سالم جبران
لا أقصد بفضيحة إسرائيل بهدلتها المجلجة في حرب لبنان، فهذه نسيها الإسرائيليون إزاء الفضيحة الجديدة، ذات الدوي العالمي، ونقصد أعمال الاغتصاب التي قام بها رئيس الدولة (المواطن رقم واحد) موشيه قصاب المتهم بأعمال تحرش جنسي حاد واغتصاب ضد أحد عشر امرأة،(فقط؟!!) ومع هذا فقد اقترح المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز "حل صفقة" للفضيحة يُحاكََم، بموجبها قصّاب بحكم أقصاه "السجن مع وقف التنفيذ" ودفع خمسين ألف شاقل (ليرة إسرائيلية) للسيدات اللواتي تضررن منه!!!
منذ سنة، ودولة إسرائيل مشغولة بفضيحة قصاب أكثر مما هي مشغولة ب"الخطر الايراني". الدولة وقفت ذاهلة. هذا المهاجر من ايران الذي جاء إلى إسرائيل،فقيراً، بسيطاً، متواضعاً، تسلق في الليكود إلى أن صار عضواً في الهيئة السياسية (المكتب السياسي) وصار وزيراً، وفي مرحلة معينة، اعتقد كثيرون أنه قد يصير رئيساً لليكود ومرشحاً لرئاسة الحكومة!
ولكن اليمين قام بلعبة بهلوانية ذكية، إذ رشحه لرئاسة الدولة، وتنافس على المنصب مع شمعون بيرس "الزعيم التاريخي" لحزب العمل.
استخفت الصحافة بقصاب، وقالت إنه مثل الأرنب الذي يصارع نمراً شرساً. ولكن قصاب بحربائية ذكية جداً، اتصل بأعضاء الكنيست، ومع الشرقيين قال إنه شرقي (وضحك على بعض أعضاء الكنيست العرب أيضاً!!)، ومع الأحزاب المتعاطفة مع الفقراء قال إنه من أصل فقير، ومع المتدينين قال إنه "متدين" بينما زعيم الليكود بنيامين نتنياهو جنَّد له الأحزاب اليمينية المتطرفة. وكان انتصار موشيه قصاب على شمعون بيرس بمثابة "هزة أرضية سياسية"، بكل المقاييس.
أحد الصحفيين العبريين الظريفين رسم لوحة كاريكاتورية لقصاب، وهو يقف أمام المرآة ويقول لنفسه: ها أنت قد انتصرت على شمعون بيرس. أنت المواطن رقم واحد، أنت رئيس الدولة، أنت الأول بين كل شعب إسرائيل، أي أنك مختار الشعب المختار!! ماذا تريد بعد؟ أطلب، وكل طلباتك تلبى!!
السيد موشيه قصاب، حسب الاتهامات على الأقل، قرر أنه يريد أن ينعم بطيبات الدنيا، أن يُلبي غرائزه الجنسية الجوعى.
وقد "بدأ" مع الموظفات في بيت الرئاسة. ما لم يتم بالإقناع تم بالضغط والابتزاز والإرهاب. إحدى ضحاياه قالت في التلفزيون الإسرائيلي: "موشيه قصاب مغتصب، موشيه قصاب جانح جنسياً، موشيه قصاب حيوان مفترس، موشيه قصاب مريض نفسياً"!! إن مجمل الروايات التي نشرتها الصحف العبرية حول موشيه قصاب تحتاج إلى عالم نفس خلاّق لتحليل تحول سياسي نشيط طامح للتقدم إلى مغتصب محترف. ولعل كل روايات قصاب تحتاج إلى كاتب روايات بوليسية يكتب رواية حول "مغامرات العم قصاب، أسد الغاب"
بالإضافة إلى إثارة الناس جميعاً من قصص قصاب فإن الأمر المذهل حقاً، هو: كيف يقترح المستشار القضائي للحكومة" صفقة" مع قصاب يُحْكم بموجبها ""بالسجن مع وقف التنفيذ" ودفع خمسين ألف شاقلاً غرامة؟ على جرائم أصغر من هذه ألف مرة، يذهب الجاني إلى السجن سنين طويلة. هناك مَن يقول: لا يجوز إرسال رئيس الدولة إلى السجن، هذه فضيحة عالمية.وهناك مَن قال : إن إسقاطه من علياء رئاسة الدولة إلى البيت ذليلاً مهاناً منبوذاً، يكفي. ولكن هناك خبراء قضائيون وهناك نساء باسلات قادة حركات نسائية، يطالبن بمحاكمة قصاب بالشكل الذي يستحقه، ولا يجوز التعامل مع رئيس الدولة بتسامح، لأنه رئيس دولة، خصوصاً، بعد كل هذه الجرائم التي هو متهم بها.
