شطارة أم نذالة

يوسف فضل

"إننا نعتمد على القوانين أكثر مما يجب وعلى الإنسان اقل ما يجب " دزرائيلي

سأبدأ بالخبر الجيد وهو أن صديقي حازم وبعد عناء مدة أربع سنوات من المواظبة على الحضور المستمر كطالب مدرسة مجتهد لجلسات القضاء في المحكمة الشرعية صدر الحكم لصالحة باسترداد المبلغ من خصمه ، فقط مائة ألف دولار لا غير . فحمد الله كثيرا أن قضيته لم تكن حول قطعة ارض لأصبحت دعواه بند من بنود وصيته يورثها لا بناءه لمتابعتها وربما بدورهم يورثونها لأحفادهم .

وسبب إطالة الفترة لإصدار الحكم أن هذا الشهر لم يحضر المدعى عليه والذي يليه كذلك أو أن القاضي لم يحضر الجلسة لأنه كان مدعوا إلى حفلة زواج أو أن المدعى عليه حضر ولم يحضر محامية أو أن محامي المدعي لم يحضر فتؤجل القضية للشهر التالي أو أن القاضي أكتشف أن أوراق الدعوى ينقصها مهر الختم أو ببساطة أن القاضي زهق في ذاك اليوم فاجل القضية وما أكثر الأعذار القانونية للتأجيل . جنبنا الله وإياكم المحاكم المدنية والعسكرية .

أما الخبر السيئ وهو مكمل للخبر الجيد أن فرحة الصديق لم تكتمل لان محامي الخصم اتصل به وغمز له من طرف وقح ظاهرا فيه المكابرة بالإثم قائلا له :" سوف أعمل على تأخير دفع المبلغ بحجة إعداد الشيك وهذا يأخذ فترة أربعة شهور ثم أطلب من القاضي أن يقسط المبلغ على دفعات شهرية لعدم قدرة موكلي على السداد ويمكن أن نقسط المبلغ على فترة تطول عشرة سنوات ".

لم يأخذ صديقي بنوع المحادثة التي يقدمها محامي الخصم طالما أن الهدف منها هو حصول هذا الوغد على المال . انغمس الصديق في حالة من الذهول والتبلد وتخيل وهو يستلم المبلغ بعد عشر سنوات بحيث تكون القيمة الشرائية للمبلغ قد انخفضت فضلا عن إلحاق الضرر به فيما لو فكر باستثمار هذا المبلغ . وهو لم يحسب الخسارة التي لحقت به جراء تجميد المبلغ طوال فترة التقاضي فكيف يستثمر هذا المبلغ وهو سيستلمه كل شهر قسط وبالقطارة هذا إذا انضبط المدعى عليه في التسديد كل شهر .

رد صديقي على محامي الخصم متهكما : "أنت ترسم لي صورة مفرحة فما هو الحل للمحافظة على هذه الصورة ؟" ابتسم المحامي وبدون خجل أو احترام للذات طلبا :" أن تدفع لي مبلغ 5% من قيمة المبلغ وأنا سأقنع موكلي بان يدفع المبلغ غدا نقدا في ا لمحكمة . هو يسلمك المبلغ أمام القاضي وأنت تسلمني نسبتي من وراء القاضي " . حدث صديقي نفسه بان هذا المحامي الوغد أصبح يخصه وهو يكشف عن ذكائه بأفضل طريقة مهنية مهينة عن طريق عدم المحافظة على النزاهة الشخصية .

لم يبق أمام الصديق من خيار غير الابتعاد عن الشفقة على نفسه والقفز بمظلة ال 5% لان تقليل الخسارة مكسب في عالم المال . سمعت من يقول أن هذه حالة عادية ولا تعمم على كافة المحامين .وهذا صحيح لان أي مهنة لا تحط من قدر صاحبها بل صاحب المهنة هو من يحط من قدرها لكن هل نحتاج في حياتنا اليومية أن نثبت دائما نزف القيم الأخلاقية الحسنة بالبحث عن نقيضها .

مهما تكن أخلاق الأفراد فإنها تظهر في النظام السائد الذي يكرر الأعمال الصغيرة في الأمة . فإذا صلح الأفراد صلح النظام .

editor@grenc.com
nfys001@yahoo.com