركة الجيش الأردني البطل فيها بشكلٍ فاعل.
ويُشار في هذا الصدد إلى أنه إلى جانب الخسائر التي مُني بها جيش الاحتلال الصهيوني الغازي في عتاده وأفراده على غير ما اعتاد عليه في معاركه السابقة مع العرب في القياس الزمني ل"معركة الكرامة"، فقد فشل هذا الجيش في تحقيق الأهداف العسكرية والإستراتيجية التي رسمها لرفع معنويات الصهاينة. وليس من باب المبالغة القول أن "معركة الكرامة" قد ساهمت في رفع وتيرة الخوف والرعب في قلوبهم أكثر بكثير مما كانت عليه من قبل.
أضف إلى ذلك أن الثورة الفلسطينية مدعومة بالجيش الأردني ومؤيدة بالجماهير العربية قد فرضت على جيش الاحتلال الغازي نسقاً جديداً من الاشتباك الالتحامي لم يعتد عليه من قبل، وأسقطت نظرية الحرب الخاطفة والمفاجئة التي درج على شنها ضد العرب منذ نكبة فلسطين عام 1948 والتي عادةً ما كانت تحقق له انتصارات عسكرية ترافقت دائماً مع هزائم سياسية.
وبسقوط وتلاشي بدعة "الجيش الذي لا يُقهر" أمام الثورة الفلسطينية التي لم تكن تملك غير النذر اليسير من الأسلحة الخفيفة والدعم العسكري الأردني في ظل نصر الكرامة المؤزر، بدأت الإرادة العربية تتشكل على أرضية من الكرامة المتعافية لتبعث الأمل مجدداً باحتمال النصر العربي المقبل، الأمر الذي حَفَز َالقيادة المصرية بعد عام واحدٍ فقط من ذلك النصر على استعادة زمام المبادرة وإظهار الرغبة الصادقة والأمينة في تجديد المواجهة مع العدو.
فعلى خلفية نصر الكرامة المبارك، أعلن الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر طيب الله ثراه في الثامن من آذار 1969 بدءَ حرب الاستنزاف ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وكلف الراحل عبد المنعم رياض بقيادة العمليات الفدائية على الجبهة المصرية ـ الصهيونية. لكن رياض استشهد مع نفر من ضباطه وجنوده وهم يقومون بواجبهم القومي في التاسع من آذار من ذلك العام، أي بعد يوم واحد فقط من بدءِ الحرب. وقد أحيا القوميون العرب الذكرى التاسعة والثلاثين لاستشهاد رياض ورفاقه في التاسع من شهر آذار الجاري، في ذات الوقت الذي أحييت فيه الجماهير المصرية ذكرى جميع شهدائها، لأن يوم استشهاد رياض ورفاقه تحول إلى يوم يُستذكر فيه جميع شهداء مصر الأبرار.
رحيل القائد عبد المنعم رياض بتلك السرعة غير المتوقعة شد من عضد وأزر الجيش المصري بقيادة عبد الناصر وزاده إصراراً على مواصلة المواجهة والتحدي في إطار حرب الاستنزاف لتمهيد الطريق أمام النصر المنتظر، ثأراً وانتقاماً لنكسة حزيران وانتصاراً لفلسطين والحقوق العربية العادلة. وبالفعل أضافت "معركة الكرامة" جرعة إضافية من الثقة وشكلت حافزاً رئيسياً لحرب الاستنزاف المصرية ضد قوات الاحتلال الصهيونية، مثلما شكلت حرب الاستنزاف في ما بعد حافزاً بل أرضية عسكرية خصبة لانتصار العرب في حرب تشرين الأول 1973، باعتراف كبار العسكريين العرب والأجانب وباعتراف القادة العسكريين الذين شاركوا في تلك الحرب أو أشرفوا عليها.
أعود وأكرر السؤال من جديد وللمرة الألف: ترى ألا يحتاج العرب وهم في حالة الاحتضار القائمة، وفي ظل تقاعس وتخاذل بل استسلام حكامهم لمشيئة الإرادة الأميركية ـ الصهيونية المشتركة إلى معركة "كرامة"جديدة تستنهض فيهم الهمم وتخرجهم من النفق المُظلم الذي زُجوا فيه بعدما تعذر عليهم تحرير فلسطين والجولان ومزارع شبعا من المغتصبين الصهاينة حتى الآن، وبعدما سقط العراق في قبضة الاحتلال الأميركي الغاشم الذي تتوافق ذكراه الخامسة في هذه الأيام الحزينة، وتصاعدت التهديدات الجدية والخطيرة المحدقة بسوريا ولبنان والسودان والصومال وأقطار عربية أخرى عديدة؟ أليسوا بحاجة إلى ملحمة كرامة أسطورية جديدة تعيد إليهم كرامتهم المُهانة كما فعلت "معركة الكرامة" قبل أربعين عاماً؟ أليسوا بحاجة إلى "معركة كرامة"جديدة تعيد إليهم إرادتهم المسلوبة كما فعلت معركة "الكرامة"؟
آذار 2008
كاتب وباحث مقيم في الدانمرك
kawashmahmoud@hotmail.com
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
**
محمود سعيد كعوش :
مواليد: 29 أيار 1945
مسقط رأسه: بلدة ميرون ـ صفد ـ الجليل الأعلى ـ فلسطين المحتلة.
الوضع العائلي: متزوج وله أربعة أولاد يحملون مؤهلات عليا ويعملون في العواصم الأوروبية. مكان الإقامة السابق: لبنان.
مكان الإقامة الحالي: الدانمارك ـ اسكندنافيا.
حاصل على درجتين جامعيتين في الإدارة والأدب الإنكليزي.
عمل في حقلي التعليم العالي والترجمة، إلى جانب الكتابة الصحفية وإعداد الدراسات والأبحاث.
عمل في العديد من الصحف والمجلات العربية والبريطانية.
عمل مديراً للإذاعة العربية الموجهة للجالية العربية في الدانمارك لمدة خمس سنوات.
له العديد من الكتابات في الفكر القومي العربي، والدراسات والأبحاث في الشؤون الإسلامية والعربية وبالأخص الفلسطينية.
كاتب عامود ثابت ومحلل سياسي في مجلة "البيادر السياسي" التي تصدر في مدينة القدس المحتلة، وكاتب رأي في بعض الصحف العربية والعديد من المواقع الإلكترونية الملتزمة والرصينة.
منكب على إعداد دراسات وأبحاث في الشؤون الأوروبية والعلاقات العربية ـ الأوروبية والعربية ـ الدولية.