يوم الجمعة (29/6/2007)، اليوم التالي لاتفاق "الصفقة" بين المستشار القضائي للحكومة مزوز وبين محامي رئيس الدولة موشيه قصاب، نشرت "يديعوت أحرونوت" نتائج استفتاء بين الناس حول موقفهم من الصفقة.
73 بالمائة من الناس المشاركين في الاستفتاء قالوا إن الصفقة "غير عادلة" وبعضهم قال: "مشينة"، وقال 63 بالمائة إنهم يصدقون السيدات اللواتي اشتكين ضد قصاب، وقال 75 بالمائة إن الصفقة هي "تشجيع على الاغتصاب" ويبدو أن ضحايا قصاب لن يسكتن وسوف يقمن باستئناف إلى محكمة العدل العليا. وهناك خبراء قانونيون كبار قالوا إن مزوز "يجب أن يستقيل"، فقد انهارت الثقة به بعد هذه "الصفقة المشينة".
إن المجتمع الإسرائيلي هو إلى حد كبير "مجتمع غربي"، وهناك سياسيون وغير سياسيين يمارسون العلاقات الجنسية "خارج الزواج" بشرط موافقة الطرفين. وهناك نكتة قديمة جداً عن موشيه ديان أنه لا يصح أن تسأل: مع أي النساء له علاقات بل الأصح أن تسأل: مع أي النساء ليست له علاقات، وتقريباً، لا توجد جندية في جيش الدفاع لم يستمتع دايان بخيراتها أو لم تستمتع هي بخيراته! كل هذا ممكن، طالما أنه بموافقة "الطرفين". ولكن الحركات النسوية نجحت في تشريع قوانين هامة جداً ضد الإكراه الجنسي والاغتصاب والابتزاز، خصوصاً عندما يستغل الرجل منصبه العالي ليتعامل جنسياً مع موظفة تحت إمرته، كما هي الحال مع موشيه قصاب.
كان هناك مَن كتب هذا الأسبوع تعليقاً على هذه الزوبعة-الفضيحة: الفساد المالي والرشوات في ازدياد مذهل، والصفقات القذرة وغير القانونية تزداد، فما الغرابة إذا ظن أصحاب الجاه والسطوة وأصحاب المال أن الجنس بضاعة، ومَن معه المال يحق له أن "يشتري"!!
كما تلاحظون، فأن فضائح "الكبار" في إسرائيل هي حديث الإذاعة والتلفزيون والصحف تطبع طبعات خاصة لتنشر أخبار هذه الفضائح. في الستينات والسبعينات كان السياسي إذا ضُبِط متهماً بفضيحة مالية يقدم على الانتحار. أما الآن فلا شيء يستحق الانتحار، الفضيحة المالية والفضيحة الأخلاقية والاغتصاب، واستغلال المنصب العالي للكسب غير المشروع وللعلاقات الجنسية-كل ذلك أمور عادية! إن المعايير الأخلاقية كلها تنهار والأقوياء أشبه ما يكونون بالحيوانات المفترسة الشرسة، يصارعون بلا خجل، قانونياً، للتخلص من العقاب!
أذكركم بأنني اخترت لهذا المقال العنوان: "فضيحة إسرائيل-كبيرة. وفضيحة العرب- أكبر". قد تسألون: وما علاقة العرب هنا؟ وأنا، كعربي، أجيبكم وبألم: في إسرائيل يعاقَب السارق، ويعاقب المرتشي، ويعاقب المتحرش جنسياً، ويعاقب المغتصب. وسؤالي هو: كم من الجرائم والسرقات والرشوات وأعمال الاغتصاب في العالم العربي لا يعرف بها الناس، ولا تجرؤ الضحايا على الشكاوى؟! أكاد أقول، بقلب ينزف دماً: إن شعوبنا العربية كلها مهانة ومغتصبة، ومع أن أم كلثوم تغني"للصبر حدود" ففي حقيقة الأمر ليست للصبر حدود، في عالمنا العربي، والنخب الحاكمة التي تغتصب شعوبنا المقهورة التعيسة، هي نفسها تُغْتَصب من الدول الاستعمارية ولا تئن ولا تحتج، وربما تصلي بعد كل اغتصاب لكي يوفق العالي القدير بوش وعصابته التي تغتصبنا شعوباً وحكومات وملوكاً ورؤساء!!.