السيد برّي واستمارية المخادعة!


لاحظ س. حداد
مرة جديدة يبتكر رئيس حركة أمل، رئيس مجلس النواب اللبناني المعتكف، السيد نبيه برّي ملهاة جديدة يسلّط الأضواء على دوره في مسلسل تعطيل الدولة اللبنانية ونظام الحكم فيها..
أن يستعيض السيد برّي عن دوره كرئيس للسلطة التشريعية ويدعو مجلس النواب إلى جلسات مناقشة، في الأمور المصيرية التي يتعرّض لها البلد تحت شعارات لم تعد نعني سواه، بدور ليس له وأثبت فشله في نتائجه مرتين متتاليتين..

السيد بري، صاحب المبادرات والطروحات، فشل في التزام جميع ما قدّمه من اقتراحات منذ بعلبك وإلى اليوم.. فهو قال بتخليه عن موضوع الحكومة لكنه، بعد فشله في إقناع حلفائه، نجح في أحالته إلى مفوّض عنه هو على يقين من رفضه لهذا التخلي، وهكذا أعاد الجميع إلى نقطة الصفر مستجلباً اللوم بالكامل على ذلك المفوّض المسيحي جداً، وفاتحاً معركةً وهمية بين الأطراف المسيحيين وجاعلاً من نفسه فوق الشبهات.. تصرف ذكي لم ولن يخدع أحداً..

السيد بري الذي، كما يعلم الجميع، اجاز لنفسه إلغاء دور مجلس النواب الدستوري وحقه وقرر منفرداً عدم شرعية الحكومة وعدم ميثاقيتها بعد سحب وزرائه ووزراء حليفه منها؛ أما رفضه فتح مجلس النواب ودعوته في مناقشة الحكومة وسحب الثقة منها كما والبت في الأمور الوطنية بحجة رفض حضور هذه الحكومة، غير الشرعية والميثاقية فهو لثقته بأن الأكثرية النيابية سترفض مجمل طروحات المعارضة التي هو أبرز قياداتها.. وهنا يبرز دوره في تعطيل العمل الدستوري الذي يدعي الحفاظ عليه.. وهذا يثبت مجدداً عدم أهليته لإدارة أي حوار مناقشة إن لم نقل أن من واجبه إما الاستقالة من رئاسة مجلس النواب، إذا كان يعترف فعلاً بالعمل الديمقراطي، أو يجب إقالته لتنازله عن دوره الدستوري في سبيل محافظته على دوره الحزبي في المعارضة..

الشعب اللبناني سئم طروحات السيد بري ووعوده التي ما كانت ولن تكون سوى استدراج الجميع إلى المزيد من إضاعة الوقت لاستكمال مؤامرته الخاصة الرامية إلى إبراز دور حزب الله [ المقاومة الاسلامية ] وتشجيع الجزء الايراني منه، في تعطيل قيام الدولة تمهيداً لضربه وإخراجه من طريقه، وربما انتقاماً منه لتاريخٍ حافل بالصدامات معه، وبالتالي استرجاع موقع الصدارة الذي فقده لدى الطائفة الشيعية.. إنه تصرف باطني يتنافى مع كافة أخلاقيات العمل السياسي لرجل دخل إليها من باب غاب منه سماحة الإمام الصدر ورفض خليفته السيد الحسيني ولوجه.. هذا الرجل الذي، شجّعَ ويشجع حزب الله على الاستمرار في نهجه الهدام، لا يمكن أن ينتج عن سياسته سوى الشر المستطير الذي بشّرَ به!
في رسالة وجهناها إلى فخامة الرئيس المنتخب بتاريخ 12 ديسمبر الماضي، حين ظهرت هناك بوادر حل وانتخاب لهذا الرئيس، طرحنا اقتراح مبادرة إغترابية خاصة تقود إلى حلٍّ وطني متكامل تُبنى على تبني تدريجي لنظام الحياد الايجابي في لبنان، نُشِرَ في الصحافة الاغترابية، نورد فقرة أساسية منه:
(( 1) مدخل.. استعادة الثقة،
ربما كان من الأجدى، بادئ ذي بدء، أن نشير إلى أن أولى متطلبات نجاح هذا المشروع هي تلبية رغبات جميع اللبنانيين في دعوة إلى عقد مؤتمر مصالحة وطنية يتولاها فخامة رئيس البلاد، بصفته أب الجميع وحامي الدستور، والذي له وحده الأفضلية في إدارته وتحويله إلى فعل أيمان بالوطن الذي يبالغ السياسيون في إظهار ولاءَهم له دون غيره من أوطان مهما كانت انتماؤتهم العرقية أوالقومية أو حتى الدينية.. وهذا سيؤدي حتماً إلى ضرورة عقد ميثاق وطني جديد! )).

هكذا نجد أن السيد بري، وبعد أن فقد أو تخلى عن دوره الدستوري، منذ أن باشر دوره الحزبي المعارض، لم يعد من الجائز قبول إدارته أي نوعٍ من أنواع الحوارات أو المناقشات التي اضطر قادة السياسة إلى القبول به أثناء تنازل رئيس الجمهورية السابق عنه منذ أن تولى الحكم ورفضه كافة مبادرات النواب الذين طالبوه بإدارة مؤتمر مصالحة وطنية!

إننا نشجع بل نشكر جميع النواب الذين يرفضون دعوة السيد بري إلى عقد جلسات حوار إلهائية جديدة ويصرّون على دور رئيس الجمهورية الأساسي في عقد وإدارة مثل هذه المؤتمرات الوطنية..