salim_jubran@yahoo.com
لا أقصد بفضيحة إسرائيل بهدلتها المجلجة في حرب لبنان، فهذه نسيها الإسرائيليون إزاء الفضيحة الجديدة، ذات الدوي العالمي، ونقصد أعمال الاغتصاب التي قام بها رئيس الدولة (المواطن رقم واحد) موشيه قصاب المتهم بأعمال تحرش جنسي حاد واغتصاب ضد أحد عشر امرأة،(فقط؟!!) ومع هذا فقد اقترح المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز "حل صفقة" للفضيحة يُحاكََم، بموجبها قصّاب بحكم أقصاه "السجن مع وقف التنفيذ" ودفع خمسين ألف شاقل (ليرة إسرائيلية) للسيدات اللواتي تضررن منه!!!
منذ سنة، ودولة إسرائيل مشغولة بفضيحة قصاب أكثر مما هي مشغولة ب"الخطر الايراني". الدولة وقفت ذاهلة. هذا المهاجر من ايران الذي جاء إلى إسرائيل،فقيراً، بسيطاً، متواضعاً، تسلق في الليكود إلى أن صار عضواً في الهيئة السياسية (المكتب السياسي) وصار وزيراً، وفي مرحلة معينة، اعتقد كثيرون أنه قد يصير رئيساً لليكود ومرشحاً لرئاسة الحكومة!
ولكن اليمين قام بلعبة بهلوانية ذكية، إذ رشحه لرئاسة الدولة، وتنافس على المنصب مع شمعون بيرس "الزعيم التاريخي" لحزب العمل.
استخفت الصحافة بقصاب، وقالت إنه مثل الأرنب الذي يصارع نمراً شرساً. ولكن قصاب بحربائية ذكية جداً، اتصل بأعضاء الكنيست، ومع الشرقيين قال إنه شرقي (وضحك على بعض أعضاء الكنيست العرب أيضاً!!)، ومع الأحزاب المتعاطفة مع الفقراء قال إنه من أصل فقير، ومع المتدينين قال إنه "متدين" بينما زعيم الليكود بنيامين نتنياهو جنَّد له الأحزاب اليمينية المتطرفة. وكان انتصار موشيه قصاب على شمعون بيرس بمثابة "هزة أرضية سياسية"، بكل المقاييس.
أحد الصحفيين العبريين الظريفين رسم لوحة كاريكاتورية لقصاب، وهو يقف أمام المرآة ويقول لنفسه: ها أنت قد انتصرت على شمعون بيرس. أنت المواطن رقم واحد، أنت رئيس الدولة، أنت الأول بين كل شعب إسرائيل، أي أنك مختار الشعب المختار!! ماذا تريد بعد؟ أطلب، وكل طلباتك تلبى!!
السيد موشيه قصاب، حسب الاتهامات على الأقل، قرر أنه يريد أن ينعم بطيبات الدنيا، أن يُلبي غرائزه الجنسية الجوعى.
وقد "بدأ" مع الموظفات في بيت الرئاسة. ما لم يتم بالإقناع تم بالضغط والابتزاز والإرهاب. إحدى ضحاياه قالت في التلفزيون الإسرائيلي: "موشيه قصاب مغتصب، موشيه قصاب جانح جنسياً، موشيه قصاب حيوان مفترس، موشيه قصاب مريض نفسياً"!! إن مجمل الروايات التي نشرتها الصحف العبرية حول موشيه قصاب تحتاج إلى عالم نفس خلاّق لتحليل تحول سياسي نشيط طامح للتقدم إلى مغتصب محترف. ولعل كل روايات قصاب تحتاج إلى كاتب روايات بوليسية يكتب رواية حول "مغامرات العم قصاب، أسد الغاب"
بالإضافة إلى إثارة الناس جميعاً من قصص قصاب فإن الأمر المذهل حقاً، هو: كيف يقترح المستشار القضائي للحكومة" صفقة" مع قصاب يُحْكم بموجبها ""بالسجن مع وقف التنفيذ" ودفع خمسين ألف شاقلاً غرامة؟ على جرائم أصغر من هذه ألف مرة، يذهب الجاني إلى السجن سنين طويلة. هناك مَن يقول: لا يجوز إرسال رئيس الدولة إلى السجن، هذه فضيحة عالمية.وهناك مَن قال : إن إسقاطه من علياء رئاسة الدولة إلى البيت ذليلاً مهاناً منبوذاً، يكفي. ولكن هناك خبراء قضائيون وهناك نساء باسلات قادة حركات نسائية، يطالبن بمحاكمة قصاب بالشكل الذي يستحقه، ولا يجوز التعامل مع رئيس الدولة بتسامح، لأنه رئيس دولة، خصوصاً، بعد كل هذه الجرائم التي هو متهم بها.