صانك الله لبنان
التيار السيادي اللناني في العالم / نيوزيلندا

ومن أضاع حقا الفرصة الذهبية؟

سعيد علم الدين
تشدق وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم بالقول أن "بمقاطعة لبنان القمة العربية أضاع فرصة ذهبية لبحث أزمته وتعزيز المبادرة العربية للحل، وأضاع فرصة ذهبية أخرى لبحث العلاقات السورية - اللبنانية".
رداً على هذا الكلام السخيف نقول: الحقيقة التي لا غبار عليها أن نظام الوريث بشار الأحمق أضاع فرصة ذهبية في خريف عام 04 عندما أقدم باستكبار وتعجرف وغرور على خطوته المتهورة بفرض التمديد للحود ضد الإرادة اللبنانية والدولية، مما أدى بالتالي بمجلس الأمن الدولي إلى التدخل بإصدار القرار 1559 مطالبا بانسحاب القوات السورية ونظامها الإرهابي المخابراتي من لبنان. وهذا ما تم في ربيع 05. ولو أن بشار الأرعن كان حكيما واستفاد من الفرصة الذهبية التي منحها له مجلس الأمن عبر أكثر من وسيط دولي ومنهم وزير الخارجية الإسباني لكي يتراجع عن فرض التمديد: لما تدخل مجلس الأمن، ولما تم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولما خرجت القوات السورية من لبنان، ولتم انتخاب رئيس للجمهورية يلائم السياسة السورية ويرضى عنه الباب العالي، ولما حدث بالتالي كل هذا الإجرام الدموي الحقير بحق لبنان وأحراره على يد النظام الأرعن ومنذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة والتي جاءت ردا على التدخل الدولي. وأضاع هذا النظام المتعجرف فرصة ذهبية أخرى، لأنه لم يسمح لأدواته وعملائه في لبنان بتسهيل انتخاب العماد ميشال سليمان. لأنه، لو أن الانتخاب تم في الجلسة الأخيرة التي دعا إليها بري، لكانت القمة ناجحة وبمشاركة الجميع ومن ضمنهم الرئيس اللبناني سليمان وكما يجب أن تكون، وليس مشاركة رفع عتب من بعض الزعماء العرب ومقاطعة تاريخية حادة من القادة الكبار ومن لبنان بالذات.
وأشار المعلم وليد أبو البراءة والطيبة والرقة والصفاء الإخاء والمحبة الخانقة للبنان، والوئام العربي المنبطح على وجهه "الى أن الولايات المتحدة سعت الى تفريق الصفّ العربي وشرذمته لأنها تريد أخذه "حبّة حبّة".
وكأنه بكلامه هذا يشير بوضوح إلى اغتيال قادة اللبنانيين ونخبهم المميزة الحرة من الشهيد الزعيم كمال جنبلاط إلى .... إلى الشهيد البطل وسام عيد أي منذ أكثر من ثلاثين عاما على يد نظامه الدموي الأرعن "حبّة حبّة".
وكأنه بكلامه هذا يشير بوضوح إلى قضم لبنان "حبّة حبّة".
وهذا ما يحدث منذ أسابيع وبوتيرة متصاعدة وخطيرة على الحدود الشرقية للبنان بمحاذاة هضاب جبل الشيخ، حيث ينفذ اللواء السوري المعروف بالفيلق العاشر، بقيادة ماهر الأسد، والمنتشر هناك توغلا سافرا يوميا في لبنان وليس الجولان، يقوم خلاله بناء دشم وتحصينات وأبراج مراقبة فوق تلال داخل الاراضي اللبنانية. وهكذا فقد قضمت تلك القوات مساحات واسعة في جبال دير العشاير قدرت بأكثر من 15 ألف دونم في منطقة شعيا والقيشونة وجبل المزار وفي بوابات الحور والسهل الغربي للدير، فضلا عن توغلها في قسم كبير من أراضي حلوى التي تحتلها مع المنظمات الفلسطينية التابعة لها.
وكأنه بكلامه هذا يشير بوضوح إلى ضرب أمن واستقرار وسلامة لبنان وهدم نظامه السياسي وتعطيل برلمانه وافراغ كرسي الرئاسة وتخريبه "حبّة حبّة".
وهكذا تزامنا مع براءة كلماته الذهبية بشرتنا صحيفة "الوطن" السورية، "تخوفها من إمكانية أن تشهد المرحلة الراهنة عملية تخريبية كبيرة، تستهدف زعزعة الاستقرار في لبنان".
يا حرام شو أوادم! القطة بتأكل عشاهم! إنهم يتخوفون على لبنان الشقيق! ولهذا أرسلوا عصابة "فتح الإسلام" وجند الشام وباقي العملاء والأزلام للحفاظ على أمن واستقرار وسلامة لبنان. خبر الصحيفة هو كلمة سر وإيعاز لأدواتهم التخريبية بالتحرك. فعلى الجيش والقوى الأمنية اللبنانية أخذ أقسى درجات الحذر والحيطة واليقظة. ما يدعو للفت النظر هنا كيف أنه ومنذ انطلاق ورشة التحضير للقمة وبإيعاز سوري سكتت الحناجر الصارخة ضد الحكومة، وخرست الأبواق الجارحة ضد قوى 14 آذار، وتبلجمت أفواه التهديد والوعيد النتنة، وراق الجو: للمثرثر حسين الحاج حسن، والمهدد نعيم قاسم، والمتوعد وئام وهاب، وسكنت مغلاية عون الرئاسية، وتقوقع بري في اليونان، أما النائب اللاهي محمد رعد فصار يصلي ويقول "حمى الله لبنان" عجبا وحزبه الذي دمره وما زال يعيث به خرابا وهدما وتدميرا واستباحة، حتى أن حسن نصر الله صاحب المفتوحة والخطابات التصعيدية والنبرات التهديدية، فقد قال بمناسبة اربعين مغنية محاولا استدرار عطف حكومة السنيورة للمشاركة في القمة التالي:"الجميع في لبنان يتطلع الى القمة العربية التي ستنعقد في دمشق في نهاية الشهر الجاري" مؤكدا على ان "ما بعد القمة كما قبلها اذ ليس هناك اي داعي للخوف بما قد يحدث في لبنان". كلامه هذا هو إغراء للحكومة ونداء مبطن للسنيورة لكي يشارك ويصفق لبشار الأسد. كما يصفق له نصر الله شاكرا!
هدوء نبرة العملاء المريبة واستكانتهم المشبوهة هي إدانة لهم ولمحورهم الإيراني السوري بانهم وراء كل اغتيال وانفجار وخراب في لبنان؟ فلننتظر بعد انتهاء القمة كيف سيرتفع صراخهم ويعلو ضجيجهم ويحركوا زعرانهم ضد الآمنين للعبث بأمن واستقرار لبنان.
ومن هنا تأتي مقاطعة حكومة السنيورة، صاحبة القرار الوطني الحر المعبر عن إرادة الشعب اللبناني، لقمة دمشق في محلها. المقاطعة تعني الكثير ولها دلالات سيكون لها تأثير على مجرى الأحداث في لبنان والمنطقة وعلى النظام السوري الأرعن بشكل خاص. هي أولا صفعة بصفعتين وعلى الخدين الأيمن والأيسر لنظام بشار الأسد. الصفعة الأولى أنه تنازل عن عرش بابه العالي ودعا حكومة، هو وإيران وأزلامهما وعملاؤهما وأتباعهما وأبواقهما في لبنان: استقالوا منها لإضعافها، وأغلقوا البرلمان لعرقلة أعمالها، ونصبوا الخيم في وجهها لإسقاطها، وزرعوا الألغام المتفجرة في طريقها كالفتن المبيتة: اغتيال الزيادين، وفتح الاسلام، الاعتداءات المتكررة على مناطق بيروت الآمنة تكسير صور الشهداء، وقطع الطرق وحرق الدواليب والاضرابات والاعتصامات لتفجيرها، ووضعوا كل أنواع العصي في دواليبها لتعطيلها، ويهددونها ويتوعدونها يوميا، ويحاربونها على أنها أمريكية، ويخونونها على أنها منتج إسرائيلي، وعندما عجزوا عن إسقاطها انتقلوا إلى الوسائل الإرهابية البشعة باغتيال وزرائها ونوابها لتفقد أكثريتها وتسقط بالضربة الدموية القاضية. ويعتبرونها علاوة على ذلك غير شرعية وغير ميثاقية وغير دستورية. أي أن بشار بدعوته للحكومة اعترف بها وبتمثيلها كحكومة شرعية وميثاقية ودستورية للشعب اللبناني كافة.
والصفعة الثانية أن الحكومة رفضت دعوته ولم تكترث للفرصة الفارغة التي تحدث عنها المعلم. فمن يعمل على تهديم لبنان وعرقلة انتخاب رئيسه لا يمكن أن يحمل خيرا له أو يقدم فرصة ذهبية لحل مشاكله.ومن هنا فسيتابع المحور الإيراني السوري ممارسته الإجرامية ولعبته الدموية بعد القمة ضد أحرار لبنان وحكومته الشرعية عقابا لهم ولها على إفشال قمته في دمشق. فالحذر ثم الحذر ! .