يوم الجمعة (29/6/2007)، اليوم التالي لاتفاق "الصفقة" بين المستشار القضائي للحكومة مزوز وبين محامي رئيس الدولة موشيه قصاب، نشرت "يديعوت أحرونوت" نتائج استفتاء بين الناس حول موقفهم من الصفقة.
73 بالمائة من الناس المشاركين في الاستفتاء قالوا إن الصفقة "غير عادلة" وبعضهم قال: "مشينة"، وقال 63 بالمائة إنهم يصدقون السيدات اللواتي اشتكين ضد قصاب، وقال 75 بالمائة إن الصفقة هي "تشجيع على الاغتصاب" ويبدو أن ضحايا قصاب لن يسكتن وسوف يقمن باستئناف إلى محكمة العدل العليا. وهناك خبراء قانونيون كبار قالوا إن مزوز "يجب أن يستقيل"، فقد انهارت الثقة به بعد هذه "الصفقة المشينة".
إن المجتمع الإسرائيلي هو إلى حد كبير "مجتمع غربي"، وهناك سياسيون وغير سياسيين يمارسون العلاقات الجنسية "خارج الزواج" بشرط موافقة الطرفين. وهناك نكتة قديمة جداً عن موشيه ديان أنه لا يصح أن تسأل: مع أي النساء له علاقات بل الأصح أن تسأل: مع أي النساء ليست له علاقات، وتقريباً، لا توجد جندية في جيش الدفاع لم يستمتع دايان بخيراتها أو لم تستمتع هي بخيراته! كل هذا ممكن، طالما أنه بموافقة "الطرفين". ولكن الحركات النسوية نجحت في تشريع قوانين هامة جداً ضد الإكراه الجنسي والاغتصاب والابتزاز، خصوصاً عندما يستغل الرجل منصبه العالي ليتعامل جنسياً مع موظفة تحت إمرته، كما هي الحال مع موشيه قصاب.
كان هناك مَن كتب هذا الأسبوع تعليقاً على هذه الزوبعة-الفضيحة: الفساد المالي والرشوات في ازدياد مذهل، والصفقات القذرة وغير القانونية تزداد، فما الغرابة إذا ظن أصحاب الجاه والسطوة وأصحاب المال أن الجنس بضاعة، ومَن معه المال يحق له أن "يشتري"!!
كما تلاحظون، فأن فضائح "الكبار" في إسرائيل هي حديث الإذاعة والتلفزيون والصحف تطبع طبعات خاصة لتنشر أخبار هذه الفضائح. في الستينات والسبعينات كان السياسي إذا ضُبِط متهماً بفضيحة مالية يقدم على الانتحار. أما الآن فلا شيء يستحق الانتحار، الفضيحة المالية والفضيحة الأخلاقية والاغتصاب، واستغلال المنصب العالي للكسب غير المشروع وللعلاقات الجنسية-كل ذلك أمور عادية! إن المعايير الأخلاقية كلها تنهار والأقوياء أشبه ما يكونون بالحيوانات المفترسة الشرسة، يصارعون بلا خجل، قانونياً، للتخلص من العقاب!
أذكركم بأنني اخترت لهذا المقال العنوان: "فضيحة إسرائيل-كبيرة. وفضيحة العرب- أكبر". قد تسألون: وما علاقة العرب هنا؟ وأنا، كعربي، أجيبكم وبألم: في إسرائيل يعاقَب السارق، ويعاقب المرتشي، ويعاقب المتحرش جنسياً، ويعاقب المغتصب. وسؤالي هو: كم من الجرائم والسرقات والرشوات وأعمال الاغتصاب في العالم العربي لا يعرف بها الناس، ولا تجرؤ الضحايا على الشكاوى؟! أكاد أقول، بقلب ينزف دماً: إن شعوبنا العربية كلها مهانة ومغتصبة، ومع أن أم كلثوم تغني"للصبر حدود" ففي حقيقة الأمر ليست للصبر حدود، في عالمنا العربي، والنخب الحاكمة التي تغتصب شعوبنا المقهورة التعيسة، هي نفسها تُغْتَصب من الدول الاستعمارية ولا تئن ولا تحتج، وربما تصلي بعد كل اغتصاب لكي يوفق العالي القدير بوش وعصابته التي تغتصبنا شعوباً وحكومات وملوكاً ورؤساء!!.
salim_jubran@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق